تأتي أهمية اللجنة الدستورية السورية من كونها أول اختراق "عملي" للأزمة المشتعلة في البلاد منذ عقد تقريباً، وهي تحظى بموافقة اﻷطراف المحليين واﻹقليميين والدوليين، المعنيين كما يفترض، بعمل اللجنة اﻷساسي أن يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها "الحل السياسي"، بعد بناء دستور جديد.
لكن سؤالاً يظهر كلما عقدت اللجنة اجتماعات: هل سيكون هناك فعلياً اختراق إيجابي قد يساعد في الانتقال إلى مرحلة جديدة تمهد لتنفيذ بقية بنود القرار اﻷممي؟ يليه سؤال آخر: أليست اللجنة التفافٌ على القرار اﻷممي نفسه، في مقابل وجود بنود أكثر خطورة مثل "هيئة الحكم الانتقالي" - وهو أوّل بند في القرار اﻷممي - يليه مباشرةً انتقال سياسي؟ وكيف سيتم التعامل مع الدستور الجديد في حال نجاح إنتاجه (ولو بعد عام أو أكثر) بعد تجاهل البنود اﻷخرى؟ هناك أيضاً سباق ﻹنجاز دستور جديد للبلاد من قبل اللجنة قبل موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهو ما يبدو أن دمشق تحاول تأخير الوصول إليه، خاصة مع توارد أنباء أن وفدها ذهب إلى جنيف مرغماً نتيجة ضغوط روسية.
أزمة تراوح مكانها
تراوح اﻷزمة السورية مكانها من دون تغيير يذكر في مفاصلها الرئيسية. فما زالت قواعد الاشتباك العسكري على امتداد البلاد هي نفسها على اﻷرض، كما أنّ قطار المهجّرين واللاجئين لم يتجاوز ركّابه بضعة آلاف وافدين من لبنان واﻷردن. أما سياسياً، فهناك ثباتٌ واضحٌ في مواقف الأطراف المتنازعين، ووحده التوتر بين دمشق و"اﻹدارة الذاتية" ارتفع منسوبه مع زيادة الدعم الأميركي لهذه الإدارة، وقد أقدمت اﻷخيرة مؤخراً على إنقاص كمية الغاز المخصص ﻹنتاج الكهرباء المقدم إلى دمشق بأكثر من 1.2 مليون متر مكعب، بما يؤشر إلى أن التصعيد آت، خاصة مع ظهور عدة احتجاجات ضد وجود القوات اﻷميركية، أبرزها تعرّضها لإطلاق نار ردت عليه بقصف أحد حواجز الجيش السوري.
بالتزامن، كان الاتفاق الروسي ـ التركي الموقّع في آذار/ مارس الماضي لوقف إطلاق النار في إدلب (شمال غرب سوريا) إثر تصعيد شهدته المنطقة، مقدمةً لاستئناف الاجتماعات التي يبدو مفتاحها اليوم بيد الشريكين اللدودين، مع الانشغال اﻹيراني بقضايا أبعد قليلاً عن شؤون اﻹقليم، من دون تقليل تأثيرها.
أما في الداخل السوري فقد كان تفاقم سوء الوضع الاقتصادي لعموم الناس في مختلف أنحاء سوريا مؤشراً بارزاً حتى قبل بدء تطبيق الولايات المتحدة عقوبات "قانون قيصر"، متسببةً في انهيار الليرة السورية، رافقه انتشار جائحة كورونا بشكل متصاعد، حاصدةً اﻷرواح، وآخر أرقامها المثبتة وفاة ستين طبيباً سورياً وسط تخبّط حكومي في التعامل معها.
أهمية اجتماعات اللجنة
أنهت الهيئة المصغرة للجنة الدستورية أعمالها ضمن الجولة الثالثة التي انطلقت في 24 آب/ أغسطس الحالي، وشهدت أعمالها تعليقاً ليومين بسبب إصابة ثلاثة من أعضائها بفيروس كورونا توزّعت على الوفود المشاركة بواقع إصابة لكل منها (وقيل أربع إصابات، اثنتان منها لوفد دمشق). على أن هذا لم يؤد إلى توقف أعمال هذه الجولة وفشلها كسابقتيها.
في فك أحاجي الحدث السوري
17-10-2019
سوريا: توازنات مستحيلة
10-01-2019
يشير نجاح الانعقاد في التوقيت المحدد إلى وجود بعض الجدّية الدولية للمضي في جدول أعمال هذه الجولة التي تقرر فيها مناقشة المبادئ والركائز الوطنية التي أصرّ عليها وفد دمشق في الجولة الماضية، ومن ثمّ الانتقال لبحث المضامين الدستورية الأخرى، على الرغم من محاولة وفد دمشق وضع العراقيل منذ الجلسة الأولى لأعمال اللجنة بتقديم نفسه للعالم على أنه "الوفد الوطني"، وهو ما استدعى احتجاجات من قبل وفدي المعارضة والمجتمع المدني، إلى أن اعتمدت التسميات اﻷممية في النهاية.
زاد الوضع الاقتصادي لعموم الناس سوءاً في مختلف أنحاء سوريا حتى قبل بدء تطبيق الولايات المتحدة عقوبات "قانون قيصر"، متسببةً في انهيار الليرة السورية. رافق ذلك انتشار جائحة كورونا بشكل متصاعد، حاصدةً اﻷرواح، وآخر أرقامها المثبتة وفاة ستين طبيباً سورياً وسط تخبّط حكومي في التعامل معها.
تضطلع اللجنة رسمياً بمهمة إعادة صياغة الدستور السوري الحالي أو كتابة دستور جديد ليتناسب مع الشرائع العالمية ومع متطلبات السوريين ضمن إحدى السلال الأربع (الحكم غير الطائفي، وإنجاز الدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب) المستمدة من القرار الأممي 2254.
وقد منحت اللجنة خيارات متعددة، منها مراجعة دستور 2012 والدساتير السابقة، وأكثرها تداولاً دستور العام 1952. وفي ما يتعلق بآلية اتخاذ القرار، يحكم عمل اللجنة الإجماع، وإلا فيتم التصويت على أساس 75 في المئة على الأقل من أعضاء الهيئة ذات الصلة (الكبرى ثم الهيئة المصغّرة).
تمّ تجاهل الإدارة الذاتية الكردية في محادثات جنيف وأستانا، ورفضت دمشق والمعارضة على حد سواء تمثيلها في اللجنة الدستورية، مع اختيار دمشق لثلاث من الشخصيات الكُردية ضمن حصتها. كما حضرت أيضاً ضمن وفد المعارضة شخصيات كردية محسوبة على تركيا الداعمة للمعارضة، وبالضد من توجهات اﻹدارة الذاتية. وتعتبر تركيا المقاتلين الكرد "إرهابيين يجب استبعادهم".
وبصرف النظر عن سلسلة الأحداث التي سبقت انعقاد اللجنة ومنها الاجتياح التركي لشمال البلاد، يعتقد العديد من القانونيين أن استبعاد الإدارة الكردية سيؤثر على نجاح هذا العقد الاجتماعي، وأنه سوف ينتج عقداً اجتماعياً منقوصاً.
مشكلة شرعية اللجنة أمام القرار اﻷممي
منذ العام 2012، أقر بيان جنيف الثاني أن عملية الانتقال السياسي في سوريا تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، ثم لحقه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، على أن تجري العملية "بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتُقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويدعم انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر"، وفق نص القرار اﻷممي.
كان القرار السابق أحد المكاسب التي جرى التعويل عليها لتنفيذ "إجراءات عملية جدّية تنقل البلد إلى حكم ديمقراطي وعهد جمهوري جديد وتنهي المأساة السورية". ولكنه كمثل غيره من القرارات الدولية بقي "حبراً على ورق" من دون تنفيذ في ظل ميزان القوى على اﻷرض. وما جرى هو القفز فوق المسائل اﻷساسية والاشتراك مع السلطة في صياغة دستور جديد لن تختلف فاعليته عن سابقيه، كما يبدو حتى اﻵن.
بين اللجنة ومجلس الشعب والمعارضة
تأتي اجتماعات اللجنة على الجانب المحلي غداة انتهاء انتخابات مجلس الشعب، التي أجرتها دمشق في موعدها المقرر بشكل روتيني في مناطق سيطرتها، من دون شمولها مناطق المعارضة واﻹدارة الذاتية، اللتين رفضتا إجراءها في مناطقها، وشككتا في نزاهتها ونتائجها معاً، ولحقتهما في ذلك الإدارة اﻷميركية والمفوضية اﻷوروبية والمعارضة السورية في الخارج، في حين لم تعلّق اﻷمم المتحدة عليها. وداخلياً رفض "حزب اﻹرادة الشعبية" المعارض المشاركة للمرة الثانية، في حين شارك تيار "طريق التغيير السلمي" المعارض بمرشّحين اثنين، من دون أن ينجح في الوصول إلى أي مقعد.
وبقدر ما كان تشكيل اللجنة الدستورية "تحولاً تاريخياً في القضية السورية"، وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غداة إعلان تأسيسها (في 23 أيلول/ سبتمبر 2019)، فإن منتجها اﻷساسي المرتجى، أي دستور جديد للبلاد، يخضع بالدرجة اﻷولى إلى توافقات إقليمية ودولية، ثم إلى موافقة دمشق، القوة المالكة لمفاتيح العديد من الملفات، وأبرزها ملف المعتقلين والمهجّرين، والموافقة على النتائج الدستورية التي ستمر عبر قبة مجلس الشعب الجديد الذي يخلو تماماً من المعارضة السورية بكل أنواعها، في حين تبدو قوة المعارضات السورية، داخل وخارج البلاد في أضعف حالاتها، خاصّةً بعد نقل عدد من مقاتلي المعارضة المسلّحة من إدلب (معقل المعارضة اﻷخير) إلى القتال في ليبيا (يقدّر العدد بحدود 18 ألف مقاتل). وداخلياً لم ينجح أي من ممثلي المعارضة في الفوز بأي مقعد من المقاعد الباقية للمستقلين (71 مقعداً)، ولا تشارك أحزاب المعارضة في قوائم "الجبهة الوطنية التقدمية".
كانت المشاركة الشعبية في الانتخابات الحالية هي اﻷقل منذ الاستقلال، إذ لم تتجاوز نسبتها 33 في المئة وفق التصريحات الرسمية. ولكن هذه النسبة غير دقيقة. فعلى الرغم من مشاركة عسكريي الجيش والشرطة في الانتخابات - ويقدر عددهم بنصف مليون شخص - فالفارق كبير بين أرقام من يحق لهم التصويت (19.2 مليون) والذين صوّتوا (6.3 مليون).
حتى اليوم، تطلق دمشق على اللجنة تسمية "لجنة تعديل الدستور"، وهذا يعني أن مقرراتها "ليست قطعيّة" وتستوجب قبل إقرارها الحصول على موافقة ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الشعب وموافقة الرئيس الحالي للدولة، حيث لا يوجد مادة في الدستور السوري الحالي تصادق على أي لجنة بهذه اﻷهمية غير مجلس الشعب. وهذا يعني أن موافقة دمشق أمرٌ أساسي في ظل "قانونية مجلس الشعب" على الرغم اعتباره داخلياً مجرد "كيان صوري" لا فاعلية له، لكنه، وفق القوانين الدولية "شرعي"، شأنه شأن الدستور المقر منذ العام 2012 بموافقة مجلس الشعب السابق، أي أن تصدي المجلس لمهمة إقرار التعديلات الدستورية التي قد تنتج عن اللجنة أو الدستور الجديد، وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية، هو أمرُ واقعٌ. ومن هنا نفهم أهمية الانتخابات الأخيرة والطريقة التي تم بها اختيار أعضاء المجلس من قبل السلطة، حيث حلّ تجار الحرب ورموزها تحت قبة البرلمان في استمرار لما حدث في الانتخابات السابقة 2016.
كانت المشاركة الشعبية في الانتخابات الحالية هي اﻷقل منذ الاستقلال، إذ لم تتجاوز نسبتها 33 في المئة وفق التصريحات الرسمية، ولكن هذه النسبة غير دقيقة. فعلى الرغم من مشاركة عسكريي الجيش والشرطة في الانتخابات - ويقدر عددهم بنصف مليون شخص - فالفارق كبير بين أرقام من يحق لهم التصويت (19.2 مليون) والذين صوّتوا (6.3 مليون) حسب الكلام الرسمي، مما يخفّض نسبة المشاركة إلى ما دون 25 في المئة ممن يحق لهم التصويت. لكن هذا كله لا يلغي قانونية المجلس وفق النصوص الدستورية السورية.
أسئلة قوّة اللجنة الكبرى
يشكّل دستور العام 2012 أحد مرجعيات العمل في اللجنة الدستورية، إلى جوار دساتير أخرى أنتجت قبل حكم البعث للبلاد، منها دستور 1952 الذي يلقى حضوراً متزايداً في النقاشات لاعتماده النظام البرلماني ومحدودية صلاحيات رئيس الجمهورية. ويعتبر لدى كثيرين الوثيقة اﻷكثر "مدنيةً" بحكم إنتاجها من قبل هيئة تأسيسية وقبل أن يستولي العسكر على السلطة. في حين يرى أنصار دستور 2012 من وفد دمشق بالدرجة اﻷولى وبعض ممثلي المجتمع المدني، أنه خطوة مهمة نحو ديمقراطية تشاركية تعددية يمكنها تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية في قلب النظام الحالي دون الذهاب إلى الفراغ الدستوري والسياسي. إلا أن الانتقادات الموجّهة لهذا الدستور من قبل معارضين وقانونيين، ومنها توقيت تعديله، وعدم مناقشته في مجلس الشعب أو من قبل أي هيئة قانونية وسياسية، والصلاحيات الموسّعة لرئيس الجمهورية، ومبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، تجعل منه دستوراً منقوصاً.
ومع عدم وضوح الفترات الزمنية لإنجاز أعمال اللجنة، فإنّ هناك مشاكل كبرى تعترض عمل اللجنة وأبرزها سؤال ماذا بعد إنجاز الدستور، وهل سيتم التصويت عليه شعبياً أم من قبل مجلس الشعب كما هو حالياً، وإذا تم رفضه من قبل المجلس، فهل هناك حل بديل؟ أم تفرضه الأمم المتحدة بالقوة؟ وهل سنواجه دستوراً ولد من رحم وصاية دولية؟ وهل سيكون دستوراً دائماً أم مؤقتاً؟ وهناك أيضاً الطريقة اﻹجرائية المتبعة لتعديل الدستور المزمع إنتاجه وفق دستور 2012، الذي يتطلب قواعد إجرائية لتعديله (المادة 150) التي تنص على أنه لرئيس الجمهورية وثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديلات على الدستور، متضمنةً النص المقترح للتعديل وأسباب التعديل. وبمجرد أن يتلقى مجلس الشعب التعديل المقترح، يشكّل لجنة خاصة لدراسته ويناقش التعديل المقترح. وإذا تمت الموافقة عليه بغالبية الثلاثة أرباع، يُعتبر التعديل نهائياً، في انتظار موافقة رئيس الجمهورية.
كذلك، فإن دين وجنس وصلاحيات رئيس الجمهورية هي من العقد الكبرى في عمل اللجنة، باعتبار أنه يوجد تمييز ضد الأقليات والمواطنين الآخرين من غير المسلمين والنساء في الدساتير السابقة، وكذلك عبارة "الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع"، وتمثيل وحقوق الأقليات، وشكل ونظام الحكم، والعلم والشعار الرسمي للدولة، ومبدأ فصل السلطات.
لطالما عانت سوريا من فجوة بين نصوص الدستور والممارسات العملية المتعلقة به، من غياب فصل السلطات إلى التحكم بالسلطات نفسها عبر اﻷجهزة اﻷمنية، مع ما أنتجه ذلك من تفكيك مفهوم الدولة نفسه وأجهزتها وأدوارها.
في الجلسات السابقة، شكّلت صلاحيات رئيس الجمهورية، العادية وغير العادية، وهيمنته على السلطات الثلاث موضع نقاش رئيسي، خاصة أن دستور 2012 يعطي الرئيس صلاحيات موسعة، تتيح له الترشح مرات غير محددة، كما تمنحه صلاحيات إقالة المحكمة الدستورية العليا، وتعيين المجلس اﻷعلى للقضاء الذي يفترض به محاسبة رئيس الجمهورية في حال قرر مجلس الشعب ذلك، وكذلك تحدد صلاحيات مجلس الشعب وشروط الانتخاب للمجلس (المادة 60 من الدستور الحالي) وشروط انتخاب رئيس الدولة ومبدأ الكوتا (المادة 85 من الدستور الحالي)، واستقلال القضاء، ودور المحكمة الدستورية العليا وشروط تعيينها وصلاحياتها، والحريات وحقوق الإنسان ومدى توافقها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق العامة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية... والمركزية واللامركزية، والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والميراث وغيرها.
بين الدستور والممارسة الفعلية
لطالما عانت سوريا من فجوة بين نصوص الدستور والممارسات العملية المتعلقة به، من غياب فصل السلطات إلى التحكم بالسلطات نفسها عبر اﻷجهزة اﻷمنية مع ما أنتجه ذلك من تفكيك لمفهوم الدولة نفسه وأجهزتها وأدوارها.
إن إنفاذ المواد الدستورية وتفعيلها يحتاج إلى ضمان ألا تتكرر خروقات الدستور الكثيرة التي شهدتها البلاد في ظل النظام السياسي الحالي أو في سابقيه. وربما، يكون الحل بأن يتم الاتفاق على مبادئ فوق - دستورية مستمدة من الحريات العامة وحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهذا اﻷمر ضروري للمجتمعات التي شهدت موجات من الصراعات والحروب والتهجير والتدمير، وتريد إعادة بناء نظامها القانوني والسياسي الضعيف والهش أساساً، كما الحال في سوريا.
تقييم أعمال اللجنة الحالية
المؤشر اﻷول في تقييم أعمال اللجنة مرتبط بالتوافقات اﻹقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق تقدم فعلي في أعمالها. وتدّل توافقاتها الراهنة على أنه، على الرغم من وجود اتفاق عمومي بينها على مستقبل البلاد، إلا أنها مختلفة كثيراً في تفاصيل هذا المستقبل وحصة كل منها فيه، وخاصة القوى اﻷكثر نفوذاً، أي تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وبدرجة أقل إيران.
السوريون المهزومون جداً، من يداوي خيباتهم؟
30-01-2019
أما المؤشر الثاني فهو يكمن في الوفود السورية المشاركة التي لا يخفى أن فيها أطرافا ليس لهم مصلحة في الوصول إلى عمل منجز يؤدي إلى تغيير سياسي. وبشكل خاص، ترفض دمشق حتى اﻵن أي مشاركة في إدارة البلاد مع قوى تتهمها بأنها "غير وطنية"، وأنها تابعة ﻷجندات إقليمية ودولية، وفي الوقت نفسه لا تنفتح على أي من القوى الوطنية الداخلية، وهو ما اتضح في انتخابات مجلس الشعب اﻷخيرة، على الرغم من أنها تعاني اﻷمرّين بسبب الحصار اﻷميركي وقانون قيصر، وهو ما لا يتوقع أن يدفعها لتغيير مواقفها دون ضغط روسي.
تقييم أعمال اللجنة مرتبط بالتوافقات اﻹقليمية والدولية المطلوبة لتحقيق تقدم فعلي في أعمالها. وتدّل توافقاتها الراهنة على أنه، على الرغم من وجود اتفاق عمومي بينها على مستقبل البلاد، إلا أنها مختلفة كثيراً في تفاصيل هذا المستقبل وحصة كل منها فيه، وخاصة القوى اﻷكثر نفوذاً، أي تركيا وروسيا والولايات المتحدة، وبدرجة أقل إيران.
دمشق ترفض حتى اﻵن أي مشاركة في إدارة البلاد مع قوى تتهمها بأنها "غير وطنية"، وأنها تابعة ﻷجندات إقليمية ودولية. وفي الوقت نفسه فهي لا تنفتح على أي من القوى الوطنية الداخلية، وهو ما اتضح في انتخابات مجلس الشعب اﻷخيرة، على الرغم من أنها تعاني اﻷمرّين بسبب الحصار اﻷميركي وقانون قيصر.
لكل من هذه اﻷطراف رؤيته لنهاية الصراع السوري ومكانه وحضوره في مستقبل إدارة الحكم، وهو ما يجعل اللعب بعامل الوقت متاحاً بغاية العمل على تحصيل أكبر عدد من النقاط بدلا من الوصول إلى توافق على أرضية الممكن. وهو ما يمكن أن تؤثر فيه اﻹرادة الدولية بشرط حصولها على مبتغاها وتقاسم مصالحها ومناطق نفوذها في البلاد، الأمر الذي ما يبدو شبه حاصل على اﻷرض. أي أنه إذا استمرّت حالة الرفض لدى اﻷطراف السورية، فإن الحلول أو فرض الحلول من قبل القوى النافذة قد يكون أمراً واقعاً، لكنه اﻷمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الإنهاك والدمار، في ظل الغياب الحقيقي لإرادة السوريين من كل اﻷطراف. ولذا فإن أي انتخابات، برلمانية أم رئاسية، لا يمكنها إحداث فرق في سياق اﻷزمة الداخلية المتصاعدة.
-1 "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" هي منطقة سورية أُنشئ فيها حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع. تسيطر على المنطقة "قوات سوريا الديمقراطية" وتشمل أجزاء من محافظات الحسكة، الرقة، حلب ودير الزور. هذه المنطقة متعددة الأعراق، من عرب، أكراد وآشوريين، مع مجموعات أصغر من التركمان والأرمن والشيشان واليزيديين.