نساء ليبيا جاسوسات مفترضات؟

الحاكم العسكري لمنطقة شرق ليبيا يصدر "فرماناً عسكرياً" بحظر سفر النساء الليبيات دون "محرَم"، قوبِل باعتراض واستهزاء.. وتأييد أحياناً! وفي السعودية، نساء يتحدّين المحظورات بأغنية ساخرة
2017-02-24

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك
هيف كهرمان - العراق

يوم 16 شباط / فبراير 2017، أصدر الحاكم العسكري الليبي للمنطقة الممتدة ما بين بن جواد ودرنة شرق ليبيا، قراراً عجيباً يقضي بمنع النساء الليبيات دون سن الـ60 من السفر خارج البلاد دون "محرَم". وقد بدأت بالفعل بعض المطارات في تطبيق القرار، مثل مطار الأبرق. الحاكم العسكري برّر قراره هذا "بضرورة حماية أمن ليبيا، بعد أن تمّ الكشف عن وجود عدة سيدات ليبيات يتعاملن مع أجهزة مخابرات أجنبية"! أي أنه يعتبر كل النساء الليبيات موضع شبهة، ولا يرى عيباً في طرحه هذا، ولا يجد عجَباً في التعامل مع نحو 51 في المئة من سكان ليبيا كـ"جاسوسات مفتَرَضات"!
 

موجة من ردود الأفعال
 

انطلق فوراً هاشتاغ #لا_لمنع_المرأة_الليبية_من_السفر وتصدّر تويتر كأكثر هاشتاغ مُتداوَل في ليبيا. عمّ غضب الجمعيات الحقوقية والنسوية كذلك، وتفاعَل موضوع المنع فناشدت رئيسة تحرير صحيفة "فسانيا" سليمة بن نزهة، (في حديث لموقع "ليبيا المستقبل") ممثلات النساء الليبيات في البرلمان والحكومة التحرك بجدية لإلغاء هذا القرار. وأضافت أنه "في طرابلس التي يُقال أنها تحت حكم المليشيات والإسلاميين والمتشددين لم يصدر مثل هذا القرار، فكيف يصدر عن المناطق التي يسيطر عليها الجيش مثل هذا القرار الجائر؟!".
"معناها الخارجية كلّ موظفيها حيكونوا ذكور.. والسفراء كذلك وإلا السفيرة كلّ ما تبي تتحرك بتاخد محرمة، قصدي محرم معاها. واليتيمة والمستقلة والأرملة والمطلقة كلهنّ لن يتحصلن على هذه المناصب حتى وإن كنّ يمتلكن المؤهلات العلمية والكارزمية"، كتبت كذلك الإعلامية والناشطة الليبية سنا المنصوري على صفحتها على فايسبوك.
آخرون سخروا من الحاكم العسكري وشبّهوه بدونالد ترامب، مع فارق أن ترامب منع مواطني الدول الأخرى من السفر، فيما هو يحظر على مواطنيه التنقل! وكما في كل القضايا الخِلافية، ثمّة أصوات مؤيدة.. مجموعات سلفية أيّدت القرار بل أثنت عليه وطالبت بالمزيد، كأن تُمنَع المرأة الليبية من قيادة السيارة أسوة بالسعوديات المحرومات من القيادة!
الأنكى من ذلك أن من بين المؤيدين لقرار الحاكم نساء، ومن هؤلاء النساء نائبات في البرلمان، مثل انتصار شنيب، عضو مجلس النواب عن مدينة درنة، التي أخذت على عاتقها تبرير المنع بادّعائها أن "القرار اتُّخذ بناء على توجيهات اللجنة البرلمانية لشؤون الخارجية، بعد اطّلاع اللجنة على تقارير استخباراتية بأن بعض ناشطات المجتمع المدني يزوّدن أجهزة استخبارات الدول الأجنية بتقارير عن البرلمان والحكومة والجيش اللبيبي.. وفي الأيام القادمة سيتمّ التحقيق مع بعض ناشطات المجتمع المدني حول قضايا تجسُّس لصالح دول أجنبية.."!
 

المؤسسة العسكرية تحلّل وتحرّم كذلك؟
 

ما حدث يمثّل خرقاً للحريات الشخصية تمارسه المؤسسة العسكرية على النساء الليبيات.. على الرغم من أنه ليس سابقة، ففي عام 2007 حدث أن صدر قرار مشابه في ليبيا يمنع النساء دون سن 40 من السفر بلا محرم، لكنه سرعان ما أُبطِل – بعد أسبوع فقط من إقراره - نتيجة الاحتجاجات عليه.
في هذه الحالة، يُجيز الحاكم العسكري لمؤسسته أن تعتبر المرأة مواطناً من الدرجة الثانية، كائناً غير كامل الأهلية، بل منقوص الإنسانية، وبحاجة لـ"وليّ أمر" للسفر والانتقال. وهذا نصف فداحة المشكلة. أمّا النصف الآخر، فيكمن في الأسباب غير المقنعة التي ساقها الحاكم والتي تحولت لمسخرة على كل لسان.

نص قرار الحظر

القرار يعيد المرأة في ليبيا عشرات الخطوات إلى الوراء. ومن جهة أخرى، فخطورته تكمن في تحوّل المؤسسة العسكرية إلى مؤسسة تشريعية (بالمعنيين القانوني والشرعي هنا!)، تفتي في الممنوع والمسموح وفي المحلَّل والمحرَّم، بموجب "فرمانات عسكرية". كلّ الخوف من أن يُفتح الباب أمام قرارات أخرى شبيهة وتتكرّس هذه التدخّلات في الحريات الشخصية والعامة.

وفي السعودية: "هواجيس"
 

أمّا في السعودية، فكان قد ظهر على الإنترنت منذ نهاية العام الفائت فيديو موسيقي ساخر، على قناة المخرج السعودي ماجد العيسى على يوتيوب،  بعنوان "هواجيس" (أي هواجِس). الفيديو حصل على أكثر من 8.5 مليون مشاهدة منذ نحو شهرين إلى اليوم. فيه مجموعة فتيات سعوديات بالعباءات السوداء وبناطيل وأحذية زاهية الألوان، يقمن بقيادة الدراجات وركوب ألواح التزلج (سكايت بورد) والرقص والغناء، في موقف احتجاجي على كل أنواع "الولاية" عليهنّ. في أحد المشاهد يظهر رجل مع شنطة سفر أمام طائرة، يقوم بإغاظة النساء لأنه قادر على التحرّك، بينما هنّ أسيرات الـ"هواجيس".
 

مقالات من السعودية

القاتل في ليبيا

2023-09-13

الليبيون يعرفون أن المشكلة تكمن في مكان آخر: تنبأ بها عام 2022 تقريرٌ كتبته إدارة ليبيّة شبحيّة: "يجب علينا بشكل عاجل صيانة وتقوية سدَّي درنة، وهناك حاجة إلى سدّ ثالث،...

للكاتب نفسه

البحث عن فلسطين في "مونستر": عن تطوّر حركات التضامن مع فلسطين وقمعها في مدينةٍ ألمانية

صباح جلّول 2024-12-11

يتفق الناشطون على فكرة ضرورة إجراء تقييم مستمر لهذه الحركات، خاصة في ظل محدودية قدرتها عالمياً على تحقيق الضغط الكافي لإيقاف الإبادة، هدفها الأول من بين عدة أهداف أخرى طويلة...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...