جلس الرئيس في الغرفة. دخل مساعده وأخبره أن آلاف اللاجئين غرقوا في البحر اليوم، وسأله ماذا سنفعل. فكر الرئيس قليلاً ثم قال إنه لن يمكننا تقديم شيء للاجئين الغرقى نظراً لأنهم ماتوا خلاص. بالإضافة لأنهم خونة قرروا بمحض إرادتهم مغادرة أرض بلدهم الحبيبة، وأخيراً فلو قدمنا لكل منهم جنيهاً، وأخرج الآلة الحاسبة وبدأ ينقر أرقاماً، فلن نخلص، لأنهم كثيرون جداً.
قال المساعد إنه لم يقصد هذا بالتحديد، ولكن الناس يتساءلون إن كان يمكن منع كارثة مثل هذه في المستقبل. رد عليه الرئيس بأن هذا أيضاً مستحيل، فالمستقبل أولاً في يد الله عز وجل، وثانياً فمن يقررون مغادرة أرض بلدهم الحبيبة هم خونة ويستحيل على حكومتنا التعامل مع الخونة، وثالثاً لأن من ينوون الهجرة هم أكثر بكثير ممن حاولوا الهجرة فعلاً، هم كل الشعب تقريباً، وإذا أعطينا كل واحد منهم جنيهاً ـ وأخرج الآلة الحاسبة مرة أخرى وينقر أرقاماً ـ فلن نخلص أيضاً.
ارتكن الرئيس على كرسيه وأضاف للمساعد، قلل لي عددهم قليلاً وسأعرف كيف أتصرف. هذا وعد.
صحيح أن المساعد لم يتمكن من تقليل عددهم، وأن الأيام التالية حملت آلافاً أخرى من اللاجئين الغرقى، ولكنها بجانبهم أيضاً حملت صورة طفل غرق وحيداً في البحر المتوسط. دخل المساعد على الرئيس وأخبره بأمر الطفل، فقال الرئيس برافو عليك، بالضبط هذا ما كنت أريده. طفل واحد، حادثة غرق وحيدة، بحر واحد، هكذا يمكننا التصرف. تم توزيع صورة الطفل على جميع الصحف والمجلات، كتبت فيه مرثيات كثيرة، بل وزار الرئيس عائلة أهله وعزّاهم، كما افتتح بنفسه مطعماً للسمك في قلب المدينة سماه على اسم الطفل.
ولكن على بعد أمتار من المطعم، كانت قوات الرئيس تضرب سائر المدينة بالقنابل وتطارد الناس إلى السفن التي ستنقلهم إلى البحر الذي سينقلهم بدوره إلى حتفهم، لأنهم كثيرون جداً، ولأنهم من بدأوا بالخيانة عندما رغبوا في مغادرة البلد. هكذا يقول الرئيس لمساعده وهما عائدان من افتتاح المطعم المسمى على اسم الطفل الغارق.
نص نائل الطوخي ورسم مخلوف