نُشر النص الأصلي لهذا الموضوع في موقع "مدى مصر"، وهو منصة إلكترونية تأسست في مصر، ونعيد نشره هنا بالاتفاق مع الموقع. في إطار حملتها المستمرة للتضييق على الصحافة، حجبت السلطات المصرية "مدى مصر"، ضمن مواقع أخرى. والتزمًا منا بمبدأ حرية الصحافة واستقلاليتها، يقوم "السفير العربي" بإعادة نشر نصوص ينتجها "مدى مصر" لمساعدة الموقع في التغلب على إجراءات الحجب والوصول إلى القراء داخل مصر.
ريم المصري و مصطفى محيي
تجمع التصريحات الرسمية، سواء في مصر أو الأردن، حول العاصمتين الجديدتين بأن عمليات التأسيس والانتقال لن تُكلفا خزينتَي الدولتين أي مبالغ، بل ستُعالج العاصمتان الجديدتان أزمات القاهرة وعمان، بداية من التكدّس السكاني، ومشاكل المواصلات، وضعف كفاءة الخدمات العامة.
تبرز الدعاية الرسمية أيضًا أن المدينتين الجديدتين ستكونان من مصادر جذب الاستثمارات، وأرضية للحداثة الجديدة، حسبما تتخيل الطبقة الحاكمة في كل من البلدين.
في نقاش مسجل، وعبر تدوينات مكتوبة، يشتبك فريقا موقع «حبر» في عمان و«مدى مصر» في القاهرة مع المشروعين المطروحين من قِبل الدولتين من أجل تنفيذ عاصمة جديدة بدلًا من العاصمة التاريخية لكل منهما.
عن المدينة الجديدة – عمان
ما الذي نعرفه عن العاصمة الأردنية الجديدة حتى الآن؟
أولًا، هناك تضارب رسمي حول مُسماها منذ أن أعلنت الحكومة الأردنية عنها في 26 أكتوبر 2017. فتحولت من «عاصمة جديدة» بحسب تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى «مدينة حكومية جديدة» بحسب تصريحات رئيس الوزراء بعد ثلاثة أيام من التصريح الأول، ثم أخيرًا «مدينة جديدة» في إعلان الحكومة الرسمي الذي صدر بعد أسبوعين (6 نوفمبر/تشرين الثاني 2017) من التصريحات المتضاربة والتكهنات.
مساحتها 390 كم مربع، وتبعد 30 كيلومترًا إلى شرق العاصمة عمان و30 كم عن مدينة الزرقاء. وستكون على الطرق الدولية التي تربط الأردن بالسعودية والعراق.
«المدينة الجديدة»، حسب التصريح الرسمي، لن تكلف خزينة الدولة قرشًا واحدًا وستقام على أراضي مملوكة بالكامل للدولة، وتنفذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ومن خلال عطاءات تمويل دولية تطرحها الحكومة، وتنفيذ دولي ومحلي. وستُمنح جزءًا من الأراضي السكنية المخدومة لجمعيات إسكان موظفي الدولة والنقابات ومؤسّسة المتقاعدين العسكريين وغيرها، لكن من غير الواضح كيف سيتم منح هذه الأراضي السكنية، سواء بقروض ميسرة ذات فائدة أدنى من البنوك أم من خلال القطاع الخاص أيضًا. أُعلن أن نواة المشروع هي الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية التي ستنتقل للمدينة الجديدة، مع الإبقاء على دوائر لتقديم الخدمات الحكومية للجمهور في عمان والزرقاء. من غير الواضح أيضًا كيف سيتم تغطية تكاليف بناء هذه المؤسسات الحكومية إن لم يكن لدى الحكومة بند في الموازنة لتغطيتها.
اقرأ أيضاً: الأردن والنقل العام.. "السيارة مش عم تمشي!"
ما إداريًا، حسب تصريحات رسمية مجهولة المصدر، «المدينة لن تتبع لأمانة عمان وستكون سلطتها مستقلة كالعقبة، يعين مجلس الوزراء مفوضيها بإرادة ملكية سامية».
تصفها الحكومة بأنها مدينة ذكية وعصرية وترفيهية وخضراء وستطبق مفاهيم الاقتصاد المعرفي. وترافق الإعلان عنها مع هاشتاج #الأردن_يتقدّم.
هل كان مطروحًا من قبل في الأردن أي مشروعات لبناء مدن جديدة؟
أول مرة تطرح رسميًا فكرة مدينة جديدة بالأردن، ولكن كان هناك اقتراح لفكرة عاصمة جديدة من قِبل بعض كتاب الرأي في 2003 و2012، من أجل حل مشكلة الأزمة المتفاقمة في عمّان، ولكنها لم تنل أي انتباه يذكر.
هل تحتاج عمّان إلى عاصمة إدارية أو مدينة حكومية؟ هل يمكن أن تكون العاصمة الجديدة حلًا لأزمات عمان؟
أحد الأهداف المعلنة للمدينة الجديدة هو تخفيف التكدس السكاني وأزمات المواصلات ومواجهة تحدي تقديم الخدمات، وهي مشاكل موجودة بالفعل بالعاصمة وبدأت تتفاقم تدريجيًا منذ عشرة سنوات. لكن هذه الأزمات أسبابها سياسات تخطيطية فاشلة مثل غياب نظام مواصلات عامة يمكن الاعتماد عليه للتنقل فيضطر السكان للاعتماد على السيارات الخاصة مما فاقم مشكلة الازدحام. هناك أيضًا إعطاء رخص تجارية مفتوحة لمنشآت ومولات تجارية تقتحم الأماكن السكنية وترحل الكثافة السكانية إلى مناطق جديدة للهروب من الازدحام. مثال: صرفت ملايين الدنانير على جسر عبدون لوصل عمان الشرقية بالغربية بانسيابية، ولكن ترخيص مول تجاري ضخم في أحد الأحياء التي يصلها الجسر خلق أزمة سير دائمة وأحبط الفكرة الأصلية.
في 2008 تم إطلاق مُخطّط عمّان الشمولي واستراتيجية لتنظيم نموّ المدينة، ولكن توقف المخطط مع رحيل أمين العاصمة الذي أشرف على إطلاقه.
هل الغرض من بناء العاصمة الجديدة هو مواجهة الأسئلة العمرانية الخاص بعمّان أم أنها مشروع استثماري؟
هناك تضارب بين السردية الرسمية حول أهداف المدينة الجديدة وبين تفاصيل المشروع. فمثلًا تم ترويجها على أنها مدينة تواجه الأزمة العمرانية والمواصلات وتزيد كفاءة تقديم الخدمات العامة، ولكن للآن ما نعرفه عنها أنها مشروع سينفذ بين القطاعين العام والخاص وسيوفر فرص استثمارية محلية وإقليمية وعالمية. أيضًا تروج الحكومة بأن المشروع لن يكلف ميزانية الحكومة، لكن ليس معروف للآن من سيتحمل كلفة بناء المؤسسات والمباني الحكومية التي ستنقل إلى المدينة الجديدة، وكيف سيتم توزيع الأراضي السكنية المخصصة لموظفي الدولة والنقابات ومؤسّسة المتقاعدين العسكريين وغيره.
كيف استقبل الرأي العام في الأردن مشروع العاصمة الجديدة؟
جاء خبر المشروع كصدمة للرأي العام والإعلام. فكان هناك سخرية شديدة من فكرة إلقاء العاصمة في المكب لأنها فاشلة معماريًا وطاردة للاستثمار وإنشاء عاصمة أو مدينة جديدة. ظهرت العديد من النكات على الموضوع، خصوصًا في بداية الإعلان عنه عندما قال الناطق باسم الحكومة إن خمسة أشخاص فقط يعرفون عن المشروع، وهو ليس أحدهم فكانت نكتة: «في إشاعة بدهم يعملوا بحر جديد غير العقبة. المكان ما بعرفه إلا 3 أشخاص وسمكتين».
بالنسبة للإعلام، الجريدة الأقرب للديوان كانت مقالات الرأي فيها إيجابية تجاه المدينة الجديدة ومروّجة للمشروع. أما باقي الجرائد والمواقع فكانت ردود أفعالها مختلطة بين التأييد والاعتراض على المشروع. بعض المواقع اتجهت للسخرية بعناوين مثل «كائنات فضائية صممت المدينة الجديدة». بشكل عام هناك حالة من عدم الثقة والاستهزاء من الخطاب المروج لهذه المدينة وكأنها ستكون المدينة الفاضلة التي ستحل كل مشاكل البلد.
عن العاصمة الإدارية الجديدة – القاهرة
ما الذي نعرفه عن العاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة؟
أُعلن عن المشروع في مارس 2015، ضمن فعاليات المؤتمر الاقتصادي الأول في شرم الشيخ.
تقع العاصمة الجديدة في منتصف المسافة بين القاهرة والسويس (شرق القاهرة بحوالي 60 كيلومترًا) وتمتد بين طريقي (القاهرة-السويس) و(القاهرة-الإسماعيلية)، وتبلغ مساحتها 168 ألف فدّانًا.
المدينة مملوكة لشركة العاصمة الإدارية الجديدة، وهي شركة استثمارية بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (التابعة لوزارة الإسكان) والجهاز الوطني للأراضي (التابع للقوات المسلحة). وتمتلك الأولى 49% من أسهم الشركة بينما يمتلك الثاني 51% من الأسهم. ورأس مال الشركة 20 مليار جنيه، ورأس المال المرخص به وفق تأسيس الشركة هو 204 مليارات جنيه، بحسب تصريحات رئيس الشركة أحمد زكي عابدين.
يُصرّح المسؤولون عادة أن العاصمة الجديدة لن تُكلّف ميزانية الدولة أي أموال، وهو ما يتناقض مع عدد من الحقائق. وفق تقرير موازنة العمران للعام المالي 2016-2017، الذي أعدّه الباحث العمراني يحيى شوكت، تُنفق هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 11% من استثماراتها من خلال شركة تابعة لها وهي شركة العاصمة الإدارية الجديدة، حيث خُطط لإنفاق 4.3 مليار جنيه في مدينة العاصمة الجديدة، بما يساوي 2.3% من موازنة العمران. كما تنفق وزارة الإسكان 3% من إجمالي موازنة المساكن التي تبنيها في الجمهورية على اﻹسكان الفاخر في العاصمة اﻹدارية الجديدة.
اقرأ أيضاً: الخديوي السيسي بين عاصمتين
ويحدد عابدين أن قيمة استثمارات البنية اﻷساسية تبلغ في حدود 70 إلى 80 مليار جنيه تغطي 40 ألف فدان في المرحلة اﻷولى على مدار ثلاث إلى خمس سنوات.
ويعلن المسؤولون عن المشروع دائمًا أن العاصمة ستضم عند اكتمالها مطارًا أكبر من مطار هيثرو، وحديقة أكبر مرتين ونصف من سنترال بارك في نيويورك، ومدينة ترفيهية أكبر ثلاث مرات ونصف من استوديوهات يونيفيرسال في هوليوود وحي حكومي مُجهّز بـ 18 مبنى وزاري، ومباني جديدة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان، وحي للسفارات والقنصليات. بالإضافة للأحياء السكنية (حوالي 25 ألف وحدة سكنية في المرحلة الأولى). والمستهدف أن تستوعب العاصمة 6.5 مليون نسمة لدى اكتمالها.
هناك عدد ضخم من الشركات المشاركة في تنفيذ المشروع، غالبية المطورين العقاريين في مصر بنحو 25 شركة وخلق 170 ألف فرصة عمل.
ووقع الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته للصين في يناير الماضي على مذكرات تفاهم لإنشاء تحالف شركات مصرية صينية لتنفيذ أجزاء من المشروع، وخاصة الحي الحكومي والقطار الكهربائي الذي سيربط بين العاصمة الجديدة والقاهرة.
ما الأهداف المعلنة الرسمية عن العاصمة الجديدة، وهل كان هناك تفاوت في ردود الأفعال الإعلامية؟
تم تقديم مشروع العاصمة الجديدة باعتباره الحل لمشكلات القاهرة، مثل التكدّس السكاني والازدحام وتدهور حالة المرافق. لكن مع الوقت أصبح المشروع يُقدّم باعتباره وسيلة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الاستثمارات المحلية مما يطرح أسئلة بخصوص الهدف الفعلي من المشروع، وانعكاسه على حل مشاكل القاهرة.
ردود الأفعال الإعلامية تجاه المشروع غلب عليها الاحتفاء والاحتفال معظم الوقت، وبين حين وآخر تظهر أخبار حول معدلات الإنجاز التي تم تحقيقها ضمن مخطط المشروع.
بدأ مشروع العاصمة الجديدة من ثلاثة سنوات، ما السبب وراء إثارته مجددًا في هذا الوقت؟
عاد الحديث بشكل مُكثّف عن المشروع بسبب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لموقع العاصمة الجديدة، في 11 أكتوبر الماضي، ووضع حجر الأساس للمرحلة الأولى من العاصمة. وفي اليوم نفسه تم افتتاح فندق الماسة التابع للقوات المسلحة، المقام على مساحة 10 أفدنة. ولم يُنشر على الإطلاق تكاليف الحفل الذي حضره عدد كبير من الفنانين والشخصيات العامة المصرية.
هل جُربت أي مشاريع تنمية حضرية سابقة في القاهرة بهدف حل مشكلة الاكتظاظ السكاني أو المواصلات وفشلت؟ مما دعا إلى تقديم العاصمة الجديدة على أنها الحل المثالي؟
كانت هناك خطط عديدة لحل مشكلات الاكتظاظ السكاني والمواصلات في القاهرة. بدأ الأمر منذ منتصف السبعينيات بتدشين الجيل الأول من المدن الجديدة حول القاهرة الكبرى، ومن بينها مُدن 6 أكتوبر، والعاشر من رمضان، و15 مايو، وبدر، ومدينة السادات. ووصل عدد المدن الجديدة في مصر إلى 30 مدينة مُتضمنة مدن ما زالت قيد الإنشاء، من بينها العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة (على ساحل البحر المتوسط شمال البلاد) وشرق بورسعيد على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، والأقصر الجديدة (جنوب البلاد).
ورغم بناء كل هذه المدن، إلا أن تعداد سكان القاهرة الكبرى ظل في ازدياد، حتى وصل إلى نحو 25 مليون مواطن، من نحو 95 مليون مصري.
بالإضافة لبناء المدن الجديدة كان هناك التخطيط الاستراتيجي للقاهرة الكبرى، الذي أعدته الحكومة سنة 2007، حيث كان من المفترض تخصيص 1500 فدان لنقل 13 وزارة كمرحلة أولى، بالإضافة لبناء مقر جديد لمبنى رئاسة مجلس الوزراء، ليشكل ذلك حيّ حكومي جديد، يضاف إليه حي للسفارات ومنطقة إدارية للشركات والبنوك والجهات الدولية التي ترغب في الانتقال، بالإضافة لحديقة كبيرة على مساحة 220 فدانًا، ومساحات للمساكن والأنشطة التجارية والتعليمية، وهو المشروع الذي لم يتم وحلّ محله العاصمة الجديدة.
وجزء من التخطيط الاستراتيجي للقاهرة الكبرى أو «مشروع القاهرة 2052»، إعادة تخطيط بعض المناطق السكنية في القاهرة بشكل يجعلها أكثر جذبًا للاستثمارات، وهو ما يحدث حاليًا في عدد من المناطق في القاهرة. غير أن معظم هذه المشروعات تؤدي إلى خروج السكان «الأصليين» من تلك المناطق ودفعهم نحو أطراف المدينة، أو مناطق العمران الفقير التي تزداد ازدحامًا.
وعمومًا، أثبت الحصر السكاني الأخير الذي تم إعداده سنة 2016 أننا لسنا في حاجة لبناء وحدات سكنية جديدة. فهناك نحو 12 مليون ونصف وحدة سكنية مُغلقة، كما أن المدن الجديدة لم تنجح على الإطلاق في الوصول إلى المستهدف من السكان حتى الآن. وهو ما يطرح أسئلة حول جدوى بناء عاصمة جديدة، وعلاقة ذلك بحل مشكلات القاهرة الكبرى.