مبادرة Nakba Files ("ملفات النكبة") تسعى الى إظهار التنظيم والقوننة اللتان تجعلان من النكبة حدثاً لم ينته مع تأسيس دولة إسرائيل، بل هو فعل مستمر. المشروع تحقق بالتعاون بين "عدالة - المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل" و"مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا"، وأصبح له منذ 2016 منصّة تدوين تستقطب باستمرار كتابات حقوقيين وباحثين يتناولون التدابير المختلفة التي تخص النكبة في القوانين الإسرائيلية. تتحدث أستاذة القانون في جامعة كولومبيا كاثرين فرانكي في تدوينتها (التي جاءت بمناسبة انطلاق المبادرة) عن الحاجة إلى تأسيس فرع بحثي تقترح له اسم "دراسات النكبة".
التبويب الأبرز على المدونة هو Nakba Casebook ("كتيب النكبة") الذي يضمّ مجموعة موادٍّ قانونية إسرائيلية، الكثير منها مترجم إلى الإنجليزية للمرة الأولى. وبحسب المذكور في تقديمها، فهي "تشكّل البناء المعماري القانوني للنكبة كما تكشفت مع الوقت". وهي مقسّمة الى أربع أقسام. الأوّل يتناول القوانين المتعلقة بالمواطنة والجنسية، ونجد فيه مثلاً "قانون العودة" الذي يتيح لأي يهودي في العالم الانتقال إلى إسرائيل والحصول على الجنسية تلقائياً، ونجد أيضاً محضر قضيّة هامة رفضت فيها المحكمة الإسرائيلية العليا عام 1970 طلب مهاجر من يوغوسلافيا يدعى "جيوراج طمرين" أن يوضع في خانة القومية على هويته "إسرائيلية" بدل "يهودية"، وفي هذا تكريس لربط القومية بالدين في "الوطن القومي لليهود" الذي تعهد بلفور بإقامته. وهذا القرار جاء بعد قانون يمنع إعطاء "القومية اليهودية" لمن هم غير يهود! القسم الثاني خاص بالقوانين المتعلقة بالأرض الذي نجد فيه قانون "أملاك الغائبين" المستخدم للاستحواذ على أراضي الفلسطينيين باعتبارها "متروكة" عام 1948، وفيه قانون "شراء الأراضي" الذي يتيح الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين بقوا داخل إسرائيل (أهالي النقب مثلاً وأهالي الجليل خصوصاً). وهناك أيضاً "الأمر العسكري 58" الصادر عام 1967، وهو يعطي إسرائيل صلاحية مصادرة أملاك خاصة في الضفة الغربية بغياب أصحابها. أمّا القسم الثالث فهو متعلق بـ"التنظيم الإيديولوجي والمشاركة الحزبية" الذي يضمّ أحكاماً تمنع أحزاباً عربية كـ"حركة الأرض" و"التجمع الوطني الديمقراطي" من المشاركة في انتخابات الكنيست وذلك على خلفية برامجها. القسم الرابع خاص بقوانين "الحكم غير المباشر" الذي نجد فيه الآن تفسير قرار صادر عن المحكمة الدستورية الفلسطينية يشرح صلاحية رئيس السلطة الفلسطينية برفع الحصانة عن أحد أعضاء المجلس التشريعي (بعد رفعه الحصانة عن محمد دحلان) ونشر هذا القرار هنا يأتي في سياق كتابات الباحث المشارك في الملفات، "إميليو دابد" التي يشرح فيها استخدام السلطة الفلسطينية للقانون في تحويلها للنضال من صراع تحرر وصراع من أجل تثبيت حق العودة إلى صراعٍ من أجل الحصول على دولة وبالتالي اعتبار النكبة أمراً انتهى.
الوصول إلى المقالات التحليلية على المدونة ممكن عبر طريقتين. فإما الضغط على تبويب "الكتّاب" وامّا الذهاب إلى التصنيف المعتمد في المدونات حسب شهر النشر. وهناك أيضاً محرّك البحث الفعّال جدّاً والذي يمكن من خلاله أن نصل مثلاً إلى ملفّ عن الأرشيف الإسرائيلي نُشر بعد بدء الحديث عن نيّة حجب أرشيفات الدولة الإسرائيلية عن الباحثين، ونجد فيه ثلاثة مقالات: الأول لـحنين نعامنة تتحدث فيه عن أهمية الإطّلاع على هذه الأرشيفات لفهم البناء القانوني للنكبة ومحاولة تأسيس أرشيف مضادّ، والثاني لشيرا روبنسون تتحدث فيه عن استفادتها من الاطلاع على الأرشيفات في كتاباتها وتجربتها مع القائمين عليها، الذين سمحوا لها الاطلاع على ما تشاء في البداية على اعتبارها يهودية أميركية، ثمّ راحوا بعد فترة يسألونها عن النصوص العربية ومدى تهديدها للأمن القومي، قبل أن يصل الأمر إلى حجب بعض الوثائق. امّا المقال الثالث فتصف كاتبته المؤرخة مزنا كاتو جزءاً كبيراً من الأرشيف الإسرائيلي بأنها "غنيمة حرب" ويجب على الدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلامٍ مع إسرائيل المطالبة باستعادتها.
على المدونة أيضاً مقالاتٌ هامّة بذاتها أوّلاً ولتوضيح أهمية هذه الملفات، من قبيل مقال سهاد بشارة، الباحثة والقانونية في "عدالة"، الذي يحمل عنوان "من يملك حقّ سرقة الأرض الفلسطينية؟" ويتحدث عن نزاعٍ بين الدولة الإسرائيلية والمستوطنين على مَن مِن بينهما يستطيع وضع يده على أراضي الفلسطينيين، ومحاولة حلّ هذا النزاع باستخدام قانون أملاك الغائبين في مناطق جرى احتلالها عام 1967 بينما القانون في الأصل لا ينطبق عليهان بل على أراضي 1948. كشف هذا التحايل يصبّ في جوهر عمل "ملفات النكبة"، وهو إيضاح كيفية مراكمة إسرائيل لقوانين وتعديلات على هذه القوانين تعطي للنكبة (التطهير العرقي) مداخل متعددة ومتكاملة وقابلة للتطوير وفق الظروف.
هذه فقط عينات عن الموجود على المدونة التي تقدّم موادّاً مكتوبة باللغة الإنجليزية حصراً. والعمل ما زال مستمرّاً، وهناك صفحات ما زالت متابعتها ضعيفة على فايسبوك (حوالي 2500 متابع فقط) وتويتر (حوالي 350 متابع)