عن ذاك الحي

استبدلنا الأحياء التي نقطنها بأخرى تركية ولبنانية وأردنية. لا شيء يعوّض ذاك المكان الذي ولدنا وترعرعنا فيه. من الصعب جداً أن تحل مدينة تركية محاذية لمدينتنا السورية وتأخذ مكانها، حتى مع هذه الظروف القاسية، يبقى لشوارع وحارات بلدنا عتقها الذي يميزها، قططها وناسها وعالمها وضجيجها وصخبها. حتّى الكره الذي تكنّه للبائع الجوّال الذي ينادي على رزقه بشكل مزعج، يختلف كثيراً عن حالة مشابهة تحدث في
2014-11-26

شارك

استبدلنا الأحياء التي نقطنها بأخرى تركية ولبنانية وأردنية. لا شيء يعوّض ذاك المكان الذي ولدنا وترعرعنا فيه. من الصعب جداً أن تحل مدينة تركية محاذية لمدينتنا السورية وتأخذ مكانها، حتى مع هذه الظروف القاسية، يبقى لشوارع وحارات بلدنا عتقها الذي يميزها، قططها وناسها وعالمها وضجيجها وصخبها. حتّى الكره الذي تكنّه للبائع الجوّال الذي ينادي على رزقه بشكل مزعج، يختلف كثيراً عن حالة مشابهة تحدث في تركيا.
أنت غريب هنا، قلة هم من يتحسسون وجودك في حال حدث لك مكروه. ليس لك أهلٌ وناس ممّن تعودت أن تستمع لحكاياهم. قد يبعثون إليك برسالة على هاتفك، تنقل معها قليلاً من الطمأنينة بأن هنالك مرحا على الرغم من الموت الذي قد يصيب في أي لحظة. سألني صديق، كيف هي الغربة؟ لم يكن عندي جواب شافٍ فأنا نفسي ما زلت أتعلم. أتعلم أن المودة والإخلاص مع الناس هما ما يمكن أن يربطهم بعضهم بالبعض الآخر. ها أنا أتعلم أن الغربة نفسها تعلّم الإنسان أن يبني نفسه، أن يحتاج، وأن يشعر بالعجز وبقساوة الظروف وبالحاجة التي لم يكن له أن يشعر بها في ظروف أخرى، أن يتعلم أن يبني نفسه لترويض وحش غربته الذي يصارعه كل يوم.

من مدونة "بشر السورية"