في سلميّة يقول لك "أبو ياسين" البسكليتاتي: "بين ما صلحت الدولاب، اسماع هالقصيدة" وإذا سمعتَ قصيدةً أخرى لا يأخذُ منكَ أجرة التصليح.. وعلى بعد مئة متر تقريباً وقبل أن يُحضّر لك حسن الهبيط سندويشتك يقول مازحاً: "تريدها على البحر الوافر أم الكامل؟". إن قلتَ له: الكامل.. دَعَمَهَا بكل الخضار والمخلل والتوابل، وإن قلت: "الوافر.. فأنت لا تحبّ "الحدّ".. ثم يسمعك آخر قصائده على الوزن نفسه، في جعبته قصائد بعدد أقراصِ الفلافل التي صنعتها يداه.
في سلمية عندما سُرقتْ دراجة "منذر الشيحاوي" لم يبلّغ الشرطة عنها، بل كتب قصيدة (بين الزقاقِ وأسفل الدرجِ.. درّاجتي سُرقتْ بلا حرجِ)، وعندما كان "جلال مقصود" يُنهي عمله على مكبس البلوك مبتهجاً يقول: "اليوم اشتغلت ثلاثة أكياس شمينتو (اسمنت) وقصة قصيرة".. في إحدى المرات مرّ من دون أن يلقي التحية علينا، علمنا بعدها أنه ربح جائزة في إحدى المسابقات الأدبية بقيمة ستمئة ليرة على ما أذكر.
وعلى ما أذكر أيضاً فإن التهم التي اعتقل ثم قُتل بسببها خالد القصير ظلماً كانت عديدة، إحدى الروايات تقول إنه متَهمٌ برسم لوحة مارقة. وقبل التفجير الذي قتل فيه محمد الجرعتلي بأيام قليلة كان يحرق سرير ابنته لدرء البرد عن النازحين الذين استضافهم في بيته من الرستن وقمحانة، ثم يعزف لهم أغنيته "أرواحهن بتظلّ".
وقبل أن يفتك السرطان ببشار عيسى كان يرسل لي عبر هاتفه الخليوي مع كل جرعة كيماوي من مشفى البيروني مقطعاً من قصيدة "في ولادتي التالية.. سأضيف إلى مَهْديْ.. نكهة امرأة لا ولاءَ لها سوى.. قداسة آلامي". وبعد أن استسلم النخاعُ الشوكيّ لنصفِ شللٍ في جسد "صدر ديب" أخرج مسرحية "خارج السرب" و "الليلة التي قضاها ثورو في السجن"، وباع بينهما أطناناً من الفريز والتفاح والعنب ولا معقول بيكت.
في سلميّة تسجلُ هدفاً في مرمى ماهر القطريب فيهجيك ببيت من الشعر، وعندما يعانق رامي الجندي حبيبته يُرَبّتُ على ظهرها إيقاعاً كوبيّـاً، وعندما تشرب الشاي عند نزيه عيسى أبو الطيب، يستحضر لك في مشغل الأعواد فيروز والرحابنة على الفور، ويقاطعك في كل جملة تقولها لينسج على إحدى كلماتك بيت عتابا، فتخرج من عنده من دون أن تعلم أيَ شيءٍ أدمنت بالضبط.
سلمية.. أن تكون طفلاً ويركض وراءك سامي الجندي ليضربك بعكازه، فقط لأنك تجرأت وقلت له: لقد كتبتُ مسرحية.. أن تطرق باب مصطفى رستم الذي قضى 23 عاماً في المعتقل ليحدثك عن المستقبل.
سلمية.. السيدة نعمت عيشة التي أوصت قبل وفاتها أن يكون العزاء مختلطاً في بيت شَعر واحد، ونفذوا وصيتها..
سلمية.. محمد القصير الذي أعطاني في الصف الأول رواية لسومرست موم كي أجد سبباً لأسهر معه.. وإلى هذه اللحظة لم أنَم.
من صفحة Abdallah Alqaseer على فايسبوك