القاع

من ميدان التحرير، يوم السبت الماضي، نجح المصريون بتقديم فيديو العام. لا لجدة الموضوع واستثنائيّته، بل للقدرة على أرشفة لحظة بهيمية عالية المستوى، من المستحيل لبشريّ غضّ الطرف عنها. قصص التحرش في الشوارع المصرية باتت مع الوقت مألوفة. أرقامٌ يُسجّل ارتفاعها السنويّ على مرأى من عيون الكلّ ومن دون اثارة ردّات فعل كبرى. قصص كثيرة وغريبة، ابتُدعت معها طرق لحماية النساء، بدءاً من الحواجز البشرية

من ميدان التحرير، يوم السبت الماضي، نجح المصريون بتقديم فيديو العام. لا لجدة الموضوع واستثنائيّته، بل للقدرة على أرشفة لحظة بهيمية عالية المستوى، من المستحيل لبشريّ غضّ الطرف عنها. قصص التحرش في الشوارع المصرية باتت مع الوقت مألوفة. أرقامٌ يُسجّل ارتفاعها السنويّ على مرأى من عيون الكلّ ومن دون اثارة ردّات فعل كبرى. قصص كثيرة وغريبة، ابتُدعت معها طرق لحماية النساء، بدءاً من الحواجز البشرية في الميدان (ثورة 25 يناير)، وصولاً إلى فتح صفوف لتعليم النساء الفنون القتالية دفاعاً عن النفس...
عادي، أو لنعتبره كذلك. لكن الجديد في ما جرى خلال احتفالات تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هو تسجيل بالصوت والصورة لواحدة من أعلى حالات الهياج الهستيرية. يُظهر الفيديو بالتتابع: كدسة بشرية متزاحمة، امرأة يتمّ دفعها، صراخ امرأة مرمية على الأرض، تدافع مجموعة من الرجال، امرأة عارية، رجل شرطة، سباب، رجال يقفزون فوق بعضهم البعض، المرأة تنزف، إدخال المرأة في سيارة بيضاء (إسعاف)، استمرار تدافع الرجال.
انتهى. هذه لقطات من عملية اغتصاب جماعية جرت وسط ميدان التحرير. انشائية جملة «نهش الرجال للمرأة»! لكن فعل «نهش» هو الأدقّ تعبيراً هنا. مجموعة تفوّقت على غريزتها، وسعت ببديهيّة ووحشيّة لتحصيل «حقّها» الحتميّ الكامل في جسد امرأة. جرّدوها من كل شيء، تماماً مثلما سحبوها من يد ابنتها لاغتصابها.
تكرار الوقوف، مذهولين مسحوقين أمام هول ما حمله الفيديو من عنف وحقارة...
تتدرّج حالة البهيميّة على دفعات تنازليّة، لينقسم الفعل الى أجزاء. وبعيداً عن السؤال المنطقيّ عما حال دون تبرّع أحد بقميصه لتغطية المرأة المُعرّاة غصباً في الشارع (ولو!!؟)، تدور الأسئلة حول من صوّر الواقعة. كم نسبة اختلاف فعله عن أصل فعل الاغتصاب، وهو يدور بكاميرته على الشقّ السفلي من المرأة، في محاولة لتأكيد عريها مثلاً؟ أليس هذا تكريس لفكرة النهش نفسها؟
صحيح أن تصوير الحادث خلق صدمة لازمة، وأكّد على ما يُحكى من سنين، ولكنه جاء غريزيّاً فاقعاً، لتُطمس المرأة معه. ثم يأتي مشهد إنقاذ المرأة. لم يكن الفعل سهلاً، كانت هناك استماتة للتعدّي عليها. استمر مدّ الأيدي والأصابع للعبث بجسدها وهي محمولة، وجرت محاولات لـ«استعادتها « من حامليها حتى وقعت اشتباكات بين المجموعتين. أين عناصر الشرطة، سوى ذلك الشرطي اليتيم الذي تدخل؟ أليس واجباً فرز فرق خاصة، لا سيّما في مناسبات الاكتظاظ؟ بعد يوم على الحادثة، أعلنت الشرطة توقيف 8 مشتبه بتورطهم. نُشرت صورهم وشُهّر بهم قبل أن يحاكموا! وهذا اغتصاب أيضاً.
ولاكتمال المشهد، هدى بدران، الأمينة العامة للاتحاد النسائي المصري اعتبرت أن «هذه هي طريقة الإخوان للانتقام من المرأة المصرية»! وقيل إن الحادث مؤامرة اخوانية لتشويه اليوم العظيم. وهناك من صرّح على مواقع التواصل الاجتماعي عقب مشاهدته للفيديو انه «يوجد كل يوم تحرش ولكن لا يُنصَّب رئيس جمهورية كل يوم»، وهو استخفاف بالواقعة لإنقاذ الفرحة بالسيسي ممّا يمكن أن يعكر صفوها.
كيف وصلت أحوال مصر إلى هذا القاع؟ وهل هو قعر القاع، أم ينتظرنا المزيد؟
            
 

للكاتب نفسه

عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..

التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...

رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟

عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...