النتائج تدحض توقعات المحللين الرسميين

إليكم آخر الأخبار: جرت الانتخابات التشريعية الثانية بعد الربيع العربي في المغرب في ظل دستور 2011 وذلك في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وقد تسابق فيها 6992 مرشح من ثلاثين حزباً للفوز ب395 مقعد. انتخابات يقاطعها حزبيان من أقصى اليسار وأقصى اليمين. وقد بلغت نسبة المشاركة 43 بالمئة.
2016-10-11

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
رأفت بلان - سوريا

إليكم آخر الأخبار: جرت الانتخابات التشريعية الثانية بعد الربيع العربي في المغرب في ظل دستور 2011 وذلك في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وقد تسابق فيها 6992 مرشح من ثلاثين حزباً للفوز ب395 مقعد. انتخابات يقاطعها حزبيان من أقصى اليسار وأقصى اليمين. وقد بلغت نسبة المشاركة 43 بالمئة.

 يقضي الدستور المغربي بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى في هذا السباق. لذلك جرت الانتخابات في ظل سؤال وحيد: من سينتصر، حزب العدالة والتنمية أم حزب الأصالة والمعاصرة؟
أعلن وزير الداخلية بصعوبة النتائج الأولية للانتخابات التشريعية وهي:

 حزب العدالة والتنمية 125 مقعداً، حزب الأصالة والمعاصرة 102 مقعداً، حزب الاستقلال 46 مقعداً، حزب الأحرار 37 مقعداً، حزب الحركة الشعبية 27 مقعداً، حزب الاتحاد الدستوري 19 مقعداً، حزب الاتحاد الاشتراكي 20 مقعداً.

 خلف هذا الموجَز - الشجرة، غابة من الوقائع والتفاصيل الدالة التي غطّاها ضباب وسموم الإعلام الانتخابي.
بعد جولة على بعض المكاتب رجعتُ للمقهى. مراقبة الحملة الانتخابية في المناطق الخلفية أفضل من المدن الكبرى.

 في الهوامش، السياسة مثل الزواج: "خيّروني ابن العم، خيّروني ابن الخال".. لا فرصة للغرباء. مرحى للأخ والعم وبنت العم. لذلك بلغت نسبة المشاركة 52 في المئة. في المدن الكبرى لا شيء يظهر للعين المجردة، وقد بلغت نسبة المشاركة حوالي 25 في المئة. في شوارع المدن ملايين من أوراق الدعاية للمرشحين. صارت نفايات تذروها الرّياح.

 على فيسبوك يتفاخر الكثيرون أنهم صوّتوا دون "زرقا وزطلا ومرقا". الزرقاء هي مئتا درهم (22 دولار)، والزطلا هي الحشيش المغربي الجيد، والمرقا هي الولائم التي يتبقى فيها اللحم في الصحون.. اعترف مصوّت: "غريب.. لما انعزلت في معزل التصويت انشطرت إلى نصفين". لقد التقط حيرة الكثيرين في الإجابة عن السؤال. على فيسبوك زبدة التفاسير، وقد لعب دوراً خطيراً في السخرية السياسية. تجري الانتخابات تحت كاميرات الهواتف التي تترصد الفضائح. لم يعد يكفي الادعاء بمعاينة شوائب والتنديد بمخالفات الخصم بل يجب تصويرها ليصدّق الناس. لقد تمّت دمقرطة وسائل الإعلام فجأة بفضل التكنولوجيا لا بقرار سياسي. لكن دمقرطة السلطة أمر آخر.

 يوم الجمعة 7 تشرين الأوّل /أكتوبر. لرقم سبعة دلالة أسطورية ودينية، يوم التصويت ويوم الصلاة. في الثامنة صباحاً كان الصحافيون قرب مكاتب التصويت أكثر من الناخبين. يلاحظ المراسل التلفزيوني على المباشر ضعف الإقبال ثم يقفز فوراً ليتوقع أن يرتفع الإقبال بعد صلاة الجمعة. ولحلّ مشكل الصلاة تمّ قبل يومين تسريب النص الموحّد الذي كان من المقرر أن تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتعميمه على أئمة المملكة لقراءته على المصلين يوم الاقتراع. وبذلك صار كل واحد يعرف ويمكنه أن يصوت ثم يقرأ الخطبة في بيته.

 موضوع الخطبة؟ الانتخابات التشريعية.

 في الثانية عشرة قالت وزارة الداخلية أن نسبة التصويت بلغت عشرة في المئة. وبعد ساعة حثّ خطباء الجمعة المصلين على التصويت لأن الانتخابات التشريعية حدث عظيم الشأن وجليل القدر في الحياة السياسية للمملكة.
في الخامسة مساء وصلت نسبة المشاركة في جهة الدار البيضاء 25 في المئة، كتب صحافي ساخر على صفحته "يجب إسناد تنظيم الانتخابات إلى النقابات بدلاً من وزارة الداخلية، على الأقل ستكون نسبة المشاركة 100 في المئة قبل التاسعة صباحا". جرت العادة أن تعلن النقابات أنّ نسبة المشاركة في إضراباتها هي 100 في المئة. النقابات لا تخجل في بلاغاتها.

 وجاء في أول بلاغ لوزارة الداخلية: افتتاح مكاتب التصويت في ظروف عاديّة.

 سابقاً تحدّث وزير العدل عن عجائب الانتخابات بعد خلافه مع وزير الداخلية. العجيب نقيض العادي..
إليكم عجيبة أخرى: يسمي بنكيران وصول حزبه للحكومة فلتة من الزمان. وكتبت جريدة الصباح يوم التصويت "طبيب نفسي أقنع وزير العدل بعدم تقديم استقالته. والوزير يتلقى علاجاً نفسياً دون أدوية ليتراجع عن قرار خاطئ."

 خبر آخر: رئيس الوزراء يشتكي من تحكّم الدولة العميقة في المشهد السياسي، وقد حلّل خبير نفسي بنكيران فوجد أنه شخصية معقدة تتأرجح بين الجرأة والهشاشة. من جهته سخر وزير الداخلية من الحديث عن التحكم واعتبر الحديث استعادة لجنية اسمها "عيشة قنديشة" في الحكايات الشعبية نصفها العلوي امرأة منقبة ونصفها السفلي بقرة، ومن ضخامة ثدييها فهي ترضع ابنها في ظهرها.

 أين رأى وزير الداخلية عائشة قنديشة؟

 وزارة الداخلية هي حائط صدّ قوي ضد الإسلاميين الذي أدّى فوزهم في الانتخابات إلى تحطيم غرور الكثيرين، وخاصة قايد الوزارة (موظف تنفيذي تابع لوزارة الداخلية لديه سيارة وسكن مجاني وهو رئيس حي كبير في المدينة أو مجموعة من القبائل في البادية)، الذين فقد بعضهم مناصبهم بسبب تصرفاتهم. أحدهم لم تعجبه حلاقة شاب فأعاد حلق رأسه في الشارع العام ودفع القايد الثمن. مفارقة أخرى: يذهب مواطن إلى مصلحة ويرفض مديرها استقباله. يمكن لنفس المواطن أن يلتقي وزيراً بسهولة.

 كان هذا تحولاً حاسماً منذ أحرق البوعزيزي نفسه. لقد صار الشارع مرعباً. لن ينسى أي زعيم عربي كيف قُتل القذافي وأين ومتى وبماذا.

 جرت الانتخابات في جوّ متوتر رغم أن الملك قد حذر من تبعات القيامة الانتخابية. حين يشتد الصراع الحزبي يتم تنفيسه بالتوصيف التالي: كل الأحزاب في خدمة القصر.

 صمت.  
فاز مَن فاز وخسر مَن خسر، المهم صار للشارع وزن رهيب. فقد السياسيون الثقة في أنفسهم. سيفكرون وسيتصرّفون بأقل قدر ممكن من العجرفة.

 اشتكت قيادة فيدرالية اليسار الديمقراطي متعددة الرؤوس من السلوكيات المافياوية التي تطبع بعض أطراف المشهد السياسي الوطني.. وتحدّث بنكيران عن تخويف رجال الأعمال وجمعهم مرغمين في اجتماعات بالفنادق.. تروّج تخمينات بوجود غرفة تدير المشهد عن بعد.

 على الانترنت لا شيء مثير في المواقع الإلكترونية المستقلة قليلاً (وهي نادرة)، لكن في المواقع المنحازة فالرأي مقدس والخبر حر. هذا إنجاز إعلامي مغربي في 2016. جُلّ أخبار المواقع تبدأ هكذا:

 "عاجل، خطير، فضيحة، انفراد، كواليس، عاجل صدمة، شبهات تحوم.." في العناوين رائحة وصاية على الناس، أي أن الناس ضلوا وصوتوا للعدالة والتنمية في المرة الماضية وعليهم الآن تصحيح الخطأ.. يتمّ توصيف المصوّت المخطئ بأنه "شعيبة" وهذا احتقار وتصغير للشعب.

 على التلفزيون، مبكراً جاء المحللون أنيقين بملابس جديدة اشتروها البارحة مساء. ملابس أوركسترا أغاني شعبية في كباريه. بعض المحللين مؤبدين وبعضهم لم يكتب ورقة قط وهو محلل شفوي.. يكرر "المواطنون يعولون على هذه الانتخابات". يكثر المحللون الذين لا يتوفرون على أرقام جمل مثل "حملة انتخابية خجولة" ثم يقفز فوراً ليتوقع أن تفرز الانتخابات نخبة سياسية جديدة للنهوض بالمنطقة. محلل تافه توقع يوم التصويت أن يعين الملك تكنوقراطياً لرئاسة الحكومة. وأضاف "هذا وارد جداً".

 في الإعلام الانتخابي، كلّ تفاحة تسقط من الشجرة تصبح جزءاً من الحملة الانتخابية. إذا ماتت قطة في الشارع يجب تحديد حزبها ولمن ولاؤها داخل الحزب لتخمين من ربح ومن كسب، دون البحث عن قتل القاتل.
بسبب ضعف اللغة، فحتى المنابر الصحافية النافرة من الإسلاميين تستخدم عناوين شماتة من الخاسرين الذين يفترض أنهم أقرب لها أو أنّهم حلفاؤها.

 كثر العرّافون الذين يحيكون التوقعات بينما النتائج تظهر. عرّاف يتوقع الخسارة قبل التصويت ويعلن الفوز قبل الفرز، كتاب سيناريو ما بعد الحملة أكثر من محلّلي الفعل الانتخابي الجاري أمامهم، عراف غبي توقع السيناريو السوري في المغرب. قالَ ملاحِظ متشائم "من المتوقع أن يظهر شبح إدريس البصري (وزير داخلية الحسن الثاني) ليلة التصويت في سماء أكثر من مدينة مغربية"، أي يتوقع التزوير.

 كثيرون يتوقعون الخروج عن "المنهجية الديمقراطية" بفرح.. وهذا جرى في 2002 حين فاز حزب الاتحاد الاشتراكي ولم تجدد ولاية رئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسفي ثم اعتزل السياسة. لإراحة العرافين، قال بنكيران أنه سينهي حياته السياسية إن فشل حزبه في تصدّر الانتخابات.

 والآن إليكم حساب السوسيولوجي البصاص:
فاز بنكيران.
مطلوب من المحللين الذين كانوا يبيعون جلد بنكيران قبل صيده أن يتوقّفوا عن الكذب والتلفيق لأنهم كانوا يقولون أمانيهم دون صلة بالمعطيات والمزاج العام للمغاربة. محللون سطحيون إنشائيون مأجورون شفويون لا يطالعون، يجهلون السوسيولوجيا ولا يعرفون الوعي المغربي العميق.. وكثرة مثل هؤلاء في وسائل الإعلام هو الذي اأفقدها مصداقيتها.

 فاز بنكيران وكان للمواقع الكذابة دور في ذلك. تظنّ أن نشر خبر الزواج من اثنتين رصاصة، بينما المغربي يريد الزواج باثنتين.    

 ماذا حقق بنكيران للمغاربة اقتصادياً واجتماعياً؟
لا شيء.

 لكن المحللين السطحيين المتعجرفين يستفزّون المغربي بوصايتهم، يعتبرون المغاربة عبيداً أغبياء تعودوا العيش في القفص ولن يتعلموا الحرية. محللون يحتقرون الناس بينما هم منقطعون عن الواقع المغربي. ويقدّمون أنفسهم للدوائر العليا كخبراء عارفين.

 والآن؟ كيف سيبرّرون الفارق بين التوقّع والنتيجة؟  

 كيف لمن لا يتوقع أن يكون محللاً كأستاذ جامعي يزعم أنّه فقيه دستوري يثرثر أكثر مما يكتب ويزعم أنه يلاحظ الوقائع ويربط بينها ويخرج بخلاصات؟

 فاز بنكيران وسيتوغل الإسلاميون في مفاصل الدولة عبر الانتخاب والتعيين والتوظيف وطول المدة في الموقع وسيؤثرون. لكن الإنشائيين لن يخجلوا ولن يفهموا معنى التوغّل وتبعاته السياسية وسيخرجون بتنديدات وتمنيات هامشية وادعاءات.. وإشارات لشوائب يوم التصويت.

 المحلل هو الذي ينطلق من الحقيقة العيانية لا من موقفه المسبَق.

 أتمنى أن يكون الدرس كافيا لكي يختفي الإنشائيون من الشاشات المغربية.

 درس آخر: المغرب يدبر دمج وتحجيم إخوانييه وسلفييه، سياسياً بدون قطرة دم، وهذا إنجاز تاريخي. ومن اعترض ليجرّب.. التعلم ليس مجانيا!

 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه