صحافي "أغروم"

و"أغروم" هو الخبز بالأمازيغية... والقصد هو رصد أهم حيل رهط من المتطفّلين على مهنة "صاحبة الجلالة"، مستغلّين التسيّب الذي عرفه ويعرفه قطاع الصحافة والاتصال والإعلام بالمغرب. والمهنة هدفها الإخبار والتثقيف والترفيه، وإدراج مختلف الآراء المتناقضة والمتباينة بحرفيّة ومهنيّة، احتراماً للمتلقّي.
2016-10-16

صالح بن الهوري

صحافي من المغرب


شارك
سليمان الكامل - تونس

و"أغروم" هو الخبز بالأمازيغية... والقصد هو رصد أهم حيل رهط من المتطفّلين على مهنة "صاحبة الجلالة"، مستغلّين التسيّب الذي عرفه ويعرفه قطاع الصحافة والاتصال والإعلام بالمغرب. والمهنة هدفها الإخبار والتثقيف والترفيه، وإدراج مختلف الآراء المتناقضة والمتباينة بحرفيّة ومهنيّة، احتراماً للمتلقّي.

الصحافي الطفيلي

زار الصحافي "الطفيلي" مدرسة ابتدائية في قرية نائية في جنوب المغرب، لإجراء مقابلة مع مدير مؤسسة تربوية، بغية كتابة مقال مدفوع الأجر عن أبرز الأنشطة التربوية التي يقوم بها سعادة المدير ويشيد بالمجهودات التي يبذلها في تعليم الأجيال الصاعدة.
سأل المدير معلمة بالمدرسة سؤالاً استنكارياً:
- هل تعرفين هذا الصحافي، وهل سبق لكِ أن قرأتِ جريدته؟
- ردّت المعلمة بمكر: حقَّ المعرفة يا أستاذ، إنه أشعب الصحافة الوطنية، جريدته غير معروفة ولا تُقرأ، وهي تُطبع مرّة في السنة، وعامرة بالأخطاء الإملائية والنحوية، تحفل بمقالات تهلل وتطبّل لإنجازات رؤساء الجماعات والبلديات والمجالس الإقليمية ورحلات البرلمانيين والوزراء المكوكية، مقابل الحصول على إعلانات سمينة وتعويضات خيالية. ضيفك الثقيل عبارة عن صحافي "أغروم"، يملك شقة راقية في أفضل مدينة سياحية في البلد ويملك..
تعجّب المدير من جواب الأستاذة وصرف الصحافي "الطفيلي" بأدب جمّ.
يستمد الصحافي"أغروم" قوته المالية من الرشى التي يتلقاها مقابل شراء صمته وعدم نشر المقالات الموسومة بالخطيرة التي ينجزها عن ناهبي المال العام من محترفي العمل الجمعوي والسياسي. ويتلقى مبالغ معتبرة من أباطرة التهريب وتجار الممنوعات مقابل عدوله عن نشر أخبار تتعلق بمتاجرة الأباطرة في الممنوعات، في جريدته التي تصدر حسب الوقت والدعم.
هو اليوم أشهر من نار على علم، يستقبله أرفع المسؤولين السياسيين والأمنيين والاقتصاديين.. يعيش الآن أزهى فترة من حياته، لا يُردُّ له طلب، وتنهال عليه العطايا والهدايا من كل حدب وصوب. أضحى فاعلاً وفرض نفسه بقوة وبدعم أهل الحلّ والعقد.
أهدى إليه محافظ المدينة سيارة فخمة ليلمع له صورته بغية حصوله على رضا السلطات العليا وسكان المدينة، بعد أن زاره ضحى أحد أيام تموز/ يوليو الحارة. قصد مقر المحافظة راجلاً، ولج مكتب المحافظ دون موعد والعرق يتصبب من جبينه.
سأله المحافظ:
- ألا تملك سيارة يا أستاذ؟
أجاب بالنفي.
- لحظة سأحل لك هذا المشكل. ونريدك أن تنشر الأنباء المتعلقة بالأنشطة التي نقوم بها والمشاريع التي ننجزها.
حمل المحافظ سماعة الهاتف بيده السمينة التي يغزوها شعر كثيف فاحم، وركب رقم هاتف أكبر مقاول في البلد، وأمره بإعطاء سيارة لضيف عزيز سيزوره بعد ساعة، وكذلك منح مجموعته المؤلفة من مئات الشركات الضخمة والعملاقة إعلانات لجريدة الضيف الكريم، وأوصاه بأن يجزل له العطاء.
وحين زار الصحافي مقر المجلس الإداري لمجموعة المقاول الصناعية والتجارية الضخمة، استقبله المدير بحفاوة منقطعة النظير، وقدّم له التمر، وحظي بمأدبة غداء دسمة على شرفه، وأعطي مفاتح السيارة.
علّق الصحافي على واجهتها الأمامية لافتة كبيرة كُتب عليها "الصحافة الوطنية" بالخط العريض، يخترقها خطان أحدهما أحمر وآخر أخضر، ليوهم المواطنين ومديري الإدارات والشركات بأنه صحافي مهني، وليرهب رجال الشرطة والدرك ليتغاضوا عن مخالفاته المرورية، أو أثناء حمله للممنوعات. فهو لا يحترم قانون السير، وحين يوقفه شرطي المرور يستشيط غضباً، يزمجر في وجهه ويصيح بأعلى صوته الأبحّ، ألا تدري من أنا؟ ألا تعرف القراءة والكتابة؟ يجيب دون أن يترك للشرطي فرصة الرد. يرتعد الشرطي من ذكر الصحافة ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، ويعيد للصحافي "أغروم" وثائقه، ويعتذر إليه.

صحافي يرتقي ويتمدّد ويبقى

بعد أن وضعت السلطات الفعلية الحقيقية، التي تجمع بين الثروة والسلطة، الممسكة بزمام الأمور الاقتصادية والعسكرية والأمنية والدينية والإعلامية... خطّة مدروسة لضرب الصحافة المناضلة والحزبية والسياسية، والمبادرات الهادفة إلى خلق صحافة مستقلة عن الدولة والأحزاب، زمن سنوات الجمر والرصاص، ولدعم الصحافة التي يعشقها الرعاع والدهماء والسوقة المولعون بأنباء الجنح والجرائم والجنايات، من سرقة واغتصاب وقتل واختلاسات وزنى محارم، لإفساد ذوق القرّاء من العامة والنخبة الفكرية والثقافية.. قرر الخبيث التخندق في صف مناصري السلطة وتحول إلى بوق يهلل ويزمر ويلوك روايتها والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والدينيين محلياً ووطنياً. رفع شعار "كل شيء على ما يرام في البلد". اشتهر، وزعم أنه صحافي خارق ومدير نشر جريدة لامع، تُقضى على يديه حوائج الناس. أرشى رهطاً من المخبرين ليلمعوا له صورته ويذكروه بخير في الأسواق والمقاهي والمساجد وداخل ردهات المحاكم..
قصدته عائلة بائسة لحقها جور المحافظ، الذي استولى على أرضها. التمسوا منه أن يكتب مقالة عن محنتهم، طلب إليهم تزويده بعقد أصلي يثبت ملكيتهم للأرض التي ينوي المحافظ انتزاعها منهم ظلماً وعدواناً، للدفاع عن حقّهم في ملكيتها، منحوه العقد، طمأنهم بعد أن أقسم لهم بأن يكتب مقالةً مزلزلة، يكون لها صدى قوي لدى السلطات العليا بالعاصمة، وكرّر القسم بأن يساندهم إلى أن تعود لهم الأرض، وذرف دمعاً.
ذهب إلى مقر المحافظة وطلب لقاء المحافظ لأمر عاجل، أخبره القصة، طلب إليه المحافظ أن يمكنه من العقد مقابل توظيف بعض أصوله وفروعه من العاطلين، ومنحه مالاً.. انتظرت العائلة البائسة أن ينشر الصحافي مقالته، بل زعم أن العقد ضاع منه.
يصف الصحافي جريدته بأنها أعظم صحيفة في البلد، وعندما يسأل عن معيار تصنيفه لجريدته، يرد: "لأنها تحظى بنشر تهاني وتبريكات المنتخبين المحليين (رؤساء المجالس المنتخبة، القروية والبلدية والأقاليم والجهات)، والشركات العملاقة المتعددة الفروع، المرفوعة إلى السدّة العالية بالعاصمة، بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية". عمل مخبراً لأجهزة الاستعلامات والاستخبارات مقابل حصوله على بطاقتي إنعاش - بطاقة تخصصها مندوبية الإنعاش الوطني في كل محافظة للمعوزين والفقراء مقابل أداء عمل فيها أو في البلديات أو إحدى مؤسسات الدولة ـ واحدة له والأخرى لزوجته، تدرّ عليهما ما يعادل حوالى أربعمئة دولار شهرياً، وحظي برخصتي شاحنة صغيرة لنقل البضائع، إحداهما باسم زوجته والثانية باسمه.. استغلّته أجهزة الاستخبارات والاستعلامات لتصفية الحسابات مع المعارضين والمطالبين بالديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات وعدم الجمع بين الثروة والسلطة، بتشويه سمعتهم وحبك الأكاذيب بحقهم.
استغل الفوضى التي تعرفها مهنة الصحافة بالبلد بسبب سياسة كم الأفواه وإغراق الحرفة بالطفيليين والانتهازيين. في بلد العجائب والغرائب يمكن لكل إنسان أن يزعم أنه صحافي ، وإن كان جاهلاً للقراءة والكتابة أو بائعاً للبيض أو صاحب دكان أو سائق عربة يجرها حمار، لكنه لا يستطيع أن يدعي أنه سائق سيارة أجرة أو بنّاء أو جزار أو طبيب أو صيدلي أو أستاذ جامعي. لأن جلّ المهن ممهنة ومنظمة، عدا مهنة صاحبة الجلالة التي تعد حائطاً قصراً، يمكن لأي كائن أن ينتمي إليها، ولو كان لا يتقن الكتابة ولا القراءة.
حصل على بطاقة الصحافة التي تصدرها وزارة الاتصال وتهدف للتمييز بين الصحافي المهني ومنتحل مهنة الصحافة، وحصل على عضوية فدرالية الناشرين، على الرغم من عدم انتظام صدور جريدته، وضعف محتواها.
اشتهر بعبارة "سأكتب عنك" لتهديد المسؤولين المحليين والمنتخبين ومحترفي العمل الجمعوي والخيري والسياسي لرشوته، ويعمد إلى نشر عناوين لقصاصات تتهم لصوص المال العام بالنهب دون تحديد جهة معينة لإخافة المتهمين بتبديد أموال دافعي الضرائب.. ويهدّد بنشر القصاصة كاملة في العدد المقبل ويختم بعبارته السحرية المعهودة "ولنا عودة إلى الموضوع". يسارع المعنيون بالفضيحة إلى رشوته.
عُرف عنه نهمه الشديد إلى الأكل والشرب، يتسلل دون دعوة إلى مطابخ الفنادق المصنفة حيث يحضر الأنشطة التي تحتضنها، زاعماً أنه ينوي إجراء تغطية صحافية أو مقابلة. يرفض حضور الأنشطة الثقافية والفكرية لافتقار منظميها للدعم السخي، وبالتالي لغياب حفلات شاي وقطع الحلوى اللذيذة والمشروبات الروحية والولائم الباذخة. يوهِم حراس الأمن الخاص بأنه شخصية مهمة ذات شأن عظيم، فإن لمح صندوقا لأفخر أنواع السمك أو الخضر أو الفواكه، أصدر أوامره لرجال الأمن الخاص بوضع المنهوبات في صندوق سيارته الفارهة بعد منحهم بقشيشاً، يعتقدون أنه أحد مسؤولي الفندق الجدد، بعد أن تغرهم بذلته الأنيقة وربطة عنقه الحريرية.

ثعلب على كل الجبهات

في البدء، أوهم الصحافي الماكر صحافية مخضرمة متمكنة حلوة طيبة القلب بأنه مولع متيم بحبها، عندما كان عاطلاً لا يملك درهما، أسكنته الكريمة منزلها متحدّية العادات والتقاليد، تدخّلت لدى مجلس إدارة الجريدة التي تعمل فيها لتشغيله محرراً، وعدها بالزواج، صدّقته، وعرّفته بالنخبة الفكرية والاقتصادية والسياسية والدينية بالبلد، نسج شبكة علاقات خطيرة أدخلته عالم النخبة المحرَّم.
نشر مقالةً رهيبة تنتقد أعظم مؤسسة في البلد دون إدراج رأيها في القضية، أرعبت المقالة المجلس الإداري للمؤسسة، وسقط على إثره رئيس مجلس الإدارة مغشياً عليه، استدعاه رئيس المؤسسة، منحه إعلانات المؤسسة لجريدته حصرياً، ما سيدرّ عليه ملايين الدراهم. اندهش الماكر والتمس من مدير الشركة تشغيل أخيه الضعيف المستوى الثقافي والفكري، في منصب مهمّ بالمؤسسة.
نهاية كل شهر يتلقى أخ الماكر دخلاً يوازي أجر ثمانية عشر موظفاً بسيطاً في البلد الذي يتصاعد فيه الفقر والترف أيضاً. تمرّد على الصحافية وتزوج غيرها.
ليس له أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، بل مصالح دائمة. يؤيد ويناصر كل حزب بلغ شبه الحكم أو شبه السلطة ظالماً أو مظلوماً، ويعاديه عندما يتقهقر إلى المعارضة أو مزبلة التاريخ.
خلاصة، وبسبب ثغرة قانونية يمكن لأي مواطن أن يكون ناشراً، رغم المحاولات الخجولة لإصلاح المهنة (فهل يمكن لكل حاصل على الإجازة أن يكون صيدلياً أو طبيباً). ولكن كيف تتحول الصحافة إلى مهنة منظمة معترف بها تخول ممارسها العيش بكرامة دون تلقي هدايا ولا عطايا ولا رشوة ولا "أظرفة"؟

 

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه

مهربو الصحراء في المغرب العميق

يطالب أبناء المغرب العميق السلطات أن تغادر السياسة التي وضعها الجنرال الفرنسي ليوطي(*) للمغرب بتوزيعه إلى مناطق نافعة وأخرى غير نافعة، وأن تنجز مشاريع تعود بالنفع على الناس وتحميهم من...