أحلام الكرامة والعلاج بالمجان.. فى مصر الآن

الحرب معارك إذاً. تأتي هذه المعركة محملة بخبرات كل ما سبق، حتى لو بدا غائماً، وبآمال حول كل ما يمكن أن يأتي حتى لو بدا شبه مستحيل. إنها معركة يرى المنادون بها فى مصر، الأطباء، أنها لم تكن يوماً ـ ولم تصبح ـ ضد شخص أو كيان أو نظام، بل هي ضد فكرة ومن أجل فكرة. هي بنظرهم معركة "البالطو" الأبيض على جسد الطبيب والدم الأحمر بعروق المريض، في مواجهة منظومة صحية لا تغني ولا تسمن من
2016-03-17

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك

الحرب معارك إذاً. تأتي هذه المعركة محملة بخبرات كل ما سبق، حتى لو بدا غائماً، وبآمال حول كل ما يمكن أن يأتي حتى لو بدا شبه مستحيل.
إنها معركة يرى المنادون بها فى مصر، الأطباء، أنها لم تكن يوماً ـ ولم تصبح ـ ضد شخص أو كيان أو نظام، بل هي ضد فكرة ومن أجل فكرة. هي بنظرهم معركة "البالطو" الأبيض على جسد الطبيب والدم الأحمر بعروق المريض، في مواجهة منظومة صحية لا تغني ولا تسمن من احتياجات أي من الطرفين، حيث الأول يبحث عن الكرامة والكفاف والثاني عن السلامة والشفاء.
يقف الطبيب الزاهد حسين خيري، نقيب أطباء مصر ذو الشعر غير المرتب والوجه المجهد بعطاء طبي لا ينكره أحد، أمام جموع من رفاقه بيوم 12 شباط/ فبراير الفائت، ويرفعون جميعهم في أيديهم بطاقة خضراء للموافقة على بدء نضال جديد ضد سياسات الدولة التي لم تتغير يوماً في مجال الصحة، ولكنها اختارت للإعلان عن نفسها هذه المرة شكلاً جديداً أكثر قبحاً هو صفع الوجه والركل بالأقدام وإشهار السلاح.. تعرض لها جميعاً طبيبان مصريان داخل مستشفى عام على يد أمين شرطة ادّعى انه لم يتلقّ منهم العلاج المطلوب، بينما أكدا هما أن سبب الخلاف رفضهما تزوير تقرير طبي حول إصابته. يبقى السؤال: كيف يمكن الاعتداء على طبيب بالضرب من أمين شرطة من المفترض أنه وأمثاله يحمون المستشفى من أي اعتداء.
"12 فبراير" سجِّل بلا شك كبشرى خير للنضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية داخل مصر هذا العام، وكانت صور الحشود المتضامنة التي أغلقت شارع قصر العيني رسالة هامة وموحية. وتبقى اللقطة الأهم أن هذا التحرك النضالي لم يرفع هذه المرة عنوان الإضراب كوسيلة ضغط، بقدر ما رفع عنوان "حملة العلاج المجاني دفاعاً عن حق الطبيب والمريض". ففي محضر الجمعية العمومية الأخيرة لأطباء مصر، صدرت قرارات ترتكز أغلبها على حق الأطباء فى الحماية داخل مقار عملهم، وحقهم في وقف العمل اضطرارياً في حال تعرضهم للهجوم وإغلاق المستشفى ـ كما ينص القانون ـ والضغط من أجل اتخاذ إجراءات قانونية حاسمة تجاه الشرطيين المعتدين على الأطباء، ووسيلتهم من أجل تحقيق ذلك الإعلان عن سلسلة من الوقفات الاحتجاجية تلتها موجة تصعيد، ليست بالإضراب الجزئي كما في المرات السابقة، ولكن بإعلان وقف العمل بالعيادات الخارجية "مدفوعة الأجر" مع استمرار العمل في أقسام الاستقبال والطوارئ بالمجان، بحيث يحصل المريض بعد قطع تذكرة الدخول التي لا يتعدى ثمنها الجنيهين، على خدمات الكشف والعلاج من دون دفع أي رسوم نظير الأشعة أو التحاليل أو مستلزمات إجراء العمليات الجراحية، كتركيب شرائح العظام وغيرها.
ساحة مواجهة أُخرى شملتها قرارات الجمعية العمومية غير العادية الأخيرة للأطباء باتخاذ قرار بتحويل وزير الصحة والسكان للتحقيق بلجنة آداب المهنة داخل نقابة الأطباء تمهيداً لسحب لقب طبيب منه بسبب تصريحه بأن عدداً كبيراً من الأطباء لا يصلحون لمزاولة الطب، إضافة الى موقفه المتقاعس عن حماية حق الأطباء المعتدى عليهم بمستشفى المطرية.
و كان رد الوزير هو تحريك دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، طالب فيها ببطلان القرارات التي أقرّتها الجمعية العمومية لنقابة الأطباء في 12 فبراير، واعتبرها قرارات تقف في مواجهة حق المريض بالعلاج وضد سياسات الدولة.
مرّت الأيام العشر الأولى على بدء تنفيذ بروتوكول العلاج المجاني الجديد لتعلن بعدها نقابة الأطباء تطبيق المستشفيات العامة بـ18 محافظة قرارات الجمعية العمومية بنسب تتراوح ما بين 100 في المئة إلى 50 في المئة، وسط ضغوطات شديدة من إدارات المستشفيات وتهديدات بالفصل والعقاب للأطباء. ومن المنتظر استمرار العمل به حتى موعد انعقاد الجميعة العمومية غير العادية القادمة يوم 25 آذار/ مارس الحالي من أجل تقييم النتائج والخطوات القادمة.
خطوة جديدة ومختلفة، تبدو صعبة على المريض الذي يثقله مرضه ولا ينقصه مواجهة مع إدارات المستشفيات، لكنه يحلم بالتأكيد بالعلاج المجان. لذا قام الأطباء بتوزيع ورقة على المرضى فى بعض المستشفيات لإعلامهم بكيفية المواجهة والضغط من أجل الحصول على حقهم من دون دفع رسوم مالية، وكان من ضمن الأسئلة المطروحة "ماذا أفعل في حال رفض الإداري عمل الأشعة والتحاليل من دون دفع مقابل مالي؟"، وردّ الأطباء "تذهب للشكوى للمدير وتعلمه أن هذا حقك وفق الدستور والقوانين الموضحة بالورقة. وفي حالة رفضه، تقوم بتقديم شكوى لنقابة الأطباء ضد هذا المدير لشطبه من النقابة لامتناعه عن تقديم الخدمة الطبية".
تقول وكيلة نقابة الأطباء، الطبيبة منى مينا التي تحولت لرمز داخل الحياة المصرية، "هل نستطيع أن نغير قوانين عمل المستشفيات؟ الحقيقة نحن لا نغير شيئاً، والعلاج المجاني هو الأصل في المستشفيات الحكومية، ولكن الوضع تغير بقرارات إدارية وأصبحت المستشفيات الحكومية تتقاضى بالأغلب مقابل العنايات المركزة والحضانات والولادة والجبس والشرائح والأشعة والعمليات، ولذلك أصبح واجباً علينا أن نعود بالأمور للوضع القانوني وتنفيذ قرار رئيس الوزراء 1063 لسنة 2014 الخاص بعلاج الطوارئ مجاناً. نعطي لمرضى المستشفيات الحكومية حقهم في العلاج المجاني. واجب علينا أن نبذل الجهد". يحدث هذا وسط خطاب إعلامي منظم يراه الأطباء مزوراً أكثر من كونه هجومياً، فيقول أحد الأطباء "ترتكز دعايتهم على أن الأطباء المتوحشين سيمتنعون عن العمل وسيتركون المرضى الغلابة بدون علاج!!".
ووفق تصريحات حكومية أخيرة، فإنّ الامتناع عن تحصيل رسوم مالية مقابل بعض الخدمات الصحية بالمستشفيات العامة سيكلف الدولة خلال عام خسائر تقدر بـ17 مليار جنيه. ودافع نائب وزير الصحة "نحن بالفعل نقدم خدمة مجانية، وما يتم تحصيله رسوم تتعلق بخدمات إضافية ليس بينها الكشف وتشخيص المرض وصرف العلاج، وتذهب جميعها لتحسين خدمة المستشفيات"، فيرد نقيب الأطباء "ما معنى كلمة تحسين خدمة المستشفيات؟ الأموال المحصلة عبر رسوم الخدمات الطبية، لا يستفيد المريض منها بشيء، إنما في معظم الأحوال تذهب في صورة مكافآت وحوافز للإداريين والأطباء، الذين قرروا الاستغناء عنها خلال انعقاد جمعيتهم العمومية الماضية، حفاظاً على كرامتهم"، مضيفاً أن "العيادات الخارجية لا تستقبل سوى المرضى الفقراء، وما يتم تعريفه كخدمات إضافية هو حق أصيل".
9 قرارات هي محضر عمومية الأطباء، بدأت بحق الأطباء المعتدى عليهم على يد رجال الشرطة ـ وسط انتقاد اجتماعي واسع للتجاوزات اللامتناهية للشرطة ـ وانتقلت سريعاً لفتح جبهة مواجهة عن الوجع المكتوم عبر سنوات، يمكن تلخيصه في سؤال: لماذا لا تسير الأمور داخل المستشفيات في مصر كما ينبغي لها أن يكون؟ لماذا لا يحصل المريض على حقه بالعلاج بكرامة، و لماذا لا يمارس الطبيب عمله بكرامة؟
وكان تقرير حديث قد صدر عن "مركز دعم واتخاذ المعلومات" التابع لمجلس الوزراء، أشار إلى أن حجم الإنفاق الحكومي على الصحة 38 في المئة أي 44.9 مليون جنيه بموازنة العام المالي الأخير، بينما ينفق المواطنون 62 في المئة من كلفة الطبابة من جيوبهم الخاصة. ومن المعروف أن 43 في المئة من مواطني مصر يعيشون تحت خط الفقر، وفق التعريف العالمي له وهو من يقل دخله عن 1.25 دولار يومياً للفرد.
إنها معركة جديدة للأطباء، ليست فقط لمواجهة اعتداء أو لزيادة "بدل العدوى"، مرحلة تتعدى كل ما سبق من أجل إعادة تعريف الهوية في زمن الخوف.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...