«إعارة» القضاة المصريّين وضرب السلطة الثالثة

عن موقع «المفكرة القانونية» 16  تشرين الأول / أكتوبر 2013 20 في المئة من القضاة المصريين يعملون في مهنتهم، لكن... في دول الخليج العربي، من ضمن نظام «الإعارة»، الذي كانت تنظّمه في الماضي اتفاقيات جامعة الدول العربية، بهدف «تعزيز التعاون القضائي بين الدول الأعضاء»، ثمّ دخلت إليه معاهدات ثنائية بين الدول لسدّ
2013-10-23

شارك

عن موقع «المفكرة القانونية»
16  تشرين الأول / أكتوبر 2013

20 في المئة من القضاة المصريين يعملون في مهنتهم، لكن... في دول الخليج العربي، من ضمن نظام «الإعارة»، الذي كانت تنظّمه في الماضي اتفاقيات جامعة الدول العربية، بهدف «تعزيز التعاون القضائي بين الدول الأعضاء»، ثمّ دخلت إليه معاهدات ثنائية بين الدول لسدّ الثغرات الموجودة، خصوصاً في السلك القضائي عند دول الخليج، لنصل منذ سنوات إلى وضع شاذ يقوم على نظام تعاقد مباشر بين الدول الخليجية من جهة، وقضاة مصريين من جهة ثانية. وتترتب عن ذلك سلبيات كبيرة تتغاضى عنها الدولة المصرية ومجتمع القضاة، كلّ لأسبابه، لكن النتيجة تبقى واحدة: خصخصة القضاء وتحويل القضاة إلى أُجراء، والسماح بإعارتهم للتخلص من معارضتهم... وإطلاق رصاصة الرحمة على احتمال تأسيس حالة قضائية نقابية مستقلة في مصر.
وعلى الرغم من أن مسألة إعارة القضاة المصريين إلى دول خليجية ليست حديثة النشأة، إذ بدأ العمل بها منذ ثورة 1952، إلا أنّ البحث الذي نشره موقع «المفكرة القانونية» للكاتبة منّة عمر حول الموضوع، يشير إلى مدى خطورة هذا النظام، بعدما قامت الدولة المصرية، خصوصاً في عهد حسني مبارك، بتحريره من أي رقابة، كي تتخلّص من قضاة معارضين (مثلما حصل مع القاضي الشهير المستشار محمود مكي)، أو على الأقلّ مناضلين في إطار استقلالية نادي القضاة. وتشير عمر إلى أن نظام الإعارة يوفّر مكاسب مالية كبيرة للقضاة المصريين الذين يتقاضون رواتب كبيرة جداً في دول الخليج (الكويت والإمارات وقطر). أما الضرر الناتج عن هذا النظام بالنسبة للسلك القضائي المصري، فيمكن فهمه من خلال ملاحظة العيوب القانونية التي تعتري الاتفاقية الموقعة بين مصر والكويت مثلاً حول هذا الشأن. فأحد البنود تنصّ على ضرورة استجابة وزارة العدل المصرية «الى ما تطلبه وزارة العدل الكويتية من إعارات تُحدد بالاسم». هكذا، باتت السلطة بين أيدي الدولة المستعيرة، بما أنها باتت هي من يدفع رواتب القضاة الذين تطلبهم. أما السلطة التنفيذية المصرية، فقد حافظت على استنسابيتها في التخلص من القضاة المعارضين، من خلال إدخال بند على اتفاقيات الإعارة، ينصّ على أن «تقوم وزارة العدل المصرية بترشيح ضعف العدد المطلوب كلما أمكن ذلك»، رغم أنّ اختيار القضاة يخضع لوزارة عدل الدولة المستعيرة، «بحيث يكون على الحكومة المصرية أن تستجيب لهذا الاختيار دون ذكر لحق الاعتراض». وفي هذا السياق، تكشف عمر عن تكرار اختيار القاضي نفسه لأكثر من مرة بموجب نظام الإعارة، «مما يؤدي الى تفعيل الوساطات لدى الدول المعيرة وأحياناً الى تفريغ المحاكم المصرية من أفضل قضاتها»، وهو ما يُنتج «آثاراً سلبية واضحة على الارتقاء بالمنظومة القضائية وتطوّرها، بالإضافة إلى تأخير الفصل في الدعاوى القضائية المرفوعة أمام المحاكم المصرية»، إذ يصل عدد القضاة المصريين المعارين أحياناً إلى ألفي قاضٍ في الوقت نفسه.
أما «خصخصة» السلك القضائي المصري من خلال نظام الإعارة، فتحصل من خلال تحويل هذا النظام من تعاون قضائي بين دولتين، إلى تعاقد بين طرفين هما الدولة المستعيرة والقاضي، بعدما باتت الدول العربية الخليجية تتعاقد مباشرة مع القضاة، «وهو ما يعني أن نظام الإعارة يتم إخراجه عن هدفه من تعاون قضائي بين بلدين الى مجرد تعاقد يهدف البلد المستعير من خلاله الى إيجاد عمالة أقل تكلفة وأكثر خبرة». فضلاً عن ذلك، فإنه يجعل من القاضي «مجرد متعاقد يجوز إلغاء التعاقد معه في أي وقت، كما حدث أخيراً مع المستشار فؤاد راشد الذي تم ترحيله من الامارات بسبب اعتراضه على التفرقة بين القاضي الاماراتي والقاضي المصري، بالاضافة الى تهمة نشره مقالات صحافية».
وتنهي الكاتبة دراستها لافتةً إلى أن إعارة القضاة المصريين إلى دول الخليج تم استخدامها أخيراً «في غير موضعها (...) كأداة قوية في يد السلطة التنفيذية المصرية لاستمالة قضاة كثيرين، ولإبعاد آخرين بإراداتهم ومن دون ضغط، وتالياً للتحكم في السلطة القضائية».

http://www.legal-agenda.com