جنوب الجزائر: "لا للغاز الصخري"

تشهد "عين صالح"، في أقصى الجنوب الجزائري، منذ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2014 حركةً احتجاجية واسعة تطالب الشركةَ البتروغازية العمومية سوناتراك بوقف استغلال الغاز الصخري الذي شُرع فيه تجريبيا في هذه المنطقة (حوض أهنات، ولاية تامنراست). وقد حطمت هذه الحركة صورةً نمطية، الجنوبيون فيها أناسٌ "مسالمون"، يأتمرون بأمر شيوخهم، خاصةً وأن مسيراتٍ مساندة لهذه الحركة نُظمت في مدن جنوبية
2015-01-29

ياسين تملالي

صحافي من الجزائر


شارك
| en

تشهد "عين صالح"، في أقصى الجنوب الجزائري، منذ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2014 حركةً احتجاجية واسعة تطالب الشركةَ البتروغازية العمومية سوناتراك بوقف استغلال الغاز الصخري الذي شُرع فيه تجريبيا في هذه المنطقة (حوض أهنات، ولاية تامنراست). وقد حطمت هذه الحركة صورةً نمطية، الجنوبيون فيها أناسٌ "مسالمون"، يأتمرون بأمر شيوخهم، خاصةً وأن مسيراتٍ مساندة لهذه الحركة نُظمت في مدن جنوبية أخرى مثل أدرار وتامنراست والمنيعة، وكذا في ورقلة، مركز ثقل حركة كبيرة الأهمية تستهدف تحسينَ حصة الشباب الصحراوي من سوق العمل في صناعتي البترول والغاز.
يرفض أهالي عين صالح استغلال الغاز الصخري لما يشكّله من مخاطرَ بيئية وصحية. فاستخراج هذه المحروقات غير التقليدية باستخدام تقنية "الكسر المائي" يحتاج إلى كميات هائلة من المياه، ما يهدّد بإنضاب المخزون الجوفي منها. كما أنّه يتوجب ضخَّ مواد كيماوية سامة في باطن الأرض، ما قد يكون أثرُه القضاء المبرم على فلاحة الواحات العريقة وانتشار بعض الأمراض المستعصية كالسرطان (لا تزال العواقب الصحية للتجارب الذرية الفرنسية في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966 حيّةً في الأذهان).
ويتركّز الاحتياطيّ الجزائري من الغاز الصخري (الثالث عالميّا بعد احتياطيّ الصين والأرجنتين حسب أرقام الوكالة الدولية للطاقة) تركزا كاملا جنوب البلاد، موزعا على سبعة أحواض هي: مويدير وأهنات ورقان (وسط الصحراء) وغدامس وبركين (الجنوب الشرقي، قرب الحدود الليبية) وتميمون وتندوف (الجنوب الغربي).

السلطة "تحاور" 

وبدت السلطات الجزائرية مباغَتَةً كل المباغتة بهذه الاحتجاجات، فتضاربت تصريحات مسؤوليها. منهم من أكّد ألاّ خطر على البيئة من الغاز الصخري (وزير الطاقة، يوسف يوسفي، 8 كانون الثاني/ يناير 2014)، وكأنّ النّقاشات الدّائرة حول هذا الموضوع في كثير من البلدان هراءٌ في هراء. ومنهم من ذكّر بأن الأشغالَ الجارية في أهنات اختباريةٌ محضة تستهدف تقييمَ مخزونه، وأن استغلالَه "ليس في جدول الأعمال" (الوزير الأول عبد المالك سلال، 16 كانون الثاني/ يناير 2015)، ما يعد تناسيا لحقيقة بيّنة: الشرارة التي فجّرت برميلَ البارود في عين صالح كانت تصريحاً لوزير الطاقة قال فيه إن نجاح التجارب في هذا الحوض "يجعلنا نفكر في إمكانية استغلال موارده" (27 كانون الاول/ ديسمبر 2014). وفي الواقع، لم يكن هذا التصريح سوى ترجمة أمينة لإعلان سوناتراك في تموز/ يوليو 2014 أن إنتاج الغاز الصخري سيبدأ سنة 2020، بل وأعطت حينذاك تقديرا دقيقا لحجمه المرتقب بعد شروع أول الحقول في العمل (30 مليار متر مكعب، أي 23 في المئة من الإنتاج الغازي الجزائري المقدر في 2013 بـ 127 مليار متر مكعب). 
ونظرا لدقّة الوضع في الجنوب (حركة البطّالين في ورقلة وغيرها، المواجهات في وادي ميزاب بين "العرب" و "الأمازيغ"، نشاط المجموعات المسلحة العابرة للحدود...)، لم تلجأ السلطات (لحد الساعة) إلى القمع على نطاق واسع، مفضِّلةً إرسالَ مسؤولين بارزين فيها للتحدث مع ناشطي "المجتمع المدني" في عين صالح. بل إنّ رئيس الجمهورية أوفد لمحاورتهم ممثّلا شخصيّا عنه.. وللأسف لم يكن مبعوثه هذا سوى المدير العام للأمن الوطني، عبد الغني الهامل، ما عبّر ببلاغة نادرة عن عقم الجزائر الرسميّة وعجزها عن أن تجد من يتكلم باسمها في هذا الموقف الحرج عدا جنرال "مختصّ بالغازات المسيلة للدموع" كما قال أحد الصحافيين على شبكة فايسبوك. 

غبن سكان الصحراء

ويلاحَظ أن التحركات الاجتماعية في الجنوب خلال السّنوات الأخيرة ارتبطت كلها، بشكل أو بآخر، بمسألة استغلال ثرواته من المحروقات. فأحد مطالب المظاهرات التي شهدتها ورقلة في آذار/ مارس 2013 كانت إعطاء الأولوية للجنوبيين في العمل في الصّناعة البتروغازية، وقد لخّص رئيس الجمعية البيئية "شمس" (في عين صالح) مجملَ الأمر بقوله ليومية الوطن الناطقة بالفرنسية (كانون الثاني/يناير 2015): "لم نستفد من الغاز التقليدي ولا من الرّيع البترولي، والغاز الصخري سيحرمنا من النزر اليسير الذي تبقّى لنا"، أي الفلاحة الصحراوية والثروات المائية الجوفية.
وتعبّر هذه التحركاتُ الاجتماعية عن إحساس بالغبن لدى سكان الصحراء، بدا جليا من خلال يافطتين حملهما المتظاهرون في عين صالح. الأولى تقول ببساطة مؤثرة: "تكفينا قساوةُ الطبيعة"، والثانية: "كنّا حقلا لقنابلكم ولن نكون حقلا للغاز الصخري" في إشارة إلى استعمال أقصى الجنوب الجزائري مجالا لتجارب فرنسا النوويّة والكيماوية حتى بعد الاستقلال.
ويُذكر هنا أن قمعَ بعض هذه التحركات كان السبب المباشر لتكوُّن مجموعة مسلحة سمت نفسها "أبناء الجنوب من أجل العدالة الإسلامية"، وقد مكنت الوساطاتُ القبلية من إقناع بعض أعضائها بتسليم أنفسهم إلى أجهزة الأمن في 2008، لكنها لم تنقرض، بل إن زعيمَها محمد الأمين بن شنب هو من قاد في 2013 هجوما على موقع تيغنتورين الغازي (أقصى الجنوب الشرقي) قضى فيه حوالي 40 رهينةً معظمُهم من الأجانب. وما كان هذا التنظيم ليولد لو لم يكن بعض من تولّوا تأسيسه فيما بعد قد حوكموا سنة 2004 بتهمة "إنشاء منظمة غير قانونية" لا لشيء سوى نشاطِهم في حركة سلمية طالبت بتحسين أوضاع أهالي النواحي الجنوبية، خاصة في مجال التشغيل. وبالنظر إلى هذه التجربة، فالخشية هي أن تجتذب المنظمات الجهادية الشّباب المهمّش في هذه الصحراء الغنية بمواردها، الفقيرة رغم كل مخصصات الميزانية العمومية لها منذ الاستقلال.
تخبط الحكومةُ خبطَ عشواء في وضع اقتصادي ازداد هشاشة بعد انهيار أسعار النفط، ولا مخرجَ منه، في إطار تصوُّرها الريعي للاقتصاد، بغير زيادة إنتاج المحروقات لتدارك تراجع مداخيل الخزينة الخارجية، خاصة وأن الاستهلاك المحلي يتزايد بشكل كبير (+ 26 في المئة بين 2006 و2012 بما يخص الغاز الطبيعي). وهي اليوم في مأزق حرج، محتارة بين أمرين أحلاهُما مرّ: الرضوخ لمطالب الحراك الشعبي في عين صالح لن يكون مؤشرا إيجابيا للشركات البتروغازية العالمية التي لا يمكن تصور استغلال الغاز الصخري من دون عونها، لكن قمعه قد ينشر نار السخط إلى مناطق جنوبية أخرى توجد فيها أحواض محروقات غير تقليدية. 

للكاتب نفسه

الجزائر: لئلا يُحوَّل ترسيمُ اللغة الأمازيغية إلى جدل "هوياتي" عقيم

يقترح مشروع الدستور الجزائري المعدّل في مادته "3 مكرر" الاعترافَ بالأمازيغية لغةً "رسميةً" إلى جانب "اللغة الوطنية والرسمية"، العربية. ولا يسع كلَّ عارف بما يمثله عدم حل المشاكل اللغوية العالقة...