فيلم "موطني" لنغم الكيلاني

علينا أن نكون أنفسنا لكن في ضوء وجودنا في هذا الوطن الذي ننتمي له ووجود هوية جمعية نرتبط بها جميعا كمجتمع يعيش على بقعة جغرافية
تيسير بركات - فلسطين

مكان العرض: الجامعة العربية الأمريكية في جنين

 

بعد التشديد على أهميّة نقاش أفلام كتلك المعروضة ضمن مهرجان "شاشات"، والتأكيد على أهميّة موضوع الهويّة الذي يطرحه فيلم "موطني" على المستوى العام، واكتساب هذا الموضوع أهمية خاصّة في فلسطين، كون الهويّة أوّل ما يستهدفه الاحتلال، بدأت المناقشة بالسؤال التالي: هل نحن واحدٌ فعلاً؟ وكيف أظهر الفيلم حالنا كفلسطينيين؟ بدا هذا السؤال مفجراً للنقاش ومعبراً عن سؤال الفيلم الرئيس ومنه تم الدخول في محاور النقاش التي نوجز أهم ما جاء فيها:
أكد الحضور أننا حقيقة وفعلاً لسنا واحد، ورأى البعض أنّه لا يشترط أن نكون واحداً بمفهوم ضيق بل علينا أن نكون أنفسنا لكن في ضوء وجودنا في هذا الوطن الذي ننتمي له ووجود هوية جمعية نرتبط بها جميعا كمجتمع يعيش على بقعة جغرافية، وعبرت الاجابات السريعة عن إحساس الطلبة بهذا الكم الهائل من الانقسامات والتشظيات.

 

الانقسام الكبير والانقسامات الأخرى

 

رأى الحضور أن الانقسام السياسي عزز وقوّى من حدة الانقسام المجتمعي الموجود حقيقة، "نحن غزاوي وضفاوي قبل الانقسام بين فتح وحماس"، غير أن الانقسام على أساس حزبي (فتح وحماس) والصراع على السلطة وحالة التقاتل على غزة عمق الانقسام المرتبط بالضفة وغزة أصلاً، وهو انقسام أعمق وأكثر خطورة. هذا الانقسام أثر على المشروع الوطني برمته، حيث اعتبر شقاً كبيراً ومستمراً في هذا المشروع، وساعد بالتالي على نمو انتماءات مناطقية وحزبية ووجاهية كثيرة.
ففي ظل وجود خلافات حقيقية وصور نمطية ومخاوف وجهل ورغبة بالانكفاء، فعل الانقسام السياسي الكثير وعمق وساعد على ظهور هويات فرعية كثيرة، كما أنّه جعل المواطن يشعر بالإحباط  من النخبة الحاكمة وبفقدان الحلم بمستقبل أفضل. والبنية المجتمعية لم تكن تدعم مفهوم الوحدة وإلا لزال الانقسام منذ زمن، لكن المجتمع معبأ سلفاً بالفرقة والخلاف، بمعنى أن مفاهيم المواطنة غير حاضرة حقيقة في حياتنا اليومية وفي عمق سلوكنا.
ومن سؤال من نحن؟ وكيف نعرّف عن أنفسنا؟ كشف الحضور عن عمق حالة تفتت الهوية الفلسطينية، جاء ذلك بطريقة واقعية وظهر أكثر قسوة مما أظهره الفيلم، حيث عبر الطلبة عن تجاربهم الذاتية والخاصة في أطر العائلة والعشيرة والحي والمخيم والمدينة والقرية.

 

كيف يؤثر تفتت المجتمع على محيطك؟

 

الطالبة تسنيم أبو الهيجا قدمت مداخلة هي الأقوى رغم صوتها الخافت. سألت سؤالها الخاص: أنا مين فعلا؟ وين أروح؟ وفي حكايتها ذكرت أن امها من جنين ووالدها من الداخل وهي ترتبط بتجارب رفض وإقصاء وعدم قبول من الأطفال والأهالي على جانبي الخط الأخضر، أيّ أن أهل المنطقتين اللتين ينتمي إليهما والديها لا يعتبرونها منتمية إليهم.
عكست الإجابات طبيعة المخاوف ونموها في صدور الناس: الخوف من الآخر، مخيم، مسيحي، قروي..إلخ. تعميق الجهل واحتكامنا في مواقفنا من الآخرين بناء على الانطباعات وعلى تجارب لم نعشها. كلها أمور نراها تؤثر كثيراً على محيطنا الضيق والواسع أيضاً.

 

كيف يؤثر التفتت والانقسام على الهوية الوطنية؟

 

الطلبة عبروا عن مشاكل حقيقية، هناك ما هو أخطر من الهوية الحزبية التي تعتبر بالنسبة للبعض جزء من الانقسام: التفتت داخل الحزب الواحد الذي يفترض به أن يكون وسيلة لصهر الأعضاء، وعكس الطلبة ذلك على مشاكل داخل الجامعة مثل: فتح قباطية وفتح المخيم وفتح جنين وفتح طوباس، هناك أكثر من فتح داخل هذه الحركة.
كما أشار البعض إلى أنّ الانقسام يجعلنا نرى أنفسنا بعيدين عن الهوية الوطنية الجمعية، حيث أصبحنا نقدم أنفسنا بأسماء العائلات، والملاحظ أن البعض يقدم اسم العائلة على اسمه (أسماء طلبة على صفحاتهم الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، وجود صفحات على هذه الشبكات بأسماء العائلات) ويفتخر بالعائلة وإنجازتها التي ليس له علاقة بها.

 

هل لهذا أهمية؟

 

الأهمية بدت من تجارب الطلبة وملاحظاتهم على أنفسهم عندما قدموا للجامعة بمخاوف جمة. ولو التصقوا بهذه المخاوف لما رأيناهم في القاعة يناقشون ويجلسون بجانب أصدقاء لهم ممن اعتادوا الخوف منهم بفعل تحذيرات الأهل والصور المرسومة عنهم.
المخيم بتصورات الطلبة هو مكان "زعرنة" وخروج عن القانون، وهذه الصورة تجعل الناس تكره المخيم وتعاديه، وسياسات السلطة تجاه المخيم أمنية وهي تعزز النظرة السلبية تجاهه.

 

 

هل نستعين بالشعار السياسي الحماسي بدلا من الفعل لبناء الهوية الوطنية؟

 

نستمر دوما بترديد الشعارات عن الاخوّة والوطن الواحد والاخوة والاشقاء واعتبر الطلبة هذه المصطلحات تأكيد على الانقسام وحضورها بهذا الشكل الطاغي يعكس وجود المشكلة والخلل، الانقسام السياسي خلق مفردة "غزة" وجعلها تبدو وكأنها فعلا ليست من فلسطين، ويجب إعادتها عبر كلماتنا في المؤتمرات والجلسات.
تكرار الشعار غالبا ما يكون بهدف التغطية على وجود مشاكل حقيقة وأصيلة موجودة ويتم السكوت عنها، وهنا المشكلة الأكبر، بحيث يتم حجب المشاكل والمعيقات والتأكيد على الثوابت. وجرى حديث عن العلاقة مع المسيحيين والعلاقة مع فلسطين 1948 بصفتهما الموضوعان الأكثر حضوراً داخل الجامعة وخارجها.

 

ما هي هويتنا، ما الذي يجمعنا وما الذي يفرقنا؟

 

أكد الحضور على أن الهوية هي نحن، تماما كما هو واقعنا، وأظهروا أن الاختلاف في ظل القواسم المشتركة هو حالة ثراء وغنى وخصوبة، البعض قال إنّه لا يريد أن يرى فلسطين بلا مسيحيين، وأنها بهم أجمل،
وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، لكن ما يفرقنا يتم السكوت عنه وهو ما يجعله يكبر ويتضخم.
أغلب المشاركات رأت في الاختلاف عنصر قوة، لكن الأهم أن الطلبة أكدوا على انهم يأتون إلى الجامعة معبئين بالخوف من المختلِف عنا سواء بمكان السكن او بالانتماء أو بالدين ...الخ، لكنهم يمتحنون العلاقة مع المختلفين يومياً، وجل من قدموا مداخلات كانوا محتفين بالمختلفين عنهم (فتح، حماس/ محجبة غير محجبة/ سكن المخيم وسكن مدينة، وهكذا).

 

كيف نخلق الانتماء الوطني، ما العمل ذاتياً ومجتمعياً؟

 

رغم أن الواقع برأي البعض يحمل الكثير من القسوة، إلا أن الحضور كان ممتلئا بالحماس والرغبة بالتجاوز. اعتبر البعض أن المصالح الوطنية ذاتها يجب أن تجعلنا أقرب لبضعنا البعض، وضرب مثالا بالقائمة العربية المشتركة في فلسطين 1948، حيث اتحد الإسلامي مع اليساري مع العلماني وكونوا قائمة. التحديات كانت أكبر منا مفرقين، وبالتالي كان الحل أن نتحد للمواجهة ومن دون ذلك لن يتحقق أي فعل حقيقي على أرض الواقع.
فيما البعض الآخر اعتبر أن الطلبة كجزء من المستقبل مطالبون بتجاوز ما يزرعه الأهل والمجتمع في أذهانهم من تصورات نمطية وغير صحيحة، ورأوا أنهم ذاتهم مطالبون بدور فاعل في التواصل الحقيقي والفاعل وكسر كل الانتماءات الضيقة وخلق نموذج يحتذى به، فهم الحلقة الأولى.
كما رأي البعض ان الجامعة عليها ان تقوم بدور فاعل في سبيل صهر الطلبة داخلها، وهي ذاتها مكان إيجابي وجامع للكل الفلسطيني، وهذا أمر يُبنى عليه، وعلينا أن نستمر وأن نجعلها قاعدة أصيلة للفعل ولتعميق مفهوم المواطنة.
السلطة أو النظام السياسي لم يتم ذكره كطرف فاعل في الموضوع، ربما لكونه أصلا يُسأل عن جزء أصيل من الانقسام الذي نعيشه وحالة التفتت التي نعاني منها. البعض اتهم السلطة بإسقاط الفلسطينيين في 1948 من حساباتها بفعل توقيعها على اتفاق اوسلو. هذا يعكس أيضا أنّ الطلبة محبطون من نظام سياسي لا يرون فيه فائدة بل هو جزء من معاناتهم.

مقالات من فلسطين

أيرلندا تتبرّأ من عار بايدن

2024-03-21

ليس التماهي الصادق والعميق الذي يعبر عنه عموم الأيرلنديين تجاه الفلسطينيين وقضيتهم جديداً في أيّ حال من الأحوال. الآن، خلال الإبادة التي تتعرض لها غزة، وقبلها، وعند كل منعطف وحدث،...

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...

للكاتب نفسه