على الرغم مما تقول الحكومة في الجزائر أنها بذلت جهودا لصالح الشباب الجزائري في قطاعات كالتشغيل والتعليم والترفيه، فقد برزت هنا ظاهرة تكشف واقعاً مريراً لشباب من أعمار مختلفة إختاروا الإبحار عبر "قوارب الموت"، وهو صار التعبير المتداول في عناوين الصحف وعموماً لتعيين الهجرة غير الشرعية التي استفحلت خلال السنوات الأخيرة.
"الحرقة"
.. هو التعبير الدارج لدى الجزائريين الذين يتداولون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات صادمة لشباب في مقتبل العمر وهم يرددون كلاماً يوحي بأنه رسائل تبرير لأسرهم وللمجتمع لاختيارهم هذا الحل فراراً من واقع اجتماعي صعب وما يكررون أنه أفق غامض أمامهم.
لكن هذه "الحرقة" لم تعد تقتصر على بعض الشباب الجزائري، فقد كشفت صور تمّ تداولها مؤخراً على فايسبوك من قبل نشطاء منابر التواصل الاجتماعي عن وجود أسر بأكملها على قوارب بسيطة غير مجهزة، ولا يمكن استعمالها لقطع مسافات طويلة في البحر، أسر اصطحبت أبناءها الصغار للإبحار، بما يشبه الانتحار.
والجزائر لم تعرف خلال السنوات العشر الأخيرة دلائل توحي بأنها أمام هجرة سرية لأسر جزائرية نحو الضفة الشمالية لاوروبا، كما كان حال جاراتها.
اقرأ أيضاً: صحفٌ جزائرية تعلّم قراءها كره "الأفارقة"
أمام اتساع الظاهرة، أثار عدد من المختصين في علم الاجتماع نقاشا أكاديميا حول مخاطر الظاهرة وأبعادها الاجتماعية والسياسية، واعتبروا أن مسببات "الحرقة " ترجع الى عجز السلطات العمومية على المستويين المركزي الحكومي والمحلي في حل كبرى مشاكل قطاع واسع من الفئات الاجتماعية الهشة في المجتمع، التي تعاني من أزمتي السكن والشغل، وأن إعلان الحكومة للتشقف قد ساهم في تأجيجها، وأن مواجهتها اقتصرت على الندوات الرسمية التي تبين مخاطرها من دون أي إجراءات عملية.
ما هي الأرقام الفعلية؟
الوزير الأول للحكومة بالجزائر (رئيس الوزراء) لم يكرس سوى دقائق معدودة للاجابة على سؤال عن خطورة الظاهرة في ندوة صحافية نظمها قبل أيام، كأمين عام لحزب سياسي في البلاد.. في الوقت الذي تتناقل فيه الصحف أرقام مخيفة عن عدد القوافل التي تبحر من الشواطئ. ففي ولاية مستغانم، وهي محافظة صغيرة بالجهة الغربية للجزائر، أبحر ما يزيد عن 150 شاباً في أشهر قليلة من "حجاج" و"عشعاشة" و"بن عبد المالك رمضان"، وهي بلدات ساحلية صغيرة يعاني فيها الشباب من غياب أي مشاريع استثمارية يمكن ان تتيح فرص عمل.
كما أن عدداً من الأسر التي شوهدت صورها في فايسبوك تنحدر من "وهران"، وهي عاصمة الغرب الجزائري وإحدى المدن الكبرى في البلاد. وتكشف آخر أرقام "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" أن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين بلغ منذ عام 2009 إلى غاية أواخر 2015 حوالي 13 ألف مهاجر جلهم من الشباب دون الثلاثين.
اقرأ أيضاً: تونس.. عن السفراء والحرّاقة وخفر السواحل
ويصف تقرير الرابطة الوضع بـ"المؤسف والخطير" وأنه يترك تبعات سيئة على المجتمع الجزائري ويزيد من الهوة بين الشباب والسلطات التي لا تتعامل مع الظاهرة الا بسن بعض التشريعات القانونية دون اتخاذ مقاربة توحي بالمعالجة السياسية والمجتمعية.
لكن عدد المفقودين من المهاجريين الجزائريين الذي اختاروا "الحرقة" يفوق كثيراً الارقام التي يجري تداولها. ويغيب أي بيان رسمي في الموضوع بينما تنتشر تقديرات تشير الى وجود مئات ألوف المهاجرين والمفقودين.
المجاملة لا تكفي
يؤكد أحد النشطاء الجمعويين "إننا نعاني من نقص في الاتصال بالشباب على الرغم من وجود كثافة للبرامج التنموية الموجهة لهم، من منشآت كدور الشباب ومعاهد التكوين ووجود أجهزة لدعم وتشغيل الشباب تمنح مالاً ومشاريع.. غير أن قطاعاً واسعاً من الشباب لا يتفاعل مع هذه البرامج أو هو أصلاً لا يعلم عنها شيئاً". وعلى الرغم من ثراء المشهد الإعلامي في الجزائر، إلا أنه لا توجد مثلاً قناة تلفزيونية مخصصة للشباب وهناك إذاعة واحدة..
إن خطاب الساسة يجامل الشباب في المواعيد الانتخابية لكنه لا يحيلهم إلى أشياء ملموسة ولا يشركهم في اتخاذ القرار، فيما الاحتجاجات المطلبية تتسع، مع حراك الجبهة الاجتماعية والنقابات. وأما الشباب فما زال أغلب من يعمل من بينهم مرتهن لعقود تشغيل مؤقتة أو يشتغل في مهن لا علاقة لها بمؤهلاته، فيما قطاع واسع بطّال يعاني، علاوة على العوز من حالة فراغ في يومياته.
دفاتر السفير العربي | الهجرة واللجوء: العالم مغلق!