السُّلاليات في المغرب: هذه الأرض لنا

بدأ نضال السُّلاليات منذ عام 2007، بنساء ينتمين إلى قبائل تَعتبر أنّ احتمال زواجهنّ من غرباء يُفقدهنّ حقهنّ في أراضي آبائهنّ. وبالتالي حُرمت كل النّساء من حقوقهنّ! حُسمت القضية عام 2019، بصدور قانون ينصّ صراحة على المساواة بين الذكور والإناث أعضاء الجماعة السّلالية، سواء في عضوية الجماعة والاستفادة من أملاكها، أو في إمكانية تحمّل مسؤولية تمثيلها. كان ذلك انتصاراً عظيماً.
2022-06-20

عائشة بلحاج

صحافية وباحثة في حقوق الإنسان، من المغرب


شارك
| en
ميريللا سلامة - لبنان

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

نزلتُ ومرافقي الدرب الملتوي المؤدي إلى قرية العين الزرقاء، في ضواحي تطوان شمال المغرب. السّاعة تقارب الواحدة ظهراً في يوم جمعة، السّوق فارغ تقريباً من نسائه، وهنّ أغلبية الباعة هناك. هنّ اللواتي يحملن خضرواتهنّ وغيرها من منتوجات البادية إلى جنبات السوق، عادة في الصّباح الباكر أو في المساء، بينما يذهب معظم الرجال إلى المدينة للعمل في البناء.

بعد المسجد مباشرة واجهنا مقهى لطيف منظّم، ظلاله توحي ببرودة منعشة في هذا اليوم الربيعي الحار. حيّيتُ الشاب الذي كان متكئاً على كنبة وسط المقهى في غياب ملحوظ للزبائن في هذه الساعة. سألته عن الأراضي السُّلالية في المنطقة، وأين يمكن أن أجد بعض أصحابها. أجاب على الفور: "هنا، وأنا أحدهم...". جلستُ قبالته، وبدأ خيط الحديث المتشعّب ينساب متواصلاً من اللحظة الأولى، فالموضوع ذو شجون. حين سألته عن أنصبة النّساء في الأراضي السّلالية في المنطقة قال إنهنّ لا يعانين أي مشكل في ذلك. ثم نادى على أخته وفاء.

دخلت وفاء ذات الثلاثين عاماً، وهي فلاحة شقراء كما هُم أهل المنطقة. ملامحها الجميلة تتخذ تعبيرات ناعمة أحياناً وصارمة أحياناً أخرى. هي امرأة مرّت بكل شيء ولا تزال واقفة بصلابة. تبتسمُ عندما تتحدّث، وتزِم شفتيها أحياناً أخرى وهي تتحدّث عن صعوبات الحياة. لكنّها غير يائسة، إذ تدرس في مسجد القرية لتمحو الأمية التي كانت قدراً على نساء القرية مثل غيرهنّ من القرويات. كما أنها صبورة على قساوة العيش، وقلة ذات اليد بشكل مثير للإعجاب.

ما هي الأراضي السُّلالية؟

تُمثل الأراضي السُّلالية أعلى تركيز للأراضي في المغرب، لهذا تطرح مشاكلها قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية حرجة. وتقدر المساحة الإجمالية للعقار الجماعي بـ 15 مليون هكتار، من أصل 71 مليون هكتار تشكل مساحة المغرب. فيما يُقدّر عددُ الجماعات السُّلالية، وفق إحصائيات رسمية بـما يزيد عن 4600 سُلالة. وتتألف من حوالي عشرة ملايين من ذوي الحقوق (وهم أفراد السلالة) من أصل 37 مليون هم سكان المغرب. وتقع أكبر نسبة من الأراضي السُلالية في الجنوب الصحراوي (الراشدية، زاكورة، كلميم،...).

يُقصد بالأراضي السُّلالية الأرض التي تمتلكها جماعات سُلالية في شكل قبائل أو عشائر، تربط بينهم روابط عرفية أو عائلية، ويتمُّ استغلالها في إطار ملكية جماعية يُوزع عبرها حق الانتفاع بينهم (1). وهي أرض استغلها الجدُّ الأول في السُّلالة الذي التف حوله الأولاد والأحفاد، كما هي سابقة لأيّ قانون حديث، لذا خضعت للأعراف القبلية حتى وقت قريب. هذه الأراضي الجماعية غير مقسّمة، وغير قابلة للتصرف في الأصل على الرغم من وجود حالات خرجت عن هذه القاعدة، إما بسبب تعلقها بمشاريع استثمارية حدّدها القانون، أو بأخرى تتم بالاحتيال عليه. لكن يمكن أن تُقسَّم بين ذوي الحقوق داخل السُّلالة، أو تُستغل من عدد من الأشخاص نيابة عن الجماعة، ويُقسّم العائد بينهم.

حركة النّساء السُّلاليات غير مسبوقة في المغرب. تاريخياً، لم يكن للمرأة الحق في الحصول على الأرض، سواء كانت مِلكية جماعية (الأراضي السُلالية) أو مِلكية خاصة. واعتادت النساء أن يتنازلن عن حصّتهنّ لأقاربهنّ الذكور حتى لا يتم استبعادهنّ ونبذهنّ من الأسرة والقبيلة. لهذا وجد أفراد الأسر الذّكور وزعماء القبائل في المطالب الجديدة للمرأة تهديداً مباشراً لهم.

تُشكّل الأراضي الرّعوية أكثر من 85 في المئة من المساحة الإجمالية للأراضي السلالية. وتُستغلّ من طرف ذوي الحقوق في السّكن والرعي وما تبقى منها في الفلاحة. بحيث يستفيد منها كلّ من استزرع أرضاً بوراً من أراضي السُّلالة، ولا يمكن أن يُنازعه عليها أحد، ما دام هو من استصلحها.

مقالات ذات صلة

نتجت ظاهرة الأراضي السُّلالية عن الظروف التي سادت المغرب في زمن ما قبل الاستعمار وسيادة نمط الحياة شبه التّرحالية والتنقل المستمر، والافتراض الدائم لحالة الحرب بين القبائل. كلّ هذا قلّلَ من القيمة الاجتماعية للمِلكية العقارية الفردية. وكانت القبائلُ ترغب في حفظ تماسكها وتفادي تفتيت أراضي أجدادها، فأحدثت لذلك عُرفاً تمثّل في نظام الملكية الجماعية للأرض، الذي يعني أنّ ملكيةَ هذه الأراضي تنتقل عبر الأجيال تحت إشراف ورقابة "الجماعة" التي تقف حصناً منيعاً أمام محاولة أيّ "أجنبي" عنهم تملُّكَها. فلا تُباع ويحرّم وَهبُها… وإذا توفيّ ممثل الوحدة العائلية (الأب)، اقتسم الأبناء الذكور فقط أنصبة الاستغلال، فإن لم يكن له أبناء ذكور ورِثَها إمّا إخوته، أو أعمامه. هذه الأعراف لم تعترف في معظم الحالات بالنّساء كمستحقات، وأَقصَتهُنّ من التّعويض بعد التنازل عن ملكية الأرض (المشار أعلاه للحالات التي يتمّ فيها).

انطلاق حركة السُّلاليات

حركة النّساء السُّلاليات غير مسبوقة في المغرب. تاريخياً، لم يكن للمرأة الحق في الحصول على الأرض، سواء كانت ملكية جماعية (الأراضي السلالية) أو مِلكية خاصة. فقد اعتادت النساء التنازل عن حصّتهنّ لأقاربهنّ الذكور، حتى لا يتم استبعادهنّ ونبذهنّ من الأسرة والقبيلة. لهذا وجد أفراد الأسر الذّكور وزعماء القبائل في المطالب الجديدة للمرأة تهديداً مباشراً لهم.

يُقصد بالأراضي السُّلالية الأرض التي تمتلكها جماعات سُلالية، قبائل أو عشائر، تربط بينهم روابط عرفية أو عائلية، وتستغل في إطار ملكية جماعية يُوزع عبرها حق الانتفاع بينهم. وهي سابقة لأيّ قانون حديث، لذا خضعت للأعراف القبلية حتى وقت قريب. هذه الأراضي الجماعية غير مقسّمة وتوزع عائداتها على المستحقين لها، وشاء العرف أن يحصرها بذكور الجماعة.

تُمثل الأراضي السُّلالية أعلى تركيز للأراضي في المغرب، وتقدر المساحة الإجمالية للعقار الجماعي بـ 15 مليون هكتار من أصل 71 مليون هكتار تشكِّل مساحة المغرب. فيما يُقدّر عدد الجماعات السُّلالية، وفق إحصائيات رسمية بـما يزيد عن 4600 سلالة تتألف من حوالي عشرة ملايين من ذوي الحقوق (وهم أفراد السُلالة) من أصل 37 مليون هم سكّان المغرب.

بدأت حركة النساء السُّلاليات منذ عام 2007، بنساء ينتمين لقبائل تعتبر أنّ احتمال زواجهنّ من غرباء يُفقدهنّ حقهنّ في أراضي آبائهنّ، وبالتالي حُرمت كل النّساء من حقوقهنّ. وبدأت النّسوة بالتوافد دورياً على العاصمة الرّباط لمواصلة نضالهنّ المستميت. هنّ اللواتي لم تتلقَّ معظمهنّ تعليماً من أي نوع، لكنّ الظلم كان دافعاً قوياً للخروج بمطالبهنّ إلى العلن، مسنودات بـ"الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" التي كانت أكثر مؤسّسات المجتمع المدني دعماً لهنّ، وكان لها الفضل في توحيد النّساء السّلاليات واستمرار نضالهنّ.

رفعت النساء شعارات عديدة خلال وقفاتهنّ الاحتجاجية، منها: "أرض الجُموع أرض الأجداد غِيرْ للأولاد؟"، "أرضي فيها كَدّيتْ، وبالمساواة حقي فيها بْغيت"، "يا حاكم يا قاضي، أعطيني حقّي في أرضي". وركزت النّساء خلال العملية على الاعتراف المعنوي بهنّ، وهو أهم من الحق المادي في نظرهنّ. فيما اعتمدت الجمعية حسب رئيستها سعيدة الإدريسي، في حديثها مع "السفير العربي" (2) مقاربتين: الأولى تتعلق بالنّساء، والثانية تتعلق بالمحيط الخارجي، أي الرّأي العام وأصحاب القرار.

عام 2013، دخل "المجلس العلمي الأعلى" (بمثابة هيئة الإفتاء)، على خط القضية، وأكد أنّ من حق المرأة السُّلالية الاستفادة من عائدات أراضي الجموع أسوة بالرجل، وأنّ حرمان المرأة من الحقوق المادية والعينية وضع غير سليم، وأنّ الذّرائع العرفية التي استُند إليها فيما مضى لم تعد مقبولة.

حُسمت هذه القضية عام 2019، بصدور القانون (62.17) الذي يؤكد سمو القانون على الأعراف، وينصّ صراحة على المساواة بين الذكور والإناث أعضاء الجماعة السّلالية، سواء في عضوية الجماعة والاستفادة من أملاكها، أو في إمكانية تحمّل مسؤولية تمثيله، وكذلك في التّعويضات الناتجة عن المعاملات العقارية التي تعرفها أراضي الجماعات السّلالية، أسوة بأعضاء الجماعة من الرجال، سواء بالشراكة، أو بالإيجار أو التّفْويت (وهو التنازل، وتتيح عقود التفويت التنازل عن الأرض لفائدةِ طرف من خارج السّلالة). وتتمّ بالمراضاة لفائدة الدولة والمؤسّسات العمومية والجماعات السّلالية الأخرى، بعد مصادقة مجلس الوصاية في السلالة.

تقول سعيدة الإدريسي عن النّجاح الذي تحقق للسُّلاليات: "لأوّل مرة تستفيد النساء بالمساواة مع الرجال، على مستوى تقسيم الأراضي، وعلى مستوى التّعويضات عن استغلال الأراضي. في البداية، رفض الرجال وضع النّساء في لائحة المستفيدين وقاوموا ذلك بقوة، ولكن بتدخّل الجهات المسؤولة، أي مديرية الشؤون القروية، وإشرافها على عملية توزيع الحقوق على المستفيدات، تمكّنت جلّ النساء من الاستفادة".

في إحدى عمليات تقسيم الأراضي على النّساء السُّلاليات الموجودات في إحدى الجماعات التابعة لإقليم القنيطرة (ضمن مجال أراضي الغرب الأوسط الخصبة)، كانت الفرحة عارمة مع توافد حوالي ألف وخمسمئة امرأة خلال عملية التوزيع. وكان في تصريحاتهنّ الكثير من البهجة، الأمر الذي كان مستحيلاً قبلها. "سعادة النساء بمنحهنّ نصيبهنّ من الأراضي لا توصف، وسعادتي كذلك. أخيراً حصلتُ على حقّي وأثبتُّ هوّيتي ومواطنتي بعد إنصافي" تقول "مَحْجوبة مْحامدة"، في ريبورتاج بالمناسبة. "أهمّ ما في العملية هو اعتراف الرّجال السُّلاليين بحق النساء السّلاليات، بينما بالأمس القريب كانوا يرفضون ذلك كلياً، الآن نشاهد بعض الرجال يرافقون بناتهم وأخواتهم للحصول على حقهنّ"، تُعلق "حَجيبَة حْرور" المستفيدة بدورها من عملية توزيع الأرض والتعويضات. فيما تتنفس الصعداء "حَدّوم بنزينة" من المنطقة نفسها، فأخيراً "بعد عشر سنوات من النّضال والتردد المستمر على المصالح الإدارية في العاصمة وبإمكانيات محدودة، تم إنصافنا بعد حيف كبير. كان أشقاؤنا الذكور ينالون حقوقهم وحقوقنا. والآن، حصلنا على مساواة كاملة معهم" (3).

عام 2013، دخل "المجلس العلمي الأعلى" (بمثابة هيئة الإفتاء)، على خط القضية، وأكد أنّ من حق المرأة السُّلالية الاستفادة من عائدات أراضي الجموع أسوة بالرجل، وأنّ حرمان المرأة من الحقوق المادية والعينية وضع غير سليم، وأنّ الذّرائع العرفية التي استُند إليها فيما مضى لم تعد مقبولة. 

لم تقتصر هذه الحركة على الحصول على الحقوق القانونية، بل ولدت أيضاً قيادة نسائية جديدة، حيث يوجد حالياً ما يقرب من 30 امرأة في الهيئات التمثيلية لجماعاتهنّ المحلية (النائبات)، وهو ما كان في السابق حكراً على الذكور. وستزداد أعدادهنّ تماشياً مع إصدار القانون الجديد لإدارة الأراضي الجماعية. تقول رقية من منطقة الغرب: "بصفتي أول سُلالية تترشح لمنصب نائب، واجهتُ صعوبات هائلة. لكنّ الجزء الأصعب كان تقديم اثني عشر شاهداً ذكراً من القبيلة من أجل دعم ترشيحي. مرة أخرى، كان عليّ أن أناضل في سبيل المساواة بين الجنسين في مجموعة الشهود هذه، وقد فزت في المعركة. لقد كانت مسألة مبدأ لأنني لم أستطع قبول هذا الرّفض الممنهج ضد المرأة".

هكذا أدّت حركة النساء السُّلاليات إلى ظهور قيادة جديدة على الساحة، والاعتراف بحقوق المواطنة وبقدرات خاصة لنساء منحدرات من أوساط متواضعة للغاية في التعامل مع المسؤولين، وتطوير القدرة على العمل الجماعي من أجل التأثير، وحماية ما تبقى من الأراضي، واعتماد أساليب جديدة لتوزيع حق الانتفاع.

هل أنصفهنّ القانون؟

عما قدّمه القانون الصادر عام 2019 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السّلالية وتدبير أملاكها، تقول ربيعة الناصري من الأعضاء المؤسّسين لـ "الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب" في حديثها مع الباحثة (4)، إن القانون خلّف "أثراً إيجابياً لدى النساء السّلاليات، لكونه ولأول مرة في التاريخ يعترف بهنّ كصاحبات حقوق. كما فتح الباب أمامهنّ لولوج هيئات التسيير والتدبير".

غير أنّ هذا الاعتراف - تضيف ربيعة الناصري - "ظل مقروناً بشروط يستحيل معها حصول النساء فعليّاً على حقوقهنّ المتضمّنة في القانون. وذلك راجع من جهة إلى فرض شرط الإقامة كمعيار لاستفادة أفراد الجماعات السُّلالية من الأراضي. علماً أنّ النساء هنّ أول من يغادر الجماعة إما بسبب الزواج أو بسبب انعدام الفرص، وهو السّبب الأساسي لحرمانهنّ من حقوقهنّ في الأراضي الجماعية". مع الإشارة إلى أنّ شرط الإقامة ينطبق على الرجال أيضاً، لكنّ النساء في المجمل أكثر ضحايا هذا الشّرط.

أدّت حركة النساء السُّلاليات إلى ظهور قيادة جديدة على الساحة، والاعتراف بحقوق المواطنة وبقدرات خاصة في التعامل مع المسؤولين لنساء منحدرات من أوساط متواضعة للغاية، وتطوير القدرة على العمل الجماعي من أجل التأثير، وحماية ما تبقى من الأراضي، واعتماد أساليب جديدة لتوزيع حق الانتفاع.

وترجع الصعوبة من جهة أخرى، "إلى المعايير المتعلقة بتمليك (منح ملكية أرض) قطع أرضية فلاحية بورية من أملاك الجماعات السلالية لفائدة المنتفعين بها من أعضاء هذه الجماعات، والتي اعتبرت أنّ التمليك لمن كان ينتفع سابقاً من أي قطعة أرضية استصلحها وصارت له بحكم العرف، وهو شرط أساسي لتمليك الأراضي الفلاحية البورية. وهو شرطٌ لا يأخذ بعين الاعتبار الإقصاء الذي شمل النساء السلاليات لعقود من الزمن، ووضعهنّ خارج إطار المنتفعين من أملاك الجماعات السلالية، بحيث لا يملكن أي رصيد سابق من الأراضي المستصلحة والقابلة للملكية الفردية في الحالات الخاصة" (5).

إلا أنّه وعلى الرغم من ذلك، أقرّ القانون الجديد باستفادة النساء كما هو الحال بالنسبة للرجال من الأرض الجماعية المُخلَفة عن الأم أو الأب أو الزوج، دون ربطها بأية شروط.

تضيف ربيعة الناصري "اعترف القانون بالنساء كجزء من الجماعات السّلالية. ولكنّ المادة الرابعة تقول يمكن للجماعات السّلالية أن تتصرف في أملاكها حسب الأعراف السائدة والتي لا تتعارض مع النصوص القانونية. لماذا يعود القانون للأعراف السائدة؟ الملاحظة الثانية، غياب تكريس المساواة... مع وجود ثغرات عديدة تُغيّب صيغة الالتزام بالمساواة في عدد من مواد القانون. ما دام النّص قد حمل ثغرات من البداية، فإنه على مستوى التطبيق أيضاً سيعرف ثغرات، وستبقى الأعراف هي المهيمنة على تسيير أراضي الجموع. طالما لم يكن القانون صارماً ومُبطلاً للأعراف فيما يتعلق بالمساواة التي سعت إليها النساء في مواجهة مقاومة شديدة من العقل القبلي الذكوري، فهذا يعني أنّه ما زالت هناك نساء سُلاليات يعانين من الإقصاء والحرمان إلى حدود وقتنا الحاضر".

أما عن التحديات المفروضة عليهنّ على أرض الواقع من أجل كسر الأعراف في ظل وجود حالات لم تقبل فيها السّلالة تنفيذ القانون، فتقول ربيعة الناصري: "التحدي الأساسي هو الاستمرار في الدفاع عن ملف النساء السُّلاليات في المغرب من خلال عمل "اللجنة الوطنية للنساء السُّلاليات" التي تشكلت مؤخراً (من ممثلات النساء السُّلاليات من مختلف مناطق المغرب) بمساندة "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب"، للاستجابة لاحتياجات السياق التشريعي الجديد". وتتمثل مهام اللجنة في "تتبع عملية تفعيل القانون بما يضمن حماية حقوق النساء على قدم المساواة مع الرجال".

من جهتها، تتحدث الجهات المسؤولة عن السطو والولوج إلى العقار بطريقة غير قانونية - إما تم اقتناؤه من ذوي الحقوق، أو تم تزوير الوثائق، أو بسبب تسهيل الإدارة لذلك بالتواطؤ. ولكن لا يُعذر أحد بجهله للقانون! إذ يوجد حوالي 185 ألف هكتار مستغلة بشكل غير قانوني، مقابل 120 ألف هكتار تستغل بشكل قانوني تذهب النساء ضحية لهذه الوضعية أكثر من الرجال.

شهادات السّلاليات: أين حقي؟

تقول منانة (6)، من المهدية في منطقة الغرب: "أنا أرملة ولدي أسرة مكونة من ستة أطفال. لا أملك موارد مالية، وكنت مقتنعة أنّ الله أراد للأمور أن تسير بهذه الطريقة. لكنّ شعوري الدّائم بالظلم تضاعف عشية عيد الأضحى عام 2007 حين حصل أخي على 270 ألف درهم كتعويض عن التنازل عن الأرض (المتاح بشروط خاصة)، فاشترى أغلى خروف احتفالاً دون الالتفات إلى احتياجات عائلتي. ومنذ ذلك الحين، أقسمتُ على استعادة حقوقي وحقوق أخواتي، وكانت تلك هي البداية".

فيما تقول فاطمة من جهة مكناس: "بعد وفاة والدي مباشرة، طلب مني إخوتي التنازل عن حقوقي أُسوة بنساء القبيلة، وعندما تجرّأت على سؤالهم عن السبب، كانت الإجابة: "هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في القبيلة. لا يحقُّ للمرأة الحصول على ملك خاص. فما بالك بطرح سؤال حول حقها في الأراضي الجماعية". وللمطالبة بحقي، أمضيتُ سنتين وأنا أقف طوال اليوم على باب "القايد" (ممثل وزارة الداخلية على المستوى المحلي) دون أن أجرؤ على الدخول، لأنني كنت خائفة من أنّ عائلتي ستتهمني بإلحاق العار بها بعد أن تعلم بمحاولتي هذه".

كان التحدي الذي واجهته "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" في مساعدة النساء السُّلاليات حسب السيدة ربيعة الناصري، يتمثل في صياغة طلباتهنّ بشكل واضح، وبناء حركة موحّدة حتى يتمكنّ من تحقيق أهدافهنّ بأنفسهنّ. عن ذلك تقول منّانة وهي إحدى السُّلاليات: "لقد جعلتنا هذه القدرات المكتسبة ذوات مصداقية، فرجال القبيلة والسّلطات المحلية الذين سخروا من مطالبنا، صاروا الآن يأخذوننا على محمل الجد، وباتوا يعرفون أنّه يمكننا كسب القضية بعد أن شاهدونا على شاشات التلفزيون وفي الصحف، وهذا شيء مهم".

تقرُّ حجيبة: "بدون العمل الجماعي والمعرفة التي اكتسبناها، لم يكن بإمكان أيّ منا الحصول على حقوقها. وعندما كنا نقابل السلطات المحلية، كنا على أتمّ الاستعداد فيما يتعلق بالذي يجب أن نقول والأسئلة التي يجب طرحها. لقد كانت الطريقة الوحيدة للاستماع إلينا واحترامنا" (7).

"اعترف القانون بالنساء كجزء من الجماعات السّلالية. ولكن المادة الرابعة تقول يمكن للجماعات السّلالية أن تتصرف في أملاكها حسب الأعراف السائدة والتي لا تتعارض مع النصوص القانونية. لماذا يعود القانون للأعراف السائدة؟ ما دام النّص قد حمل ثغرات من البداية، فإنّه على مستوى التطبيق أيضاً سيعرف ثغرات، وستبقى الأعراف هي المهيمنة على تسيير أراضي الجموع.

وعن الآثار الاجتماعية لحرمان النساء السُّلاليات من حقوقهنّ في الانتفاع من الأراضي السلالية، تقول ربيعة الناصري: "أدّى إقصاء النساء من الانتفاع من حقوقهنّ في أملاك الجماعات السّلالية والفرص الناتجة عنها، إلى تخلفهنّ عن الاندماج في العملية الاقتصادية والاجتماعية، وزاد في تعميق الهشاشة في صفوفهنّ، وبالتالي تفقيرهنّ. كما أنّ إقصاء النّساء من الولوج إلى حقوقهنّ في الأرض الجماعية بذريعة الأعراف السّائدة، أدى إلى تعزيز الفوارق وتكريس التمييز بين النّساء والرجال داخل الجماعات السُّلالية، مما خلف لدى معظمهنّ إحساساً عميقاً بـ "الحكرة" (الظلم والاحتقار) والتي كانت أساس انطلاق الحركة المطلبية للنساء السُّلاليات في المغرب، للمطالبة بالاعتراف بهنّ كصاحبات حقوق، وبتكريس المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق المخوّلة لأفراد الجماعات السّلالية" (8).

لسنَ في الهوا سوا

خلال زيارتي لقرية العين الزرقاء، فاجأتني وفاء بأنّ مشاكل النساء السّلاليات مع ملكية الأرض غير موجودة عندهم. وأنها مثل باقي نساء منطقتها ترث حسب القانون، أي نصف نصيب الأخ بشكل عادي مثلما يحدث في باقي أنواع الإرث. وتُكتب الأرض باسمهنّ، ولهنّ استغلالها بالشّكل الذي يلائمهنّ سواء تزوّجنَ من القبيلة أو لا.

مشكلة وفاء مختلفة، وهي المشكلة نفسها لباقي أهل السُّلالة، أي عدم إمكانية بيع الأرض. تقول "نحن فقراء ولا نملك سوى لقمة يومنا. لو مرضنا يوماً ما كيف سنعالَج والأرض مدخراتنا الوحيدة. وقد تفرض الظروف بيعها في أوقات الأزمات بدل حجر السُّلالة عليها".

تعلق سعاد بولعيش، البرلمانية من منطقة قريبة، على قضية النساء السُّلاليات في الشمال، بأنّ "النضال من أجل قانون المساواة في الأراضي السُّلالية لم يكن نشيطاً في منطقة الشمال كما حدث في الغرب والوسط والجنوب"، مضيفة بأنّ "الأراضي السّلالية قلّت بشكل كبير في المنطقة، بسبب مافيا العقار التي استحوذت على الأراضي بالالتفاف على القانون الذي يمنع بيعها، لكنها تباع وتفوّت في كل حال". ماذا عن النساء السُّلاليات، هل استفدنَ من هذه التّفويتات (البيع أو التنازل عن الأرض لفائدة أغراب) غير القانونية؟ تقول سعاد "ربما فعل بعضهنّ، لكن بشكل ضئيل جداً. فبعضهنّ لا يعرفن شيئاً عن القانون، ولا عن تقسيم الأراضي أو ملكيتها". 

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

[1] الدكتور محمد خيري، أراضي الجموع بين الاستمرارية والزوال، مجلة المحامون التابعة لهيئة المحامين بمدينة آسفي، العدد 2، ص 35.
[2] مقابلة هاتفية أجرتها الباحثة مع سعيدة الإدريسي، أيار/مايو 2020.
[3] ريبورتاج لموقع هسبريس بعنوان: "لأول مرة في المغرب.. النساء السلاليات يستفدن من أرض آبائهنّ" https://www.youtube.com/watch?v=9m8YoE1N8YA
[4] مقابلة هاتفية أجرتها الباحثة مع ربيعة الناصري، نيسان/مايو 2022.
[5] جريدة الأخبار، حوار مع مدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية عبد المجيد الحنكاري، 15 تشرين الاول/ أكتوبر 2019. https://bit.ly/3bdG4Ip
[6] في شهادات حول تجربة النّساء السلاليات قدمتها في تقرير السّيدة ربيعة الناصري التي واكبت نضال السُّلاليات وقادته إلى اليوم. https://mipa.institute/8462
[7] من المقابلات التي أجرتها "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" مع عشر نساء سلاليات في عام 2018.
[8] ربيعة الناصري، حركة النساء السلاليات: إقصاء وتمكين، ورقة نشرت ضمن تقرير صدر بشراكة بين المعهد المغربي لتحليل السياسات" و"معهد بايكر للسياسات العامة" https://mipa.institute/8462 

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...