مجلس شركاء الانتقال في السودان: انكشف الغطاء!

أصدر رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بياناً مفصلاً رفض فيه صلاحيات واختصاصات "مجلس شركاء الفترة الانتقالية" الذي انفرد البرهان بالاعلان عن تشكيله، وقال إنه غير مطابق لما تمّ الاتفاق عليه. فقد نصت عليه الوثيقة الدستورية، على أن يكون المجلس مجرد جسم تنسيقي لحلحلة القضايا الخلافية بين مجلسي السيادة والوزراء، وأن يكون مرجعيةً سياسية، قراراته غير ملزمة.
2020-12-13

شمائل النور

كاتبة صحافية من السودان


شارك
حازم حسين - السودان

أظهر إعلان تشكيل "مجلس شركاء الفترة الانتقالية" في السودان، هشاشة الشراكة بين المدنيين الذين يمثلون قوى الثورة، والمكوّن العسكري الذي نفّذ إزاحة البشير في نيسان/ أبريل 2019. وفجّر إعلان مجلس الشركاء جدلاً واسعاً حول صلاحيات واختصاصات المجلس، بما فُسّر أنه تغوّلٌ على الأجهزة التنفيذية وسلبها صلاحياتها.

مهام فضفاضة وسلطة مطلقة

أعلن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، مطلع الشهر الجاري تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، المؤلف من 6 أعضاء من المكوّنِ العسكري، 13 من تحالف "الحرية والتغيير" الحاكم، 8 من قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، علاوةً على عضوية رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك. وصبيحة إعلان البرهان، أصدر رئيس الوزراء بياناً مفصلاً رفض فيه صلاحيات واختصاصات المجلس، وقال إن ما أُعلن غير مطابق لما تمّ الاتفاق عليه. وأن المتفق عليه، والذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، هو أن يكون المجلس مجرد جسم تنسيقي لحلحلة القضايا الخلافية بين مجلسي السيادة والوزراء، وأن يكون مرجعيةً سياسية، قراراته غير ملزمة. لكن القرار الذي أصدره البرهان بتشكيل مجلس الشركاء جاء فيه بالنص حول اختصاصات المجلس:

- توجيه الفترة الانتقالية بما يخدم المصالح العليا للسودان.
- حل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
- حشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية، وتنفيذ مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا.
- إصدار اللوائح المنظِمة لأعمال المجلس.

أما المادة الأخيرة من اختصاصات المجلس فقد جاء فيها بالنص: "أي سلطات أخرى لازمة لتنفيذ اختصاصاته وممارسة سلطاته". ووفقاً لهذه الاختصاصات، فإن مجلس الشركاء تحوّل من مرجعية سياسية إلى سلطة تنفيذية أعلى من مجلسي السيادة والوزراء، وذو صلاحيات فضفاضة ومبهمة. وفوق ذلك فإن تسمية رئيس الوزراء عضواً بدلاً عن رئيس مناوب كما أُتُفق عليه، ربما حملت إشارةً إلى محاولات للاستفراد بسلطة مطلقة. وفي سابقة خطيرة، ضم مجلس الشركاء نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو ("حميدتي")، وهو قائد "قوات الدعم السريع"، بجانب شقيقه عبد الرحيم دقلو، وهي سابقةٌ أن يضم جسم سيادي شقيقين. ودافع عبد الرحيم دقلو، وهو قائد ثاني لقوات الدعم السريع عن هذا القرار بقوله إن عضويته في مجلس الشركاء جاءت نتاج جهد وعرق، وليس لكونه شقيق حميدتي. وتتمتع قوات الدعم السريع باستقلالية عن الجيش وفقاً لما أقرته الوثيقة الدستورية.

الهدف من "مجلس الشركاء" هو ضم الحركات المسلحة التي وقعت على "اتفاق سلام جوبا" الى المرجعية السياسية للحكومة، بجانب تحالف "الحرية والتغيير". لكن، ومع تأخر تشكيل المجلس التشريعي، الذي ظل مطلباً ثورياً مستمراً منذ إعلان الحكومة الانتقالية، اتسعت دائرة الشكوك حول استعجال تشكيل مجلس الشركاء قبل المجلس التشريعي.

لم يتوقف رفض قرار تشكيل مجلس الشركاء عند رئيس الوزراء. تداعت غالبية مكونات التحالف الحاكم، "الحرية والتغيير"، باستثناء بعضها الذي فضل الصمت، فانتهى الأمر إلى تعليق القرار وتشكيل لجنة للتوصل إلى تفاهمات حول اختصاصات المجلس، ومن المتوقع أن تصل الأطراف إلى توافق.

صحيح أن الوثيقة الدستورية، بعد تعديلها لإضافة بنود "اتفاق سلام جوبا" الموقع بين الحكومة الانتقالية، والحركات المسلحة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، نصت على تشكيل مجلس شركاء للفترة الانتقالية، والمفهومُ أن الهدف من ذلك هو ضم الحركات المسلحة للمرجعية السياسية للحكومة بجانب تحالف "الحرية والتغيير". لكن ومع تأخر تشكيل المجلس التشريعي، والذي ظل مطلباً ثورياً مستمراً منذ إعلان الحكومة الانتقالية، اتسعت دائرة الشكوك حول استعجال تشكيل مجلس الشركاء قبل المجلس التشريعي. وعلى الرغم أن البعض اعتبر أن مجلس الشركاء محاولةٌ لتمديد دائرة نفوذ المكوّن العسكري داخل جهاز الدولة، إلا أن الشاهد أن هناك أحزاباً من داخل التحالف الحاكم متمسكةٌ وحريصة على مجلس الشركاء، ورفضها للمجلس ظاهرياً جاء انطلاقاً من موقفها المطالب بزيادة مقاعدها داخله، وهذا يفسر طبيعة الصراعات المحتدمة داخل التحالف الحاكم الذي تحوّل إلى تيارات متناحرة.

اتساع خلاف المدنيين.. تمدد نفوذ العسكريين

من المهم تثبيت حقيقة أن "الحرية والتغيير"، التحالف الحاكم، منقسمٌ على نفسه، وتتنافس مكوناته في الحوز على أكبر نصيب داخل جهاز الدولة، علاوة على اختلاف توجهات هذه الكتل الذي ظهر جلياً في الموقف من التطبيع مع إسرائيل. وكلما اتسعت شقة الخلافات بين مكونات التحالف الحاكم، بخلفياتها وتوجهاتها المختلفة، كلما اتسع نفوذ العسكريين الذين يغلب عليهم توجه واحد، عطفاً على أنهم ينتمون إلى مؤسسة واحدة. ومن الأهمية أيضاً تثبيت حقيقة أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين محفوفةٌ بالتوجس ومخافة الغدر، على عكس ما كان يردده رئيس الوزراء من أن الشركاء يعملون في تناغم. وظهر هذا جلياً خلال معركة مجلس الشركاء، الذي أبرز حجم الخلاف بين رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وفقاً لاختصاصات كما اعلنت، فإن مجلس الشركاء تحوّل من مرجعية سياسية إلى سلطة تنفيذية أعلى من مجلسي السيادة والوزراء، وذو صلاحيات فضفاضة ومبهمة. وفوق ذلك، فإن تسمية رئيس الوزراء عضواً بدلاً عن رئيس مناوب كما أُتُفق عليه، ربما حملت إشارةً إلى محاولات للاستفراد بسلطة مطلقة.

إن كان ثمة خطورة في اختصاصات مجلس شركاء الفترة الانتقالية، فهي ما ينسحب على مستقبل الفترة الانتقالية ككل، وعلى مطالب الثورة التي لا تزال تترنح. من شأن مجلس الشركاء، وباختصاصاته الفضفاضة أن يضرب بـ "فصل السلطات" عرض الحائط. وأولى هذه المخاطر هي تذويب مطلب المجلس التشريعي داخل اختصاصات مجلس الشركاء تحت عبارة "توجيه الفترة الانتقالية" التي وردت في صدر اختصاصات المجلس. وعلى سبيل المثال، أرجأ المكون المدني قضية البت في التطبيع مع إسرائيل إلى "الحرية والتغيير"، التحالف الحاكم، منقسمٌ على نفسه، وتتنافس مكوناته في الحوز على أكبر نصيب داخل جهاز الدولة، علاوة على اختلاف توجهات هذه الكتل الذي ظهر جلياً في الموقف من التطبيع مع إسرائيل.حين تشكيل المجلس التشريعي، لكن، وعلى الرغم"الحرية والتغيير"، التحالف الحاكم، منقسمٌ على نفسه، وتتنافس مكوناته في الحوز على أكبر نصيب داخل جهاز الدولة، علاوة على اختلاف توجهات هذه الكتل الذي ظهر جلياً في الموقف من التطبيع مع إسرائيل. من ذلك، مضى الملف بدفع من العسكريين وكأنه بات أمراً واقعاً، إذ زار وفد إسرائيلي مؤخراً السودان والتقى عدداً من العسكريين، وزار منشآت عسكرية، وكل ذلك دون علم مجلس الوزراء.

وإذا ما مضى مجلس الشركاء بالاختصاصات الفضفاضة والمبهمة ذاتها، فإن تشكيل المجلس التشريعي سوف يكون مجرد "تحصيل حاصل"، ومن هنا تنطلق مخاوف قوى الثورة، لأن المجلس التشريعي يُنظر إليه كمحاولة أخيرة لتصويب مسار الثورة.

"الحرية والتغيير"، التحالف الحاكم، منقسمٌ على نفسه، وتتنافس مكوناته في الحوز على أكبر نصيب داخل جهاز الدولة، علاوة على اختلاف توجهات هذه الكتل الذي ظهر جلياً في الموقف من التطبيع مع إسرائيل.

كان متوقعاً أن يُنتج اتفاق سلام جوبا تحالفاتٍ جديدة تعيد صياغة المسرح السياسي خلال فترة الانتقال، وذلك ليس لأن الحركات المسلحة هي الأقرب للعسكريين كما يتحدث كثيرون - وإن كان – إلا أن هذا التقارب سببه أن العسكريين تولوا ملف السلام، وقادوا التفاوض مع الحركات وصولاً إلى اتفاق جوبا، على الرغم من أن الوثيقة الدستورية نصت على أن يتولى رئيس الوزراء ملف السلام. لكن التراخي الذي أظهره حمدوك أغرى العسكريين بالتمدد داخل مساحات السلطات التنفيذية. ما أظهره إعلان مجلس الشركاء من شقة خلاف على السطح، وعلى هذا النحو الصارخ، ظل منذ تشكيل الحكومة الانتقالية في آب/ أغسطس 2019 ينعكس يومياً في إدارة الفترة الانتقالية تضارباً وتناقضاً في المواقف والقرارات. فما فعله إعلان مجلس الشركاء هو فقط كشف الغطاء. السؤال الملّح الآن: كيف بإمكان شراكة معطوبة ومحفوفة بالتوجس أن تقود الفترة الانتقالية إلى نهاياتها؟

مقالات من السودان

للكاتب نفسه