عقود التشغيل المؤقتة بالجزائر: مسكّن لداء مزمن

لا يجد الآلاف من متخرجي الجامعات الجزائرية أي فرص عمل حقيقية في قطاعات الدولة التي تعيش هذه الأيام حالة من التقشّف في النفقات التي كانت موجهة في سنوات البحبوبة المالية إلى توظيف متخرّجي الجامعات والمهنيات.
2016-10-18

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
كنانة الكود - سوريا

لا يجد الآلاف من متخرجي الجامعات الجزائرية أي فرص عمل حقيقية في قطاعات الدولة التي تعيش هذه الأيام حالة من التقشّف في النفقات التي كانت موجهة في سنوات البحبوبة المالية إلى توظيف متخرّجي الجامعات والمهنيات.

البطالة التي يقول الخطاب الحكومي إنها تراجعت بالبلد خلال السنوات الأخيرة تضرب أوساط الشباب الذين تستوعب سوقُ العمل الموازية أعداداً منهم. وتعجز وزارة التجارة وسلطات محلية على مستوى الولايات عن إقناع من ليس حاملاً لشهادات للاتجاه إلى العمل في برامج التشغيل المؤقتة ومشاريع دعم وتشغيل الشباب التي تسمى ''أونساج''، إذ يكتفي الشباب العاطل من العمل رسمياً بممارسة أنشطة تجارية موسمية يجني من ورائها ربحاً سريعاً بعد أن عم اليأس بينهم من إدماجهم في مناصب عمل ثابتة (كما يوعدون)، تكون بديلاً من عقود التشغيل المؤقتة.. بلا دراسة مسبقة لاحتياجات المؤسسات والإدارات العمومية.

توظيف غير مدروس في سنوات الرخاء المالي

ويبدو أن سنوات الرخاء المالي التي عاشتها الجزائر منذ مطلع سنة 2000 بارتفاع أسعار المحروقات، شجعت الحكومات المتعاقبة على ضخ أموال طائلة في برامج التوظيف، وقد تشبعت بالفعل بسبب هذه السياسة العشرات من القطاعات والمؤسسات بالموظفين الذين لم يجدوا ما يفعلون في عدد من هياكل ومؤسسات الدولة. واعترف الوزير الأوّل الحالي للحكومة بأنه يتحمل فوق طاقته عدداً كبيراً من الموظفين، ولا يمكنه أن يوظّف أو يوفر مناصب عمل جديدة للشباب عام 2017، خاصة إذا ما بقي سعر البترول منخفضاً.

بل ذهبت الحكومة في هذا الأمر إلى أبعد من ذلك، فتناقلت وسائل الإعلام مؤخراً خبر عدم تعويض حتى المتقاعدين بموظفين جدد بينما يقرّ بضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب الشباب الحامل لشهادات جامعية.

من جهة أخرى، يحمل المسؤولون المحليون، وخاصة القائمين منهم على تسيير البلديات والولايات والمؤسسات الصناعية، الشباب الجزائري مسؤولية البطالة التي "يتكيف معها". وقد انتشر المثل المتداول على ألسنة العامة والمسؤولين، حين يحاول هؤلاء تقديم قراءتهم لواقع بطالة الشباب بالجزائر، بالقول ''الكلّ يريد أنْ يعمل عون حراسة..'' في إشارة إلى أن الكثير من الشباب يريد منصب عمل مريحاً غير متعب، كمنصب "عون حراسة". وهذا يخصّ الشباب الذي لا يحوز أي مؤهل مهني أو علمي. وتقذف السلطات المسؤولة عن تسيير ملف التشغيل الكرة إلى ملعب الشباب وتدعوه إلى التكوين واكتساب الحرف المهنية ''كالنجارة، تصليح السيارات، البناء، والأشغال العمومية..'' بدل الاتّكال على مناصب الوظيفة العمومية.

وتحمّل نقابات اعتمدتها وزارة العمل، وتنشط لإيصال صوت فئة المتعاقدين والمستفيدين من عقود التشغيل المؤقتة، الدولة مسؤولية التخلي عن الآلاف من الشباب الذين يعملون اليوم في مصالح إدارية داخل قطاعات هامّة دون عمل ثابت يتقاضون بموجبه راتباً شهرياً، ويقولون إنّ مقدار ساعات العمل الذي يطبق على العامل الموظف بعقد تشغيل مؤقت هو نفسه الذي يطبق على الموظف المرسم في وظيفته، غير أنّ الأجر ليس واحداً والامتيازات المهنية التي يستفيد منها الموظف المرسم لا يمكن للموظف المؤقت أن يستفيد منها.

ويتقاضى الموظفون في إطار عقود التشغيل المؤقتة راتباً شهرياً يقدر بـ 15 ألف دينار جزائري، وهو راتب لا يمكنه أن يلبّي تكاليف المعيشة المرتفعة خاصة بالنسبة للموظفين الذين يتحمّلون أعباء الإنفاق على أسر. وهذا على الرغم من أن الكثير من متخرجي الجامعات الذين تمّ توظيفهم في إطار عقود التشغيل المؤقتة نالوا توظيفهم عن طريق مسابقات وامتحانات التوظيف.

عقود التشغيل المؤقتة هي الوصفة التي تعالج من خلالها الحكومة داء البطالة المستفحل، بينما هي مجرد مسكن مؤقت لجرح أعمق قد يكون على مستوى السياسة الحكومية العاجزة عن إيجاد بدائل. هي حلول ترقيعية لا يمكن أن تقدم النتائج المرجوّة ولا أن تمتصّ معدّلات البطالة المرتفعة.

وكالات التشغيل في مأزق

مع حالة التقشف تراجعت بشكل واضح حصص التوظيف ومناصب العمل في قطاع الوظيفة العمومية الذي يستوعب حالياً أكبر عدد من الموظفين في الجزائر، كقطاع التربية وهو الأكثر توظيفاً. ومع هذه الحالة لا تجد وكالات التشغيل التي استحدثتها الحكومة أصلاً لاستقبال طلبات الشباب في مجال الشغل ما تقدمه للآلاف منهم، خاصة أولئك الذين تخرجوا مؤخراً في الجامعات والمراكز المهنية. وتحاول وكالات التشغيل الوطنية والمحلية الآن التركيز على القطاع الخاص وتنشيط عملها الإعلامي للدفع بالخواص لتقديم عروض عمل للشباب تمتص من خلالها غضبهم الذي أغلق في الكثير من المرات وفي حوادث عديدة مقارّ وكالات التشغيل. وحدث هذا في عدد من ولايات الجنوب الجزائري كولاية ورقة التي عاشت أخيراً "أحداث شغب" من قبل البطّالين بالولاية الذين طالبوا بمناصب عمل في الشركات النفطية.

ويبدو أنّ التكتل الاقتصادي "منتدى أرباب العمل'' الذي يقدّم في الإعلام الرسمي كتكتل حامل لأفكار اقتصادية وتنموية واعدة، سيتخذ من مسألة التشغيل والتوظيف أولويته نظرا لحساسية الملف واتصاله بعوامل اجتماعية وسياسية..

تنتقد السلطة "توظيف قضية التشغيل" من قبل الأحزاب كورقة سياسية أو انتخابية، وهي مقبلة على مواعيد سياسية وانتخابية هامة، فتسعى إلى ضبط زمام الأمور والحفاظ على مستوى معيّن من الاستقرار الاجتماعي، وهي تعتبر قضية التشغيل وتعاطي الشباب مع المسألة إحدى "النقاط الحمراء" التي لا يجب "استغلالها".

.. ثم إن تركيبة قطاع واسع من الشباب الجزائري واعتياده الاتّكال الصريح على ما تمنحه الدولة من عطاء، ساهما في فشل برامج التشغيل والتوظيف وجعلها لا تخرج عن نطاق الحلول المؤقتة التي لا يمكن أن تتجاوز من خلالها البلاد أزمة البطالة وتبعاتها الاجتماعية والسياسية، وخاصّة أنّ سياسة الدعم التي انتهجتها السلطة في السنوات الماضية لم تعدْ ممكنة الآن..

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه