أبانت أحداث وقعت في الجزائر خلال الآونة الأخيرة عن الأثر البالغ لمواقع التواصل الاجتماعي وخاصة ''فايسبوك'' في نقل الأحداث والأخبار بسرعة، الأمر الذي جعل السلطات العليا في البلاد تفكر بالاتجاه للاعتماد على آلية التواصل الالكتروني عبر فايسبوك لمواجهة ما يقول عنه بعض المسؤولين الرسميين في الجزائر ''الإشاعة''.
مواقع التواصل الاجتماعي التي تستقطب قطاعاً واسعاً من الجزائريين، وخاصة من المراهقين والشباب، حيث تحتل كل يومياتهم تقريباً بدليل الإقبال الواسع على مقاهي الإنترنت الموجودة في المدن وفي الأحياء السكنية حتى داخل البلدات الصغيرة، حيث الكثير من الرواد ينتظرون دورهم لوقت طويل. وفي الغالب وبعد حيازتهم لمقعدهم، يقضون على صفحاتهم الفايسبوكية تخصيصاً أكثر من ساعة.
من جهة أخرى فالهواتف النقالة الذكية، وهي شائعة بين الشباب الذين يميلون إلى اقتناء آخر صيحات التكنولوجيا التي تخصها، أصبحت مع خدمات ما يسمى هنا ''كاجي'' (وهي خدمة تدفق سريعة للإنترنت) من أكثر الوسائل التي يستعملها الجزائريون أثناء وجودهم في العمل أو في الأماكن العامة. وليس غريباً أن تجد أحدهم فاتحاً هاتفه النقال لساعات وهو يتحدث من خلال "سكايب" أو "فايسبوك"..
كل هذا يبدو أنه فرض على السلطات في الجزائر التكيف مع نمط الاتصال الجديد، إذ كشفت مصادر إعلامية جزائرية مؤخراً عن طلب رئيس الوزراء من وزرائه فتح صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة ''فايسبوك'' و"تويتر''.
وقد تسبب فيديو في إقالة محافظ بإحدى ولايات الجزائر، فقد اعتبر تصريح والي سكيكدة الموجه للأسرة الثورية إساءة للمجاهدين ورموز الأسرة الثورية. وتم اصطياد هذا التصريح الذي بدا فيه المسؤول الجزائري يتحدث بتلقائية وعفوية، ليتم نشره بسرعة على مواقع إخبارية الكترونية جزائرية وتداوله على فايسبوك في دقائق معدودة، جعلت الأمر يصل إلى أعلى هرم السلطة بالبلاد، ويشكّل حالة قلق عامة، دفعت إلى إحداث حركة تحويل جزئية في سلك الولاة، تم بموجبها إنهاء مهام والي ولاية سكيكدة التي تقع في أقصى شرق الجزائر.. ثم والي بجاية أحداث بجاية كانت عنيفة وقد التقطت بعض صور التمرد، بما فيها تلك التي صاحبها تحطيم، ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فجعلت الحكومة تنتبه للثقل الإعلامي - إن صح القول - لفايسبوك إلى درجة أن رئيس الوزراء شكر أولئك الذين قال عنهم إنهم "وقفوا ضد أفكار التخريب والعنف" على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما شكل إقراراً رسمياً بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي جزء حاضر في معادلة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد. وتتجه الأوساط الحكومية الآن إلى توسيع شبكة الاتصال لديها على مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم أن كل وزير ومحافظ يتواصل الآن على صفحات الهيئة التي يشرف عليها عبر فايسبوك! وهو تحول مفاجئ يستوعبه الآن القائمون على وسائل الإعلام الجزائرية التي تواجه منذ فترة أزمة مالية خانقة جعلت الكثير من العناوين الصحافية أمام خيارات صعبة منها تسريح الصحافيين وهو ما شهده مؤخراً مجمع الإعلامي بقناة ''دزاير نيوز'' الذي يشرف عليه ويسيره رجل أعمال.
يبدو أن فايسبوك الذي يقدّر أن قرابة 16 مليون جزائري (حالياً 41 مليون نسمة) يسكن داخله، قد وضع السلطات العليا في الجزائرأمام واقع إعلامي لم تتهيأ له، وأنه لم يعد بالإمكان مواجهة الضغط الاجتماعي بمنابر الإعلام الرسمي
البعض من الإعلاميين العاملين في مؤسسات إعلامية جزائرية خاصة يقرون أن موضة "الإعلام الجديد" وهو مصطلح يحظى باهتمام أكاديمي وإعلامي، قد زاد من عزلة الإعلام الرسمي بالبلاد الذي يفقد بشكل متسارع بريقه السالف حين لم يكن يوجد على الساحة الإعلامية إلا التلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية، وهي الآن تعج بالعشرات من المواقع الإخبارية الالكترونية المنتشرة على صفحات فايسبوك. ومواقع التواصل الاجتماعي تستغل لنشر الأخبار وتغطية أحداث آنية تقع في مختلف مناطق الجزائر، ويتواصل قطاع واسع من مستخدميها مع ما تنشره من أخبار، وتتابع هذه المواقع من جهة أخرى آراء مستخدمي فايسبوك وتتيح لهم مساحات أوسع للمشاركة بتعليقاتهم.
16 مليون جزائري يسكنون فايسبوك
ويبدو أن فايسبوك الذي يقدّر أن قرابة 16 مليون جزائري (حالياً 41 مليون نسمة) يسكن داخله، قد وضع السلطات العليا في الجزائرأمام واقع إعلامي لم تتهيأ له، وأنه لم يعد بالإمكان مواجهة الضغط الاجتماعي بمنابر الإعلام الرسمي، ولا تمرير السياسات العامة لتحظى بالقبول، وصار لزاماً توظيف كل وسائط الاتصال الجديد الذي فرضته مواقع التواصل الاجتماعي، ما يفسر خيار الحكومة التي تسعى إلى تعميم منظومة الاتصال الالكتروني على مستوى كافة هياكلها المؤسساتية.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الجزائر لتنظيم انتخابات تشريعية، وفي ظل صعوبة إقناع الناخبين بالمشاركة في العملية الانتخابية، تراهن العديد من الأحزاب السياسية التي دخلت المعترك الانتخابي على فايسبوك لكسر حاجز الجمود وتجاوز شبح العزوف، وأقدم بالفعل عدد من الأحزاب على تكثيف نشاطاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكسب أكبر عدد من الأصوات. ويقر قادة الأحزاب، موالاة ومعارضة، بقوة فايسبوك في أوساط الشباب الجزائري مهما تباينت مستوياتهم التعليمية..