تعشق وسائل الإعلام الضبابية، فهي تفسح لها المجال للعمل كما يحلو لها. مثال على ذلك:عبارة "المحيط الملَكي". قال "المحيط الملكي".. مقرب من "المحيط الملكي" يعرب عن قلقه.. وهلم جرّا. هذه الصورة ــ وليس التصوّر ــ للمحيط الملكي تأتي من الماضي ولم تعد تمتّ إلى الواقع بصِلة حتى وإن أراد البعض اللعب عليها لإضفاء الغموض.
يمكننا اليوم الحديث عن الإدارة الملكية والديوان الملكي، أي مؤسسات تعمل ــ أو يجب عليها ذلك على الأقل في مستوى الإجراءات ــ بواسطة ملفّات و مراسلات كبقية المؤسسات. الوثائق المكتوبة أصبحت لها إذاً مكانة أساسية، فهي تشهد على الانتقال إلى مرحلة جديدة مغايرة لتلك التي كانت فيها السلطة مطلَقة.
نحن بصدد تحوّلات هيكلية فرضها تطور المجتمع والعالم. مأسسة القرب من القصر تتقدم بخطى حثيثة. مثلا فؤاد عالي الهمة أقرب المقربين إلى الملك أصبح يشغل منصب مستشار ملكي. وهذا إجراء أملاه الربيع العربي..
يتكوّن المحيط الملكي في معناه الحقيقي من خدم (وهم موظفون في الدولة) وأصحاب تناقَصَ اليوم عددهم إلى الحدّ الأدنى. لا تحب وسائل الإعلام هذه المقاربة التي تعقلن ولا تشخصن، والتي تنزع الغموض عن صور تلقى رواجا كبيراً. والأمر لا يتعلق فقط بوسائل الإعلام. هناك العديد من المهتاجين الذين يقدمون أنفسهم ويسوّقون لها كمنتمين للمحيط الملكي، إما لأنهم يحلمون بذلك أو لأنهم يسبحون في فلك أمير بعيد عن دائرة القرار، أو مقرّب من مقرّب من الحاشية. هذا التعدد في دوائر المتملقين والمتزلفين يغذي آمال حلقة الطامحين إلى التقرب من القصر. في الواقع، نحن بصدد تحوّلات هيكلية فرضها تطور المجتمع والعالم. مأسسة القرب من القصر تتقدم بخطى حثيثة. مثلا فؤاد عالي الهمة أقرب المقربين إلى الملك أصبح يشغل منصب مستشار ملكي، وهو إجراء أملاه الربيع العربي. هذا التعيين لا يهدف فقط إلى حماية فؤاد عالي الهمة بل يجعل منه أيضا، و بطريقة شرعية، مفاوِضاً رسمياً باسم الملك. تفصيل كهذا له دلالات هامة جداً: السلطة الملكية لا يمكن لها أن تبقى في برجها العاجي، وهي مضطرة للهبوط إلى الحلبة السياسية وانتهاج مسالك التفاوض الشرعية مع ممثلي الشعب بمختلف درجاتهم. لكن، حسب ما تظهره مفاوضات تشكيل الحكومة، يبدو أن القصر ما يزال متردداً في القيام بالأمر بالشكل الصحيح.
• ترجمه من الفرنسية رامي عبد المولى