الدروس الخصوصية بأوامر حكومية

"العام الدراسي الجديد الذي سيبدأ نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل سيكون بلا دروس خصوصية. أعدكم بذلك. وسوف نحارب مراكز الدروس الخصوصية الشهيرة باسم (السناتر) وسنمنح الضبطية القضائية للمسؤولين لمواجهة الدروس الخصوصية والقضاء عليها". هكذا صرّح المهندس محلب رئيس الوزراء المصري لعدد من الصحافيين في زيارته مؤخراً لمقر وزارة التعليم، وعقب اجتماع مع مسؤولي الوزارة.. ولكنه غادر الاجتماع قبل إن
2015-08-20

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
"مدرسة بنات" لنزير طنبولي - مصر

"العام الدراسي الجديد الذي سيبدأ نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل سيكون بلا دروس خصوصية. أعدكم بذلك. وسوف نحارب مراكز الدروس الخصوصية الشهيرة باسم (السناتر) وسنمنح الضبطية القضائية للمسؤولين لمواجهة الدروس الخصوصية والقضاء عليها". هكذا صرّح المهندس محلب رئيس الوزراء المصري لعدد من الصحافيين في زيارته مؤخراً لمقر وزارة التعليم، وعقب اجتماع مع مسؤولي الوزارة.. ولكنه غادر الاجتماع قبل إن تنهال الاسئلة. وللتوضيح، فـ "السناتر" تلك هي جمع كلمة سنتر (center)!

15 مليار جنيه

على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية حول الاقتصاد الموازي للتعليم، إلا أن كثيراً من المسؤولين اشاروا إلى أن حجم ما تصرفه الأسر المصرية على الدروس الخصوصية يصل إلى 2 مليار دولار سنوياً في هذا الاقتصاد الموازي. وقد أكدت ذلك بعض الدراسات الاقتصادية في هذا الشأن. تفاقمت الظاهرة حتى أصبحت البديل الرئيسي لحصول الطالب على المعلومة، وأصبح الذهاب إلى المدرسة أثراً بعد عين، وهو ما أكده كافة اوائل البكالوريا هذا العام. بل إن بعضهم أكد أنهم لم يذهبوا إليها طوال المرحلة الثانوية لأنها أصبحت "تضييعاً للوقت"، وكانوا يذهبون إلى "السناتر" بدلاً من المدرسة، وهي الظاهرة التي دخلت حياة الأسر المصرية على استحياء في بداية الألفية الحالية وبالتزامن مع ظهور المولات التجارية الضخمة التي يطلق عليها أيضا لقب "سنتر". وأصبح السنتر التعليمي يضم مختلف التخصصات فى كل المواد الدراسية، واسماء من قبيل "الكينج في الرياضيات" و "الإمبراطور في الكيمياء" إلى آخر الألقاب. وأصبح الالتحاق بهذه السناتر يتم بالحجز المسبق، ويتجاوز حجم الطاقة الاستيعابية للقاعات المئة طالب، وهي تتضاعف قبيل مواعيد الامتحانات. وفي المقابل، تقلصت ظاهرة الدروس الخصوصية في المنازل، التي كانت قد استشرت هي الأخرى مع نهاية حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وتزامنت مع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، حتى جاءت ظاهرة "السنترز" لتقلص ظاهرة الدروس الخصوصية المنزلية وحتى مجموعات التقوية المدرسية لمصلحتها. واللافت للنظر أن قوانين التعليم منذ بداية إنشاء وزارة التعليم (ديوان المدارس) في القرن التاسع عشر لم تكن تجرّم الدروس الخصوصية، ولكن كانت تلزم المدرِّس بالحصول على موافقة رسمية. وكانت تتمّ في غير مواعيد المدرسة. وكانت مخصصة للطالب الضعيف علمياً فقط وبناء على قرار مدرسي وتحت إشراف المدرسة. استمر الحال هكذا لأكثر من 150 عاماً، الى حين تخلّت الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن عن إعطاء المدرِّس مرتَّباً عادلاً. فهو لا يصل إلى 150 دولاراً شهرياً للاستاذ المتخرج حديثاً، وهذا إذا تمّ تعيينه فى المدارس الحكومية، أما في المدارس الخاصة فلا يصل إلى 100 دولار شهرياً، بينما لا يتجاوز 400 دولار للمدرِّس الخبير طبقاً للكادر الحكومي.

منع أم تقنين؟

في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، عقد الرئيس السيسي أول مؤتمراته الجماهيرية وكانت مع المعلمين، وفيها أكد على حقهم في الحصول على "أموال" تضمن الحياة الكريمة. وفهم من ذلك أنه لن يلغي الدروس الخصوصية أو يمنعها. وكان ذلك رداً على طلب أحد الإعلاميين الحاضرين بمنع الدروس الخصوصية وتجريمها. فلماذا يطلق رئيس الوزراء هذا الشعار الآن، ونحن على أبواب عام دراسي جديد؟ والأهم من إطلاق الشعار: كيف سيطبق أو ينفذ القرار؟
د. محب الرفاعي، وزير التعليم، حاول أن يجد الحلول للتنفيذ، وقال "إن الوزارة قد وضعت خطة تفصيلية لتنفيذ تعليمات رئيس الوزراء، وهي خطة تتكوّن من خمس خطوات، أولها يتعلق بتوزيع "سي دي" مع الكتب الدراسية في أول العام عليها كل الدروس وبشرحٍ وافِ. أما مَن لا يملك جهاز كمبيوتر فى المنزل، فسوف نفتتح في سبتمبر المقبل القناة التلفزيونية التعليمية التي سوف نخصص لها كبار المعلمين ومشاهيرهم في كل تخصص، ويستطيع الطالب من خلال جهاز التليفون التفاعل مع المعلم في القناة التليفزيونية، بالإضافة إلى إعطاء الطالب حق اختيار معلم المادة التي سيحضرها في المدرسة، وتطبيق نظام المحاضرة في التدريس لمدة ساعة ونصف لكل مادة، وبحد أقصى محاضرتين إلى ثلاث في اليوم الواحد، وذلك بدلاً من نظام الحصة الاجبارية ومدتها 35 دقيقة فقط لكل مادة. أما الخطوة الرابعة فتتمثل في التعاقد مع مشاهير المعلمين الذين تجذب أسماؤهم الطلاب للذهاب إليهم في السنتر الخارجي، وذلك للتعاقد على التدريس بشكل قانوني، وسوف نتيح الساحات الرياضية ومراكز الشباب لهذا الغرض، وسيكون هذا بمقابل مادي يدفعه الطالب من خلال مدرسته". وأضاف الوزير: "وبالتأكيد سوف تكون الأسعار أقل بنسبة يمكن أن تتراوح ما بين 20 إلى 30 في المئة مما يدفعه الطالب وولي أمره الآن في السنتر الخارجي".
وبعبارة أخرى، فإن الحكومة قررت أن تدخل السوق التعليمي بنفسها وتلعب دور الوسيط بين الطالب وولي أمره من جهة، وبين المعلم وسوق الدروس الخصوصية من جهة أخرى، وذلك تحقيقاً لمقولة رئيس الوزراء "أن الطالب يدفع لمن لا يستحق"، وكان يقصد "السناتر" التعليمية، وكلها تعمل جهاراً نهاراً بدون ترخيص رسمي من الدولة. وهو ما أجاب عليه وزير التعليم حينما سألته عن عدد هذه "السنترز"، بأن "وزارته تجري الآن حصراً لها تمهيداً لإصدار قرار رسمي بإغلاقها، ويتوقع أن ينتهي الحصر قبيل بداية العام الدراسي الجديد في أواخر سبتمبر المقبل، مع منح المسؤولين حق الضبطية القضائية لمنع الدروس الخصوصية"، ثم استدرك سريعاً: "الضبطية القضائية للمراكز والسنترز التعليمية وليس لاقتحام بيوت الأساتذة أو الطلاب وأولياء أمورهم".

الخصخصة

تصريحات وقرارات المسؤولين حول إلغاء الدروس الخصوصية جعلت أستاذ الاقتصاد جلال أمين يكتب "ليت الأمر بهذه السهولة"، وأضاف "ظاهرة الدروس الخصوصية لا تتعلق فقط بنظام التعليم بل تثير قضايا اقتصادية وسياسية قديمة وحديثة، وتعكس فشلاً عاماً في السياسة الاقتصادية والاجتماعية يحتاج علاجه إلى فكر وجهد لا يمكن تحقيقهما على الفور! لأن علاج المشكلة التي تبدو ظاهرة تعليمية قد يبدأ فى ميدان آخر غير التعليم". ووصف ظاهرة الدروس الخصوصية بأنها "صورة من صور الخصخصة، أي نقل وظيفة الدولة إلى الأفراد، وترك الخدمة بل ومستواها للشطارة أو القوة الاحتكارية. فالأسر الفقيرة تضطر إلى دفع أجر المدرس والأسر الغنية لا تضطر إلى ذلك لأن باستطاعتها نقل أولادها إلى مدرسة خاصة يحصلون فيها على خدمة أفضل أو حتى إرسالهم خارج البلاد ليتعلموا". وهو يرى أن "الدولة يمكن أن تحصل عن طريق الضرائب ما يساوي ما تنفقه الأسرة المصرية على الدروس الخصوصية، فتنفقه في بناء إعداد المدارس الكافية ويحصل المدرس على ما يستحق. وأن تحقيق الهدف المنشود من العملية التعليمية دون الدروس الخصوصية لا يحتاج أكثر مما ينفقه المصريون بالفعل على الدروس الخصوصية، وفقط نحتاج دولة قوية ورشيدة، ولن نحتاج في هذه الحالة إلى إصدار قوانين جديدة ولا تغليظ العقوبات على الدروس الخصوصية".
قبيل "ثورة يناير" بشهور قليلة، أصدر وزير التعليم في ذلك الوقت احمد زكي بدر وهو ابن أشهر وزراء الداخلية زكي بدر، قراراً بمنع توزيع الكتب الخارجية على الفور، وكانت النتيجة أن انتشرت بكثافة الكتب الخارجية، وارتفع سعرها، وأصبح تداولها سراً مثل المخدرات..

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...