وللاجئات نصيبٌ أيضاً: أصوات لم تُسمع في حديث العنف الجنسي في مصر

عادة ما يكون اللاجئون في البلدان المختلفة أكثر عرضة من غيرهم للانتهاكات الجنسية، إذ يُنظر إليهم كأغراب/مستضعَفين، كما أن أوضاعهم الاقتصادية الهشّة، وصعوبات اللغة والتواصل في المجتمعات المضيفة تزيد من احتمالية تعرضهم للمخاطر، بما في ذلك العنف الجنسي.
2020-10-13

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
| en
"أمل"، آية حمدي - مصر.

لا تنسى "أمل" صورة الرجل المعلقة على أحد حيطان المنزل الذي كانت تذهب للخدمة فيه. امرأة ثلاثينية، أمّ لأطفال في مراحل عمرية مختلفة، وزوجة لرجل لم تره منذ سنوات. فالزوجان كانا قد تعرّضا للاعتقال من قبل النظام السوداني بسبب انتمائهما القـَبـَلي كما تقول، ومن وقتها افترقا. أُطلق سراحها بعد أسبوعين، أما هو فلا تعرف عنه شيئاً مذاك. كانت حاملاً في الشهر الأول وقت اعتقالها، ومع ذلك تعرضت للضرب وللتحرش داخل المعتقل. لا تزال تذكر الواقعة، وتتألم إلى درجة البكاء بمجرد التذكر، وعدم رغبتها في رواية المزيد.

قررت الهرب بأبنائها إلى مصر.. أقامت أولاً عند صديقة تعيش في القاهرة مع زوجها وأبنائها. "لم يتحملاني طويلاً، أنا وأطفالي، وطفل جديد على وشك المجيء.. طرداني من الشقة بعد أسبوع".

عادة يسكن اللاجئون عندما يصلون القاهرة في أحياء متواضعة الكلفة مثل "فيصل" و"أرض اللواء" و"الحي العاشر" بمدينة نصر.. وهي مناطق يشكو فيها المواطن العادي من انتشار البلطجة وحوادث السرقة والتحرش، خاصة من سائقي التوكتوك، مع عدم أمان الشوارع ليلاً، وتتضاعف معاناة اللاجئين الأفارقة مع التحرّشات العنصرية ضدهم وضد أبنائهم في الشارع.

تواصلت "أمل" مع صديقة أخرى، فاستضافتها في الشقة التي تقيم فيها مع ابنتها، وساعدتها خلال فترة وجيزة في الحصول على عمل بأحد المنازل.

لم يكن ذاك المنزل أولَ المنازل التي عملت فيها "أمل"، فقد تنقّلت من منزل لآخر، كما كان هناك فترات تبقى فيها بلا عمل. ولكن فيه حدثت الواقعة التي لا تنساها.

أسرة من "المدام" وابن وابنة، والزوج صاحب الصورة المعلّقة. سافرت المدام على أن تستمر "أمل" في الذهاب للقيام بالمهام المنزلية دون أن تبيت. استغل الزوج، ذو المركز، غياب الزوجة، وقام باغتصابها...

تقول د. جيداء مكي أستاذة مساعدة في أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي بجامعة الإسكندرية إن جرائم العنف الجنسي هي جرائم مبنية على القوة، غرض المعتدي فيها يكون إثبات القوة أكثر من تحصيل المتعة. ولذلك يكون عادة هو الشخص الأكبر سنّاً/حجماً/نفوذاً.

غادرت "أمل" المنزل دون رجعة، وهي تحمل الألم والخوف. لم تبلّغ أحداً بما تعرضت له من انتهاك، "الراجل هدّدني بمركزه، قال لو مشيت اشتكيت أنا هاعرف الموضوع ده.. أنا سكتّ.. أنا خايفة".

عانت في أعقاب الحادث من الأرق "كنت مش بانام خالص بسبب التهديد اللي هددوني الزول ده"، واستمرت لأسابيع في صدمة.

يسكن اللاجئون عندما يصلون القاهرة في أحياء منخفضة الكلفة مثل "فيصل" و"أرض اللواء" و"الحي العاشر" بمدينة نصر.. وهي مناطق يشكو فيها المواطن العادي من انتشار البلطجة وحوادث السرقة والتحرش، خاصة من سائقي التوكتوك، مع عدم أمان الشوارع ليلاً. وتتضاعف معاناة اللاجئين الأفارقة مع التحرّشات العنصرية ضدهم وضد أبنائهم في الشارع.

تقول د. جيداء إن ضحية الاغتصاب يمكن أن تصاب ب"صدمة عصبية شديدة"، ويقترن ذلك أحياناً بحاجة إلى علاج طبي لأي كسور أو جروح. ويتفاوت المدى الزمني الذي تمتد خلاله آثار كرب ما بعد الصدمة من حالة لأخرى، وتتعدد أعراضه بين القلق وهو يشمل الهلع والفوبيا، وزيادة ضربات القلب، واضطراب الرؤية، واضطرابات النوم والكوابيس المتكررة، والـ"فلاش باك" لتفاصيل الحادث أثناء الاستيقاظ.

ولكن من كانت في مثل ظروف "أمل" لا تملك رفاهية الانتظار للتعافي. كان لا بد أن تبحث عن عمل جديد لتطعم أطفالها، إلى جانب المساعدات "غير الكافية" التي تحصل عليها من إحدى جمعيات دعم اللاجئين. وبالفعل وجدت منزلاً آخر للعمل.. تقول إن لديها مهارات للأشغال اليدوية، ويمكن أيضاً أن تؤدي عملاً إدارياً، ولكن هذه الأعمال لا تدرّ إلا دخلاً ضئيلاً لا يكفي حتى لإيجار شقتها.

وفقاً لروايتها، لم تكن هذه حادثة الاغتصاب الوحيدة التي تعرضت لها، فخلال أحد أشهر الصيف، جاءها عمل لمدة يوم في إحدى "الفلل"، مقابل 300 جنيه. كان يقيم في الفيلا رجل وامرأة، خرجت المرأة "قالت مشوار ومش هتأخر" ولكنها تأخرت، وبقيت هي وحيدة مع الرجل الخمسيني. "بقى عندي فوبيا إن الستات مش قاعدة في البيت".

في البداية طلب الرجل من "أمل" أن تأتي لعمل "مساج" له، كان يجلس بالملابس الداخلية... "رفضت طلبه فهددني إما أن أوافق أو أخرج، فخرجت"، ورفض أن يعطيها مقابل ما أدّته من عمل طوال النهار.

مقالات ذات صلة

لم تكن تملك في حقيبتها سوى 12 جنيهاً. سارت من الفيلا للوصول إلى الشارع الرئيسي. "الشوارع هناك ساكتة، كنّا حوالي الرابعة عصراً". فوجئتْ بثلاثة شباب يعترضون طريقها، "دخّلوني بيت مهجور (مسوّر تحت الإنشاء) وضربوني جامد واغتصبوني.. الثلاثة اغتصبوني.. حاولت الصراخ لكنهم لَوَوا ذراعي، وربطوا لي خشمي.. ولم يكن هناك أحد لينجدني"... تحكي أمل وهي تبكي وتشير إلى ذراعيها حيث آثار الاعتداء، كما لا تزال تشعر بألم في رسغها الذي تعرض للالتواء. أصيبت في أعلى فخذيها، وفي اليوم التالي "جسمي كله كان وارم".

تقول إن الرجل الذي تحرّش بها في الفيلا هو من أرسلهم، لأنهم قالوا لها "أنت مش بتسمعي الكلام"، كما هددوها إن هي أبلغت الشرطة، فسوف يتهمونها بالسرقة من الفيلا. "أنا طبعاً خفت" ...

وتعود صورة الرجل صاحب التهديد الأول لذهن "أمل".

696 حالة اغتصاب مبلّغ عنها في عام واحد

قصة أمل ليست سوى واحدة من قصص نساء إفريقيات عديدات وصلن لمصر كلاجئات. وضعهن الهشّ يجعلهن عرضة للانتهاكات الجنسية مع شعور الجاني بأنه لن يكون محلّ مساءلة. فخلال عام 2018، ووفقاً لتقرير "خطة استجابة مصر لدعم اللاجئين، وملتمسي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن 2019" (1)، وهو صادر عن مفوضية شؤون اللاجئين بالقاهرة، تم إبلاغ المفوضية وشريكتها هيئة "كير" الدولية بـ1231 حالة تعرض للعنف الجنسي، والعنف القائم على نوع الجنس من الأفارقة والجنسيات الأخرى (العراق واليمن)، وهو ما يشكل 81 في المئة من إجمالي الحالات المبلغ عنها خلال العام. وتشمل هذه الحالات: 696 حالة اغتصاب، و239 حالة اعتداء جنسي، و155 حالة اعتداء جسدي، و109 حالة إيذاء نفسي/عاطفي، بالإضافة إلى 28 حالة زواج قسري.

تثير هذه الإحصائية العديد من الأسئلة: هل تشمل ما وقع في البلد المضيف والبلد الأصلي وخلال رحلة اللجوء؟ هل للأمر علاقة بالعنصرية (كون النسبة الأكبر من المبلِغين من الجنسيات الإفريقية)؟ أم بظروف خاصة بهذه المجتمعات تؤدي لازدياد حجم الظاهرة أو ارتفاع نسبة الإبلاغ؟ هل المعتدي يكون من المجتمع المضيف أم من مجتمع اللاجئين؟ ولكن تقرير المفوضية لم يعطِ تفاصيل.

الظاهرة لا تقتصر على مصر، فقد رصدت تقارير أخرى للمفوضية، بالإضافة إلى العديد من المواد الإعلامية (2) والبحثية، تعرّض اللاجئين في بلدان مختلفة لهذه الانتهاكات.

ويحتل اللاجئون الأفارقة المركز الثاني من حيث العدد بعد السوريين الذين يمثلون نصف عدد اللاجئين في مصر. وشكّل اللاجئون من 4 دول إفريقية هي السودان وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان على الترتيب، مع نهاية عام 2018 (عام الإحصائية نفسه) حوالي 36 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين، وفقا لإحصائيات المفوضية. ووصلت نسبتهم وفقاً لآخر إحصائياتها (أيلول/ سبتمبر2020) إلى أكثر من 40 في المئة (بترتيب مختلف للدول: السودان/ جنوب السودان/إريتريا/ أثيوبيا، هذا بخلاف جنسيات إفريقية أخرى مثل الصوماليين..)، بينما شكّل العراقيون واليمنيون معاً حوالي 6 في المئة (3).

مقالات ذات صلة

لا تنتهي قصة "أمل" مع العنف عند هذا، فقد تعرضت ابنتها المراهقة لاعتداء. فأثناء عودتها من المدرسة تتبعها عدد من الأفراد حاولوا أخذها عنوة إلى داخل سيارتهم، لكن أحد المارّة تدخّل على وقع صراخها وأنقذها.. ترك الحادث خدوشاً في يد الفتاة، وفي نفسيّتها أثراً سيئاً، صارت ترفض الذهاب للمدرسة وتخشى الخروج من المنزل، ولا تزال تأتيها فجأة نوبات صراخ وهلع.

تلقت "أمل" وابنتها علاجاً نفسياً في إحدى المنظمات المختصة. ولكن الأم ترى أن "مفيش تحسّن".

تقول د. جيداء إن التأثير النفسي للعنف الجنسي على اللاجئين يكون أشدّ من غيرهم، لأنهم أشخاص مهجّرون من أوطانهم، وخاصة حينما يكون اللاجئ صاحب لغة أو دين أو شكل/لون مختلف، ومن ثم فهو عرضة للتمييز، لا سيما إن كان امرأة. وإن فرص إصابتهم بالاكتئاب أعلى كثيراً، وكذلك الإحساس بقلة الحيلة أو بالعجز، مع غياب "شبكة الأمان النفسي" المتمثلة في الأسرة والأصدقاء، وإن الأثر النفسي يكون أشدّ كلما كان سن الضحية أصغر.

وفقاً للإحصائية السابقة، فإنّ 267 حالة من إجمالي الحالات تم ارتكابها ضد أطفال (217 بنتاً و50 صبياً)، من بينهم 13 طفلاً منفصلاً عن ذويه، و80 طفلاً غير مصحوب (أي أن معظم الحالات هي لأطفال يعيشون مع أسرهم الطبيعية). ومن بين إجمالي حالات الأطفال، هناك 107 حالة اغتصاب، و97 حالة اعتداء جنسي، و33 حالة إيذاء نفسي، و25 حالة زواج قسري، و5 حالات اعتداء جسدي. "علماً بأن الوحدة المعنية بالعنف الجنسي، والعنف القائم على نوع الجنس هي الجهة التي تولّت إثبات هذه الحالات وتقديم المشورة بشأنها.."، كما يذكر تقرير المفوضية.

85 حالة اغتصاب مبلـَغ عنها في شهر واحد

وخلال الشهور العشرة الأولى من عام 2019 وصل عدد حالات العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس المبلـَغ عنها إلى 1312 حالة، 90% منها من جنسيات إفريقية. وفي شهر أكتوبر وحده من ذلك العام، استجابت المفوضية بالتنسيق مع هيئة كير الدولية إلى 142 حالة من حالات العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، 89.4% منها نساء وفتيات، و10.6% رجال وأطفال. ومثـّل الاغتصاب النسبة الأكبر من بين الاعتداءات المبلَغ عنها، حيث وصل عدد الحالات إلى 85 حالة، وهو ما يمثل أكثر من 60% من إجمالي عدد الحالات المبلغ عنها خلال الشهر. (تقرير خطة الاستجابة 2020).  

قامت "أمل" بإبلاغ المفوضية بواقعة اغتصابها الثانية، كما أبلغتهم بواقعة الاعتداء على ابنتها، أما في واقعة اغتصابها الأولى فلم تكن تعلم أن هناك إبلاغاً يتم في المفوضية "ماكنتش فاهمة قوي، وكنت خايفة لأنه هددني.. ما عرفتش أعمل أي حاجة". تقول إن المفوضية تتلقى البلاغات دون تحقيق أو تواصل مع الشرطة مثلاً للوصول إلى الجناة، بل تركّز فقط على الدعم النفسي للضحايا.

لا تعرف في محيطها نساءً تعرضن لما تعرضت له، فلا أحد يتحدث في هذه الأمور كما تقول، وهي لم تحكِ قصتها سوى لمنظمات اللاجئين.. "حاجة مخجلة بالنسبة لي.. عار عليّا".

أوضاع اقتصادية قاسية

تزداد معاناة "أمل" بسبب الضغوط الاقتصادية في ظل أزمة كوفيد19 منذ آذار/ مارس الماضي، فالـ"مدام" التي كانت تعمل عندها استغنت عن خدماتها، وفشلت في العثور على عمل جديد، كما أن جلسات العلاج النفسي صارت تتم تليفونياً وهو أمر لا تشعر معه بالارتياح أو الجدوى.

وكانت المساعدات المالية التي تحصل عليها من المفوضية قد أوقفت منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي دون سبب واضح، وهو أمر تكرر سابقاً فتضطر لتقديم طلب لاستعادتها، يأخذ الطلب وقتاً طويلاً. تقول إن هذا يشعرها بالذلّ.

تراكم عليها الإيجار الشهري لأربعة أشهر (1250 جنيهاً شهرياً)، ونفد صبر المؤجّر الذي صار يضغط عليها لتدفع ولو جزءاً من المتأخر. تعتمد في إطعام أطفالها على مساعدات غذائية من "الكنيسة الكاثوليكية": "سكر مكرونة شعرية.. ومرّات يحطوا فرخة في الكيس"، تقول إن أولادها صاروا يبكون عندما تقدم لهم الطعام، لأنه نوع الطعام نفسه منذ شهور "بأكّـلهم مكرونة ورز كلّ يوم.. وبدل ما ياكلوا بيبكوا".. "معاييش قروش أجيب حاجة ليهم"..

أحياناً لا يكون معها حتى ما يكفي للمواصلات، فتضطر للسير على قدميها لمسافات طويلة من بيتها لمقر الجمعية المختصة بدعم اللاجئين طلباً للمساعدة، ولكنها تعود بالخيبة.. "بذمّـتك ده مش موت؟".

وفقاً لموقع المفوضية (في شباط/ فبراير 2019) فإن "80 في المئة من اللاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم..". وتقول المفوضية إن النقص الشديد في التمويل يحدّ من قدرتها على الوفاء باحتياجات اللاجئين، وإن الوضع ازداد صعوبة بسبب أزمة كوفيد 19، حيث زادت نسبة الاحتياج بين اللاجئين الذين يعملون في القطاع غير الرسمي، إذ تمّ الاستغناء عنهم منذ بداية الأزمة وعلى مدار شهور (4).

وبوجه عام، فإن تدني المستوى الاقتصادي ومحدودية فرص التعليم، خاصة في مراحله العليا، وعدم إجادة اللغة يجعل اللاجئين - في أيّ بلد - في وضع هشّ، وأكثر عرضة للاستغلال والمخاطر بما في ذلك العنف الجنسي، خاصة عندما يُنظر إليهم كأغراب/مستضعَفين لن يجرؤوا على الحديث عما وقع لهم أو الإبلاغ. ووفقاً لتقرير المفوضية، فإن الكثير من اللاجئين وملتمسي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء في مصر لا يتحدثون العربية ولا الإنجليزية ومن ثم يتعرضون لخطر العزلة ولتحديــات اجتماعيــة واقتصاديـة، ويعتمدون علـى غيرهم فـي التفاعــل اليومــي وتلبيــة احتياجاتهــم الأساســية.

ووفقاً لإحصائيات المفوضية لعام 2018 فإن 48 في المئة تقريباً من السكان غير السوريين المسجلين لديها لم يلتحقوا بالتعليم على الإطلاق، أو تلقوا تعليماً ابتدائياً فقط، و46 في المئة تقريباً منهم حاصلون على التعليم الثانوي أو التعليم العالي (الجامعي أو ما بعد الجامعي). ويذكر تقرير المفوضية أيضاً أن اللاجئين المتخصصين والحاصلين على مستوًى متقدّم من التعليم يواجهون صعوبات أكبر في سوق العمل المصرية. وأن الحصول على عمل بوجه عام يمثّل تحدياً للاجئين الأفارقة، الذين يتعرضون عادة للاستغلال والتمييز. وأن آلاف اللاجئات الإفريقيات يعملن بقطاع الأعمال المنزلية حيث يتعرض بعضهن للإيذاء اللفظي والبدني.

ويضطر كثير من اللاجئين لمقاسمة الشقة مع لاجئين آخرين لتقليل تكلفة الإيجار (أظهر مسح أجرته المفوضية عام 2018 على عيّنة عشوائية من اللاجئين وطالبي اللجوء أن 60 في المئة من المستجيبين الأفارقة والعراقيين واليمنيين يعيشـون في غــرف منفصلــة فــي شــقق مشتركة). ولكن يمكن أن يؤدي الاكتظاظ من ناحية أخرى إلى زيادة احتمالية حدوث اعتداءات جنسية.

تشترك اللاجئات والمواطنات في التعرض لصعوبات في مسار الإبلاغ القانوني، ولضغوط مجتمعية تحمّل الضحية المسؤولية، وتنظر لها بعين الريبة أو تشكّك في سلوكها وتتهمها بالانحراف، بينما الرجل لا يُدان. مع كون اللاجئات في وضع أكثر هشاشة.

تقول "أمل" إن حالتها النفسية متقلّبة. صارت تعامل أبناءها بعصبية. في الليلة السابقة للقائنا قالت إنها لم تنم. تأخذ أدوية اكتئاب، وتأتيها رغبة في الانتحار بإلقاء نفسها من النافذة، أو تُقدم دون أن تشعر على إدخال يدها في مروحة بدون غطاء، كما تأخذ أدوية لضيق التنفس، وصارت تشعر بآلام في قلبها "أنا تعبانة نفسياً وجسدياً.. من كلّه كلّه..".

تقول إن ما يهمّها حالياً هو إيجاد عمل لأجل أبنائها، وإنها تضطر لتحمل المضايقات حتى تنهي عملها وتأخذ أجرها. "أنا مش لاقية حل.. دايرة أتعالج واشتغل لعيالي.. أنا أتعرض لأيّ حاجة بس عيالي يكونوا في أمان".

تقول د. جيداء إن الرغبة في الحصول على الحق بمقاضاة المعتدي علامة صحية، تعكس شعور الضحية بأنها لا تزال موجودة ولها حقّ، أما عدم الرغبة في الإبلاغ أو في أخذ أي رد فعل ضد المعتدي فيمكن أن يكون علامة سيئة، ألا تنظر الضحية لنفسها كإنسانة، بل كآلة عليها أن تكمل العمل والدوران لتستمر الحياة. وإن تأثير الاغتصاب يصل في بعض الحالات إلى الإصابة بالاكتئاب أو القلق المرضي، وهذه تتطلب علاجات دوائية أو حتى الالتحاق بمصحة نفسية، إذ تتولد لدى الضحية الرغبة في إيذاء نفسها أو الانتحار بسبب الإحساس بالذنب أو الاكتئاب.

لا تريد "أمل" العودة للسودان خوفاً من الملاحقات الأمنية، ولا المكوث في مصر. عندما سألتها عن إمكانية زواجها مرة أخرى مع طول فترة غياب زوجها أجابت بسؤال استنكاري: "اتجوز تاني وأجيب عيال تاني؟! ثم أكملت: "أنا بصراحة باحب جوزي لسه وبتأمّل ييجي، السنين اللي عدّت مش كتير عشان استغنى عنه، متأمّلة يوم أسمع صوته يكلمني يقول لي أنا جيت".

قصة "أمل" مصورة

ضغوط مجتمعية وصعوبات في الإبلاغ

وبوجه عام، يشير العاملون في المنظمات المختصة بدعم اللاجئين ضحايا العنف الجنسي إلى أنه عادة يُنظر للاجئة أنها "مالهاش حد أو ظهر" مع تصوُّر أن القانون لا يحميها، ومن ثم يتم استضعافها، بعكس المواطنة التي تعيش في بلدها ومع أهلها، مما يجعل اللاجئات أكثر عرضة للاعتداء. وعلى الرغم من أن العمل في البيوت يجعل التعدي أسهل لوجود اللاجئة في مكان محكم الإغلاق، فإن الاعتداء يحدث أيضاً في الشارع، أو من قبل سبّاك أو كهربائي جاء لإصلاح شيء في شقتها.. أو في البلد الأصلي حيث الحروب والنزاعات المسلحة. مع وجود حالات يكون المعتدي من داخل مجتمعات اللاجئين أنفسهم. أما الضحايا الرجال فمن الأفارقة والسوريين، يستغل المعتدي احتياجهم للمأوى أو للمال أو للعمل.. أما الأطفال فغالباً ما يكون المعتدي شخصاً من دائرة معارفهم أو عملهم (يعملون في البيع مثلاً أو في ورشة ميكانيكي..إلخ). ويكون الدعم المقدم للحالات من خلال هذه المنظمات نفسياً وقانونياً، مع المساعدة في تغيير محل الإقامة إن تطلب الأمر بتوفير إيجار وتأمين لمدة شهر. وأول ما يقدم للاجئة ضحية الاغتصاب إجراء طبي للوقاية من العدوى ولمنع حدوث الحمل، وهذا يتطلب سرعة الإبلاغ. أما الحالات التي تأتي متأخرة فلا بد أن تـُكمِل حملها. ويرى هؤلاء المختصون أن المشكلة أكثر تعقيداً من طرح حلول آنيّة لها، ومن إمكانية السيطرة عليها أو منع حدوثها تماماً، ولكنّ توعية اللاجئات بألا يخرجن أو يركبن مواصلات بمفردهن في ساعة متأخرة من الليل يمكن أن تساعد في تقليل تعرضهن لهذه الحوادث. وتُحجم بعض الضحايا عن الإبلاغ تجنباً للّوم أو التشكيك ومطالبتهن بالإثبات، وهذا تتعرض له اللاجئات والمصريات على حد سواء.

سرعة الإبلاغ ليست ضرورية فقط لتلقي الإجراءات الطبية اللازمة، ولكن أيضا للإثبات الجنائي، من خلال الآثار التي يتركها المعتدي على جسد الضحية وملابسها، كما تقول انتصار السعيد، المحامية والمديرة العامة لمؤسسة القاهرة للتنمية والقانون.

ووفقا للمادة 267 من قانون العقوبات المصري، الذي يسري على كل من يرتكب جريمة داخل القُطر، فإن عقوبة الاغتصاب الإعدام أو السحن المؤبد، وذلك بعد تغليظ عقوبات عدد من جرائم الاعتداء الجنسي بتعديل عام 2011. ولا تزال المواد القانونية الخاصة بهذه الجرائم محلّ انتقاد، لا سيما من جانب المنظمات النسوية. وتذهب ورقة بحثية لمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، بعنوان "العنف الجنسي بين فلسفة القانون وإشكاليات التطبيق" (منشورة على موقع المؤسسة بتاريخ 30 مايو 2018 ) إلى وجود قصور في تلك المواد على مستوى المفاهيم والتعريفات، بالإضافة إلى إشكاليات في التطبيق، ومنها: صعوبة الإثبات، مما يؤدي إلى حفظ البلاغ لعدم كفاية الأدلة وعدم وجود شهود إثبات، وتعرض الضحايا/المبلغات للاحتجاز والمبيت داخل قسم الشرطة لحين العرض على النيابة في اليوم التالي، وذلك بعد تقديم المتهم شكوى مضادة كيدية، ومنها أيضا رفض عمل المحضر، وطول مدة إجراءات التقاضي، سواء في تحقيق النيابة الذي يمكن أن يستمر لساعات، أو في المحاكمة. 

تقول د. جيداء إن مسألة الإبلاغ يمكن أن تسبب للضحية المزيد من الضغط النفسي. فالقائمون على أجهزة الشرطة والقضاء هم – عادة - من الرجال، وعادة ما يكون هناك اتهام ضمني للمبلغة بأنها من شجعته أو أن المشكلة لديها هي، مما يعمّق إحساسها بالعار. كما أن الضغط المجتمعي سبب آخر يمكن أن يؤدي بها إلى الانتحار، فبعض المجتمعات تضغط على الضحية وتوصل لها رسالة بأن موتها أفضل.

ثار جدل واسع في مصر، على منصات إلكترونية لنساء، روين قصصهن مع العنف الجنسي الذي تعرضن له من أشخاص بعينهم، كان مسكوتاً عنها لسنوات خوفاً من الوصم وتشويه السمعة، أو حتى رضوخاً لتهديدات المعتدين، ومنهم أبناء لمتنفّذين. وتحركت على إثره جهات حكومية وبرلمانية وقضائية ومؤسسات دينية وناشطات نقابيات. ووسط ذلك ظلّ صوت اللاجئات غائباً.

تشترك اللاجئات والمواطنات إذاً في التعرض لصعوبات في مسار الإبلاغ القانوني، ولضغوط مجتمعية تحمّل الضحية المسؤولية، وتنظر لها بعين الريبة أو تشكّك في سلوكها وتتهمها بالانحراف، بينما الرجل لا يُدان. مع كون اللاجئات في وضع أكثر هشاشة. وكان هذا ولا يزال منذ أشهر محلّ جدل واسع في مصر، بدأ على منصات إلكترونية بدَتْ متنفساً للنساء لرفع أصواتهن دون الإفصاح عن هويّاتهن، ورواية قصصهن مع العنف الجنسي الذي تعرضن له من أشخاص بعينهم، كان مسكوتاً عنها لسنوات، خوفاً من الوصم وتشويه السمعة، أو حتى رضوخاً لتهديدات المعتدين، ومنهم أبناء لمتنفّذين. وتحركت على إثره واشتبكت معه جهات حكومية وبرلمانية وقضائية ومؤسسات دينية وناشطات نقابيات.. وسط كل ذلك ظلّ صوت اللاجئات غائباً، ولم يلقَ الاهتمام الكافي.

نساء عازبات

ومن اللافت أن الغالبية العظمى من اللاجئات ضحايا التحرش والاغتصاب اللاتي تم رصدهن خلال هذا البحث (بالتواصل المباشر أو بسماع قصصهن عبر لاجئات أخريات وناشطات)، كنّ عازبات معيلات، سواء بسبب فقدان الزوج في الحرب أو اعتقاله في بلده أو الانفصال عنه بعد قدومها، أو كانت فتاة أتت لمصر بمفردها. ناشطة جنوب سودانية أفادت بأن هناك حالات تحرش بمتزوجات أيضاً، ولكن عدم وجود زوج يدفع المرأة للعمل والاحتكاك مما يزيد من احتمالية تعرضها للتحرش.

وفي ظل ثقافة مجتمعية تنظر للمرأة الوحيدة على أنها ضعيفة، لا رجل يدافع عنها، تجد النساء العازبات أنفسهن عرضة لضغوط المجتمع ولمضايقات المحيطين بصورة أكبر، حيث يكنّ عادة موضع طمع، وشكّ.

"كريستين" من جنوب السودان، حاصلة على شهادة جامعية من جامعة جوبا وتعمل في المنازل، ظل يلاحقها رجل من سكان منطقتها لا تعرفه، ويترصد لها أمام العمارة التي تقطن فيها بصورة مستمرة، يتحرش بها، ويحدّثها بعبارات خادشة. كان الرجل الأربعيني - كما تقدّر سنّه - يرغب في إقامة علاقة معها مقابل المال. وفي أحد المساءات فوجئت به يطرق باب شقتها. كانت "كريستين"، التي تقيم بمفردها مع أبنائها، معتادة على إغلاق باب الشقة من الداخل، ولكن خوفها جعلها تتوجه برضيعها إلى إحدى الغرف وتغلق بابها عليها أيضاً، طلباً للمزيد من الأمان، إلى أن انصرف. قامت بعدها بمساعدة منظمة مختصة بتغيير محل إقامتها، خوفاً من أن يقوم فيما بعد باقتحام الشقة عليها..

"كريستين".

فإيذاء المعتدي لا ينحصر فقط بلحظة تحرشه بالضحية، بل يكون للأمر تداعيات أخرى على المرأة يمكن أن تسمّم حياتها أو تضعها في مواقف ماسّة بكرامتها. كأن يكون المتحرش من جيرانها مثلاً، أو حتى حارس العقار الذي تقطن فيه، فإذا ردعته وهددته بالإبلاغ يبدأ بالتلسين عليها وإثارة الأقاويل حولها، مما يضعها تحت رقابة من السكّان، ويصل الأمر في بعض الحالات إلى اتهامهم لها بأن أغراباً يدخلون إلى العمارة، ويصعدون إلى شقتها هي بالتحديد، وهو ما يسبب للمرأة الضحية قدراً كبيراً من الوجع والإحساس بالإهانة.

"في مواجهة رقابة مجتمعية.. ومتحرشين".

وماذا عن أطفال الاغتصاب؟

لا يقتصر أثر جرائم العنف الجنسي على المرأة في المعاناة النفسية والجسدية، وإنما يمكن أن تمتد تبعاتها لأبعد من ذلك، حينما يؤدي الاغتصاب إلى حمل يفضي إلى إنجاب. وإذا كان من الصعب الحصول على إحصائيات حول عدد أطفال الاغتصاب، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى مجتمعات اللاجئين، فإنه يمكن أن نرى نموذجاً حيّاً لتلك العلاقة المربكة نفسياً واجتماعياً وقانونياً بين امرأة وطفل وليد، كلاهما ضحية اغتصاب.

"انتصار" لاجئة سودانية منفصلة معيلة. ولكي تفي بمصروفات الأسرة ودراسة الأبناء، اضطرت للعمل في أحد المنازل لرعاية امرأة مسنّة. ولكنّ مساراً مختلفاً كان بانتظارها. فقد تعرّضت للضرب والاغتصاب والاحتجاز لأيام من قبل عدة أشخاص داخل الشقة التي تعمل بها "اعتدوا عليّ وضربوني على رأسي ضربة أفقدتني الوعي". لا تريد تذكّر تفاصيل الواقعة أو "الوكسة" كما تصفها، عندما أفاقت "لقيت نفسي متخلّعة ودنيتي بايظة".

ولأن بطاقة اللجوء الخاصة بها كانت منتهية، رفضوا في قسم الشرطة تحرير محضر بالواقعة، كما رفضت المفوضية وإحدى منظماتها الشريكة التعامل معها لحين تجديد ملفها.. بعد أسابيع اكتشفت أنها حامل. توجهت لطبيب للإجهاض ولكن الأدوية سبّبت لها مضاعفات. كانت في الشهر السادس عندما عرفت أن منظمة أخرى تتعامل مع المنتهية أوراقهم، وتكتفي فقط بجواز السفر، وهناك تلقّت دعماً نفسياً.

عانت كثيراً في الولادة بسبب إصابة قديمة، حيث تعرضت سابقاً للاغتصاب وهي حامل أثناء اعتقالها في السجون السودانية مما أدى لإجهاضها. بعد الولادة، ثار التساؤل عن مصير الوليد.."لقيت نفسي مضطرة إني أستلمه". تقبلت ذلك كأمر واقع، وتم استخراج شهادة ميلاد للطفل بواسطة محام وكّلته المفوضية...

يؤدي الاغتصاب أحياناً إلى الحمل والإنجاب. وإذا كان من الصعب الحصول على إحصائيات حول عدد أطفال الاغتصاب، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى مجتمعات اللاجئين، فإنه يمكن أن نرى نموذجاً حيّاً لتلك العلاقة المربكة نفسياً واجتماعياً وقانونياً بين امرأة وطفل وليد، كليهما ضحية اغتصاب

يذكر محمد فرحات، وهو محام في "المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين" في القاهرة، أن هناك معوقات تواجه اللاجئات أثناء تسجيل أطفال الاغتصاب، على الرغم من النصوص القانونية الكافلة لحقوقهم، منها: طلب الموظف المختص محضر الاغتصاب، وأحياناً يتعذر ذلك لعدم إبلاغ اللاجئة عن الواقعة. كما أن الجهات الشرطية ترفض في بعض الأحيان تحرير المحضر، ويزداد الأمر تعقيداً إذا كان الاغتصاب حدث خلال رحلة اللجوء أو في بلد اللاجئة. كذلك عدم وجود إخطار ولادة، لرفض بعض المستشفيات إعطاءه للأم في حالة كون الطفل ناتجاً عن اغتصاب أو علاقة غير شرعية. وعدم اعتداد الموظف ببطاقة اللجوء كوثيقة لإثبات هوية اللاجئة لعدم درايته بالوضع الخاص باللاجئين.. بالإضافة إلى النظرة المجتمعية للأمر، مما يجعل الموظف أحياناً غير راغب في تقديم الخدمة. ويضيف فرحات أن عدم تسجيل هؤلاء الأطفال يحولهم إلى أشخاص عديمي الجنسية.

"امرأة وطفل كلاهما ضحية اغتصاب".

كيف هي علاقتك مع الرضيع؟ أجابت بعد صمت: "أنتِ هبشتي محلّ الوجع"، "الحتة دي فيها مشكلة كبيرة بالنسبة لي.. مش عارفة أحلّها إزاي..".

تقول إن الطفل دليل مادي ضد المعتدين، لذلك هم مستمرون في تهديدها. هل تستطيع أن تعيش في هذا القلق الدائم؟ هل الأفضل أن تودعه ملجأ؟ أم أن تتولاه أسرة مقتدرة؟... "أنا بصراحة في هاوية في هاوية في هاوية، مش عارفة أطلع منها". حتى الآن لم ترفع دعوى لإثبات النسب خوفاً على سمعتها، وسمعة عائلتها وحرصاً على مستقبل الطفل الذي "لا ذنب له".

تقول إنها لم تتعافَ نفسياً بالكامل. أخبرتها الطبيبة النفسية أنها ينبغي أن تكون قادرة على التعبير عن الحزن، وعلى البكاء أيضاً، ولكنها لم تعد تستطيع، يصيبها البكاء بالصداع.. فقدت حاسة التذوق، وصار لديها "فوبيا" من الأماكن المغلقة، حتى السوبرماركت.. تضحك رغم "الصدمات المتتالية" وتقول "شر البلية ما يضحك".. "أنا حاليّاً باعرف حاجة واحدة.. المشاعر برّه حساباتي نهائي.. عايشة من باب الواجب.. عشان ورايا ناس حرام يضيعوا من غيري".

تزداد أوضاع "انتصار" الاقتصادية صعوبة، فقد تقلص المبلغ الضئيل أصلاً الذي تحصل عليه الأسرة من المنظمات الداعمة إلى ما يعادل 75 دولاراً شهريّاً. يتأخر صرف المبلغ "يعني عايشين على كفّ عفريت". مطلوب أن تدفع منه إيجار الشقة، والمياه والكهرباء، والأكل والشرب.. واحتياجات الرضيع. مؤخراً تلقت على هاتفها رسالة من برنامج الغذاء العالمي بأن منحة رعاية السيدات الحوامل والمرضعات سيتم إيقافها مؤقتاً. باتت تعتمد على نوع رخيص من الحفاضات مما سبب تسلخات للرضيع. اضطر بعض أطفالها للعمل في ورشة، بشكل متقطع، ساعات طويلة مقابل أجر بسيط. تجديد باقة الإنترنت صار مطلباً إضافياً للدراسة عن بعد في زمن كورونا. تقول إنها في العشرين يوماً الأخيرة ظلت بلا جنيه واحد في بيتها. تراكمت عليها فواتير المياه والكهرباء، والإيجار "ممكن نلاقي نفسنا في أي وقت في الشارع مطرودين". لمدة طويلة ظلّ طعامهم مقتصراً على الخبز الحاف.

قبل فترة فكّرت في عمل مشروع، وتقدمت به لإحدى الجمعيات التي تدعم اللاجئين لتمويله. ولكنهم رفضوا بحجة حصولها قبل سنوات على تمويل لمشروع لم تكمله. تقول إن اللاجئ وضعه صعب جداً هنا، لأنه مقيّد والفرص أمامه قليلة، وتعرّضه الضغوط الاقتصادية للاستغلال، وإن كل ما حدث لها سببه احتياجها المادي. ذاك الذي لا يزال قائماً، وقد زيدت على الأثقالِ أثقال.

ولا تزال العديد من القصص طيّ الكتمان...

******

-تم إخفاء هوية المتحدثات بناء على طلبهن
-اللوحات للرسامة آية حمدي، من مصر
-فيديو قصة "أمل" من اعداد وانتاج: منى علي علاّم (سكريبت وتعليق صوتي) وآية حمدي (رسوم واخراج). 

______________

1-تقرير "خطة استجابة مصر لدعم اللاجئين، وملتمسي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن 2019"
2-كمثال، يمكن الاطلاع على هذا الوثائقي الذي يتضمن حادثة انتهاك جنسي كانت ضحيتها طفلة سورية في ألمانيا وكان الجاني شاباً ألمانياً يعمل في الصليب الأحمر، كما يتناول وثائقي آخر الانتهاكات الجنسية ضد مراهقين سوريين لاجئين في اليونان.
3 -انظر احصائيات المفوضية السامية لشؤوون اللاجئين.
4-رد رسمي من المفوضية عبر الإيميل، وقد خلا الرد من إجابات عن أسئلة الكاتبة بخصوص العنف الجنسي ضد اللاجئين في مصر.

_____________

أنجز هذا التحقيق بدعم من مؤسسة "كانديد".

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...