ست قصص متتالية، مترابطة، وإن كان يمكن قراءة كل واحدة منها باستقلال عن الاخريات. جاءت "بلوزة" فبدا لنا أنها تنقل الشوق إلى أشياء الحياة العادية التي انتهكتها الحرب الدائرة في اليمن، بغض النظر عن أطراف الصراع وعن اغراضه. وإن كانت القصص لا تتعاطى مع الشأن السياسي بشكل مباشر ومنشغلة بالإنسان، واصفة كتلة مشاعره المعقدة المتضاربة، وعلاقاته بالاخرين من حوله، وذلك البؤس الذي وقع على رأسه ورؤوسهم، إلا انها سياسية بالمعنى النبيل للكلمة.. ممعنة في رقتها وقسوة ما تروي في آن، إنسانوية على الرغم من نقدها الحاد لأقرب المحيطين بأبطالها. وهؤلاء هم دوماً شخوص "حقيقية"، أفراد، وإنما ايضاً نماذج بالمعنى الجماعي والتمثيلي لفئات وشروط.
أدهشتنا الصبية ريم مجاهد التي كان قد سبق لها نشر العديد من النصوص في "السفير العربي". فخصصنا لها زاوية (هي "فكرة") بسبب فرادة أسلوبها وبسبب الحاجة للتاكيد على الخيط الرابط بين قصصها تلك، التي ابتدأنا بنشرها في 15 كانون الاول/ ديسمبر 2017 مع "بلوزة"، غير مدركين انها فصول من واحد - ولكن هل كانت ريم تعرف ذلك حينذاك؟ - وانتهاء بـ"زفاف" في 29 آذار/ مارس 2018، وبينهما "فرار" و"سرقة" و"نزوح" و"طريق". كل واحدة منها لوحة عن زاوية من المشهد اليمني اليوم.. أو سيناريو لفيلم يمتلك كل الكثافة اللازمة... وهناك تلك الجملة التي تتكرر في مكان ما من كل قصة عن "بلوزة قطنية بيضاء مزهرة، وعلى أكمامها دانتيل رقيق" وكأنها، بمصائرها، خيطٌ جامع، رمزٌ لما يلحق باليمن اليوم.
لم نُمسك بريم متلبّسة في أي من قصصها بوعظ أو بأحكام أو بإنشاء عاطفي مقيت أو بشراسة لا يقوى عليها إلا من لا يكترث. وهي على ذلك، وفيها كلّها، صاحبة موقف ومنحازة الى قيم تُستشف وكانها أمرٌ طبيعي.
أدهشتنا ريم مجاهد، وأيقنّا أننا إنما "نكتشف" قاصة خطيرة ونقدّمها. وها نحن نجمع هذه القصص في دفتر من "دفاتر السفير العربي"، متخيلين أن ناشرين سينقضّون عليها ويسعون لنشرها في كتاب، مع فصول أخرى ربما تختار ريم إضافتها... تماماً مثلما حدث مع أيمن الدبوسي الذي بدأ ينشر قصصه المثيرة والكاشفة للواقع، كمعالج نفسي في مشفى الرازي للأمراض العقلية بتونس، بعنوان "أخبار الرازي"، ثم صدرت في كتاب عن دار نشر مرموقة في بيروت.
نحن فرحين بكاتبتنا الفذة ونرجو ان يشاطرنا هذا الاعجاب والفرح كل قرائنا!