كمّ القهر والعجز في كلمة «هاتو» الموجهة نحو المطلق، نحو أي جهة أو شخص في الدنيا كلها.
باتخيل طفل يتيم وحيد بيقول في المطلق كده «عايز آكل»، طفل حديث الإصابة بكسر رجله وبيقول بلا فهم «عايز امشي»، طفل حديث الإصابة في عينه وبيقول «عايز أشوف»... لا إجابة ولا استجابة، وبصيص ضوء آخر الظلام ربما هو مجرد سراب، ربما يظهر من يُطعم الطفل اليتيم، أو تشفى قدمه أو عينه، وربما لا يحدث أبداً...
ثم هم «أخواتنا»، مش أصدقائنا ولا رفاقنا، أخواتنا، ولو أردنا الدقة أكتر لقلنا إنهم «إحنا». دائماً الشعور الموقّع بلوم النفس إننا لسنا معهم، ثمّ المزيد من لوم النفس حين تفكر «الحمد لله إني مرحتش المسيرة دي ومتقبضش عليا»، ثم متابعة أخبارهم تفصيلياً في محاولة للتماهي معهم.
ثم «الزنازين»، كلمة غريبة على اللسان وموحشة على النفس، الظلام والضيق والغموض لمن لم يجرب..
وأفتكر هنا تحديداً موقف لما اتمسكت يوم 26 يناير وفضلنا من الضهر إلى الليل في زنزانة عارية جرداء تماما، بلاط ساقع جدا، وبلا لقمة عيش، ثم فجأة الباب بيتفتح وأنا أول ما جه في بالي إنهم هيدخلو يضربونا تاني أو يرمو علينا مية، فرمولنا بطاطين، خشنة وريحتها وحشة لكنها كانت في اللحظة دي أعظم بكتير من توقعاتي السوداوية، لذلك فرحت جداً.. فرحت بصدق.
الزنازين تُدمر الطموح والأمل، تُهبط السقف من السماء حتى يسحقك في الأرض.
هاتو «إحنا» من الزنازين ...
الحرية لمحمد سلطان، وعلاء عبد الفتاح، وسناء سيف، ويارا سلام، وإبراهيم اليماني، وعبد الرحمن موكا، وماهينور المصري، وعمر حاذق، وإسلام توفيق، وأحمد علي أحمد، ومحمد صادق، وضياء أحمد، وتسنيم محمد...الحرية للمعروفين والمجهولين، للمعتقل الذي نحبه، والمعتقل الذي نكرهه، والمعتقل الذي لا نعرفه...
من صفحة محمد أبو الغيط على فايسبوك