حملة اللقاح ضد كوفيد 19 في ظلّ الانهيار الاقتصادي في لبنان

ارتكزت الخطة الوطنية لوزارة الصحة على أن تكون اللقاحات ليست إلزاميةً، بل للراغبين بالحصول عليها، وعلى أن تعطى للأفراد وفق الأولويات والفئات العمرية، أو للذين يعانون أمراضاً مزمنة، أو حالات صحية خاصة، وعلى أن تكون جميع اللقاحات مجانيةً، وتستهدف جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن جنسيتهم.
2021-08-26

ملاك مكي

باحثة وكاتبة صحافية من لبنان


شارك
| en
في إحدى قاعات مركز للتلقيح في لبنان

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، وفي ظلّ طوابير الانتظار على محطات الوقود، وأمام أبواب الصيدليات والأفران، وفي وسط انقطاع التيار الكهربائي، وفقدان مادة المازوت، وفي وسط انعدام الثقة بين المواطنين والدولة، وانعدام الشعور بالأمن والأمان الاجتماعيين... وسط كل هذا، ما زال المواطن اللبناني يتلقّى رسالةً نصية على هاتفه من وزارة الصحة العامة، تحدد له موعد أخذ اللقاح ضد فيروس كورونا، وتعيّن مركز التلقيح، والوقت الذي ستستغرقه العملية. وهو أمرٌ سريالي! بل ربمّا تكون الرسالة النصية هي الوحيدة الإيجابية التي يتلقاها المواطن اللبناني، اليوم.

ففي الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير 2021، انطلقت عملية التلقيح ضد فيروس كورونا في لبنان في "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" الذي شكّل ركيزةً أساسية في مواجهة الفيروس في لبنان، وكان رئيس قسم العناية الفائقة في المستشفى أول من تلقى اللقاح عن فئة الطواقم الطبية، كما اختير الممثل اللبناني الشهير، صلاح تيزاني ("أبو سليم") ليكون أوّل من يتلقى اللقاح عن فئة المسنين في لبنان. وشكّل العاملون في القطاع الصحي، والأشخاص الذين تجاوزوا 75 عاماً الفئات الأولى المستفيدة من عملية التلقيح.

ارتكزت الخطة الوطنية لوزارة الصحة [1]  على أن تكون اللقاحات ليست إلزاميةً، بل للراغبين بالحصول عليها، وعلى أن تعطى للأفراد وفق الأولويات والفئات العمرية، أو للذين يعانون أمراضاً مزمنة، أو حالات صحية خاصة، وعلى أن تكون جميع اللقاحات مجانيةً، وتستهدف جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية بغض النظر عن جنسيتهم.

لوجستياً، شملت آلية التلقيح ضرورة التسجيل على المنصة الإلكترونية "Impact" وملء البيانات المطلوبة. ويبلغ عدد المسجلين على المنصة، وفق أرقام منظمة الصحة العالمية [2]، وحتى تاريخ 15 آب/ أغسطس 2021، 2.306.304، بنسبة 45.46 في المئة ذكوراً، و54.54 في المئة إناثاً.

تتفاوت نسب المسجلين بشكل واضح بين المحافظات، فبحسب أرقام وزارة الصحة العامة، وحتى تاريخ 16 آب/ أغسطس 2021 [3]، توزّع المسجلون بنسبة 53 في المئة في محافظة بيروت، 42 في المئة في محافظة النبطية، و37 في المئة في محافظة جبل لبنان، و31 في المئة في محافظة البقاع، و25 في المئة في محافظة الجنوب، و23 في المئة في محافظة الشمال، و17 في المئة في محافظة بعلبك الهرمل، و15 في المئة في محافظة عكار.

بعد مرور أشهر عدة على انطلاق حملة التلقيح في لبنان، تشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الجرعات التي تم إعطاؤها في لبنان بلغ 2.204.566 حتى تاريخ 15 آب/ أغسطس 2021، منها 952.468 للأشخاص دون 75 عاماً، و252.098 للأشخاص الذين تجاوزوا 75 عاماً. وتنقسم الجرعات إلى 1.226.090 كجرعة أولى، و977.344 كجرعة ثانية.

أما بالنسبة إلى أنواع اللقاحات، فما زال لبنان يستخدم لقاح "فايزر" بالنسبة الأكبر، إذ تم أعطاء 1.754.668 جرعة منه، مقابل 317.945 جرعة "أسترازينيكا"، و111.405 "سبوتنيك V"، و13.096 اللقاح الصيني "سينوفارم".

وعلى الرغم من أن هدف الخطة الوطنية للتلقيح كان تحقيق الوصول إلى ما نسبته 70 في المئة من المجتمع خلال عامي 2021-2022، وذلك للحماية من تفشي الوباء، وخفض عدد الإصابات الخطيرة والوفيات، غير أن الأرقام الحالية تشير إلى أن لبنان لم يصل إلى تحقيق التغطية اللقاحية المطلوبة. إذ بلغ عدد المسجلين للتلقيح نسبةً إلى عدد السكان، وحتى تاريخ 12 آب/ أغسطس 2021، 33.2 في المئة، وبلغت نسبة من تلقوا الجرعة الأولى (عدد الملقحين على عدد السكان من عمر 18 سنة وما فوق) 27.1 في المئة، ونسبة التلقيح للجرعة الثانية 22 في المئة.

أما بالنسبة إلى مصادر التمويل، وفي ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، وعجز موارد الدولة الرسمية، فقد تنوعت مصادر تمويل عملية التلقيح بين البنك الدولي، إذ حجزت وزارة الصحة العامة مليونين ومئة جرعة من لقاح فايزر بقرض من البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية (تقديم الدعم الفني، دعم المشتريات، شراء برادات التخزين)، منظمة اليونيسيف (تحدید احتیاجات التورید، تقییم سلسلة التبرید والمشتریات والصیانة، شراء المواد المطلوبة لعملیة التلقیح من حقن وأبر،التعاقد مع جمعية " Arc en ciel" لإدارة النفایات، تسھیل شراء اللقاحات وتسلیمھا عن طریق "كوفاكس"، دعم حملة التوعیة والمشاركة المجتمعیة)، منظمتا "الأونروا" و"مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان" (تقديم الدعم اللوجستي لإيصال اللقاحات إلى الفئات المستهدفة من اللاجئين والنازحين)، وتجمع شركات الأدوية العالمية في لبنان، ونقابة مستوردي الأدوية (تأمین اللوازم الخاصة بعملیة التلقیح، وضع سیارات مبردة ومخصصة لنقل اللقاح تحت تصرف وزارة الصحة العامة، تمویل مركز الاتصال).

تقييم عملية التلقيح في لبنان

تختلف الآراء العلمية حول عملية التلقيح ضد فيروس كوفيد-19 في لبنان، نسبةً إلى التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها لبنان. يؤكد مدير مركز ترشيد السياسات الصحية في "الجامعة الأميركية في بيروت" [4]  أن عملية التلقيح ضد فيروس كورونا في لبنان بدأت متأخرةً مقارنة بدول أخرى، وأن عدد الملقحين في لبنان حتى اليوم ما زال أقل من المستوى المطلوب مقارنةً بدول أخرى. ويشير الجردلي إلى ضرورة أن تبلغ نسبة الملقحين في لبنان 80 في المئة قبل أواخر العام 2021، لتحقيق المناعة المجتمعية في مواجهة المتحورات الجديدة للفيروس، ولتخفيف الحالات الاستشفائية والخطرة.

تتفاوت نسب المسجلين لتلقي اللقاح بين المحافظات: 53 في المئة في محافظة بيروت، 42 في المئة في محافظة النبطية، و37 في المئة في محافظة جبل لبنان، و31 في المئة في محافظة البقاع، و25 في المئة في محافظة الجنوب، و23 في المئة في محافظة الشمال، و17 في المئة في محافظة بعلبك الهرمل، و15 في المئة في محافظة عكار.  

وتؤكد التقارير الصادرة عن المركز [5] أن الوصول إلى نسبة 80 في المئة من التغطية التلقيحية بحلول نهاية عام 2021 سيؤدي إلى تسطيح منحنى الوباء بشكل ملحوظ، وإلى انخفاض بنسبة 37 في المئة من ذروة العدد اليومي للإصابات، ومن الحالات الخطيرة والحرجة، وإلى تجنب أكثر من 23 ألف حالة مرضية خطيرة، وإنقاذ حياة أكثر من ألفي شخص خلال هذا العام.

ويجد الجردلي أنه يمكن تسريع عملية التلقيح في لبنان، من خلال زيادة عدد المراكز المعتمدة، وتحسين إدارة عملية التلقيح، ودمج لقاحات كوفيد 19 بمراكز الرعاية الأولية بغية تأمين الوصول العادل للقاحات، وتعزيز وصول اللقاحات إلى المناطق النائية والبعيدة من خلال فرق متنقلة، وتسهيل عملية تسجيل المواطنين الراغبين بتلقي اللقاح، وتعزيز وصول اللقاحات إلى العمال الأجانب والنازحين، وضمان استمرارية تأمين اللقاحات بشكل مستقر وليس بوتيرة متقطعة، ومواجهة الأخبار الكاذبة والمضللة.

وهو يلحظ وجود خلل في تأمين اللقاح بشكل عادل في جميع أنحاء دول العالم، إذ تسجل الدول المتقدمة نسبة تلقيح أكبر من الدول النامية. ويسجّل لبنان، أيضاً،عدم عدالة اجتماعية في عملية التلقيح، إذ ما زالت نسب التلقيح في المناطق النائية والبعيدة أقل منها في المدن الرئيسية. فعلى سبيل المثال تلحظ أرقام وزارة الصحة العامة [6]   أن عدد الجرعات التي تم إعطاؤها، حتى تاريخ 17 آب/ أغسطس 2021، بلغ في محافظة البقاع 133.434، وفي محافظة الجنوب 201.847، والشمال 230.621، وبعلبك-الهرمل 59.831، وعكار 46.138، والنبطية 150.669، وذلك مقابل 352.908 جرعة في محافظة بيروت، و1.027.715 في محافظة جبل لبنان التي تسجل الرقم الأعلى في عدد الجرعات.

بالنسبة إلى أنواع اللقاحات، فما زال لبنان يستخدم لقاح "فايزر" بالنسبة الأكبر، إذ تم أعطاء 1.754.668 جرعة منه، مقابل 317.945 جرعة "أسترازينيكا"، و111.405 "سبوتنيك V"، و13.096 اللقاح الصيني "سينوفارم".

من جهة أخرى، يقول الباحث في معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن [7] ، إن وتيرة حملة التلقيح في لبنان بطيئةٌ نسبةً إلى محدودية توافر اللقاحات، وإلى تردد البعض في أخذها. فأرقام "معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن" تقول إن نسبة 72.7 في المئة من اللبنانيين تقبل بتلقي اللقاح ضد فيروس كورونا. أما في دول أخرى، فتتراوح النسب بين 46 في المئة في أفغانستان، و45 في المئة في فلسطين، و95 في المئة في الإمارات العربية المتحدة.

 وبحسب أرقام المعهد، فإن عدد الأشخاص في لبنان الذين سوف يأخذون على الأقل جرعةً واحدة من اللقاح، سيبلغ مليونين ونصف شخص بحلول شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021. ويضيف أن اللبنانيين يفضلون، بشكل عام، لقاح "فايزر- بيونتك" الذي يعمل بتقنية "الحمض النووي الريبوزي-المرسال-Messenger RNA" على غيره من اللقاحات. ويتسبّب هذا الأمر ببطء وتيرة عملية التلقيح.

أما رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري، ونقلاً عن مقابلة أجراها معه المركز اللبناني للدراسات [8] ، فيعتقد أن عملية التلقيح غير بطيئة، بل إن كمية اللقاحات محدودة، فلا تكمن المشكلة في الخطة، بل في كمية اللقاحات، وفي تردد بعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى تشجيع، أو في الصعوبة التي يواجهها البعض في استخدام المنصة الإلكترونية.

في المقابل، تجد باسكال سلامة، البروفسورة في علم الوبائيات في الجامعة اللبنانية [9] أن عملية التلقيح في لبنان جيدة في ظلّ جميع الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، ولم يكن في المستطاع أن تكون وتيرة عملية التلقيح أسرع من ذلك. وبناءً على دراسة علمية قام بها باحثون لبنانيون [10]، ونشرت في المجلة العلمية "BMC public Health" في أيار/ مايو 2021، تلحظ سلامة ارتفاع نسبة المترددين في أخذ اللقاح في لبنان، إذ ترفض نسبة 40 في المئة من المشاركين في الدراسة التلقيحَ، وترتفع هذه النسب عند الإناث مقارنةً بالذكور، وعند المتزوجين مقارنةً بالعازبين.

بلغ عدد المسجلين للتلقيح نسبةً إلى عدد السكان، وحتى تاريخ 12 آب/ أغسطس 2021، 33.2 في المئة، وبلغت نسبة من تلقوا الجرعة الأولى (عدد الملقحين على عدد السكان من عمر 18 سنة وما فوق) 27.1 في المئة، ونسبة التلقيح للجرعة الثانية 22 في المئة.

يسجّل لبنان، عدم عدالة اجتماعية في عملية التلقيح، إذ ما زالت نسب التلقيح في المناطق النائية والبعيدة أقل منها في المدن الرئيسية. ويلفت أن محافظة جبل لبنان هي التي تسجل الرقم الأعلى في عدد الجرعات: 1.027.715 في هذه المحافظة، مقابل 352.908 جرعة في محافظة بيروت. 

تعتبر سلامة أنه لا يكفي تأمين كمية اللقاحات فحسب، بل يجب العمل أكثر على مواجهة الأخبار الكاذبة والمغلوطة في شأن اللقاح، وتشجيع المواطنين على أخذه من خلال توافر المعلومات العلمية الصحيحة. وتنتقد سلامة السجال الحاصل بين المواطنين في لبنان حول نوع اللقاح، إذ في الكثير من بلدان العالم، لا يعرف الأشخاص نوع اللقاح الذي يحصلون عليه، فهذه القرارات تعود إلى السلطات الصحية والعلمية التي تقرّر وحدها كيفية توزيع أنواع اللقاحات. من جهة أخرى، تعتبر سلامة أن القرارات في لبنان لا ترتكز على دراسات علمية محلية، ومعطيات لبنانية كان يمكن الاستفادة منها لتحسين الظروف الصحية في مواجهة الوباء، وفي تحسين عملية التلقيح وفق خصائص البلد.

عملية التلقيح والفئات المهمشة

ينتقد التقرير الصادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" [11] ، في شهر نيسان/ أبريل 2021، برنامج الحكومة اللبنانية للتلقيح ضد فيروس كورونا الذي يهمل الفئات المهمشة، ومنها اللاجئون والعمال المهاجرون. فعلى الرغم من أن واحداً من أصل كل ثلاثة أشخاص في لبنان هو لاجئٌ أو مهاجر، ما زالت نسب تلقيح هذه الفئات متدنيةً، أي أن ثلث السكان معرضون لخطر عدم الاستفادة من خطة التلقيح. وقد أعرب اللاجئون السوريون الذين قابلتهم منظمة"هيومن رايتس ووتش" عن خوفهم من التوقيف أو الاحتجاز أو حتى الترحيل في حال سجلوا على منصة الحكومة، خصوصاً إذا لم تكن إقامتهم قانونية في لبنان. ويلفت التقرير إلى أن الحكومة اللبنانية لم تقدم معلومات دقيقة وحديثة لللاجئين السوريين والفلسطينيين، أو العمال المهاجرين حول اللقاح وكيفية التسجيل، ولم تعمل على طمأنتهم من أن عملية التلقيح ستكون محميةً من نشاطات إنفاذ قوانين الهجرة. كما لم تكن لدى اللاجئين الفلسطينيين الذين تحدثت إليهم المنظمة معرفةٌ بخطة التلقيح وبمدى أهليتهم، وأعربوا عن مخاوفهم من التعرض للتمييز نظراً لتاريخ الحكومة اللبنانية في ممارسة التمييز ضدهم.

يعتقد رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا، أن عملية التلقيح غير بطيئة، بل إن كمية اللقاحات محدودة، فلا تكمن المشكلة في الخطة، بل في كمية اللقاحات، وفي تردد بعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى تشجيع، أو في الصعوبة التي يواجهها البعض في استخدام المنصة الإلكترونية.

تؤكّد أعداد الجرعات التي تم إعطاؤها لغير اللبنانيين التهميشَ الذي تعانيه الجنسيات الأخرى. فوفق أرقام منظمة الصحة العالمية، وحتى تاريخ 15 آب/ أغسطس 2021، توزعت الجرعات على 2.045.838 لللبنانيين، مقابل 40.733 جرعة فقط للفلسطينيين، و36.295 للسوريين.

فضيحتان في عملية التلقيح

وبينما تسجل الكثير من النقاط الإيجابية في سير عملية التلقيح في لبنان، ومنها تنظيم بعض الماراثونات لأخذ اللقاح، أو تطبيق آلية "walk in" من دون أخذ موعد مسبق لتلقي اللقاح، شهدت عملية التلقيح فضيحتين ضجت بهما وسائل الإعلام والمجتمع اللبناني. تمثلت الفضيحة الأولى، عند بدء عملية التلقيح، في 23 شباط/ فبراير 2021، حين أكّد أمين عام مجلس النواب أن 16 نائباً، وأربعة موظفين في البرلمان، تلقوا اللقاح داخل المجلس من دون علم وموافقة اللجنة الوطنية لإدارة حملة التلقيح في لبنان. ما دفع رئيس اللجنة إلى اتخاذ قرار بالاستقالة غير أنه تراجع عنه. وهدّد البنك الدولي، آنذاك، بتعليق تمويل حملة التلقيح، وسجّل الخرق الذي حصل. في المقابل، استقالت العضو المسؤول عن الأخلاقيات في اللجنة الوطنية للقاح بعد ساعات على فضيحة تلقيح النواب في البرلمان، وأعادت استقالتها إلى الخروقات التي رافقت خطة التلقيح.

أما في منتصف شهر تموز/ يوليو 2021، ضج لبنان بفضيحة اللقاحات المغشوشة في منطقة البترون الشمالية بعدما تبيّن أن عدداً من المواطنين هناك تلقوا، ومن خارج المنصة الرسمية، لقاحاً مغشوشاً عبارة عن ماء وملح. نفت إدارة مستشفى البترون، في بيان صادر عنها، أن يكون التلقيح جرى داخل حرم المستشفى، وباشرت وزارة الصحة العامة التحقيق في ظلّ اتهام ممرضة سابقة في المستشفى بالتورط بالغش في اللقاحات. كما أكّد رئيس لجنة لقاح كورونا على المواطنين بضرورة التسجيل عبر المنصة لتلقي اللقاح، وعلى أهمية التزود بالوعي، والتوجه إلى المراكز المحددة حصراً من قبل وزارة الصحة العامة حيث تتوافر الخبرة ومعايير السلامة المطلوبة.

تقرير الأعراض الجانبية للقاحات

لم يسلطّ الإعلام اللبناني الضوء على تقارير نظام اليقظة الدوائية في وزارة الصحة العامة حول الأعراض الجانبية لحملة التلقيح، والتي كان من الممكن الاستفادة من نتائجها لتشجيع الأشخاص المترددين أو الخائفين منها، فظلت هذه التقارير الصادرة باللغة الإنكليزية محصورةً بالعلميّين. إذ لحظ التقرير الثالث حول الأعراض الجانبية لحملة التلقيح التي امتدت بين 14 شباط/ فبراير 2021، وحتى 30 أيار/ مايو 2021 [12]، الصادر عن نظام اليقظة الدوائية في وزارة الصحة العامة بالتعاون مع الجامعة اللبنانية، تسجيل 2856 حالة إبلاغ عن أعراض جانبية، تم الإبلاغ عن معظمها من خلال المنصة الإلكترونية، وبنسبة تتراوح 63.4 في المئة إناث، و36.5 في المئة ذكور، وكانت الفئة العمرية التي تتراوح بين 18-44 عاماً أكثر الفئات إبلاغاً. وصنفت الحالات بين 2713 حالةً غير خطرة، و94 حالةً تحتاج إلى متابعة طبية، و9 حالات مهمة جداً طبياً، و49 حالةً خطرة.

تؤكّد أعداد الجرعات التي تم إعطاؤها لغير اللبنانيين التهميشَ الذي تعانيه الجنسيات الأخرى. فوفق أرقام منظمة الصحة العالمية، وحتى تاريخ 15 آب/ أغسطس 2021، توزعت الجرعات على 2.045.838 لللبنانيين، مقابل 40.733 جرعة فقط للفلسطينيين، و36.295 للسوريين. 

وأظهر التقرير أن الأعراض الأكثر شيوعاً التي تم تسجيلها بعد تلقي اللقاح تراوحت بين الشعور بألم عام (45.8 في المئة)، ألم موضع الحقنة ( 40.1 في المئة)، التعب (38.8 في المئة)، الشعور بقشعريرة (34.8 في المئة)، وألم في الرأس (34.2 في المئة). وشكّل الشعور بألم جسدي وفي المفاصل أكثر الأعراض عند الملقحين بلقاح "فايزر- بينوتيك" بينما شكّل الشعور بالتعب أكثر الأعراض شيوعاً عند الملقحين باللقاحات الأخرى.

واعتبر التقرير أن الأعراض الجانبية التي تم تسجيلها عند الملقحين في لبنان مشابهةٌ للبيانات التي يتم رصدها على الصعيد الدولي.

هل ينتج لبنان اللقاحات في الفترة المقبلة؟

زار وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، ووزير الصناعة، العاصمة الروسية موسكو في شهر آب/ أغسطس 2021، لإبرام اتفاقية بين صندوق الاستثمار الروسي وشركة "أروان للصناعات الدوائية - لبنان" بغية إنتاج وجبات تجارية من لقاحي Sputnik V وSputnik Lite لتأمين خمسة وعشرين مليون لقاح Sputnik V ومليون لقاح Sputnik Lite ابتداءً من شهر أيلول/ سبتمبر 2021، وحتى نهاية العام. وكان وزير الصحة العامة قد منح الشركة إذناً لاستيراد مواد أولية لإنتاج وجبات تجريبية للقاحين.وأشار وزير الصناعة إلى أن هذا الاتفاق هو اتفاق صناعي - صحي - اقتصادي يضع لبنان على خارطة مصانع التلقيح، ويضمن نحو 700 مليون دولار من الإنتاج والتصدير، ويوفّر الكثير من فرص العمل حسب ما جاء في البيان الرسمي لوزارة الصحة العامة. غير أن السؤال يبقى متعلقاً بمدى تطبيق هذه الاتفاقية، ومدى إمكانية إنتاج اللقاحات في لبنان في ظلّ جميع الظروف الاقتصادية، ونقص مادة الفيول وانقطاع الكهرباء والتبريد وتردي البنى التحتية كافة...

واقع فيروس كورونا اليوم في لبنان

يسجّل لبنان ارتفاعاً في عدد الإصابات بفيروس كورونا. إذ يلحظ تقرير ترصد عدوى الكوفيد 19 الصادر في 15 آب/ أغسطس 2021 عن وزارة الصحة العامة [13] ، تسجيل 1515 حالةً جديدة، و4 حالات وفاة، ليصبح العدد التراكمي للإصابات 583012 شخصاً، وعدد مجمل الوفيات 7976.

يعيد التقرير [14] الصادر عن معهد القياسات الصحية في جامعة واشنطن IHME، في 5 آب/ أغسطس2021، ارتفاع نسبة الإصابات بفيروس كوفيد 19 في لبنان، إلى انتشار متحوّر دلتا فيه، وإلى ارتفاع حركة تنقّل المواطنين، وانخفاض نسبة ارتداء الكمامات، وبطء وتيرة التلقيح بسبب محدودية كميات اللقاحات. وتشكل الإصابة بكورونا السبب الثالث للوفاة في لبنان خلال أسبوع الخامس من آب/ أغسطس 2021. ومن المتوقّع أن يسجل لبنان بحلول أوائل كانون الأول/ديسمبر المقبل 8900 حالة وفاة بسبب كورونا، أي 960 حالة وفاة جديدة في الفترة الممتدة بين شهري آب/أغسطس 2021، وكانون الأول/ديسمبر2021. ومن المتوقع أن تعاني المستشفيات وأقسام العناية الفائقة ضغطاً بسبب زيادة حالات الإصابة بالفيروس، وتدهور البنى التحتية للقطاع الاستشفائي في لبنان، في ظلّ هجرة الطواقم الطبية والتمريضية، وانقطاع مادة الفيول، وشح الأدوية والأمصال في المستشفيات اللبنانية.  

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

[1] الخطة الوطنية للقاح كوفيد 19- وزارة الصحة العامة
Minister-Presentation-Final-Jan28.pdf (moph.gov.lb)
[2]https://twitter.com/wholebanon?lang=en
[3]https://www.facebook.com/mophleb/photos/pcb.2676183972691257/2676181189358202/
[4] مقابلة مع مدير مركز ترشيد السياسات الصحية في "الجامعة الاميركية في بيروت" الدكتور فادي الجردلي ل"السفير العربي"
[5] https://www.aub.edu.lb/k2p/Pages/K2PCOVID19.aspx
[6] COVID-19 Coronavirus Lebanon Cases (moph.gov.lb
[7] مقابلة مع الباحث في معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن الدكتور علي المقداد لـ"السفير العربي"
[8] https://www.lcps-lebanon.org
[9] مقابلة مع باسكال سلامة البروفسورة في علم الوبائيات في الجامعة اللبنانية لـ"السفير العربي"
[10] https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/34044790
[11] https://www.hrw.org/ar/news/2021/04/06/37838
[12] https://www.moph.gov.lb/userfiles/files/Quality%26Safety/PharmacovigilanceSystemInLebanon/Pharmacovigilance%20Executive%20Summary%20%20%233%2029%20June%202021.pdf
[13] https://www.facebook.com/mophleb/photos/a.1626551607654504/2675546282755026/
[14] http://www.healthdata.org/sites/default/files/covid_briefs/146_briefing_Lebanon.pdf 

مقالات من لبنان

كلنا مستهدفون، كلنا HVT

خوف الناس من وحشية آلة الحرب الإسرائيلية قد تحوّل إلى خوف من بعضهم البعض. وصار هاجسهم ألا يكون الشخص الذي يقف إلى جانبهم، أو ذاك الذي يقود السيارة التي تسير...

للكاتب نفسه