شركات التعدين الأجنبية في موريتانيا: مافيات

المعركة يجب أن تكون من أجل تأميم الشركات الأجنبية، لأنها تعودت على سرقة ثروات الشعوب، ولأنها تتميز بالمافويوية، بدلالة تاريخها مع الدول التي سبق لها وعملت فيها..
2014-02-12

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
التنقيب عن المعادن في موريتانيا (من الإنترنت)

يحتدم النقاش الآن في موريتانيا حول جدوى العقود الموقعة بين موريتانيا والشركات التي تستخرج الذهب والنحاس من أرض البلاد. تتصاعد الأصوات المطالبة بمراجعة هذه العقود «المجحفة» بحق موريتانيا وشعبها، بل وحتى بطرد هذه الشركات والبحث عن اتفاقيات مجزية لموريتانيا مع شركات تحترم العمال وتتقيد بإجراءات الأمان. وتكثر الاتهامات بحق هذه الشركات، من قبيل تلويث البئية، وسرقة المعادن، وإهانة العمال.

ضعف المردودية وتلويث البئية 

تحصل موريتانيا على 3 في المئة من عائدات الذهب المستخرج من مناجمه فيها، وذلك حسب الاتفاقية الموقعة مع شركة كنروس الكندية، رغم أن هذه الشركة تستحوذ على ثاني أضخم منجم للذهب في العالم، وهو منجم تازيازت الواقع في الشمال الموريتاني. والأمر لا يختلف كثيراً مع شركة «mcm» الكندية التي تستخرج النحاس والذهب.هذه الأرقام الضئيلة دفعت الى المطالبة بمراجعة الاتفاقيات، وكذلك الى اتهام النظام بتلقي رشاوى للتواطؤ مع الشركات. وقد أصدرت المعارضة بيانات منددة، ونظم المدونين الموريتانيين حملات ضد الاتفاقيات والحكومة والشركات. الخسارة المالية ليست وحدها ما يزعج المطالبين بمراجعة العقود، بل يتهم هؤلاء الشركات الأجنبية العاملة في مجال التعدين بتلويث البيئية الموريتانية، إذ لوحظ تزايد نسب الإصابة بالسرطان في المناطق التي تعمل فيها الشركات، وظهور أمراض لم تكن معروفة فيها. وتحدث كذلك تقرير أعده الخبير الفلاحي محمد الأمين بأمر من محكمة الاستئناف بنواكشوط عن انعدام إجراءات الأمان البيئي في شركة mcm التي تستخرج النحاس وافتقار الشركة لأي مخطط في هذا المجال.وكانت كونفدرالية عمال موريتانيا قد أصدرت بيانا في الرابع من تموز/ يوليو 2012 اتهمت فيه شركة كنروس بالتسبب في اصابة عمالها ببعض الأمراض، نتيجة لاهمالها جانب السلامة أثناء العمل. فقد ظهرت بعض الأمراض التي يسببها الرصاص والزئبق مثل «التسمم بالرصاص، والتهاب الدماغ الحاد، والرعاش، وخلل المخيخ، والتهاب الفم، والإسهال والمغص، والتهاب الكلي الآزوتيمي».

احتقار العمال

في شهر كانون الاول/ديسمبر الفائت، قامت شركة كنروس تازيازت الكندية بفصل 293 عاملا. وبررت ذلك بأن أسعار الذهب عرفت، خلال أشهر السنة الاخيرة، انخفاضا كبيرا يناهز 30 في المئة، وأن شركات التعدين ملزمة باتخاذ «قرارات صعبة تتطلبها المرحلة».لكن الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا قالت أن تبرير الشركة غير مقنع: «لا توجد بالضرورة علاقة سببية بين ارتفاع أسعار الذهب وارتفاع تكلفة الإنتاج. وسعر الذهب أثناء شراء منجم تازيازت من طرف شركة كنروس كان أقل من سعره في الوقت الراهن (حيث لم يكن سعر أونصة الذهب في 30 حزيران/يونيو 2010 يتجاوز 1197 دولارا بينما وصل سعرها أمس الأول ـ 20 كانون الأول/ديسمبر 2013 ـ إلى حدود 1202 دولار، في الوقت الذي يجمع معظم المحللين علي أن أسعار الذهب ستعاود الارتفاع خلال العام المقبل) أضف الي ذلك أن الشركة تمكنت من تعويض خسائرها الناجمة عن تراجع أسعار الذهب من خلال خفض قيمة العملة المحلية (التي يتم بها دفع أجور ومستحقات العمال) الذي شهدته موريتانيا خلال السنوات الأخيرة». وقالت أيضا أن قرار الفصل هذا غير قانوني وتعسفي ويعد مخالفة صريحة للقاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة 55 وما بعدها من مدونة الشغل، والمادة 30 من الاتفاقية الجماعية للشغل والمتعلقة بالفصل لأسباب اقتصادية. وقالت بعض المواقع الأجنبية أن سبب فصل العمال الموريتانيين هو استجلاب بعض العمال من دولة غانا يعملون في فرع الشركة هناك، ولم تعد تحتاجهم في دولتهم. لكن الحكومة الغانية رفضت أن يسرحوا وهددت بطرد الشركة حالة تسريحهم.

قرار الفصل لم تتخذه شركة كنروس تازيازت وحدها بل قامت شركة mcm بدورها، وبعد الاولى بيومين، بفصل 160 عاملاً من عمال المقاولة كدفعة أولية.أعقبت هذا الفصل احتجاجات قوية لعمال هذه الشركات، حيث اعتصم بعضهم أمام القصر الرئاسي وطالبوا بالإنصاف. لكن بعد أسبوعين من الاعتصام، تم قمعهم وفض اعتصامهم.حركة الاحتجاج هذه ليست الأولى، حيث قام عمال شركة mcm في مدينة أكجوكت في تموز/يوليو من العام 2012 بإضراب عن العمل واعتصموا للمطالبة ب:

ـــ تعويض مبلغ الضريبة على الأجور، انطلاقا من ملحق عقد MCM،التسديد، بأثر رجعي لعلاوات التضخم والتقييم لسنة 2011،
ـــ منح علاوة الماء والكهرباء لجميع العمال،
ـــ تسديد علاوة التنقل لعمال المالية،
ـــ تعويض العلاوات المختلفة والضريبة على الأجور،
ـــ تسجل ساعة لتناوب الورديات وراحة عمال المقلع على غرار كل الفرق في قطاع المناجم،
ـــ التكفل بالنقل والإقامة والاستشفاء، وإلغاء إلزامية الاستشارة الطبية في عيادة الشركة.

لكن اعتصامهم هذا تم قمعه وسقط أثنائه أحد عمال شركة mcm قتيلاً، وفصل على إثره العامل الذي قاد الاعتصام.

وقد طالت حالة الغضب من الشركات الأجنبية الصحافة، وخصوصا المواقع الإخبارية الموريتانية، حيث يتهمها بعض النشطاء والعمال المحتجين بالتستر على جرائم شركات التعدين الأجنبية والوقوف بجانبها والترويج لها، ويقولون ان المشرفين على هذه المؤسسات الصحافية يتلقون رشى من الشركات الأجنبية للسكوت والتغطية على ما تقوم به.

مستقبل الحراك المناهض الشركات 

هناك قناعة بأن الحراك المناهض للشركات الأجنبية والمطالب بتحسن العقود الإستخراجية وظروف العمال قد يؤتي أكله ويفرض على هذه الشركات أن ترضخ لمطالب المنخرطين فيه. لكن ينقص هذا الحراك الاستمرارية والتخطيط، ومن حلقات ضعفه أنه موسمي يظهر في الأزمات فقط. وهو ما يدفع البعض الى اعتبار أن هذه الشركات لن ترضخ، وأن المعركة يجب أن تكون من أجل تأميمها، لأنها تعودت على سرقة ثروات الشعوب، وأنها تتميز بالمافويوية، بدلالة تاريخها مع الدول التي سبق لها وعملت فيها.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه