القمة الخليجية: استمرار الهروب من استحقاقات التغيير

تغيَّب عن القمة الخليجية التي انعقدت في المنامة أواخر العام المنقضي، أربعة من زعماء الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان ذلك متنافراً مع الرسالة التي وجهها الملك السعودي إلى المجتمعين، مطالباً إياهم بالتمعن كثيرا في مسيرة المجلس، ومساءلة النفس بكل صدق وتجرد عما تحقق بعد اكثر من واحد وثلاثين عاما. فإن ما تحقق، يقول الملك، «لا يرقى الى مستوى الآمال والطموحات المعقودة».<br
2013-01-09

عبد الهادي خلف

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين


شارك
| en

تغيَّب عن القمة الخليجية التي انعقدت في المنامة أواخر العام المنقضي، أربعة من زعماء الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان ذلك متنافراً مع الرسالة التي وجهها الملك السعودي إلى المجتمعين، مطالباً إياهم بالتمعن كثيرا في مسيرة المجلس، ومساءلة النفس بكل صدق وتجرد عما تحقق بعد اكثر من واحد وثلاثين عاما. فإن ما تحقق، يقول الملك، «لا يرقى الى مستوى الآمال والطموحات المعقودة».
ولهذا شدد على اتخاذ الخطوات التي يتطلبها «الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد». ومعلومٌ ان الملك السعودي فاجأ الحاضرين في القمة الخليجية المنعقدة في الرياض، منذ عام بالتمام (كانون الاول/ ديسمبر 2011)، بإطلاقه دعوة لإعلان الاتحاد الخليجي. وقتها، لم يتحمس أحدٌ من الحاضرين للفكرة، فلدى أغلب دول المنطقة مخاوف من أن يكون انخراطها في ذلك المشروع إعلانا بقبولها للهيمنة السعودية على المنطقة. ولذلك قُبرت الفكرة وجرى تحويلها إلى لجنة من الفنيين لدراستها. كرر الملك السعودي الدعوة في رسالته الموجهة إلى قمة المنامة، ومرة أخرى لم تجد من يتحمس لها سوى ملك البحرين الذي يرى في الاتحاد الخليجي (مع السعودية على الأقل) مخرجاً لنظامه من أزمته الراهنة.
عكست تصريحات كبار المسؤولين في السعودية والبحرين قبل أشهر من القمة الأخيرة رغبة البلدين في تسريع جهود تدشين «الاتحاد الخليجي». وساهم الملكان، السعودي والبحريني، في رفع سقف التوقعات لما ستتمخض عنه القمة. إلا ان بيانها الختامي لم يتضمن قرارات غير معتادة، بل جاء كتكرار للديباجة المعهودة في بيانات القمم الخليجية السابقة، من قبيل انها قمة استثنائية وتنعقد في ظل ظروف عصيبة وتتطلب قرارات استراتيجية. وركز الإعلام الرسمي بشكل خاص على بندين تعلقا بإقرار الاتفاقية الخليجية الأمنية المعدلة، وبإنشاء القيادة العسكرية الموحدة.

لا عقيدة أمنية موحدة لدول الخليج
احتاج المسئولون الخليجيون إلى 18 سنة من النقاش قبل قبولهم بالتعديلات التي اشترطتها الكويت لدخولها الاتفاقية الأمنية الموقعة في العام 1994. فبسبب التوجس الشعبي في الكويت من أن تكون الاتفاقية الأمنية باباً للتدخل السعودي في شؤونها الداخلية، أصرت الحكومة الكويتية، بضغط من برلماناتها المتعاقبة، على عدم تضمين الاتفاقية التزاماً بتسليم المواطنين المطلوبين في دول أخرى، وعلى عدم السماح للقوى الأمنية بتجاوز الحدود لملاحقة واعتقال مطلوبين أمنيين. وبسبب الطلب الكويتي أيضاً لن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ إلا بعد أن تحظى بموافقة البرلمان الكويتي.
رغم الضجة التي أثارها إعلان الاتفاقية الأمنية، فإنها لا تمثل تغييراً جوهرياً في طبيعة العلاقات المتينة بين أجهزة الأمن الخليجية. لكنها ستوفر أدوات إضافية للتنسيق في مجال الأمن الداخلي، وخاصة بالنظر إلى تصاعد التحديات التي تواجهها جميع دول المجلس، وإن بدرجات متفاوته الحدة. وهذا يتطلب من المسؤولين السياسيين والأمنيين الاتفاق على «عقيدة أمنية موحدة» تحدد مصادر الخطر التي يواجهونها. ولا يمكن للبهرجة الإعلامية التقليل من صعوبة هذه المهمة. فعلى سبيل المثال، تشن دولة الإمارات حملات أمنية وإعلامية على حركة الإخوان المسلمين، بينما تُشكل الحركة إحدى أهم أدوات النشاط الإقليمي الذي تقوم به قطر، كما تتمثل الحركة بوزيرين في حكومة البحرين. وفي الوقت الذي تشن كل من السعودية والبحرين حملات أمنية ضد مواطنيهما الشيعة، يشكل النواب الشيعة في برلمان الكويت مرتكزاً لحكومتها في مواجهتها الراهنة مع معارضيها.

القيادة العسكرية الموحدة
شكل الدفاع عن أمن العوائل الحاكمة أحد أهم مبررات تأسيس مجلس التعاون في 1981. ففي خلال أقل من عام واحد تم الإعلان عن تشكيل «درع الجزيرة» ليكون نواة قوة عسكرية مشتركة. إلا إن أياً من العوائل الحاكمة في الخليج لم تكن راغبة أو قادرة على مواجهة ما يتطلبه التنسيق العسكري في بلدان غنية ولكنها تفتقر إلى العمق البشري اللازم لبناء قوة عسكرية تقليدية، كما تفتقر إلى ما تتطلبه الاستراتيجيات الدفاعية غير التقليدية، وخاصة الإرادة السياسية والشرعية الشعبية. صحيح أن الغزو العراقي للكويت أوجد ظروفاً مؤاتية لانتشار دعوات تفعيل التنسيق العسكري بين بلدان مجلس التعاون لمنع تكرار تلك الواقعة، وبرزت وقتها الدعوة لتكوين جيش خليجي موحد يحل محل القوة الرمزية المشتركة المسماة «درع الجزيرة»، إلا إن الموضوع لم يتحرك فعلياً، رغم إعلان الموافقة في كانون الأول/ديسمبر 2000 على اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس، ورغم الاتفاق بعد ذلك بتسع سنوات على «الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون».
تسهم الخلافات التاريخية بين العوائل الحاكمة في الخليج في إدامة أزمة عدم الثقة المتبادلة بينها. وهي أفشلت حتى الآن تنفيذ كل الإعلانات المتعلقة بالتعاون العسكري، بما فيها تحويل «قوات درع الجزيرة» من تشكيلات رمزية إلى نواة لقوات مسلحة موحدة. بل ان قوات «درع الجزيرة» التي دخلت البحرين في آذار/مارس 2011 للمساهمة في إخماد حركة الاحتجاج، كانت مكونة من تشكيلات عسكرية سعودية عناصر وقيادة. فحينها امتنعت الكويت وعُمان عن المشاركة بأي شكل في التدخل حتى لا يكون سابقة تسمح بتأسيس مبدأ «بريجنيف» سعودي.
لكن عجز بلدان مجلس التعاون طوال ثلاثة عقود عن تنسيق جهودها في المجال العسكري، ناهيك بإقامة قيادة عسكرية مركزية تلتزم بعقيدة عسكرية موحدة، لا يعني انها لا تتعاون عسكرياً. بل هي تفعل، وإنما حصرياً تحت إمرة القيادة العسكرية الأميركية، كما حصل في أثناء حرب تحرير الكويت.

واشنطن ضد التنسيق العسكري الخليجي
رغم إلحاح الهاجس الأمني، ودوره في ولادة ومسيرة مجلس التعاون، إلا إن أياً من دوله لم تحاول الخروج بصيغة بديلة للتعاون الثنائي القائم بين كل دولة منها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي شكلت منذ سقوط شاه إيران القوة العسكرية المطلقة في الخليج. وهنا لا تكفي الإشارة إلى الشك المتبادل بين العوائل الحاكمة، ورغبة كل منها في الحفاظ على مصالحها. فالولايات المتحدة لا ترى انها في حاجة للتعامل مع مجلس التعاون الخليجي ككيان إقليمي ما لم يكن ذلك حيوياً لتنفيذ سياسة من سياساتها في المنطقة. وهي، كما أصرت على التفاوض حول اتفاقيات التجارة الحرة بشكل منفرد مع كل دولة خليجية، نراها تفعل ذلك أيضاً في المجالين الأمني والعسكري.

تصاعد الإنفاق العسكري
أما السر في إدامة «عدم التنسيق» بين دول مجلس التعاون الخليجي، ودور الخارج فيه، فتوضحه تفاصيل الإنفاق العسكري: تشير قاعدة المعلومات لدى «معهد ستوكهولم لأبحاث السلام» إلى أن إجمالي الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون تجاوز في العام الماضي 79 مليار دولار، ما يزيد على الإنفاق العسكري في دول كبرى مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا، ويزيد على إجمالي ما تنفقه الدول الست الكبرى في الشرق الأوسط، أي مصر وسوريا وباكستان وإسرائيل وتركيا وإيران... مجتمعة!
معظم الإنفاق في دول مجلس التعاون يغطي تكلفة استيراد معدات عسكرية وخدمات تدريب وصيانة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. إلا إن هذا الاستيراد العسكري يتم من دون دراسات مدققة لمتطلبات الأمن في البلد المعني بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، وهو يتم من دون التنسيق مع الدول الأخرى في مجلس التعاون، ومن دون دراسة الاحتياجات الأمنية المشتركة. بل هو يتخذ شكل صفقات منفردة بين كل دولة في مجلس التعاون والدولة المصنعة. وبسبب الشك المتبادل، لا تعرف دولة خليجية تفاصيل ما استوردته دولة أخرى من معدات أو عتاد.

فوضى في «الشوبينغ»، وفساد!
علاوة على «عدم التنسيق»، فإن للفساد المستشري، وإغراءات العمولات الضخمة التي تتجاوز في بعض الحالات مئات ملايين الدولارات في مجال الصفقات العسكرية، دورهما في تحويل مخازن السلاح في الخليج إلى مكباّت لمعدات وأسلحة لم تعد صالحة للاستخدام بسبب قدمها، أو غير قابلة للاستخدام بسبب قلة الكادر البشري المؤهل لاستخدامها. وينعكس تعدد نظم التسلح، بل اختلاف مصادرها في عدم قدرة القوات العسكرية في بلدان الخليج على التنسيق في ما بينها. وما يفاقم هذه المشكلة اعتماد القوات المسلحة في ثلاث دول خليجية على الأقل على التجنيد من الخارج وخاصة من الباكستان وبنغلادش.
بعد أكثرمن 31 سنة على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، لا يعرف مواطنو دوله الست ما هو الدور الذي يُفترض أن يقوم به أو ما حدود ما يمكنهم ان يتوقعوا منه. ولن يكفي أن يجيبهم قادة المجلس بتكرار ما قالوه قبل عشرين سنة حول الاتفاقية الأمنية، أو ما قالوه قبل ثلاثين سنة حول القيادة العسكرية الموحدة. وبطبيعة الحال، لن يكفي أن يقوم الملك السعودي بتكرار الهروب إلى الأمام، وادعاء أن «الاتحاد هو الحل». 

مقالات من البحرين

للكاتب نفسه

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...