اليسار يندد بـ"زنا" الدعاة

اعتقل البوليس نائب ونائبة رئيس حركة التوحيد والإصلاح في خلوة "غير شرعية" في السابعة صباحاً عند شاطئ قرب الدار البيضاء. إنه حب بعد صلاة الفجر. كل توابل الفضيحة متوفرة: جنسياً وسياسياً ودينياً.
2016-09-07

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
سنان حسين - العراق

اعتقل البوليس نائب ونائبة رئيس حركة التوحيد والإصلاح في خلوة "غير شرعية" في السابعة صباحاً عند شاطئ قرب الدار البيضاء. إنه حب بعد صلاة الفجر. كل توابل الفضيحة متوفرة: جنسياً وسياسياً ودينياً.
الرجل هو النائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب، ومسؤول قسم الدعوة فيها، أمّا المرأة، فهي داعية قضت عشرين سنة تشحن البنات بالعفة. لها قدرة خطيرة على التأثير في النشء بفضل بلاغة الجسد والضغط على الحروف، تعبئ بما ينبغي أن يكون. تأثرت بها بنات، وصدّقن دعوتها للعفة ضد الغواية وتفضيل الروح على الجسد.. تعرّضت البنات للتضليل في حياتهن الشخصية، وهذا شبيه بما فعله دعاة وجّهوا الشباب للجهاد في سبيل الله ثم اتضح أنهم ذهبوا ليقتلوا الأبرياء.
شيخ وشيخة راسخان في النهي عن المنكر ناقضت أفعالُهما أقوالَهما فبطلت دعواهما. إنها سكيزوفرينيا. هل يجوز اعتقال شخص لأنه مصاب بالسكيزوفرينيا؟
لا.
يرى السوسيولوجي البصاص أنّ من لم يتوفر له غرفة خاصة للغرام في شبابه سيعاني مشاكل كثيرة في حياته، لأنّه لم يصل للإشباع في وقته ويحاول التعويض لاحقاً بثمن فادح. لذلك يتضامن البصاص مع الداعيتين على الصعيد الشخصي، وهو ضدّ اعتقالهما، ويعتبر علاقتهما مسألة شخصية ويعتبر أيضاً ما جرى مساً بحقوق الإنسان.
كيف يمكن الدفاع عن حقوق الإنسان لدى من ينكرها ويكفّرها؟ هذا باب آخر.
أما على الصعيد السياسي والاجتماعي فعمل الداعية المرأة مدمّر: طيلة سنوات تتنقل وتترقى في الجسم الدعوي وتلعن حاجات الجسم البشري.
النتيجة بنات تزوجن عن طريق الداعية على بركة الله لإكمال نصف دينهن فوراً، وهنّ لم يفكّرن قطّ في النصف الأول. منهن من تعففت في وجه من قال لها: "هيت لك" فعنست، ومنهنّ من تزوجت شخصاً لا يناسبها من باب أنه "يمكن لمراهقة الزواج بكهل يتقي الله"، وكم من مراهقة تابت فجأة وقبلت الزواج من أخ عنين لأن صلاة الفجر هي الأهم.
بعد ذلك تكتشف البنت مع الزمن أنها بلغت الأربعين مع جوع جنسي لا علاج له. كما تكتشف الشابة أن النموذج الذي ألهمها قد تحطّم، وهو نموذج مزيَّف مضلِّل. سقط القناع فمن سيداوي المصدومات؟
كان ذلك زلزالاً ثقافياً / أخلاقياً بالنسبة لأتباع حركة التوحيد والإصلاح التي طردت المعنيَّين. لكن ذلك لم يوقف الشكوك حول محاولة الإسلاميين فرض وصاية أخلاقية على الناس مع إخفاء ازدواجية الخطاب. وليست هذه أول حالة.
صارت هناك مسافة بين القناع وواضعه، ومن هذا الفارق يتسلّل ضوء الحقيقة البشرية: الغواية أقوى من المواعظ.
لنرَ الآن امتدادات الحدث عند البوليس والسلفيين والرفاق.
يفترض خصوم العدالة والتنمية أنّ "حركة التوحيد والإصلاح"، وهي عكاز الحزب، تعاني مشاكل وفقدت المصداقية ويستنتجون أن عكّاز الحزب تسوّس.
كتبت الصحف تتشفى "ضبط قيادي في التوحيد والإصلاح في وضع فاضح مع أرملة"، وقد اعتقلتهما الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. إنها وزارة الداخلية على كلّ الجبهات. لكن هناك انتقائية وتناقضات فاضحة. فقرب البحر قرب مسجد الحسن الثاني كل الأحبة متلاصقون يطبقون إسلام "لايت".
في غرف خمس نجوم لا تضبط الشرطة العشاق. أما في فنادق ثلاث نجوم وأقل، فالأمور منظمة بشكل مختلف: إذا كانا فرنسيين فلا داعي لإبراز عقد زواج، وكذلك إذا كانا مغربيا وفرنسية. أما إذا كان فرنسيا ومغربية أو جاء مغربيان للفندق، فلا بد من عقد زواج.
وتعليقاً على الاعتقال بسبب الحبّ، طالب صحافي الدولة بالخروج من غرف نوم المغاربة.
تحدث الدفاع السلفي عن الزواج العرفي بين الداعيتين. وقال الشيخ الريسوني إنهما كانا يدبران زواجهما المرفوض عائليّاً. أي أنهما في مرحلة خطوبة. وكتب سلفي: "عار أن تتمّ معاملتهما بهذا الشكل الساقط المتخلّف". وشرح أن التواصل غير المشروع (الخلوة) لا يبيح لأي كان أن يترصد والتجسس على خطواتهما، ويقوم بتلفيق تهمة كاذبة. للإشارة، فصوت السلفيين مسموع في الرباط. المغرب بحاجة إلى البترودولار، إذاً يجب عليه أن يحترم الخطوط الحمراء للتقوى.
كتب إسلامي مدافعاً عن الشيخ والشيخة اللذين اعتقلا: "بالأمس ضغط حزب المصباح (العدالة والتنمية) بالقوة على وزيرَيه ليقدما استقالتَيهما، فقط لأنهما قررا الزواج، واليوم تجمد حركة التوحيد والإصلاح عضوية قياديَّين، نائبَين للرئيس، لأنهما تزوجا زواجاً شرعياً من غير توثيق. ما الذي يحصل؟". أجاب السلفي: "إرهاب علماني يقابله ضعف وخنوع غير مسوَّغَين ولا مستساغَين من طرف الحركة والحزب".
كتب الرفاق ساخرين شامتين: "تلفيق تهمة كاذبة للداعيَين، حسب الداعية السلفي". وما هي التهمة من وجهة نظر يسارية؟
أروع ما يتكشف في الجدل الدائر هو أن الرفاق والحداثيين (أو مَن يعتبرون أنفسهم كذلك)، يتحدثون من الأرضية الابستمولوجية ذاتها التي لدى السلفيين. أي هل يجوز أم لا يجوز؟ خلوة رجل وامرأة. معجم يحيل على حقل ديني. خلف قناع الرفيق نسخة سلفي. اليساري يرفض الزواج العرفي ويعتبر ما حصل فساداً وليس حرية فردية. الإسلامي يلعب في أرضيته، بينما اليساري يلعب في أرض الغير وقد سلّم أن الحب جريمة.
الرفيق الحداثي يتكلم من موقع السلفي نفسه ويريد هزمه؟ أي وهم.
ما وراء الكلمات هو عائق رهيب.
المطلوب مناقشة الواقعة من وجهة نظر دولة الحقّ والقانون. لكن الرفيق يناقش من وجهة نظر الفقيه. لا يرى حرية شخصية لخصوم الحرية الشخصية، ولا يستطيع القبول بكون "الزواج العرفي حلال طيب بإجماع علماء الأمة"، لذلك ضلَّ الرفيقُ مرجعيتَهُ وصار يندد بالزنا وبالعلاقة غير الشرعية! يرفع الرفيق قنديل التنوير. لكنه تنوير أعمش. تنوير مُصاب بالرمد.
في الجوهر هذا نزاع حول النموذج الاجتماعي المناسب للمغرب. تعثُّر الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين يثبت انقسام النخب المغربية، انقساماً عمودياً، لا أفقياً طبقياً، مما يرغم النخب على الاحتكام إلى الشعب للحصول على دعمه في الانتخابات. الشعب مع الزواج العرفي ومع تعدد الزوجات حسب الاستطلاعات الإلكترونية... وهذا دليل على اتجاه الريح، ولم يبدأ هذا البارحة، يقول عبد الله العروي إن الملك الراحل الحسن الثاني "كان يريد إصلاح طريقة عيش المغاربة، ولكن بشرط ألا يمسَّ ذلك الدين ولا الأخلاق. وفي هذا كان يلتقي بشكل تام مع رعاياه، مثقفين وأميين، أثرياء وكادحين".
نحن هنا، لكن السياق تبدل قليلاً في بداية القرن الواحد والعشرين، فاعتقال شخصَين راشدَين في علاقة رضائية إهانة لهما. إهانة لكلّ مواطن حر. غصّة لكل حقوقي مغربي حقيقي. الاعتقال عملية انتقائية مقصودة، ومن يظن أن الناس لن يصوّتوا للعدالة والتنمية بسبب الاعتقال لا يعرف المغاربة. لو كان الرجل مع مراهقة أو قاصر لما رحمه أحد.
كل كلمات العالم لن تمحو الإهانة. وحين ستبرد سترتدّ على الذي كلّف الشرطة بمراقبة الداعيتَين والتدخل في حياتهما الشخصية. أوّل الغيث: حصل الشيخ السلفي المتشدد الذي دافع عن الزواج العرفي على تزكية حزب العدالة والتنمية للترشح في دائرة كلها فنادق خمس نجوم في مراكش. يحتمل أن يكون الإخوان والسلفيون في خندق واحد في الانتخابات القادمة، مما نشر الرعب بين الأحزاب المغربية. وهذا عكس ما جرى في مصر بين الإخوان وحزب النور.

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه