هل اقتربت "نهاية العالم" حقاً؟

احتلّت مسألة نهاية العالم بعد معركة كبرى تجري بين قوى "الخير والشر"، دوراً مهماً في تحديد هوية ما جرى ويجري في سوريا، خاصة أن المعركة إياها سوف تكون، باعتقاد المتصارعين، على أرضها التاريخية.
2016-09-21

كمال شاهين

كاتب وصحافي من سوريا


شارك
ضياء العزاوي - العراق

احتلّت مسألة نهاية العالم بعد معركة كبرى تجري بين قوى "الخير والشر"، دوراً مهماً في تحديد هوية ما جرى ويجري في سوريا، خاصة أن المعركة إياها سوف تكون، باعتقاد المتصارعين، على أرضها التاريخية.

أحاديث "الفتن"

فبدءاً من منتصف العام 2011، راجت أحاديث دينية كثيرة تعتبر أن ما سيحدث في سوريا سيكون على أعتاب "قيام الساعة" بعد تحقق "أشراطها الصغرى" ومنها ظهور أصحاب الرايات السوداء، وأن سوريا سوف تشهد معركة "نهاية العالم" التي تنبّأ بها النبي قبل أكثر من 1400 سنة، وأن ذلك سيكون في "داريا". تحدّث أحد رجال الدين في شهر رمضان 2011 أن سقوط النظام سوف يكون في شهر صَفَر (بعد شهور خمسة). حينها انتشر حديث الفتنة الشهير الذي يقول "تكون فتنة بالشام أولها لهو الصبيان، ثم لا يستقيم أمر الناس على شيء" (حديث ضعيف ورد في كتاب "الفتن" لابن حماد وغيره).
قاد هذا الاتجاه رجال دين وسياسيون وإعلاميون على كل الجبهات، عملوا على نكش وإظهار أحاديث الملاحم والفتن الموجودة بكثرة في الأدبيات الإسلامية، وإخراجها لتتطابق مع أحداث الواقع السوري الراهن، فامتلأ الواقع الافتراضي (وسائط التواصل الاجتماعي) وكذلك الحقيقي (الكلام بين الناس) بهذه الأحاديث التي أخرجت من سياقها التاريخي بعسف ومن دون التحري عن مصداقيتها، لتتصدّر المشهد تدريجياً، مزيحةً الحراك عن رؤيته الأساس وهي رفع الظلم والسعي للعدالة والديمقراطية، إلى رؤية ارتكاسية غرائبية.

.. عالمياً

لم تكن هذه الأحاديث بجديدة على الواقع السوري ـ والعربي ـ غير المحصَّن تجاه هذه الرجعات اللاتاريخية. فأحاديث الخراب ونهاية العالم تلقى اهتماماً وهوساً إنسانياً قديماً، متغذيةً على الهشاشة الفكرية التي لا ينجو منها الناس حتى في المجتمعات العقلانية والعلمانية. وكثيراً ما تناقل الإعلام قصصاً عن آلاف من البشر ذهبوا وراء هذه الفكرة حتى الانتحار، آخرها ما تحدثّت به العام الماضي صحيفة الإندبندنت عقب ظاهرة فلكية اسمها قمر الدم، انتشر على إثرها خبر نهاية العالم في بريطانيا بكثافة.
في أكثر الروايات قدماً، وردت فكرة نهاية العالم ـ دون تحري معناها بالدقة ـ في نبوءات "هرمس"، كما وُجدت في الزرادشتية، وتلقفتها التوراة زمن السبي البابلي معيدةً إنتاجها في متن النص المقدس، فأضافت في التلمود أن "معركة كبرى" (هَرْمَجِدُّون) ستحدث في "تل مجيدو" (فلسطين) تستمرّ لسنوات سبع يحكم اليهود بعدها العالم، كما وردت في إنجيل متى، وفي رؤيا يوحنا على لسان المسيح واصفاً مجيئه المفاجئ آخر الزمان: "ها أنا آتي كلصّ! طوبى لمن يسهر، ويحفظ ثيابه لئلاَّ يمشي عرياناً، فيروا عريه، يجمعهم إلى الموضع الذي يُدعى بالعبرانية هرمجدُّون".

 

راجت أحاديث دينية كثيرة تعتبر أن ما سيحدث في سوريا سيكون على أعتاب "قيام الساعة" بعد تحقق "أشراطها الصغرى"

 

رؤية الإسلام الرسمي للمعركة المنتظرة لها قراءات متعددة تتفق كلها على أن هناك مواجهة كبرى بين "الروم" والمسلمين في آخر الزمان، ستحدث بعد فتنة تمتد اثني عشر عاماً، وفي رواية أخرى ثمانية عشر عاماً، ثم "يخرج الدجال"، وبعد أربعين يوماً من ظهوره ينزل النبي عيسى ويقتله، ثم يخرج "يأجوج ومأجوج"، ويهلكهم الله في زمن عيسى (مراجع كثيرة).
جزء مهم من هذه الأحاديث المنسوبة إلى النبي مشكوك في صحته بحسب كبار المحققين، إلا أن هذا لم يمنع تداولها واستباحتها لكثير من منصّات الإعلام واستخدامها من قبل كل طرف لتبرير انضمامه إلى المعارك الدائرة في البلاد.

بما يخصّ سوريا

تعزّزت هذه الطروحات بعد اتساع الصراع وتحوله إلى اكتساب منحى طائفي مسلح استقطب مقاتلين من مختلف أنحاء العالم يؤمنون بأنهم يلبون النداء النبوي ليكونوا في صف الفائزين بالدنيا كما في الآخرة، ويكون لهم شرف قتال "الكفار" من "النصارى ومن وَالاهم". يقول الحديث: "يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين (يعني اجتماع المسلمين) في أرض يُقال لها الغوطة، فيها مدينة يُقال لها دمشق خير منازل المؤمنين يومئذ»، (رواه أبو داوود).
حديث آخر انتشر أيضاً بكثافة يقول: "لا تقوم الساعة حتى تنزل الرّوم بالأعماق أو دابق"، و"دابق" من مناطق شمال حلب، وفسر بعضهم الأعماق بدمشق، وهذا الحديث ضعيف جداً، رفض البخاري والأئمة روايته، ولكن هذا كله لم يمنع انتشاره كثيراً، خاصة بعد الدخول التركي والأميركي الأخير للمنطقة إيّاها، كان اللافت في هذا السياق استخدام تنظيم "داعش" لهذا الحديث تحديداً لجذب المقاتلين إلى صفوفه استعجالاً للوصول إلى يوم القيامة.
كان السؤال وما زال، أنه طالما هناك اتفاق على أن المسلمين سيحاربون الروم في هذه المعركة، فلماذا إذاً يتحاربون هم؟ وبغض النظر عن التشابكات الدولية في الصراع السوري وأساسها الواقعي، فقد ذهبت فرق متقاتلة إلى الأحاديث مرة أخرى لتبرير هذا التصارع، فوجدت حديثاً استخدمه المتصارعون لخدمة أفكارهم، يقول: "تصالحون الروم صلحاً آمناً حتى تغزوا أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتنصروا وتغنموا وتنصرفوا، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول (قيل إنه دابق) ... (ثم) يأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً" وهذا حديث صحيح الإسناد.

 

تضيف مسألة "المعركة الأخيرة" دوراً مهماً جداً لجهة تصعيد الإيمان إلى حدوده العنفية القصوى مع الآخر

 

يرد الحديث السابق في أدبيات الفرق الإسلامية متفقاً عليه، ولكن مفردة "أنتم" في الحديث هي نقطة الخلاف، حيث يعتقد كل من تلك الفرق أنه المعني بهذه الـ "أنتم"، لذلك فالعبارة المتممة ("فتقاتلون عدواً من ورائكم") يفسرها الشيخ السعودي محمد العريفي (له كتاب باسم "نهاية العالم"، وعدد متابعيه على فيسبوك يصل إلى 12 مليوناً!) وآخرون، في مناظرة لهم على أنها تعني إيران وروسيا، في حين يفسّرها بعض مشايخ الشيعة على أنها تعني أميركا وأوروبا، ويمكن الاطلاع على كثير من هذا على اليوتيوب، علماً أن الحديث السابق ورد بثلاث صيغ وقع فيها خلاف في لفظة: "من ورائكم" ـ فوَرَد "من ورائكم، ومن ورائهم"( وفي لفظ ابن ماجه: "تغزون أنتم وهم عدواً" دون تحديد.
من جهة ثانية، وفي سياق الحدث السوري فلا يمكن تجاهل الدور الكبير لكتاب "الجفر" الذي يُنسب للإمام علي أحياناً وإلى جعفر الصادق أحياناً أخرى. فهو كتاب يشكل سردية نبوئية كاملة يعتمدها ليس الشيعة فقط بل كثير من المسلمين أيضاً لتفسير الأحداث حتى نهاية الزمان معتمداً ـ الكتاب ـ على المفهوم العددي للأحرف (الجمّل) في توقّع الأحداث المقبلة، ومنها المعركة الكبرى إياها التي يتوقع نهايتها بعد أن تغطي الدماء الأرض وتستباح المدن والقرى في العالم العربي لسبع سنوات، ليظهر بعدها المهدي "ويملأ الدنيا عدلاً بعد أن تكون مُلئت جوراً وظلماً".

الوظيفة الفعلية

تضيف مسألة "المعركة الأخيرة" دوراً مهماً جداً لجهة تصعيد الإيمان إلى حدوده العنفية القصوى مع الآخر، واستعجال الشهادة للوصول إلى اللقاء مع المهدي المنتظر، و "اللهم اجمعنا مع النبي". ولذلك، فإن الداعية الكويتي طارق سويدان (وهو حائز على دكتوراه في هندسة البترول من جامعة في الولايات المتحدة) نصح السوريين في مناظرة له مؤخراً، بالعودة إلى بلادهم للمشاركة في هذه المعركة كي لا يكونوا من "الثلث الفار"، مصداقاً لحديث نبوي عن مجريات المعركة يقول: "فيهزم ثلث ويفرّ، وهذا الثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم خير الشهداء عند الله، ويفتح الله على ثلث".

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه