أدّت الإجراءات التي بدأت الحكومة السعودية بفرضها لإحلال العمالة السعودية في سوق العمل عن طريق سياسة ما سُمي بـ "توطين الوظائف" ــ والمتمثلة في قَصر عدد كبير من المهن على المواطن السعودي مع زيادة كبيرة في الرسوم التي ينبغي على العامل الوافد أن يدفعها ــ إلى تعريض عدد كبير من العمالة الأجنبية في السعودية ليس فقط لفقدان أعمالهم ومصادر دخلهم، ولكن أيضاً إلى تَحَمُل غرامات باهظة والترحيل في حالة المخالفة، وفي كل الأحوال، سيضطر عدد كبير من العمال في الفترة القادمة إلى مغادرة السعودية سواء نتيجة عدم الحصول على عمل مُصرح به أو بسبب عدم القدرة على دفع الرسوم التي من المقرر أن تتضاعف سنوياً.
ولأن المملكة كانت الوجهة الأكثر سهولة وجاذبية للعمالة اليمنية في العصر الحديث نظراً لما مثلته من سوق عمل كبير يتطلب أعداد وافرة من الأيدي العاملة بما لا يُشترط مؤهلات ومهارات عالية، خصوصاً بعد الطفرة الاقتصادية التي طرأت فجأة مع مطلع سبعينيات القرن الماضي وصاحبتها نهضة عمرانية واسعة ورخاء وترف بالغين، إذ استقبلت في العقود الخمسة الأخيرة موجات كبيرة من المهاجرين اليمنيين، لتُشكِّل العمالة اليمنية في هذا البلد واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية، وما يُقارب الـ 80 في المئة من مجموع المغتربين اليمنيين في كل دول العالم حسب تصريحات رسمية.
ركز القرار السعودي في المرحلة الأولى من توطين الوظائف على تلك المهن التي تتطلب مهارات بسيطة أو متوسطة، في أحسن الأحوال، وهي المهن التي يعمل فيها الغالبية العظمى من المغتربين اليمنيين، وتقليص نسبة العمالة الأجنبية في هذه المهن سيعود بأكبر الضرر على العمالة اليمنية على وجه الخصوص، وسيضطر مئات الآلاف منهم للعودة قسراً إلى موطنهم الأصلي الذي تنهش الحرب جسده المُنهك منذ ثلاث سنوات بين "الحكومة الشرعية" المهاجرة في الرياض والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، وجماعة الحوثي وحلفائها من جهة ثانية، وحصار خانق جوي وبري وبحري، كما يشهد البلد بسبب هذه الحرب حالة انهيار كامل على كافة المستويات، وأزمة إنسانية هي الأسوأ عالمياً، وكما أشارت تقارير الأمم المتحدة.
تحاول هذه المقالة أن ترصد الآثار والتبعات المختلفة المترتبة على العودة الجماعية الوشيكة لأكبر عدد من المغتربين اليمنيين، التبعات التي يبدو أنها ستترك تأثيرات عميقة وعاصفة وذات مدى طويل وستُحدِث تغييرات جذرية وربما دراماتيكية في حياة ومستقبل المُرحلين بشكلٍ خاصٍ، وعلى أوضاع البلد بشكل عامٍ.
رحلة الشتاء والصيف: الهجرة والترحيل
تُعتبر الهجرة أحد السمات البارزة التي طبعت حياة الإنسان اليمني منذ القِدم، سواء الهجرات الدائمة أم المؤقتة، الاختيارية منها أم الإجبارية، وطريقة من طرق تواصله مع العالم في موقع ظل على الدوام واحد من أهم المعابر التجارية وحركة التنقل بين الشرق والغرب، براً وبحراً، حتى صارت الهجرة جزءاً من تكوينه النفسي والاجتماعي مما وَلَّد لديه الاستعدادات الدائمة للهجرة بحثاً عن مقاصد شتى.
تاريخياً كانت حركة الجماعات والأفراد في الجزيرة العربية سواء لأسباب اقتصادية، دينية أم أمنية، لا تنقطع، وقد ساعدت البُنى الاجتماعية المتقاربة والتاريخ الذي يتم تَصوره على أنه مشتركاً، ومتنازع على أصل جذوره وسلطته الرمزية في نفس الوقت، في جعل حركة التنقل لا تبدو كهجرة، وبما يوحيه مفهوم الهجرة من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بقدر ما كانت عملية دائمة من التجوال وتغيير المواقع دون عقبات أو شروط. هذا الإرث الممتد من تاريخ ما قبل الدول الوطنية الحديثة قد يكون أحد العوامل التي جعلت دولة كالسعودية امتلكت إمكانيات كبيرة من استغلاله لغايات توسعية على حساب بلدان الجوار، وإقامة علاقات مع قوى اجتماعية وقبليّة تتجاوز السلطات القائمة في البلد. من جانب آخر، وفيما يتعلق بموضوع الهجرة، فقد كان لهذه التصورات والمُوجهات التاريخية دور في تقبّل "المغترب اليمني" خليجيا بصورة أفضل من أي وافد أجنبي، ومنحه امتيازات هامة ليس فقط على المستوى الرسمي ولكن أيضاً على المستوى الاجتماعي في حقبة ما قبل حرب الخليج الثانية التي قلبت الطاولة رأساً على عقب.
تقليص نسبة العمالة الأجنبية في المهن البسيطة سيعود بأكبر الضرر على العمالة اليمنية على وجه الخصوص، وسيضطر مئات الآلاف منهم للعودة قسراً إلى موطنهم الأصلي الذي تنهش الحرب جسده المُنهك منذ ثلاث سنوات بين "الحكومة الشرعية" المهاجرة في الرياض والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، وجماعة الحوثي وحلفائها من جهة ثانية، وحصار خانق جوي وبري وبحري..
ركّزت الدراسات التي اهتمت بموضوع الهجرة الحديثة للعمالة اليمنية إلى دول الخليج على موجات الهجرة الكبيرة التي بدأت مع مطلع سبعينيات القرن الماضي. لكن الحقيقة أن الهجرة اليمنية إلى دول الخليج كانت سابقة لهذا التاريخ بحوالي عقدين من الزمن، وهذه التدفقات الأولى من المهاجرين استطاعت أن تندمج أكثر في المجتمعات الخليجية التي كانت بسيطة وبدائية ولم تُصبها لعنة الترف بعد ولو تُختبر بمواقف سياسية حساسة، وكانت هويتها الوطنية في طور التشكّل، فضلاً عن الاعتبارات التاريخية التي أشرنا إليها، بموجب ذلك تحصّلت هذه المجموعات الأولى من المهاجرين على امتيازات مختلفة، وتم منح غالبيتهم الجنسيات الخليجية، كما ساهموا بفعالية في بناء هذه الدول، وبعض من العائلات التجارية ذات الأصول اليمنية استطاعت أن تبني إمبراطوريات تجارية كبيرة تتجاوز المنطقة.
شكّلت حركة الهجرة اليمنية إلى السعودية في العقود الأخيرة الماضية واحدة من أهم وأكبر تجارب الانتقال والاستقبال للبلدين الجارين في تاريخهما، وتركت بصمات هامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كليهما. ومنذ مطلع 1970، ومع حاجة الأسواق الخليجية، وخصوصاً السعودية، إلى الكثير من الأيدي العاملة بفعل الطفرة الاقتصادية الهائلة التي رافقت ارتفاع أسعار النفط، وسهولة التنقل دون قيود حدودية بين البلدين، زادت أعداد المغتربين اليمنيين في السعودية بشكلٍ كبيرٍ وباضطراد. ووفقاً لبعض الإحصائيات فقد ارتفعت أعداد المهاجرين اليمنيين في السعودية وحدها من 290 ألف في العام 1975، إلى حوالي 541 ألف في العام 1977، لتصل ذروتها في المرحلة الأولى وقبل حرب الخليج الثانية (1990) إلى حوالي 1,2 مليون مهاجر يمني. وحسب الباحثة نورا آن كلتون التي كتبت بحثاً عن "الضحايا الصامتون: عودة المهاجرين اليمنيين إلى الوطن" فإن العمالة اليمنية في الخارج بلغت ذرتها في هذه الفترة لتصل إلى ما نسبته الـ 48 في المئة من إجمالي القوى العاملة اليمنية، وكما هو معلوم، فإن الغالبية العظمى من العمال اليمنيين المهاجرين يعملون في السعودية.
اليمن 2017: العبث بأفظع صوره
04-01-2018
مع حرب الخليج، تفاقم التوتر في العلاقات اليمنية ــ السعودية إثر موقف النظام اليمني من غزو العراق للكويت عام 1990، وقد أشار البعض إلى أن السعودية أحسّت بأن موقف النظام اليمني من الأزمة كان خيانة وتهديدا لها، وانحيازا لأعدائها ضد أصدقائه والمحسنين إليه.
خلال هذه الأزمة، اتخذت القيادة السعودية قراراً بإلغاء كل التسهيلات التي كان المغتربون اليمنيون يتمتعون بها في السابق؛ كعدم وجود إجراءات مشددة على الدخول إلى أراضيها، والعمل والتجارة بحرية دون الحاجة إلى كفيل أو شريك سعودي كي تُدار الأعمال التجارية باسمه لتعذر ذلك على الأجانب بفعل المنع القانوني، وكما كان يُطبق على بقية الجاليات الوافدة، ثم صار يُطبق لاحقاً على اليمنيين. ونظراً لعدم توفر كفلاء أو شركاء خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، فضلاً عن الخوف والكراهية التي انتشرت في المملكة العربية ضدهم بفعل تعبئة الإعلام الرسمي، اضطر غالبية المغتربين اليمنيين في السعودية ــ حوالي 1 مليون مغترب، حسب بعض التقديرات ــ إلى المغادرة، وبيع كل ما يملكونه هناك، وبأسعارٍ زهيدة. كان هذا القرار أشبه بعقابٍ جماعي بفعل ما اعتبرته الرياض ذنبا اقترفه النظام السياسي، حتى لو لم يكن للمواطن العادي يدٌ فيه!
ووفقاً لبيانات إحصائية، فإن تحويلات المغتربين اليمنيين من السعوديّة وحدها بلغت في العام 1987 قرابة 1,06 مليار دولار أمريكي، وهو ما يُشكل نسبة هامة من إجمالي الناتج المحلي (GDP) لتلك الفترة، والمورد الأساسي للعملات الأجنبيّة. وبحسب نورا كلتون فإن عودة هذا العدد من المغتربين شكّل كارثة حقيقية للبلد، فهذه العودة الجماعيّة قلبت الأوضاع السياسيّة والاقتصادية رأساً على عقب، وقد سلطت الضوء على المشاكل البنيوية التي تواجهها الدول النامية والتي ستظل تواجهها جراء الهجرة الجماعية والمتمثلة باعتماد اقتصاديات هذه الدول على هجرة العمالة وتحويلات المغتربين.
قدّر البنك الدولي أن العمالة اليمنية في السعودية اقتربت من مليون عامل في العام 2010، بينما قدّر تقرير منظمة الهجرة الدولية عددهم بـ 800 ألف، أما وزير شئون المغتربين اليمني فأكّد بأن العدد أكبر بكثير من الرقم المُعلن، في حيث قدّرت مصادر أخرى العدد في العام 2013 بـ 1,5 مليون، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم وثائق ويدخلون للعمل بطريقة غير شرعية.
مرّ عقد التسعينيات من القرن الماضي بفترة راحة مؤقتة في حركة التنقلات بين البلدين عدا مجموعات بسيطة أغلبهم دخلوا السعودية بصورة غير شرعية، لكن مع مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، تحديداً بين عاميّ 2003 -2008، شهدت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً حتى وصلت إلى مستويات قياسية، وحدثت طفرة اقتصادية جديدة، خصوصاً في المشاريع الإنشائية، وقبلها شَهِدَت العلاقات بين النظامين السياسيين في اليمن والسعودية تَحسُّنا ملحوظا، حيث وقّع الجانبان على "معاهدة جدة" 2000 لإيجاد تسوية نهائية لمشاكل الحدود وترسيمها، ثم ضم اليمن في المجالات الصحية والتعليمية والرياضية إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي، هذه العوامل شكّلت في مجموعها دوافع ومحفزات هامة للكثير من اليمنيين لخوض غمار تجربة الاغتراب الشاقة في البلد الجار.
وبما أن الحكومة اليمنية لم تقم بوضع برامج تأهيلية معينة بهدف إكساب المهاجرين، ومعظمهم من الشباب، مهارات تتناسب مع متطلبات سوق العمل الخليجي، والتحولات التي تطرأ فيها، واستمرت في تصدير العمال غير المهرة أو شبه المهرة، وبنسبٍ كبيرةٍ، فقد واجهت هذه العمالة مصاعب كثيرة وكبيرة في سوق العمل، وانعكس ذلك بشدة على مكانتها ومواقعها ومستوى دخلها.
في السعودية تغيّرت المعاملات الرسمية وغير الرسميّة هذه المرة كلياً، فقد كان على الشخص الذي يرغب بالهجرة أن يشتري فيزا تُكلفه بجانب معاملات الدخول الأخرى آلاف الدولارات، كما أن نظام الكفالة قد عرّض عددا كبيرا من العمالة بعد الدخول للأراضي السعودية للاستغلال والابتزاز، خصوصاً العمال ذوي الدخل المحدود، كما وجد الكثيرون منهم أنفسهم في وضع غير قانوني مع أن دخولهم كان بصورة قانونية نظراً لأن الكفيل قام باستقدامهم، بينما لا تتوفر لديه أشغال مناسبة، وكل همه الحصول على مبلغ مالي سنوي من الوافد مقابل الكفالة، فيضطر هؤلاء إلى العمل مع آخرين بصورة مخالفة للوائح المُنظّمة للعمل لتغطية النفقات المختلفة ومساعدة أسرهم المُعوزة في الداخل، وقد يضطرون إلى العمل في بيئات غير آمنة فضلاً عن عدم ملاءمة أماكن الإقامة وحدوث نزاعات بشأن الأجور وارتكاب مخالفات ضد حقوق الإنسان العامة وحقوق العمال بوجه خاص.
في العام 2011 بدأت السعودية بتطبيق نظام "نطاقات" والذي هدف إلى زيادة نسبة العمالة السعودية في سوق العمل، ففرضت على كل المؤسسات التجارية حدا أدنى من العمال السعوديين. وفي بداية العام 2013، أعلنت السلطات السعودية أنها بصدد تصحيح وضع العمالة الأجنبية، وترحيل كل من تثبت مخالفته للوائح المنظمة التي تقضي بضرورة العمل لدى الكفيل، فضلاً عن سعودة بعض القطاعات. وحسب التقارير الدولية فقد تم ترحيل مليون عامل، وأخذت اليمن الحصة الأكبر من العمالة المُرحلة، حيث بلغ عدد المرحلين اليمنيين ما نسبته 40 في المئة (أي قرابة 400 ألف عامل)، وفقاً لإحصائيات ميدانية قامت بها منظمة الهجرة الدولية في معبر الطوال الحدودي بين اليمن والسعودية ما بين عاميّ 2013-2014. معظم هذه العمالة استطاعت العودة مرة أخرى فيما بعد، والكثير ممن لم يُرحلوا تمكنوا من تصحيح أوضاعهم، ونقل كفالتهم، والاستمرار في العمل، علاوة على أن الحكومة السعودية اضطرت إلى تخفيف التشديد نوعا ما بتطبيق هذه الإجراءات بفعل الضغوط السياسية التي تعرضت لها، فضلاً عن طبيعة سوق عملها الذي لا يحتمل مثل هكذا تغييرات فجائية.
بشكلٍ عام، تضاربت الإحصائيات حول العدد الكلي الذي بلغته العمالة اليمنية في السعودية بعد موجات الهجرة الثانية منذ العام 2000، فوفقاً لتقرير البنك الدولي فإن العمالة اليمنية في السعودية اقتربت من مليون عامل في العام 2010، بينما قدّر تقرير منظمة الهجرة الدولية عددهم بـ 800 ألف، أما وزير شئون المغتربين اليمني في تعليقه على إحصائية منظمة الهجرة فأكّد بأن العدد أكبر بكثير من الرقم المُعلن. في حيث قدّرت مصادر أخرى العدد في العام 2013 بـ 1,5 مليون، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم وثائق ويدخلون للعمل بطريقة غير شرعية. ووفقاً للإحصائيات الدولية، فقد بلغت تحويلات المغتربين اليمنيين في العام 2014 حوالي 3,3 مليار دولار أمريكي، أي 9.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و 40.6 في المئة من الصادرات، وما نسبته 48,8 في المئة من هذا المبلغ يأتي من السعودية وحدها. بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن تحويلات المغتربين الحقيقية تبلغ ضعف ما ذكرته الإحصائيات الرسمية، ويرجع ذلك إلى أن البنك المركزي اليمني، مصدر المعلومات والأرقام يُعاني "قصوراً في احتساب تحويلات المغتربين والعاملين في الخارج، لأسباب أبرزها ضعف التنسيق وعدم الاستجابة أحياناً، وعدم توافر قاعدة بيانات لدى جهات المصدر، إضافة إلى صعوبة الحصول على بيانات عن التحويلات العينية لدى مصلحة الجمارك، ما يضطرّ المركزي إلى اللجوء للتقدير"، كما جاء على لسان المدير العام لميزان المدفوعات في البنك.
في الثلاث سنوات الأخيرة، أصبحت تحويلات المغتربين أهم مصدر اقتصادي، والمصدر الأهم للعملة الأجنبية بعد توقف تصدير النفط ومنتجات أخرى، وانهيار القطاعات الإنتاجية بفعل الحرب.
عاصفة الترحيل 2017: الآثار والتبعات
كانت عودة ما يُقارب من مليون مغترب يمني في العام 1990 كارثية بكل المقاييس على بلدٍ يُعاني أصلاً من عدم استقرار سياسي دائم، واقتصاد هش، ويعتمد اعتماداً كبيراً على العمالة المهاجرة. لكن زيادة الكميات المصدرة من النفط في منتصف التسعينيات، ثم هجرة أعداد كبيرة من اليمنيين إلى السعودية ودول الخليج بعد العام 2000 قد ساهم كثيراً في تلافي قدر كبير من تبعات وآثار هذه الأزمة. وبالمقارنة مع الأزمة الحالية التي هي على وشك الوقوع، وفي ظل حرب ضارية، وانهيار كلي على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وأزمة إنسانية هي الأسوأ عالمياً، تبدو الصورة الكارثية لما هو قادم واضحة بجلاء.
فمنذ شهر تموز / يوليو من العام الماضي بدأت السلطات السعودية بتطبيق قرار "سعودة" الوظائف في 12 قطاعا، أي اقتصار العمل فيها على مواطنين سعوديين، وهذه القطاعات هي: (محلات السيارات والدراجات النارية، ومحلات الملابس الجاهزة "أطفال ورجالية"، ومحلات الأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، ومحلات الأواني المنزلية)، وفي المرحلة الثانية من توطين الوظائف ستتم السعودة في القطاعات التالية: (محلات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، والساعات، والنظارات، محلات الأجهزة والمعدات الطبية، ومواد البناء والإعمار، وقطع غيار السيارات، والسجاد بكافة أنواعه، والحلويات). كما فرضت السلطات السعودية رسوما وضرائب جديدة على كل عامل أجنبي ومرافقيه، وستتصاعد كل سنة.
تحولات العلاقات اليمنية السعودية خلال قرن
29-07-2016
ونظراً لأن الغالبية العظمى من العمالة اليمنية الموجودة في السعودية تُصنف في خانة العاملين ذوي المهارات المتدنية أو المحدودة، فضلاً عن طبيعة سوق العمل في السعودية التي سمحت لجماعات أثنية أو جاليات معينة باحتكار قطاعات معينة، من هذين البُعدين، يبدو أن القرارات السعودية قد استهدفت على نحوٍ خاصٍ أغلب المهن التي يعمل فيها اليمنيون.
ومقارنة مع خسائر الجاليات الوافدة الأخرى جراء هذه القرارات، تبدو الجالية اليمنية هي الأكثر خسارة، وبفارق شاسعٍ، حيث يتوقع ـ وفقاً لبعض التقديرات ـ أن يخسر ما نسبته 90 في المئة من العمالة اليمنية أعمالهم خلال الفترة المقبلة. ولو وضعنا في الاعتبار أن اليمن بلد يعيش حالة حرب ودمار كامل لكل مؤسساته وقطاعاته الاقتصادية من بين كل الدول التي من المتوقع أن تستقبل أعدادا كبيرة من المُرحلين، في الوقت نفسه الذي أصبحت تحويلات المغتربين المصدر الأول للدخل المحلي وللعملة الأجنبية للبلد، لأدركنا حجم الكارثة التي ستُشكِّلها عودة مئات الآلاف من العمال اليمنيين.
حتى إن توقفت الحرب، فالاقتصاد اليمني يُعاني بشدّة منذ 2011، بفعل الاضطرابات السياسية، وتضرر البنية التحتية، وسوء الخدمات، وارتفاع أسعار الوقود بشكلٍ قياسي، مما جعل قطاعاته الإنتاجية تفقد القدرة على منافسة البضائع الواردة، وأغلبها من السعودية، سواء على مستوى الأسعار أو على مستوى الجودة، حيث يسود اعتقاد بين الناس بأن الحكومة اليمنية لا تُمارس رقابة جيدة على المؤسسات التجارية مما يجعل هذه المؤسسات لا تلتزم بالمعايير.
وفي كل الأحوال، لن يستطيع بلد يُعاني من حالة انهيار تام استقبال هذا العدد من العائدين، وخلق فرص عمل تمكنهم من تدبير أمورهم واحتياجاتهم الضرورية ولو بالحد الأدنى، وعشرات الآلاف من أبناء الأسر العائدة سيجدون أنفسهم في وضعية صعبة وقاسية لا تمنحهم القدرة على تطوير أنفسهم؛ سواء بفعل العوز المادي أو بسبب تدهور مستوى المؤسسات التعليمية، وعدم وجود فرص جيدة لتطوير المهارات، وهذا يعني أن تبعات هذه العودة ستكون جذرية وشاملة وستصيب أضرارها البالغة أكثر من جيل.
ومع أن السعودية حاولت أن تُقلّص أعداد العمالة الأجنبية منذ وقتٍ مبكرٍ وتحت إلحاح أسباب مختلفة؛ كانخفاض أسعار النفط في بعض الفترات، وارتفاع نسبة البطالة بين أوساط المواطنين، والقلق الكبير من التغييرات الديمغرافية، وعن طريق برامج مختلفة؛ حيث سبق لها في العام 2004 أن قامت بإيقاف الاستقدام أو تجديد رُخص العمل لـ 28 مهنة، لكن الارتفاع القياسي في أسعار النفط خلال تلك الفترة جعلها لا تُفعِّل مثل هذه القوانين، وتتجاهل تطبيقها.
على أن كل ذلك لم يمنع العامل اليمني من الشعور بأنه المستهدف الأكبر من هذه القرارات، لعدّة أسباب: فأولاً استهدفت الإجراءات الحكومية سعودة القطاعات التي تعمل فيها الغالبية العظمى من العمالة اليمنية، وثانياً عدم قدرة هذه العمالة على اتخاذ قرار بالمغادرة وترتيب أوضاعها في بلدها بسبب ظروف الحرب فأصبحت في وضعيةٍ قاسية جداً؛ بدون عمل ولا تستطيع المجازفة بالعمل في قطاعات أخرى مسعودة خوفاً من الترحيل كما أنها في نفس الوقت تُستنزف مالياً من خلال الرسوم والضرائب الباهظة، وثالثاً يبدو توطين مثل هذه المهن عبثاً لا محدود، فالسعوديون على الأرجح لن يرغبوا بالعمل في مثل هذه المهن بسبب الاعتبارات الاجتماعية وتدني العائد المادي، ورابعاً تجد نفسها في وضع مقارنة مجحفة مع ما تُقدمه بعض من دول المنطقة للنازحين من دول الجوار بسبب ظروف الحرب، كالأردن ولبنان اللتين تستقبلان ملايين اللاجئين وإمكانياتهما أقل بكثير من إمكانيات السعودية، وما تفعله الدولة الجارة، مع فارق كبير بين العامل واللاجئ، ومن كل النواحي. هذه المشاعر التي تنتاب قطاع عريض من المغتربين المستهدفين بالقرارات السعودية قد يكون لها رد فعل عكسي على المستوى السياسي والأمني الآن ومستقبلاً، فاليمن هي الدولة الوحيدة المتضررة التي لديها حدود شاسعة مباشرة مع دول الخليج، كما أن إحدى القوى المحلية (جماعة الحوثي) تخوض حرباً مع السعودية وتقوم باستهداف أراضيها، فضلاً عن موقع اليمن الاستراتيجي، وهو ما دعا الباحث أحمد محمد أبو زيد إلى القول بأن "ما يحدث في الخليج يؤثر في الأوضاع اليمنية بصورة تكاد تكون مماثلة تماماً لتأثيرها في الخليج ذاته. ولعل ما حدث أثناء حربي الخليج الثانية (حرب "تحرير الكويت")، والثالثة (حرب احتلال العراق)، هو خير مثال تاريخي على صحة تلك الفرضية".
تحاول الحكومة السعودية إظهار هذه الإجراءات على أنها خطة استراتيجية ضمن "رؤية 2030" التي يشرف عليها ولي العهد الأمير الشاب والنافذ محمد بن سلمان، وتهدف إلى تقليص البطالة وتنويع مصادر الدخل في ظل انخفاض أسعار النفط وبشكلٍ كبيرٍ، حيث يُتوقع أن تدر هذه الإجراءات على الخزينة السعودية بـ 24 مليار ريال سعودي خلال العام 2018. ومن الجدير بالإشارة إليه هنا، أنه في وقتٍ سابقٍ لتاريخ تفعيل هذه الإجراءات، كانت صحيفة عكاظ التي تُعتبر واحدة من أكثر الصحف السعودية قربا من سلطات صنع القرار قد كتبت نقداً للجالية اليمنية في السعودية حيث وصفت مواقفها بـ"الخجولة والصامتة" من الحرب في اليمن، وطالبتها بضرورة دعمها بشكلٍ أكبر.
حكمت علاقة السعودية باليمن في التاريخ المعاصر ثلاثة ملفات أو إشكاليات كبيرة: استقطاع السعودية لمساحات واسعة من الأراضي اليمنية ومشاكل حدودية مستدامة، التدخلات السافرة في الشئون الداخلية حتى وصل الأمر في فترات ما إلى تدبير انقلابات سياسية أو التخطيط لها عند وصول مناوئين لتدخلاتها إلى قمة السلطة، وثالثاً ملف العمالة اليمنية.
وبالنسبة للعامل اليمني وهو يضع في حسبانه ما ينتظره من مصير مأساوي في قادم الأيام ينظر إلى مثل هذه المبررات السعودية بشأن الإجراءات وتوقيتها بالكثير من الشك والقلق، وما زال يأمل في صحوة من نوع ما تؤدي إلى استثنائه ولو مرحلياً.
عملياً، تُشير التقارير الأوليّة إلى عودة عشرات الآلاف من المغتربين إلى اليمن خلال الشهور القليلة الماضية، وهذا يعني أن تطبيق القرارات يمضي على قدمٍ وساق. على أن عدم استثناء العمالة اليمنية من قرارات الترحيل تقديراً للظروف القاسية التي تمر بها البلد، ولوجود مبررات أخلاقية وموضوعية لذلك، يعني فيما يعنيه أن السعودية وبعض دول الخليج ربما تُخطط للاستفادة من العائدين في حروبها المختلفة، مستغلة ظروفهم المعيشية الصعبة، وغالبية هؤلاء من الشباب، في ظل ازدهار المليشيات واقتصاد الحرب في اليمن، وفشل ذريع في التغلب على جماعة الحوثي، وهي تُمثل لهم كابوس كبير. في المقابل قد تدفع المشاعر السلبية التي سيحملها هؤلاء جراء ترحيلهم المتعسف إلى الانضمام إلى جماعات مناوئة لقتال السعودية وحلفائها المحليين.
لقد حكمت علاقة السعودية باليمن في التاريخ المعاصر ثلاثة ملفات أو إشكاليات كبيرة: استقطاع السعودية لمساحات واسعة من الأراضي اليمنية ومشاكل حدودية مستدامة، التدخلات السافرة في الشئون الداخلية حتى وصل الأمر في فترات ما إلى تدبير انقلابات سياسية أو التخطيط لها عند وصول مناوئين لتدخلاتها إلى قمة السلطة، وثالثاً ملف العمالة اليمنية. وفيما يخص الملف الثالث، فقد كيّفت السعودية قوانين العمل بما يضمن بقاء القوى العاملة في وضع مؤقت، لهذا عادة ما كانت تستفيد من اللعب على هذا الملف الحساس لصالح ممارسة ضغوط وابتزازات سياسية في كل أزمة.
الاقتصاد اليمني ضحية الغارات الأميركية
23-04-2014
بعد أزمة الخليج، وعودة مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين، نبّه بعض الباحثين إلى أن محاولة عزل اليمن وتركها تغرق في مشاكلها الاقتصادية والسياسية الكبيرة سيدفع بدولٍ عدّة لديها توتر مع دول الخليج إلى استغلال الوضع لاتخاذ اليمن منصة لتصفية الحسابات مع هذه الدول، وتم تحديد هذه الدول على النحو الآتي: روسيا، العراق فيما لو تعافى، إيران، سوريا. كما نبّه آخرون إلى خطورة ما سمّوه بـ"مأزق اليمن الأمني"، حيث يُشكل تحول اليمن إلى دولة فاشلة بعدم قدرتها على مواجهة معضلاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقدة والمستعصية قد يؤدي إلى تحطيم الأمن الإقليمي بصورة كاملة.
اليوم وعلى ضوء ما يفعله الحوثيون وبدعم وتشجيع من قوى إقليمية ودولية تبدو التطورات بديهية للغاية. لقد استفاد الحوثي من المشاعر السلبية المتراكمة بسبب الكثير من أخطاء السياسات السعودية الفادحة تجاه اليمن وبناء سردية ثأرية في المقابل، مما جعله يكسب الكثير من القوى الاجتماعية إلى صفه حتى تلك التي كانت على صلة وثيقة بصناع القرار في السعودية منذ ستينيات القرن الماضي.
إن استمرار الأخطاء السعودية الفادحة على كل المستويات، وبالتوازي مع قيادة "حرب عمياء" اُرتِكِبت فيها الكثير من الجرائم والمجازر الكبيرة، وليس انتهاءً بالترحيل المتعسف لمئات الآلاف من المغتربين اليمنيين ـ باعتبارهم أخر خيوط العلاقة الهشة بين البلدين ـ سيفتح باباً واسعاً لاضطراب كبير في المنطقة، والتحولات الدراماتيكية التي تمر بها المنطقة منذ عدّة سنوات خيرُ دليلٍ على ما نذهب إليه، ولعل ما شكلته الحالة العراقية وتطوراتها وانزياحاتها المختلفة بعد اجتياح العام 2003 يمكن أن يكون نموذجا لنظرية "الانفجار الكبير" للدول، بالمفهوم السياسي، وما لكل ذلك من تبعات خطيرة على دول الجوار والمنطقة بشكلٍ عامٍ.
علاوةً على الآثار والتبعات الاقتصادية والسياسية والأمنية الهائلة لقرارات الترحيل، فإن الآثار والتبعات الاجتماعية من العودة الجماعية للمغتربين لن تقل ضراوة وكارثية من مثيلاتها الأخريات. فهناك عدد كبير منهم ممن عاش معظم حياته في السعودية، وهناك عدد كبير آخر لم يزر اليمن قط، ولم تعد له أي ممتلكات أو روابط فيها. وعلى كلٍ، لقد غيّرت الهجرة بما هي نزوح من البلد الأصلي واغتراب في البلد المُستقبِل كثير من السلوكيات وأنماط الحياة الاجتماعية، وبقوة، طوال العقود الماضية.
من المتوقع أن يتعرض المغترب المُرحل إلى بلدٍ منهار لطائفة واسعة من عمليات الهدر ستدمر أسسه الضرورية للحياة، وستُحطم قدراته وأمانه وصحته بما يجعله يعيش في البؤس كالشبح ولن يجد أي وسيلة تساعده على التكيف مع الحالة القاسية والمنهكة التي يمر بها، وهذا التحطيم لكل ما له قيمة لدى الفرد سيخلق الكثير من المشكلات الاجتماعية المدمرة، كالتفكك الأسري، التمرد، العنف، التطرف، انتشار الأمراض والأوبئة وسوء التغذية خصوصاً عند الأطفال والموت المُبكر وجنوح الأطفال والتشرد وعمالة الأطفال وحرمانهم من فرص التعليم.. إلخ، بما يُضاعف كل الأزمات الموجودة حالياً، ويجعلها تصل إلى عقر كل بيت، وإلى أعماق كل فرد.
توصيات ختامية
من المتوقع أن تكون التبعات الناتجة عن عودة وشيكة لمئات الآلاف من العمال اليمنيين في السعودية مساوية لتبعات الحرب المستعرة منذ ثلاث سنوات، وربما تتجاوزها، ذلك أنها ستُسبب ضرراً فادحاً لكل بيت في اليمن تقريباً. وإذا كانت أطراف النزاع الداخلية والخارجية، والمجتمع الدولي لم تستطع وقف الحرب، وما زالت آثارها المأساوية تزداد ضراوة كل يوم، فإن هذه المشكلة ما زال بالإمكان التحرك الجاد والمسؤول لوقف حدوثها، خصوصاً وأن اليمن لن يكون بمقدوره تحمل المزيد من الأزمات والعواصف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الماحقة.
وإذا كان ليس بمقدور الحكومة اليمنية، في ظل الظروف الحالية، تحمل تبعات طرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين، فإنها في نفس الوقت تستطيع التحرك دبلوماسياً ومن خلال القنوات المختلفة، وبالاستعانة بدول ومنظمات عالمية لتشكيل رأي دولي ضاغط للوصول إلى تسوية لملف العمالة اليمنية ولو مرحلياً، خصوصاً وأنها موجودة في قلب العاصمة السعودية الرياض، وتقع عليها مسؤولية مضاعفة. ومع إن الحكومة شكّلت لجنة لمتابعة القضية مع الجهات المختصة في المملكة، لكن الخطاب والتعامل الرسمي اليمني يبدو كمن يتسول الشفقة والإحسان، ولم يرتق قط إلى مستوى يليق بحجم المشكلة الماثلة، وتقدير تبعاتها، وبالتالي فهي مطالبة ببذل المزيد من الجهود الجادة والجريئة.
المسئولية تقع أيضاً على عاتق كل المكونات والفاعلين المحليين، والمنظمات والنُخب المختلفة، للقيام بدور حيوي وجريء، والتعبير العلني عن موقفهم من هذه القضية، وبكل قوة. كل الجهود ينبغي أن تتضافر في هذه اللحظات الحرجة في سبيل الوقف الفوري للحرب، والاعتراض على طرد العمالة اليمنية من السعودية والتي تتم بصورة متعسفة وهمجية، وفي ظل ظرفٍ هو غاية في الصعوبة والقسوة.
على السعودية أن تُدرك جيداً حجم التحولات الدولية التي يمر بها العالم، وأن تعلم بأنها لم تعد بمأمن عن نيران وشظايا الأزمات التي تضرب المنطقة كلها بعنف. فعلى أقل تقدير، عليها أن تُفكِّر بمصلحتها الذاتية قبل أن تفكِّر بالآخرين، وأن تبتعد عن النزق والطيش والحسابات الضيقة في التعاطي مع قضايا مصيرية على هذا النحو. وبالتأكيد، ووفقاً لأبسط الحسابات المنطقية، لن يكون من مصلحتها أن تترك الدولة التي تشترك معها بأطول حدود برية وبحرية تغرق في حروب وأزمات تُدمّر كل أسسها وكياناتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتُعرِّضها لفوضى مستدامة.
وفي كل الأحوال، تقع المسئولية الأكبر على عاتق المجتمع الدولي للتدخل العاجل لمنع أي تطورات جديدة تُغْرِق هذا البلد الذي يُطل على واحدة من أهم طرق التجارة العالمية، ويقطنه قرابة 30 مليون نسمة، في المزيد من الفوضى واللا استقرار المزمن من خلال جعله يواجه مشكلات بنيوية عميقة ليس بمقدوره الخروج منها ولو بعد حين. لذا على المجتمع الدولى أن يُمارس ضغوطاً كبيرة وجادة لوقف أي تصعيد ذات نتائج كارثية، خصوصاً إذا كانت هنالك إمكانية لتلافي هذا التصعيد من خلال قرار سياسي.
المنظمات الدولية، خصوصاً تلك العاملة في المجال الإنساني، عليها هي الأخرى مسئولية أخلاقية للقيام بدور حقيقي، وإيلاء هذه الأزمة اهتمام أكبر هي تستحقه عن جدارة. إن بلداً يمر بأسوأ كارثة إنسانية، وباتت تحويلات المغتربين أهم مورد اقتصادي، وهي تحويلات تتجاوز بكثير حجم كل المساعدات الإنسانية المُقدمة من قبل المنظمات الدولية، لكل هذه الأسباب المُلحة والمؤثرة، هناك ضرورة قصوى تستدعي التحرك الجاد وممارسة ضغوط شديدة قد تُساهم في منع حصول المزيد من الكوارث المفتعلة التي يتعمد بشرٌ في صنعها ورعايتها واستثمارها!