قبل عشرين عاماً تقريباً، كنت أقف وصديقي على شرفة نقابة المهندسين وسط رام الله نتفرّج بنشوة على الفدائيين المسلحين وهم يهبطون على قلوب الناس من مركبة فضائية اسمها (أوسلو)، كنا نبكي فرحاً بصمت من دون أن ننبس بأية دمعة، فهي المرة الأولى التي نرى فيها فدائياً فلسطينياً يتجول مسلحاً بحريّة في مدينة فلسطينية وسط آلاف الناس المذهولين المتحمّسين والباكين.
ما زلت أتذكر وجه الفدائي العشريني الأول الذي دخل رام الله، كانت عيناه مليئتين بالدموع وهو يعانق كل شخص يراه في طريقه، وحين عانق الشجرة أمامه، أُغمي عليه تأثّراً على الأيادي الأربع التي كانت تتكئ على حديد الشرفة، وكان من السهل رؤية أربع أيادٍ متدلية كقتلى هادئين في ظهيرة رام الله السعيدة.
الآن، تماماً الآن، أقف على شرفة النقابة ذاتها. أبكي وحدي بصوت واضح وبدموع صريحة ومن دون صديقي، الذي ذهب بعيداً. كنت أتفرج على الفدائي ذاته وقد صار أربعينياً وهو يبيع الذرة المنفرطة، بوجه متعرّق ويدين متهدّلتين، وظهرٍ مقوس ومن دون بندقية طبعاً. أهبط الآن درج النقابة، أخرج إلى الشارع، أقترب من الفدائي القديم، أطلب علبة ذرة، يمدّ الفدائي القديم لي يده وهي تحمل العلبة، أهمّ برفع يديّ لأخذ العلبة، أفاجأ بأني بلا يدين، أشعر بالفزع، أصرخ، أسقط على الأرض، يتكوّم الناس حولي، مذهولين، ولا أدري كيف أنظر إلى الشرفة لأفاجأ بيديّ الاثنتين المفقودتين متدليتين على الشرفة تنزفان ذرة.
من صفحة زياد خداش (فايسبوك)