المغرب: خدمات المعارضة للحكومة

الإخوان في المغرب بخير، لا يشبهون إخوان الشرق. فقد مرت ثلاث سنوات على الحكومة التي يقودها "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي. بدأت الحكومة عملها في ظل معارضة ضعيفة وأجواء شعبوية كثيفة. فقد كانت قفشات رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران غير المسبوقة مستفزة لخصومه. وتلك استراتيجيا إعلامية هدفها أولا استدراج خصومه وإخراجهم من ملابدهم، وثانيا تركيز الأضواء عليه عبر مخاطبة الشعب بلغته اليومية
2014-12-24

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
| en
مجلس النواب المغربي (من الانترنت)

الإخوان في المغرب بخير، لا يشبهون إخوان الشرق. فقد مرت ثلاث سنوات على الحكومة التي يقودها "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي. بدأت الحكومة عملها في ظل معارضة ضعيفة وأجواء شعبوية كثيفة. فقد كانت قفشات رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران غير المسبوقة مستفزة لخصومه. وتلك استراتيجيا إعلامية هدفها أولا استدراج خصومه وإخراجهم من ملابدهم، وثانيا تركيز الأضواء عليه عبر مخاطبة الشعب بلغته اليومية الفجة التي يتفاعل معها بشكل فوري. وهذا ما لم تتعوده الأحزاب المغربية التي تريد التواصل بلغة متثاقفة، فلا تصل للناس وتبدو لهم خشبية.

 كانت الشعبوية في أوجها. وإذا لم تكن شعبويا في السياسة والصحافة ستُعتبر غامضا ولا تنتج معنى، لذا يجب دغدغة الجمهور. ومن لا يفعل يوصف بالسذاجة وعدم التكيف.

 نجح بنكيران في خطته لدرجة أن الكثير من الأحزاب قلدته. لذلك فوّض حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقيادة شخصين مؤهلين للرد على رئيس الوزراء. وهما الثنائي المرح حميد شباط وإدريس لشكر. لكن الأول كان أقوى لأنه نبي مسلح بمعجم ساخر وقاس يضمن له الحضورعلى الساحة الإعلامية باستمرار. لم يترك شباط تهمة لم يوجهها لحزب العدالة والتنمية حتى أنه شبه برلمانييه بالفئران. كان شباط ماهرا في تسليط الأضواء عليه. كان يبتكر بشكل مستمر ما ستتداوله وسائل الإعلام. يهمه أن يكون خبره على الصفحات الأولى للجرائد. وقد حصل على ما أراد لمدة عام تقريبا وكله أمل في أن يسقط الحكومة باللغة، والعين على ما يجري في القاهرة.

 فجأة توقف بنكيران عن التهريج المتعمد ففقد شباط ولشكر وظيفتهما وصارا عبئا على حزبيهما المعارضين. فللشعبوية ثمنها.

 حاليا توقفت الأمطار التي تعارض الحكومة وتعريها، فمن يعارض الحكومة اليوم؟ لا أحد. كيف حصل أن صارت الأمطار أبرز معارض عرّى الحكومة؟

 صارت الأمطار كذلك لأن المعارضة السياسية لا ترعد ولا تبرق ولا تمطر.. حتى قال وزير إسلامي في الحكومة "رغم الضجيج، لا تحرك فينا المعارضة شعرة واحدة". في آخر اختبار لضعف المعارضة، تحول عشب الملعب الذي يحتضن الموندياليتو إلى برك مائية وعرضت شاشات العالم المشهد المخجل واللاعبون يسبحون ويركلون الكرة، ولم يستقل وزير الشبيبة والرياضة. وردا على الصور التي كانت أقوى من آلاف الكلمات، قال الوزير إنه لن يستقيل بل شكل لجنة للتحقيق. لجنته ستحقق ضد من؟

 يتحامق الوزير على الشعب ولا توجد معارضة لتجبره على الإجابة. فأعلن الملك توقيف الوزير.
سألت ناشطا معتزلا في حزب معارض: ما هي الخدمات التي قدمتها المعارضة للحكومة؟

 ضحك بقوة فاجأتني قبل أن يجيب. وقد طرحتُ السؤال نفسه على سياسيين عريقين صاروا في الظل، فكانت هذه خلاصة صفات وخدمات المعارضة:

- شرذمها. مثلا يصف "الحزب الاشتراكي الموحد" نفسه بأنه "يضم العديد من الفعاليات اليسارية". إنه عدة أجسام في جسم واحد. مثل الكريات البيضاء والحمراء في الدم.
- غياب التنسيق. فهناك ثلاثون حزبا معارضا. ورغم الحديث عن التنسيق، فالمعارضة لا تشكل كتلة ولا حتى ثلاث كتل بل تبقى ثلاثين حزبا تفرقت طرائق قددا.
- انعدام الديموقراطية داخلها، قالت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد "التحكم والوصاية سيدا الموقف في المغرب، في الأحزاب كما في المؤسسات": شهد شاهد من أهلها. وبغياب الديموقراطية الداخلية لا شرعية للمعارضة لتعطي الدروس في الديموقراطية لخصومها.
- تمديد التمديد. فقادة الأحزاب مخلَّدون في كراسيهم ويتم التجديد والتمديد لهم بالتصفيق لأنهم يجتثون كل شتلة قد تهددهم. لا وجود لقيادات الصف الثاني.
- الصراخ العالي الناتج من رد الفعل لا من الفعل. فالفعل نادر.
- شيخوخة المعارضة في مواجهة عنفوان الإسلاميين. (للمقارنة، في تونس يستعين خصوم الإسلاميين بقايد السبسي الذي بلغ من العمر عتيا).
-    غياب مشروع لديها. معارضة من دون تماسك أيديولوجي وهي تشبه الحكومة من هذه الجانب شبه الماء بالماء.
- صراع الديكة داخلها. فقد انقسم الاتحاد الاشتراكي، وفي حزب الاستقلال فصيل اسمه "لا هوادة". وبينهما نزاعات. النزاع يشقق الأحزاب ويضعفها فتستفرد بها وزارة الداخلية.
- كيف يعقل لزعيم معارض شتت حزبه وهو منتفخ الأوداج يزن قنطارا أن يندد بالبؤس ويتهم الحكومة بالتقشف؟ سيقول قائل ما دخل شكل الجسم في السياسة؟ الجواب هو أن الناس يصدقون عيونهم لا آذانهم. فالأجسام تخبر عن نمط عيش أصحابها.
- تهدمت قناطر بنيت في عهد وزراء صاروا في المعارضة. اكتشف المغاربة أن القناطر التي بناها الاستعمار الفرنسي منذ ستين سنة أكثر صلابة من القناطر المغربية. وهذا يجعل الكثير من الناس يرددون أنه لو بقي الاستعمار لكنا في حال أفضل! طبعا لن يقول السياسيون هذا في نشرة الأخبار المسائية.

يرى المواطن الفضائح في كل اتجاه فتقول له نفسه "ليس في القنافذ أملس". تلاشى اعتقاد المواطن المغربي بأن السلطة قادرة على تطبيق العدل أو مكافحة الرشوة، فكيف تستطيع المعارضة تعبئة هؤلاء المواطنين؟ مؤخرا نفى عبد العروي أن يكون هؤلاء مواطنين. سماهم "أتباعا" فقط أي أنصاف مواطنين.

 إذا كانت هذه حال المعارضة، فهي لا تعارض. أضاف أحد الذين حاورتهم "يبدو أن المعارضة الحقيقية لا توجد في البرلمان. أكيد أنها موجودة وتحفر في مكان ما تحت أرض النظام القائم". أتمنى ألا يكون اسمها داعش.

 منذ أن تشكلت حكومة التناوب في 1998، فقد المغرب المعارضة التي ناضلت لأربعين سنة من أجل الديموقراطية. لم يسبق لرئيس وزراء أن استمتع بمعارضة ضعيفة مثل هذه. لقد بنت المعارضة المغربية استراتيجيتها على أن يفقد "الإخوان المسلمون" شعبيتهم فيرحلوا، وهذا وهمٌ على المدى القصير. حسابيا، فحتى إن فقدوا نصف شعبيتهم فسيحصلون على مقاعد أكثر من الحزب الثاني في البرلمان. ففي انتخابات 2011 كانت حصة بنكيران 107 مقاعد. وحصل الحزب الثاني على 60. في أسوأ الأحول سيحصل بنكيران على 70 في انتخابات 2016 وسيظل في المقدمة. ثم إن وجود الإخوان في الحكومة مريح للملك. حزب "العدالة والتنمية" عبارة عن كتلة لامتصاص الصدمات بين القصر والشارع. فللإخوان دور مهم، وقد كشفت مراسيم جنازة دفن عبد الله باها – الوزير المقرب من بنكيران والذي دهسه قطار راجلا - مدى اندماج الحزب الإسلامي في أجهزة الدولة. فهو يلاقي القبول ولم يعد منفرا. حاليا يدافع بنكيران عن الملكية بأفضل مما يمكن ان يفعل أي أمير.

 بينما ينتكس الإخوان المشارقة، تستمر الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية. الاستثناء المغربي يترسخ. يبدو أن المغرب هو المستفيد الوحيد من الربيع العربي/الأمازيغي! فالاقتصاد يتحسن وقد تراجعت المظاهرات العفوية والمنظمة. لقد استوعب النظام إسلامييه ووجد لهم وظيفة ناجعة. فهم كتلة بين القصر والشارع.
في مصر طُرِد الإخوان من المشهد السياسي فصار الشارع والجيش وجها لوجه.. بينما في المغرب يمكن لأمير المؤمنين ورئيس الحكومة وزعيم جماعة العدل والإحسان المحظورة السير كلهم في مقدمة المسيرة من دون مشاكل. وهم جميعاً ممثلو "الهوية الإسلامية".

 وبالإضافة لفائض الهوية الإسلامية في المغرب، فقد هطل المطر وانخفضت أسعار النفط. لا يوجد شيء أفضل من هذا للبلاد. كل دولار ينقص في النفط يزيد سنتمترا من ثقة الحكومة بنفسها. مع انهيار أسعار النفط سيكون للمغرب مستقبل زاهر. فاللهم زدها انهيارا.

 بقي شيء واحد هو تحويل الحشيش الشائع من ممنوع إلى مسموح، و"تضريبه" بنسبة 200 في المئة لتستطيع الحكومة محاربة البطالة.

 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه