حجاب المرأة اليمنية تحايل على السواد

"قبل بضعة عقود من الزمن، كان من الممكن تحديد المنطقة التي تنتمي لها هذه السيدة أو تلك من ملابسها التي ترتديها خارج المنزل".. فكيف قضي على هذا التنوع وكيف ازيلت الالوان من لباس النساء؟ وكيف يخفي الأسود وجودهن تماماً، فتسير واحدتهن في الشارع وغمامة سوداء تسير معها، خوفاً وتوجساً من الرجل والعيب والحرام والعار.
2020-10-01

سهير السمّان

صحافية من اليمن


شارك

على مدار سنوات العهد الإمامي الذي كانت فيه أجزاء كبيرة من اليمن الشمالي معزولة عن العالم، كانت المرأة اليمنية هي الحلقة الأشد حرماناً وضعفاً، وتقبع تحت سواد ملبسها، شبح يسير في النهار وفي الليل. بعد قيام الجمهورية، في العام 1962، خرجت بعض النساء والفتيات ممن تلقين التعليم، وكان من حظهن وقوف أسرهن معهن، لكسر قيود الشكل النمطي للمرأة اليمنية، وخصوصاً في طريقة لبسها وحجابها. في الفترة التي أعقبت الثورة، ظهرت العديد من الفتيات وقد خلعن السواد، وكشفن عن وجوههن، وأصبحت الألوان تتراقص على أجسادهن، لتعبر المرأة وقتها حواجز عديدة، وتصبح فيما بعد المعلمة والطبيبة والمهندسة، وتمارس غيرها من الأعمال.

ما نراه الآن هو انتكاسة وردّة في حياة المرأة، لظروف سياسية أكثر منها دينية أو ثقافية، جعلت واقع النساء مظلماً، انتكاسة الثقافة والهوية. وهي امتدت لتطال المدن الجنوبية التي تمتعت فيها النساء بالحرية والتعليم، كمدينة عدن، بحيث أصبحت النساء فيها أكثر تشدداً من بقية المناطق، وتوشحاً بالسواد.

حين كنت طفلة في تعز

كانت مدينة تعز في الثمانينات الفائتة منفتحة، أجد فيها معظم النساء يسرن في الشوارع، مرتديات "البالطوهات" الملونة والقصيرة، وبعضهن كاشفات الشعر. كما كنت أجد بعضهن لا يزلن يلبسن الشرشف التقليدي القديم بطريقة لا توحي بالتشدد، بل كان الأمر طبيعياً، معبراً عن التنوع البارز في لباس المرأة اليمنية وشكله ولونه، ولم يكن يثير أي انتقادات أو مشاكل في أوساط المجتمع. كما كان اختلاط النساء بالرجال أمراً طبيعياً سواء في المدارس أو الشوارع أو في السينما، أو حتى في مناسبات الأعراس والاحتفالات. كنت أجد النساء والرجال يرقصون ويحتفلون بالمناسبة بمنتهى العفوية والبراءة.

وفي دراسة نشرتها الدكتورة بلقيس علوان تقول فيها: "قبل بضعة عقود من الزمن، كان من الممكن تحديد المنطقة التي تنتمي لها هذه السيدة أو تلك من ملابسها التي ترتديها خارج المنزل، فترتدي المرأة العدنيّة خارج منزلها الشيذر ومن تحته الدرع والفوطة، وتظهر الصنعانيّة في الحي أو السوق بستارتها ذات الألوان البهيجة، وتنزل نساء صبر من قراهن لبيع المحاصيل الزراعية مرتديات القميص الصبريّ المطرز، متزينات ببعض الفضة والنباتات العطرية تجاور آذانهن، وفي إب ترتدي النساء ما كان يسمى بالفوطة والقميص الذي يتميز بأكمامه الطويلة الواسعة، والتي تقوم بطيها وربطها خلف رقبتها لتتمكن من العمل، كما تقوم بحمل مشترياتها داخل كم القميص وتمسك طرف الكم بأصابعها بتحكم ومهارة، والقميص الواسع يصبح في حضرموت ثوباً يُلبس عليه حزام حضرميّ قد يكون من الفضة، ويتميز الثوب بذيل من الخلف، ويكون من الأمام أقصر قليلاً حتى لا تتعثر المرأة".

ملابس النساء في اليمن القديم

قدم محمد منصور عوض باعليان، أستاذ آثار وحضارة اليمن بجامعة عدن - في كتابه "الملابس في اليمن القديم، دراسة من خلال التماثيل والآثار" وصفاً لشكل ملابس النساء، بدءاً بحضارة معين وحمير وقتبان وأوسان فيقول: "يتألف الثوب النسائي عادةً إما من قطعة قماش واحدة تستر البدن من الرقبة حتى أعلى القدمين، أو من قطعتين تستر بهما المرأة جسمها بطرق مختلفة، فإما أن يكون اللباس عبارة عن ثوب طويل تعلوه عباءة تلتف على البدن، أوقد يتكون الثوب من قطعتي قماش إحداهما تستر أعلى الجسم حتى الخصر، والأخرى تستر الجزء السفلي منه، وتلتحمان أو تلتقيان على منطقة الخصر، إضافة إلى ذلك، هناك عناصر مكملة لرداء المرأة، كأغطية الرأس والحلي والنعال". وتَظهر الزخارف والنقوش الأثرية في ملابس النساء، والتي ما زالت ملامحها في الأزياء التقليدية حتى اليوم.

الأسود الذي قتل الألوان في اليمن

عم السواد تماماً في ربوع اليمن. حتى القرى التي كنا نرى نساءها يرتدين الأزياء التقليدية الملونة وهن خارج المنزل، في الحقل وفي الأسواق للبيع والشراء، فقد أصبح الأسود يخفي وجودهن تماماً، تسير في الشارع وغمامة سوداء تسير معها، خوفاً وتوجساً من الرجل والعيب والحرام والعار.

نجد في السنوات الأخيرة الكثير من الشابات يتجهن إلى تفصيل جديد للعبايات السوداء لتظهر بشكل أكثر حداثة ومقبولية للتطور والموضة، فأصبحن يدخلن بعض الشرائط الملونة عليها، ويتفنن في عملية تفصيلها لتبرز التفاصيل الأنثوية بشكل أكبر، كما أصبح النقاب أو البرقع يتخذ أشكالاً أكثر إثارة لإبراز العينين.

فمن الذي سعى إلى إلغاء الهوية الثقافية والإنسانية في اليمن، وما الهدف من وراء ذلك؟

بدأت التيارات الدينية والحركات الإسلامية تعمل جاهدة على تغيير المجتمعات العربية بشكل عام، فركزت على جانب المرأة التي تعد الحلقة المهمة في عملية تجميد عقل هذه المجتمعات ووصمه بسمةٍ واحدة، حتى يسهل السيطرة عليه، وتهيئته للتغيرات السياسية التي نراها الآن. إخفاء الوجود، وطمس الثقافة والتنوع والتعددية الدينية، وقمع حريات المجتمعات، كله بدأ بنشر السواد، وغسل الأدمغة بأفكار لا تمت للدين بصلة. واستطاعت هذه التيارات أن توتر العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة، وتجعل من الشيطان كائناً يقف بينهما، فأصبح مفهوم تواجد الرجل والمرأة في مكان واحد دون حاجز أو غطاء، محرماً وغير طبيعي، بل وأسست لفكرة الخطيئة الحتمية لهذين الجنسين.

تحايل على السواد

ولكنا نجد في السنوات الأخيرة الكثير من الشابات اللائي التحقن بالتعليم في مستوياته المتعددة أو من الفتيات العاديات، يتجهن إلى تفصيل جديد للعبايات السوداء لتظهر بشكل أكثر حداثة ومقبولية للتطور والموضة. فأصبحن يدخلن بعض الشرائط الملونة عليها، ويتفنن في عملية تفصيلها لتبرز التفاصيل الأنثوية بشكل أكبر، كما أصبح النقاب أو البرقع يتخذ أشكالاً أكثر إثارة لإبراز العينين، كما نلمس توق الفتاة للتحرر من هذا السواد من خلال لبس بعض الجواكيت الخفيفة والملونة على العباءة السوداء ليستطيع الآخرون تمييزها.

مقالات ذات صلة

هذه الإضافات التي تلجأ إليها المرأة ما هي إلا تحايل لقمع شدة هذا السواد المسيطر عليها. لقد أصابت التحولات شكل الحجاب من أجل أن تبرز المرأة وجودها، وتعبر به عن شخصيتها المخفية قسراً، بينما نجد العديد من الشابات اللائي استطعن الخروج من اليمن يخلعن السواد تماماً، بل ويتحررن من الحجاب وغطاء الرأس والوجه. وهذا يدل على ثورة قادمة على عهد هذا السواد الذي طال اليمن في جميع مناحي الحياة.

مقالات من اليمن

"الزامل"، ورقصة الحرب في اليمن

مثّلت معركة غزّة الجارية، التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين أول2023، مرحلةً جديدة في مسيرة الشعر الشعبي الحماسي أو "الزامل"، إذ تجاوز الفضاء المحلي باستيعابه مضامينها، ومواكبته لأحداثها، بدءاً من...

الطب التقليدي في اليمن

من أهم العوامل الفاعلة في الانتشار الملحوظ لممارسة الطب التقليدي في اليمن، حالُ الخدمات الصحية الرسمية المُصابة بجملةٍ من المشكلات والاختلالات، منها النقص الشديد في الأجهزة والمعدات الطبية، وتدني أجور...

للكاتب نفسه