عمل نسائي ميداني: قوافل "يطو" في المغرب

نظمت جمعية "يطو" منذ عام 2005 وحتى الآن 19 قافلة إلى القرى والمناطق المهمشة، جلّها في المغرب، ومنها اثنتان في فرنسا وواحدة في اسبانيا، حيث أن النساء المغربيات المقيمات في المهجر يعانين إلى حدٍ كبير من المشاكل نفسها التي تعاني منها النساء في المغرب، من التعدد إلى تزويج القاصرات...
2022-07-03

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك
| en
اني كوركجيان - لبنان

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

"يطو" هو اسم مناضلةٍ أمازيغية قاومت الاستعمار الفرنسي واستشهدت في "معركة الهري"، بقي اسمها وقصة نضالها طيّ الكتمان والتجاهل عكس الرجال المقاومين المعروفة أسماؤهم ومآثرهم عبر السنين. وقد أعادت جمعية "يطو" إحياء ذِكرها باختيارها الواعي لاسم تلك المقاوِمة المنسيّة، معتبرةً أن تجاهل اسمها هو عنفٌ كبير في حق النساء والحركة النسائية. 

من هذه النقطة انطلقت "جمعية يطو لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف"، وهي مؤسسة غير حكومية، تعتمد العمل الميداني التشاركي مع النساء والسكان بالمجمل، خصوصاً في المناطق القصيّة والمهمّشة في المغرب. تأسست عام 2004 على يد مجموعة من الفاعلات والناشطات المهتمات بالعمل الاجتماعي النسائي، ويتمحور نشاطها لحدّ بعيد حول قوافل اجتماعية تقصد القرى والأطراف وتتواجد ميدانياً لتقيم ورش عمل لتنمية قدرات النساء على الترافع من أجل قضاياهنّ المختلفة.

ترأس الجمعية المناضلة النسائية نجاة إخيش، صاحبة تجربة تمتد على أكثر من 45 عاماً في العمل السياسي والنقابي والنسائي، وقد ساهمَت خلال مسيرتها في صياغة مجموعة من المقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية في المغرب، كما شاركت بتأسيس جمعيات نسائية عدة.

فيديو المقابلة مع الأستاذة نجاة اخيش

مقاربة "يطو" للعمل الميداني

اختارت الجمعية طريقاً تصفه نجاة إخيش بالمتعِب، لكنه يعطي نتائج على المستوى العمَلي، فهي اتخذت طريق العمل الميداني ولجأت إلى مقاربة تشاركية مع النساء، ليس فقط في المدن الكبرى ولكن أيضاً في القرى النائية جداً والتي تعاني من الهشاشة والإقصاء والتهميش. لا شكّ أنّ هذه الظروف تطالُ الجميع، غير أنها تطال نساء هذا المجتمع بشكل مزدوج، ولذلك فغايةُ عمل الجمعية الميداني هو "تحرير كلمة النساء" كشرط أولي، ومساعدتهنّ للانتقال من موقع الضحية إلى موقع القوة الاقتراحية والتغييرية.

انطلقت جمعية "يطو" لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف في المغرب في العام 2004. والجمعية تركِّز في عملها على المناطق القصيّة والمهمّشة خصوصاً، تصل إليها عبر "قوافل" تنظِّمها، وتقوم بعدها بتأسيس عمل ميداني تشاركي مع النساء والسكان بالمجمل. و"يطو" هو اسم مناضلةٍ أمازيغية قاومت الاستعمار الفرنسي واستشهدت. ولكن اسمها وقصة نضالها بقيا طيّ الكتمان والتجاهل..

تعود الجمعية للمناطق البعيدة التي زارتها القافلة لمتابعة العمل بإقامة ورشات "تقوية قدرات النساء"، وتدريبهن على كيفية الترافع عن القضايا، وتحديد الأولويات في المطالب... ولأنّ مجموعة واحدة لا تستطيع تحقيق التغيير على مستوى شامل، ينتقل العمل تلقائياً إلى "التشبيك"، أي تأسيس شبكات نسائية بين قرى مختلفة والانتقال إلى مرحلة "الترافع" عن قضايا متعددة وصوغ المقترحات وتكوين الملفات المطلبية. 

ولا يُختصر دور الجمعية بفتح الباب إلى التعبير "التطهيري" عن الذات والهموم والشجون لدى النساء. ف"كل إنسان نجعله قوة تابِعة لنا لا يمكن أن يصنع التغيير. الإنسان القادر على التغيير هو ذلك الذي يؤمن بأن دوره ودورها في التغيير بالغ الأهمية، وهؤلاء الأشخاص دائماً ما يمشون باتجاه التغيير بأنفسهم". لا يفترض بالعاملات في الجمعيات أن يكنّ وصيّات أو وليّات على النساء بشكل يقود قراراتهنّ، بل على العكس من ذلك، فالأمر الأكثر أهمية هو أن تكون القوة المقترِحة والخلّاقة طالعة من النساء أنفسهنّ اللواتي يسرنَ في المقدّمة فتسير الجمعية وراءهنّ بالدعم والمساعدة، لا أمامهنّ في موقع الوصاية والقيادة.

قوافل وورش عمل

يشارك في "القوافل الاجتماعية" السنويّة التي تنظَّم باتجاه المناطق المهمشة والمعزولة، ما بين 60 و100 متطوعة ومتطوع من شباب وشابات ورجال ونساء من أعمار مختلفة، يذهبون معاً بهدف تفكيك العزلة عن هذه المناطق أولاً، ولتحرير كلمة النساء فيها ثانياً. عادة ما تقام ورشات متعددة أثناء هذه القوافل، إحداها تسمّى ورشة "سيدتي لكِ الكلمة، فعبّري وقرّري".

التعبير خلال هذه الورشات هو بمثابة علاج نفسي جماعي، وغالباً ما تنطلق النساء في مشاركاتهنّ من نقطة الحديث عن معاناتهنّ – الشخصية منها والجماعية – داخل مجتمعهنّ. بعد التعبير عن الهموم، يُطرح السؤال: "هل تريد النساء الانتقال من وضعية "المرأة التي تعاني" إلى وضعية "المرأة التي تستثمر المؤهلات في منطقتها لفائدة نفسها وقريتها ومجتمعها؟"... يُحفّز هذا السؤال التفكير في حلول وخطوات لحل المسائل المتعددة التي تشغل النساء: "لماذا عليّ الذهاب إلى مكان بعيد لإحضار الماء كل يوم، بينما هناك ماء حاضرٌ دائماً في الصنبور في مناطق أخرى؟"، أو "لماذا لا أذهب إلى المدرسة؟"، أو "لماذا أجبر على الزواج في سن صغيرة؟"، وما إلى ذلك من أسئلة ملحّة تدفعهنّ بشكل طبيعي إلى التفكير بمقترحات وحلول.

"إذا لم تسمح لنا السلطات المحلية بدخول المدرسة أو المستوصف للقيام بعملنا، تقوم القافلة بعملها في الشارع، وبإمكانهم أن يرسلوا من يعتقلنا! لكن السكان من النساء والرجال يعرفون أننا هناك لمساعدتهم، فيبادرون بالتالي لمساعدتنا. وأحياناً فتحت لنا المساجد التي دخلناها بلباسنا كما نحن".

تعي النساء أنّ انتخاب البلديات وأصحاب القرار والمسؤولين لا يعني مبادرة هؤلاء إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تخصهنّ كنساء، ويصلن إلى استنتاج مفاده أننا إذاً مواطنات من الدرجة الثانية، ولسنا مواطنات بكامل حقوق المواطنة. تستنتج النساء أنهنّ، ليكنّ كاملات المواطنة، فعليهنّ التحرّك. وهنا يُطرح سؤال: "ولكن كيف نتحرّك؟"، فيظهر أن الجواب الممكن هو: "بممارسة الضغط"، ثم يتبعه سؤال "ولكن هل يجب أن نمارس الضغط كأفراد أم كجماعات؟"... وهكذا يتطور النقاش وصولاً إلى بلورة فكرة مفادها أنّ الضغط الجماعي هو أفضل السبل لتحقيق الحلول الناجعة لمشكلات المجتمع ولمشكلات النساء.

الملفات المطلبية

ماذا بعد القوافل؟ تقول الأستاذة إخيش أن الجمعية تعود للمناطق والقرى البعيدة التي زارتها القافلة لمتابعة العمل من خلال تنظيم وإقامة ورشات "تقوية قدرات النساء"، وتدريبهن على كيفية الترافع عن القضايا، تنظيم الاجتماعات، تحديد الأولويات في المطالب، وسواها من المواضيع...

وفي هذه الورشات، ولأنّ مجموعة واحدة لا تستطيع تحقيق التغيير على مستوى شامل، ينتقل العمل تلقائياً إلى مستوى "التشبيك"، أي تأسيس شبكات نسائية بين قرى مختلفة تسمح بالانتقال إلى مرحلة "الترافع" عن قضايا متعددة وصوغ المقترحات وتكوين الملفات المطلبية.

لا يفترض بالعاملات في الجمعيات أن يكنّ وصيّات أو وليّات على النساء بشكل يقود قراراتهنّ، بل على العكس من ذلك، فالأمر الأكثر أهمية هو أن تكون القوة المقترِحة والخلّاقة طالعة من النساء أنفسهنّ اللواتي يسرنَ في المقدّمة فتسير الجمعية وراءهنّ بالدعم والمساعدة.

تعي النساء أنّ انتخاب البلديات وأصحاب القرار والمسؤولين لا يعني مبادرة هؤلاء إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تخصهنّ كنساء، ويصلن إلى استنتاج مفاده أننا إذاً مواطنات من الدرجة الثانية ولسنا مواطنات بكامل حقوق المواطنة. تستنتج النساء أنهنّ، ليكنّ كاملات المواطنة، فعليهنّ التحرّك. 

دائماً ما تحرص "يطو" على أن تتضمّن الملفات المطلبية مكوّنَين أساسيين، أوّلهما يهمّ النساء بشكل خاص، كمسألة تعليم الفتيات، وتزويج القاصرات، والتمكين الاقتصادي بالغ الأهمية. والمكون الثاني هو المطالب التي تهمّ السكان جميعاً بما فيهم الرجال والشبان. ففكّ العزلة عن هذه المجتمعات المهمشة يعني حياة أفضل لرجالها ونساءها على السواء. من هنا، فمؤسسة "يطو" تقدم المساعدة في تأسيس الجمعيات الثقافية والبيئية والمطلبية للرجال كذلك.

مقالات ذات صلة

هناك صعوبات وعوائق متنوعة تواجه طريق العمل النسائي ولكن النجاحات كثيرة كذلك. تستذكر الاستاذة أخيش في المقابلة المصورة كيف تمّ استخدام المسرح في إحدى القرى لتطلع الفتيات أثناء إحدى المسرحيات وتتكلّمن بصراحة مطلقة أمام رجال القرية وأمام آبائهنّ عن معنى أن يتمّ إخراجهنّ من المدرسة بينما قريناتهنّ في المدن والقرى المجاورة يتمتعن بحق التعليم، وعن معاناتهن من ذلك. وكانت نتيجة هذا العمل المسرحي والتعبير المباشر هائلة في تأثيرها، إذ أعيدت بعده 25 فتاة من بنات القرية إلى مقاعد الدراسة!

تذليل العوائق ودعم المجتمع

وحول سؤال الصعوبات والعراقيل من السلطات، تجيب إخيش أن عملهنّ لا يخلو أبداً من العوائق الشائكة. فإحدى القرى شهدت مقاومة شديدة للعمل النسائي فيها: "المعارضون لعملنا يعون جيداً أننا بصدد بناء مجتمع بديل، تتبدد فيه اللامساواة، أما الرغبة بالحفاظ على السلطة فهي التي تؤدي إلى مقاومة التغيير". و"على سبيل المثال، قد يأتي محافظ منطقة معينة ويقول لي "لن تمر القافلة في ترابي"، وهذا لأنه يعرف بأن القافلة تحمل مشروعاً مجتمعياً ديمقراطياً".

تتضمّن الملفات المطلبية مكوّنَين أساسيين، أوّلهما يهمّ النساء بشكل خاص، كمسألة تعليم الفتيات، وتزويج القاصرات، والتمكين الاقتصادي بالغ الأهمية. والمكون الثاني هو المطالب التي تهمّ السكان جميعاً بما فيهم الرجال والشبان. ففكّ العزلة عن هذه المجتمعات المهمشة تعني حياة أفضل لرجالها ونساءها على السواء.

غالباً ما تستخدم المناضلات الحوار والتفاوض مع المعترضين لإزالة أي لبس، أمّا في حال الاستعصاء، فلا يكون الحل إلا بفرضِ وجودهنّ فرضاً. "إذا لم يسمحوا لنا بدخول المدرسة أو المستوصف للقيام بعملنا، فستقوم القافلة بعملها في الشارع، وبإمكانهم أن يرسلوا من يعتقلنا. لكن السكان من النساء والرجال يعرفون أننا هناك لمساعدتهم، فيبادرون بالتالي لمساعدتنا، وأحياناً فتحت لنا المساجد التي دخلناها بلباسنا كما نحن". 

اعداد وتجهيز صباح جلول

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه

أجمل من خيال

صباح جلّول 2023-07-06

إنها أجمل من الخيال والأفلام، هذه الحكاية، والناس في حكاياتنا أجمل من الأبطال الخارقين أيضاً وأكثر إبهاراً. ننظر إلى المشهد مرة أخرى، فنتفاجأ بشبان عاديين، عاديين تماماً، ولكن قادرين تماماً...

خضر عدنان شهيداً: قتلوا المناضل المثال!

صباح جلّول 2023-05-02

روح الشيخ خضر عدنان المقاتلة التي لا تلوِّثها اعتبارات السياسة والفصائل والانتماءات والمصالح هي بالذات ما أرّق الاحتلال. كان شيخاً تقياً منفتحاً وعاملاً خبّازاً يعمل في مخبزه في بلدته عرّابة،...