واقع التعامل مع التغيرات المناخية في الجزائر

مساحة الجزائر هي الأكبر عربياً وأفريقياً، وهي من المناطق الأكثر عرضة للتغيّرات المناخية، وقد ظهرت تأثيراتها مؤخراً من خلال تداعيات ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة. وعلى الرغم من كل الاستراتيجيات وبرامج العمل التي نُشرت والتي تبدو في أغلبها طموحة، وعلى الرغم من مؤهلات هذا البلد، إلا أن البطء في تنفيذها أو حتى عدم تطبيق خطط أعمالها يبقى طاغياً.
2022-12-08

ليلى بن اسماعين

استاذة وباحثة، جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، الجزائر


شارك
| en
غسان غائب - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

على الرغم من تباين المسؤوليات التاريخية للدول إزاء التسبب في انبعاثات الغازات الدفيئة والمسبِّبة للتغيرات المناخية، إلّا أنّ مصير الجميع مشترك – وذلك بغض النظر عن درجة المسؤولية التي تقع عليها. الجميع يتعرض لآثارها ويتحمل تبعاتها مما يحتم أخذ التدابير اللازمة للحد من تداعياتها وكذلك حماية الأفراد والبيئة من مخاطرها.

 تعتبر الجزائر من الدول النامية التي يرتكز اقتصادها أساساً على المحروقات، لكن هذه الموارد تمثل بدورها أكبر حصة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وبناءً على معطيات سنة 2000 (1)، فقطاع الطاقة هو أكبر مصْدر للانبعاثات في الجزائر، بنسبة قدرها 75 في المئة من إجمالي الانبعاثات في البلاد. تنتج هذه الانبعاثات أساساً عن استهلاك الطاقة (الإنتاج، النقل، التعمير والصناعة، 46 في المئة، ثم إنتاج ومعالجة ونقل الهيدروكربونات، 20 في المئة، وتمييع الغاز الطبيعي، 8 في المئة). أما قطاعات الزراعة وتغيير استخدام الأراضي والغابات فتنتج 11 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة. فيما يمثل قطاعا النفايات والنشاطات الصناعية 10 في المئة منها (95 في المئة ينبعث على شكل ميثان CH4 من مكبات النفايات)، و5 في المئة (على شكل CO2 من صناعة الأسمنت)، وذلك على التوالي من إجمالي الانبعاثات.

الآليات المُقرّة

تلتزم الجزائر بالمشاركة في المجهودات الدولية للحد من التغيرات المناخية وتأثيراتها منذ المصادقة على "الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة" حول التغيرات المناخية (2) لسنة 1993. تضع هذه الاتفاقية إطاراً عالمياً للجهود الحكومية الدولية لمواجهة التحدي الذي يمثله تغيّر المناخ والتي انبثقت عنها مجموعة من التوصيات منها ما هو إلزامي لكل دولة ويقضي بإجراء إحصاء لأهم الغازات الدفيئة المنبعثة من أراضيها.

وفي هذا الإطار تمّ تقديم البلاغ الوطني الأول المرتبط بقائمة الجرد الأولي للغازات الدفيئة لسنة 1994 (كسنة مرجعية) إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في نيسان/ أبريل 2001 وعرض خلال المؤتمر السابع للأطراف، في "مراكش" كانون الأول / ديسمبر 2001.

أما الجرد الثاني فقد أُنجز ضمن البلاغ الوطني الثاني والذي أحصى إجمالي كميات الغازات الدفيئة المنبعثة سنة 2000، وقد عرض سنة 2009 في "كوبنهاغن" أثناء المؤتمر الخامس عشر، وهو الذي كشف عن إحصائيات الغازات المنبعثة المذكورة أعلاه.

أعلن عن نية الجزائر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7 في المئة اعتماداً على الإمكانيات الوطنية، وبنسبة 22 في المئة بحلول عام 2030 فيما لو توفر دعمٌ خارجي يخص التمويل والتنمية ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات. ولكن في غياب إحصاءات جديدة ومنتظمة للانبعاثات، يصعب التحقق من مقدار تحقيق هذا الهدف من عدمه، قبل سبع سنوات من السقف الزمني المحدد.

أما من الجانب المؤسساتي، فإن من أهم الإجراءات الفعلية هو إنشاء هيئة مختصة تُعنى بمسألة التغيرات المناخية، وهي "الوكالة الوطنية للتغيرات المناخية" (3)  منذ عام 2005.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلنت الجزائر، تطبيقاً لنتائج القمة التاسعة عشر المنعقدة في وارسو 2013، عن المساهمات المقررة المحددة وطنياً (4)  (INDCs) وذلك بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر2015.

وللتذكير، فإن المساهمات المحددة على المستوى الوطني هي الوسيلة الأساسية للحكومات للإعلان دولياً عن الخطوات التي ستتخذها لمعالجة تغير المناخ في بلدانها. كما تتناول أيضاً كيفية تكيّف كل بلد مع تأثيرات تغيّر المناخ، وما هو الدعم الذي يحتاج إليه، أو الذي سيقدمه إلى البلدان الأخرى لاعتماد مسارات منخفضة الكربون وبناء القدرة على الصمود تجاه تغير المناخ (5).

وقد جاء فيها الإعلان عن نية الجزائر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7 في المئة اعتماداً على الإمكانيات الوطنية، وبنسبة 22 في المئة بحلول عام 2030، فيما لو توفر دعمٌ خارجي يخص التمويل والتنمية ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات. ولكن في غياب إحصاءات جديدة ومنتظمة للانبعاثات، يصعب التحقق من مقدار تحقيق هذا الهدف من عدمه، قبل سبع سنوات من السقف الزمني المحدد.

التغيرات المناخية في الجزائر والتعاون الدولي

وضعت "الخطة الوطنية للمناخ" بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ). وجاءت هذه الخطة لتضفي الطابع الرسمي على استراتيجية المناخ في الجزائر، ومن أهم أهدافها تعزيز تعبئة الموارد المائية، مكافحة الفيضانات، حماية الساحل، مكافحة الجفاف والتصحر وزيادة مرونة النظم البيئية والزراعة تجاه تغيّر المناخ. وهي تندرج ضمن برامج عمل على مستويين اثنين، واحدٌ يخص المدى القصير (2020-2025)، يتضمن 36 عملاً للاستجابة للحالات الاستعجالية ويتعلق بالإجراءات التي يمكن تحقيقها خلال السنوات القليلة القادمة، حيث أن القدرات والمهارات البشرية اللازمة لتنفيذها موجودة لكن يكمن المعوق الأساسي في الحصول على التمويل. وآخر على المدى المتوسط المدى (2035-2020) ويتضمن 27 إجراءً من التي تتطلب مزيداً من الوقت لتحقيقها من ناحية، وتعزيزاً للإطار التنظيمي والموارد البشرية والمادية اللازمة لتنفيذها من ناحية أخرى. ويتطلب تطبيقها، على وجه الخصوص، التنسيق بين القطاعات وإجراء دراسات تحليلية تحضيرية.

كما أجرت وزارة البيئة في عام 2017، وكجزء من مشروع الشراكة مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (بعنوان "دعم خطة المناخ الوطنية")، دراسة للمخاطر والهشاشة حيال تغيّر المناخ. ويوضح رسم الخرائط الذي تم إنجازه كجزء من الدراسة مستويات مخاطر متعلقة بعدم القدرة على ضمان الأمن الغذائي الأساسي للسكان (الحبوب ومنتجات الألبان). وهذا بحد ذاته يمثّل تهديداً للمخزون الأمني لاستهلاك القمح القاسي واللين في البلاد.

أما من الناحية العملية، ومنذ إعلان بدء العمل بهذا المخطط ولحد الآن، فلم يتم سوى تسجيل ثلاث عمليات، بتمويل من الصندوق الوطني للبيئة والساحل (FNEL) 2020، تتعلق بمخططات التكيف والتخفيف من تغير المناخ بكل من ولايات "سيدي بلعباس"، "المسيلة" و"البيض"، وذلك بهدف جعل هذه الولايات الهشة أكثر مرونة في مواجهة الآثار السلبية لتغيّر المناخ.

البلاغ الوطني الثالث والتقرير الأول لفترة السنتين

يأتي البلاغ الثالث حول التغيرات المناخية تتمة للبلاغين الأول والثاني، وغرضه تقديم تقرير إلى "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية" بشأن التقدم المحرز في الإجراءات التي تتخذها البلدان لتنفيذ الاتفاقية. وقد تم إعداده بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) مع تقرير السنتين تنفيذاً لقرارات قمة "دوربان" السابعة عشر.

يقدم البلاغ الوطني الجزائري الثالث خلاصة أربعة تقارير على وجه التحديد (6).

لكن وعلى الرغم من كل هذه الوثائق والدراسات، إلّا أنها لم تتمخض عن خطوات فعلية ملموسة على أرض الواقع. أما فيما يخص التعاون الدولي، فإن جلّ المساعدات المتعلقة بالتغيّرات المناخية تتعلق بإنجاز المخططات، والتكوين وتنمية المهارات، فلا نكاد نشاهد مشروعاً فعلياً أو ملموساً يتعلق بنقل التكنولوجيا المتقدمة لجعلها أكثر نقاءً مثلاً، أو تأسيس آليات تمكّن من رصد وتتبع ملوثات الهواء لمعرفة تطورها. لذلك لا بد للسلطات المعنية بهذه المشاريع أن تراجع حاجياتها من الطرف الممول لصالح مشاريع أكثر وضوحاً وفعالية في الميدان.

تكلفة العمل وعدم العمل

وفقاً للدراسة (7)  التي أجريت لحساب وزارة البيئة، فإن متوسط تكلفة الأضرار البيئية وأوجه القصور الناتجة سنوياً عن النشاط البشري بلغ في الجزائر ما يعادل 6.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، أي ما قيمته 11.7 مليار دولار أمريكي. أما الأضرار المتعلقة بتغيّر المناخ وحده، وأوجه القصور في قطاع الطاقة فتصل إلى 2.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 4.9 مليار دولار أمريكي سنوياً.

على الرغم من كل الوثائق والدراسات، لا وجود لخطوات فعلية ملموسة على أرض الواقع. أما بما يخص التعاون الدولي، فإن جلّ المساعدات المتعلقة بالتغيّرات المناخية تتعلق بإنجاز المخططات، والتكوين وتنمية المهارات، فلا نكاد نشاهد مشروعاً فعلياً أو ملموساً يتعلق بنقل التكنولوجيا المتقدمة لجعلها أكثر نقاءً مثلاً، أو تأسيس آليات تمكّن من رصد وتتبع ملوثات الهواء لمعرفة تطورها.

الإجراءات المتعلقة بالصمود في مواجهة تغير المناخ تتطلب 1.11 مليار دولار أمريكي/ سنة. وهو مجموع الاستثمارات الضرورية في الاقتصاد الوطني التي يجب أن توفِّرها الحكومة وشركاؤها في القطاعين العام والخاص لضمان مرونة البلاد في مواجهة تغيّر المناخ. ميزانية "قطاع البيئة"، وهي المؤسسة الحكومية الأولى التي تُعنى بالتغيّرات المناخية، لا تتجاوز 20 مليون دولار أمريكي. 

وقد أثبت تحليل اقتصادي كلي أن الإجراءات المتعلقة بالصمود في مواجهة تغير المناخ تتطلب 30 في المئة من الاستثمارات السنوية الخاصة بالمعالجة البيئية، أي 1.11 مليار دولار أمريكي/ سنة. يمثل هذا المبلغ مجموع الاستثمارات الضرورية في الاقتصاد الوطني التي يجب أن توفِّرها الحكومة وشركاؤها في القطاعين العام والخاص لضمان مرونة البلاد في مواجهة تغيّر المناخ. لكن تبقى هذه الأرقام بعيدة جداً عما يمكن فعله حالياً وفق الإمكانيات الراهنة حيث يعتبر "قطاع البيئة"، وهي المؤسسة الحكومية الأولى التي تعنى بالتغيرات المناخية، من آخر القطاعات الوزارية من حيث الميزانية، التي لا تتجاوز، بكل مصالحه ومؤسساته 20 مليون دولار أمريكي (8).

واقع التعامل مع التغيّرات المناخية

مساحة الجزائر هي الأكبر عربياً وأفريقياً، وهي من المناطق الأكثر عرضة للتغيّرات المناخية، وقد ظهرت تأثيراتها مؤخراً بشكل مقلق للغاية من خلال تداعيات ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة. وعلى الرغم من كل الاستراتيجيات وبرامج العمل التي نُشرت والتي تبدو في أغلبها طموحة، وعلى الرغم من مؤهلات هذا البلد، إلا أنّ البطء في تنفيذها أو حتى عدم تطبيق خطط أعمالها يبقى طاغياً. فعلى سبيل المثال أنجزت "الاستراتيجية الوطنية للتسيير المدمج للنفايات"، مرفَقة بخطط عمل بتمويل أوروبي قدِّر بحوالي 1,7 مليون يورو، لكن لم يلاحظ حتى الآن أي تغيير في سياسة تسيير النفايات، بحيث لم يتم تطبيق نظام الفرز الانتقائي للنفايات المنزلية كما كان مقرراً في قانون 2001، ولا زالت مؤسسات الردم التقني تعاني من تضخم كمية النفايات المستقبَلة وضيق الخنادق المخصصة لها، مما جعلها تبدو في أغلب الأحيان كمفارغ عشوائية. وللتذكير فإن مكبات النفايات العضوية تعتبر أحد أهم مصادر انبعاث غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري، في غياب استرجاع الغازات العضوية المنبعثة منها.

مشروع 343 ميغاوات للطاقة الشمسية

استراتيجية أخرى لكن في مجال الطاقة، تمت مراجعتها في إطار التخفيض من انبعاثات الغازات الدفيئة، تضمنت في سنة 2015 "البرنامج الوطني للطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية"، الذي يهدف إلى تقليص استعمال الطاقات الاحفورية لصالح الطاقات المتجددة النظيفة. والغاية هي خفض الاستهلاك الكلي للطاقة بنسبة 9 في المئة بحلول عام 2030، كما العزل الحراري لبرنامج سكني يخص خمس مدن جديدة انطلاقاً من تجربة عزل حراري أجريت على 600 وحدة سكنية، إضافة إلى نشر واسع النطاق للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030، مصحوباً على المدى المتوسط بإنتاج الطاقة الشمسية الحرارية، فضلاً عن تحويل مليون مركبة خاصة وأكثر من 20 ألف حافلة إلى غاز البترول المسال عوض البنزين. وحسب آخر الاحصائيات، فقد بلغ عدد المركبات المستهلكة للغاز حوالي خمسمئة ألف مرْكبة (9)، أي ما يعادل حوالي 50 في المئة من العدد المرغوب بالوصول إليه. وهذا مؤشر جيد، ولكن يبقى هذا العدد يمثل فقط 7,5 في المئة من إجمالي الحظيرة الوطنية المحصاة في 2019 (في غياب إحصائيات جديدة)، ومع العلم أن سوق السيارات كان مغلقاً للاستيراد منذ عام 2017، يعني أن عدد السيارات كان ثابتاً نسبياً. وقد تمت مؤخراً العودة للاستيراد وفق دفتر شروط أحد ميزاته أنه منع استيراد السيارات المستهلكة للديزل، الأمر الذي رُحب به في أوساط المدافعين عن البيئة، ولو أن الدافع لم يكن بيئياً، بل اقتصادياً محضاً) نظراً لانقطاع هذا النوع من السيارات في الدول المصنعة! (إلّا أنه وفي إطار سياسة الحث على استعمال غاز البترول المميّع إضافة إلى ترشيد النفقات، كان من الأنسب تشجيع المصنّعين على إرفاق المركبات الجديدة بخزانات الغاز عوضا عن تقديم الدعم لهذه المعدات عندما تصل السيارات إلى المواطن، وذلك بتكلفة قدرها 4.55 مليار دينار على سبيل المثال (10)، والبدء بفرض استعمال الغاز على سيارات الخدمة كسيارات المسؤولين، والسيارات الإدارية أو مركبات الأجرة، التي يسهل تسييرها. وهو ما يوفر على الخزينة الوطنية الكثير حيث إن سعر ليتر غاز البترول المميع 9 دينار بينما سعر ليتر البنزين 46 دينار... هذا بالإضافة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة حيث يعتبر الغاز الطبيعي من الطاقات النظيفة.

في المقابل لابد من ذكر الإجراءات التي اتُخذت فيما يتعلق بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في حقول النفط والغاز، كإنشاء مرافق ضغط الغاز وإعادة حقنه في الآبار (11)، بالإضافة إلى 32 مشروعاً لاسترجاع الغاز المشتعِل حيث انخفض حرق الغاز بنسبة 42 في المئة على مدى 15 عاماً، من 6.19 مليار متر مكعب في عام 2000 إلى 3.5 مليار في عام 2015. كما سمح مشروع حبس وتخزين ثاني أكسيد الكربون في حقل كريشبا (عين صالح) بتخزين ما يقارب 4 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون بين 2004-2011.

كان من الأنسب تشجيع المصنّعين على إرفاق المركبات الجديدة بخزانات الغاز عوض تقديم الدعم لهذه المعدات عندما تصل السيارات إلى المواطن، وذلك بتكلفة قدرها 4.55 مليار دينار، والبدء بفرض استعمال الغاز على سيارات الخدمة (المسؤولين، والسيارات الإدارية أو مركبات الاجرة). وهو توفير كبير على الخزينة الوطنية، فسعر ليتر غاز البترول المميَّع 9 دينار بينما سعر ليتر البنزين 46 دينار.

اما أهم ما يخْلص إليه هذا البرنامج فهو الوصول إلى إنتاج 27 في المئة من الكهرباء الوطنية باستخدام الطاقات المتجددة في أفق 2030. غير أنه وبعد سبع سنوات، لم تتعدَ نسبة استغلال الطاقات المتجددة في الجزائر 0,8 في المئة (12)، ولا يزال الاعتماد شبه المطلق هو على الوقود الأحفوري. وعلى الرغم من أن مؤهلات الجزائر تضعها في الصدارة من حيث الحجم الساعي لأشعة الشمس (حوالي 2000 ساعة/سنوياً ويصل إلى أكثر من 3500 ساعة في الجنوب)، الا أن استعمال هذا المصدر الطاقوي يبقى متواضعاً، حيث بلغ نصيب الطاقة الشمسية سنة 2017 حوالي 0,69 في المئة من إجمالي الطاقة المستعملة. أما طاقة الرياح فقد قدرت نسبة استعمالها في السنة نفسها بـ 0,02 في المئة.

غياب القوانين المتعلقة بالتغير المناخي

من الملفت للنظر أنه ومع كل هذه الإجراءات، وعلى الرغم من مرور قرابة عشرين سنة على أول نص قانوني يتعلق بالبيئة والتنمية المستدامة، إلّا أنه لا يوجد أي قانون صريح أو مرسوم تنفيذي خاص بالتغيرات المناخية، يوضح الإجراءات الواجب اتخاذها والالتزام بها، ويعاقب من يتجاوزها أو يتسبب في تأزم هذه الظاهرة. فمن أهم ركائز العمل البيئي أو المناخي بصفة خاصة الاعتماد على الرقابة والمتابعة، في حين نجدها محدودة جداً وآلياتها شبه منعدمة، وذلك لسببين رئيسيين:

- قلة المفتشين البيئيين بالنسبة لعدد المنشآت الصناعية التي تتطلب الرقابة، فضلاً عن أنّ المفتش البيئي مجرد من صفة الضبطية القضائية، أي أنه في حال التجاوزات القانونية سيكتفي بتحرير محضر وإيداعه دون أي حق إلزامي تجاه المتعدي.

- اهتمام مصالح شرطة البيئة والتعمير تخص الجانب العمراني فقط، دون التركيز على البيئة مما فتح الباب على مصراعيه لانتهاكات المواطنين والمؤسسات الصناعية.

بعد 7 سنوات من برنامج الوصول إلى إنتاج 27 في المئة من الكهرباء الوطني باستخدام الطاقات المتجددة في أفق 2030، لم تتعدَ نسبة استغلال الطاقات المتجددة 0,8 في المئة. وعلى الرغم من مؤهلات الجزائر من حيث استخدام أشعة الشمس (حوالي 2000 ساعة/سنوياً ويصل إلى أكثر من 3500 ساعة في الجنوب)،إلا أنّ استعمال هذا المصدر الطاقوي متواضع.

لا يقتصر غياب الرقابة على الملوثات الصناعية، بل يشمل كذلك مظاهر التبذير الذي يعد آفة في المجتمع الجزائري، حيث بلغت نسبة تبذير المياه 45 في المئة في سنة 2021، في أوج أزمة الجفاف في المنطقة. أما عن التسربات بسبب قِدَم قنوات توزيع المياه، فقد مثلت في العاصمة وحدها حوالي 30 إلى 40 في المئة من إجمالي المياه الصالحة للشرب.  

لا يقتصر غياب الرقابة على الملوثات المنبعثة عن المؤسسات الصناعية فحسب، بل تشمل كذلك مظاهر التبذير الذي يعد آفة في المجتمع الجزائري، حيث بلغت نسبة تبذير المياه 45 في المئة في سنة 2021، في أوج أزمة الجفاف في المنطقة. أما عن التسربات الراجعة إلى قِدَم القنوات والأنابيب المستعملة لتوزيع المياه، فقد مثلت في العاصمة وحدها حوالي 30 إلى 40 في المئة من إجمالي المياه الصالحة للشرب، مما زاد من حدة الأزمة وعقّد من مهمة المسيرين الذين لم يجدوا لحد الآن حلاً للربط العشوائي للمياه، كل ذلك يضاف إلى نقص الامطار التي أدت إلى جفاف السدود.

لكن يبقى أحد أهم المعوقات للقيام بدراسات جدية أو تحليلات دقيقة أو حتى استشرافات وتوقعات خاصة بالتغيرات المناخية، هو نقص المعطيات أو البيانات المتعلقة بالغازات الدفيئة أو التلوث الهوائي بشكل عام. أنشئت شبكة وطنية لقياس ملوثات الجو ومعرفة جودة الهواء في سنوات 2000، سُمِّيت حينها "سما صافية"، ولكنها لم تعد في الخدمة منذ 2005، ولم يعد هنالك أي آلية لقياس ملوثات الجو، وبات الحصول على هذا النوع من المعطيات على المدى الطويل شبه مستحيل مما أثر سلباً على كل الدراسات المرتبطة بهذه الإشكالية نظرا لعلاقتها المباشرة بالتغيرات المناخية وتطورها. نذكر على سبيل المثال قطاع الصحة الذي يعتبر المؤشر الرئيسي لتأثير ملوثات الجو أو تأثير عوامل الطقس المتطرفة على صحة المواطن، سواءً بشكل مباشر كالحساسيات والأمراض التنفسية والجروح والإعاقات الناتجة عن الفيضانات والحرائق، أو بشكل غير مباشر كالأمراض المتنقلة عبر المياه أو المعدية بنواقل، والتي يكون سببها الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة، وقد عانت الجزائر منها مؤخراً (كوليرا 2018، فيضانات 2020، حرائق 2021) إلّا أنه، ولنقص المعطيات، يصعب إحصاء عدد الضحايا وربطه بالمسببات.

أحد أهم المعوقات للقيام بدراسات جدية أو استشرافات وتوقعات خاصة بالتغيرات المناخية، هو نقص المعطيات أو البيانات المتعلقة بالغازات الدفيئة أو التلوث الهوائي بشكل عام. فبعد إنشاء شبكة وطنية لقياس ملوثات الجو ومعرفة جودة الهواء في سنوات 2000، سميت حينها "سما صافية"، فهذه الشبكة لم تعد في الخدمة منذ 2005، ولم يعد هنالك أي آلية لقياس ملوثات الجو.

قطاع الصحة مؤشر رئيسي لتأثير ملوثات الجو وعوامل الطقس المتطرفة على صحة المواطن، سواءً بشكل مباشر كالحساسيات والأمراض التنفسية والجروح والإعاقات الناتجة عن الفيضانات والحرائق، أو غير مباشر كالأمراض المتنقلة عبر المياه أو النواقل، والتي يكون سببها الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة. وقد عانت الجزائر منها مؤخراً (كوليرا 2018، فيضانات 2020، حرائق 2021). ولنقص المعطيات، يصعب إحصاء عدد الضحايا وربطه بالمسببات. 

وبما أن إشكالية التغيرات المناخية ذات طابع أفقي، بمعنى أنها تخص كل القطاعات، فقد بات من الضروري تفعيل إدماج هذه المسألة في برامج عمل كل الدوائر الحكومية، لا سيما قطاعي التربية والتعليم، حيث لا بد أن ينشأ أطفالنا على عادات تضمن نقلة نوعية في التعامل مع البيئة والموارد الطبيعية والطاقوية، وتساهم في التنمية المستدامة من أجل الأجيال القادمة. ومن الأهمية الاستعجال في بدء الخطوات العملية لمواجهة التغيرات المناخية، بعيداً عن الأوراق والدفاتر، حيث إن ظهور آثار هذه الأخيرة بات أسرع من الإجراءات المتخذة لمواجهتها، والتأخير كل سنة، بل كل شهر له أثره وكلفته.  

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1- وزارة البيئة والتهيئة العمرانية 2010
2- المرسوم الرئاسي رقم 99-93 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 24 بتاريخ 21.11.1993
3- المرسوم التنفيذي رقم 05-375 المؤرخ 26 سبتمبر2005المتعلق بإنشاء الوكالة الوطنية للتغير المناخي
4- Intended Nationally Determined Contributions (INDCs) World resources institute
5-https://www.wri.org/indc-definition
6- موقع وزارة البيئة والطاقات المتجددة نوفمبر 2022 https://bit.ly/3VJK2dZ
7- انظر المرجع 6 اعلاه
8- Loi de Finances 2022, https://news.radioalgerie.dz/
9- https://news.radioalgerie.dz/ar/node/8103
10-https://bit.ly/3W1BM93
11- https://bit.ly/3uzA82J
12- https://bit.ly/3iOu57D

مقالات من الجزائر

الذهب الأزرق في الجزائر

يميز الجغرافيا الجزائرية التباين البالغ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، حيث يتركز تدفق الأمطار في الحافة الشمالية الضيقة للبلاد بينما يكون في المناطق الداخلية ضعيفاً إلى شبه...