المغرب: القانون في اليد والحقوق على الشّجرة

لا تعصم الصفة النضالية أو المعارِضة عن التحرش في أحيان كثبرة، ولا يشفع للمتحرش أن يكون مناضلاً أو معارضاً. فعل التحرش خطير. والقانون لا يكفي بل لا بد من إرفاقه بمجهود تربوي في المدارس والاعلام..
2018-03-15

عائشة بلحاج

صحافية وباحثة في حقوق الإنسان، من المغرب


شارك
أمل بشير - السودان

الثامن من آذار/ مارس هذه السنة يأتي في المغرب بحدثين شغلا الرّأي العام أسابيع قليلة قبله. الأول إقرار قانون العنف ضد المرأة، والثاني اعتقال مدير إحدى الصحف اليومية، بتهمة التحرش الجنسي ومحاولة الاغتصاب. وعلى الرغم أنّنا ننتظر ما سيقرّره القضاء في موضوع الصحافي المغربي المعروف، وفي ظلّ ضبابية الموقف وتداخل الأسباب التي أودت به إلى ما فيه، بحيث يصعب اتّخاذ موقف إدانة أو تبرئة من دون حقائق أكيدة.. لكن أي امرأة تعرف أنه لا أحد منزّه تماماً عنما اتُهم به الرجل، وأنّه حتى أولئك الذين يقدمون وجوهاً نزيهة للاستهلاك الاجتماعي، يخبئون جوانب مظلمة، تعرفها النساء فقط، لأنّهن معرضات لها.

وعلى الرغم أننا لن نقف مكان القضاء، وأننا ندرك أنّ التهم، حتى لو كانت صحيحة، فهي وسيلة لشيء آخر قد تدخل فيه حسابات خارج حقوق الضّحايا في الإنصاف، لكنها فرصة ــ لا علاقة لها بالحادثة نفسها ــ للحديث عن الوجه الآخر لبعض من يتغنون بقيم الحداثة والديمقراطية والثقافة، ولا يترددون في استغلال أي فرصة للتّحرش بالنساء اللواتي يقعن تحت رحمتهم، سواء في إدارات أو جامعات أو جمعيات، أو أي مكان أو مناسبة. وكنساء، نرى كل يوم ما خلف الابتسامات والكلمات اللطيفة والأيد الممدودة لبعض الذين تتحكم غرائزهم في كل ما يتعلق بالنساء.

والتّضامن الذي أعلنه الكثيرون مع الصحافي قبل قرار المحكمة، وضداً على كرامة وإنسانية النّساء اللواتي يقلن أنهن ضحايا له، بحجة كونه صحافياً له مواقف قوية، وقد تكون جهات معينة قد دسّت له التهم، مع الكاميرات التي دُست في مكتبه "والتي صوّرت كما يقال مشاهد التحرش ومحاولات الاغتصاب المُتهم بها"... هذا التّضامن أثبت أن حقوق المرأة ليست مهمة حين تكون مقابل ما يظنه البعض محاولة من الدولة لصنع قضية ملفّقة، وهو ظن فيه الكثير من المجازفة والسذاجة. فحتى الدولة لن تقنع امرأة مغربية، فكيف بعشرة (عدد المشتكيات ضده)، بالمغامرة بسمعتهن من أجل تهمة مزيفة، ونحن نرى كيف أن معظم الضحايا لا يتقدمن يالشكاوى في جرائم اغتصاب فظيعة خوفاً من وصم المجتمع.

شخصية الصحافي المعارض أو المناضل السياسي تقف مانعاً مهماً لتصديق روايات النساء المشتكيات، وذهاب بعضهم إلى البحث في سلوكهن! وكأنّ عيشهن حياتهن بالأسلوب الذي يرتئينه، يجعل من الاعتداء الجنسي عليهن أمراً غير مهم، لأنهن نساء "متحررات" بكل ما في هذه الصفة من قدحية لا ترد عند الحديث عن الرجال.

في هذه القضية، تقف مواقف معيّنة للصحافي ضد شخصيات نافذة في السلطة، مقابل شكاوى من نساء لهن شخصيات قوية، ومعظمهن صحافيات، كعامل شك في صحة الاتهامات في نظر البعض، والذين يجدون في صفة (قد لا تنطبق حرفياً عليه وهي أنه "مناضل سياسي"، أو "معارض") مانعاً مهماً لتصديق روايات النساء المشتكيات، وذهاب بعضهم إلى البحث في سلوكهن! وكأنّ عيشهن حياتهن بالأسلوب الذي يرتئينه، يجعل من الاعتداء الجنسي عليهن أمراً غير مهم، لأنهن نساء "متحررات" بكل ما في هذه الصفة من قدحية لا ترد عند الحديث عن الرجال.

لنصل إلى خلاصة لا مفر منها: أنه في مجتمعات تتعرّض فيها المرأة للاستغلال الجنسي، أو محاولات ذلك حيثما ذهبت بقدر الوجبات اليومية، لن يكون أي نضال آخر ذو قيمة في ظل امتهان كرامة نصف المجتمع. وأن بداية أيّ سعي للتغيير، سيكون اجتماعياً بالدرجة الأولى، ثم يمكن الوصول إلى التغيير على مستوى التدبير السياسي بسلاسة، بنظام اجتماعي عادل، وعلاقات متوازنة بين طرفي المجتمع.
وربما حادثة ذاك الصحافي، هي أولى ما ستطبق عليه مقتضيات قانون العنف ضد المرأة، بعد إقراره أخيراً، إثر معارضة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي منذ طرحه للنقاش منذ خمس سنوات. اعتبر المعترضون أن القانون يستهدفهم نظراً لإمكانية استعماله لتصفية الحسابات، وتكييفه ليشمل عبارات الإطراء أو الغزل التي قد يبدونها بشكل عفوي. خاصة وأنّ العقوبات الناتجة عن الإدانة بالتحرش تتراوح حسب القانون الجنائي بين السجن ستة أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين 2000 إلى 10000 درهم، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

وهذا على الرغم أن القانون لم يخصّ الرجل بكونه مصدر التّحرش الوحيد، بل فتح المجال لأن يكون فعل التّحرش قولاً أو فعلا ًصادراً عن رجل أو امرأة، فعرّفه في المادة  12 بأنه "كل إمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية"، وبالتالي فعبارة "الغير" قد تعود على المرأة والرجل على حد سواء. لكن بما أن المتعارف عليه أن تكون ضحيّة التحرش الجنسي امرأة، تم ذهاب النقاش إلى هذا المنحى.

القانون خرج إلى قيد التطبيق أخيراً، لكنه بعيد عن حماية النساء اللواتي يحتجن إلى حماية اقتصادية، بتحقيق استقلالية مادية وحماية ثقافية عبر الحرص على مراجعة المناهج المدرسية وتضمينها دروس احترام المرأة، والامتناع عن العنف ضدها لأي سبب وبأي شكل، والقانون سيكون حينئذ حاجزاً أخيراً للحماية

ومع ذلك، وبعد المصادقة عليه، تعترض مقتضيات التحرش في قانون العنف ضد المرأة إشكالات حقيقية تتعلّق بصعوبات التّطبيق والإثبات لفعل يُمارس عادة في غياب شهود أو أدلة. وعلى الرغم من إمكانية مساهمة التكنولوجيا الحديثة في تحقيق شرط الإثبات، بتصوير حوادث التحرش التي تتعرّض لها النساء، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها دائماً، في ظلّ حدوث فعل التّحرش بصورة مفاجأة، مع صعوبة التوجه إلى الشّرطة بأشرطة تحمل حالات التّحرش بشكل يومي.. وخاصة مع عدم إمكانية معرفة اسم وهوّية المتحرش المجهول من خلال صورته في الفيديو، الذي على الرغم من كونه دليلاً مادياً حاسماً إلا أنّ صعوبة إحضار المعني تُعرقل عملية تنفيذ العقوبة. بالإضافة إلى ضعف وعي النساء بهذا القانون، وبتجريم التّحرش.

القانون خرج إلى قيد التطبيق أخيراً، لكنه بعيد عن حماية النساء اللواتي يحتجن إلى حماية اقتصادية، بتحقيق استقلالية مادية وحماية ثقافية عبر الحرص على مراجعة المناهج المدرسية وتضمينها دروس احترام المرأة، والامتناع عن العنف ضدها لأي سبب وبأي شكل، والقانون سيكون حينئذ حاجزاً أخيراً للحماية.

والمفارقة التي ربما فيها بعض القصد، أن الجلسة الأولى لمحاكمة الصحفي حددت في الثامن من لآذار/ مارس. ربما هو سعي لخلق ضجة أكبر ضده، مع كل المبالغات التي رافقت قضيته، ومنها قيام قوة كبيرة من الشرطة باعتقاهل، جاوزت عشرين فرداً، وكأن الأمر يتعلق بعصابة وليس بشخص واحد. لكن كل هذا لا يلغي الشكايات التي ضده من نساء امتلكن جرأة الإعلان عن ذلك، وهو ليس بالأمر الهين، ويشكل خطوة صغيرة لكن مهمة في سعي المرأة إلى العدالة.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...