جدل في المغرب حول قانون تشغيل القاصرات

تمثّل الفتيات ـ بين سن 7 و14 سنة ـ نسبة 90 في المئة من الأطفال المشغَّلين ضمن العمّال المنزليين، بأجر متوسطه 9 دولارات في الشهر.

2016-08-25

لطيفة البوحسيني

أستاذة جامعية مختصة بقضايا النساء، من المغرب


شارك
نور بهجت - سوريا

تطلبت مناقشة القانون المنظِّم للعلاقات في مجال العمل بالمغرب قرابة عشرين سنة، لينتهي باعتماده سنة 2003 تحت اسم "مدوّنة الشغل". ما برر طول المدة هو الخلاف حول عدد من القضايا التي احتاجت إلى أخذ ورد وتفاوض بين الفرقاء الثلاثة: الحكومة (وزارة الشغل)، وأرباب العمل والنقابات. حُسمت أمور خلافية عديدة، إلا أن هناك البعض منها مما تم تأجيل البتّ فيه إلى مرحلة أخرى، بالنظر لما يمثله من خصوصيّة. ومن تلك، على سبيل المثال، قضية تقنين أوضاع العَمالة المنزلية (العمال والعاملات بالمنازل) التي لم يكن ينظّمها في السابق أي تشريع.
أطلق على هذا القانون المقر أخيراً اسم "شروط الشغل والتشغيل بالنسبة للعمال المنزليين". وهو يعتبر إيجابياً في حد ذاته كتنفيذ لالتزام تشريعي ظل معلقاً منذ صدور مدونة الشغل، حيث هو يتوخّى سد فراغ في مجال ظل لمدة طويلة خارج التأطير القانوني. إلا أن الحسم والبت النهائي أثارا نقاشاً واسعاً وجدلاً كبيرا وموجة غضب واحتجاج من طرف الجمعيات المدنية والحقوقية العاملة في مجال حماية حقوق الإنسان عموماً وحقوق الطفل خاصة. ويتعلّق الأمر خصوصاً بإحدى مواد هذا القانون التي شكّلت موضوع سجال كبير واحتجاج من طرف هيئات وطنية وحتى دولية (أممية).

الإشكالية التي أثارت السخط

النقطة الأساسية التي أثارت السخط وسط الفاعلين المدنيين هي تلك المتعلقة بتحديد سن العمل المنزلي، والتي يعود طرحها من طرف حكومة عبد الإله بنكيران إلى 13 أيار/ مايو 2013، والواردة في مشروع القانون الرقم 19.12، وأساساً المادة السادسة منه التي تسمح بتشغيل الأطفال القاصرين، أي من هم دون سن 18 عاماً. إذ في الوقت الذي كان متوقعاً فيه أن يشكل القانون خطوة متقدمة في اتجاه حماية الطفولة والسعي لمحاربة ظاهرة تشغيل الأطفال من الجنسين، فهو كرّسها وشرعنها قانونياً، منطلقاً من أن الظاهرة منتشرة انتشارا كبيرا وسط المجتمع ويستحيل اجتثاثها، خصوصا أن الأسر المغربية محتاجة إلى هذه العمالة.

تمثّل الفتيات ـ بين سن 7 و14 سنة ـ نسبة 90 في المئة من الأطفال المشغَّلين ضمن العمّال المنزليين،
بأجر متوسطه 9 دولارات في الشهر.

وفعلاً، تُشير أرقام "المندوبية السامية للتخطيط" في بحث أجرته وطنياً عام 2014، إلى أن ظاهرة تشغيل الأطفال تعرف انتشاراً كبيراً في المغرب. يؤكد البحث أن حوالي 69 ألف طفل بين السن السابعة و15 سنة يشتغلون، منهم 61 ألف في الأرياف، وسبعة آلاف في المدن. ويضيف، أن 76 في المئة من الأطفال المُشَغَّلِين لم يحصلوا على أية شهادة مدرسية، وأغلبهم يعمل في الأنشطة الفِلاحية والحِرَف اليدوية والتجارة، وفي المنازل. يُضاف إلى ذلك أنّ الأرقام المذكورة تخصّ فقط العمال الأطفال المصرَّح بهم، دون احتساب القاصرين الذين يعملون لدى مشغليهم "سراً"، أو الذين يعملون لدى أسرهم في ما يعرف بـ "مساعدة رب العائلة" في العمل.
وتُحيل تقارير أخرى إلى أن الرقم الحقيقي يفوق بكثير ما هو معترَف به رسمياً، إذ يصل العدد إلى 600 ألف طفل، تتراوح أعمارهم بين السابعة و14 سنة. وتمثّل الفتيات نسبة 90 في المئة من الأطفال ضمن العمال المنزليين، الذين يخصهم القانون المعني، حيث إن معظمهن ينحدرن من الأوساط القروية الفقيرة، وقدِمن إلى المدن للعمل لدى الأسر الميسورة كخادمات بأجر متوسطه 9 دولارات في الشهر، لمساعدة عائلاتهن الغارقة في الفقر والعوَز.

ليلى كبة - العراق

وانطلاقاً من دراسة حديثة لـ "منظمة العفو الدولية" شملت 400 أسرة بمناطق مختلفة من المغرب، فإن الفقر والهشاشة هما السمة الرئيسة لأسر الأطفال المشغَّلين، إذ إنّ 21 في المئة من الأسر التي يفوق عدد أفرادها ستة أشخاص، لا يتعدى إنفاقها الأسبوعي 20 دولاراً، أي تقريباً ثلاثة دولارات للفرد الواحد أسبوعياً، كما أن أكثر من 63 في المئة منهم ليست لديهم تغطية اجتماعية.

ردود الفعل

قوبلت المادة السادسة من هذا القانون بالرفض والاستياء من طرف فاعلين حقوقيين طالبوا بحظر التشغيل في البيوت دون سن 18 سنة بشكل مطلَق، معتبرين أن ذلك يشكّل جريمة في حقّ الطفولة المغربية، وانتهاكاً واضحا للاتفاقيات الدولية، لا سيما اتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن العمال المنزليين التي تؤكد على جعل 18 عاماً حداً أدنى للعمل المنزلي، وكذلك اتفاقية حقوق الطفل. وفي ترافعه ودعوته إلى رفع سن التشغيل إلى 18 سنة بدلاً من 16 سنة، تقدم الائتلاف الجمعوي للقضاء على استغلال القاصرات في العمل المنزلي، بنداء إلى رؤساء الأحزاب، معتبراً أن العمل المنزلي يُعتبر عملاً خطيراً يجب منعه على من هم دون سن 18 سنة، كما نبّه إلى الواقع المأساوي للقاصرات المشتغلات في المنازل، واللواتي يتعرضن للعنف النفسي والجسدي في ظلّ غياب كلّي لشروط الحماية. وهو الأمر الذي أكّدته الحالات التي تفجرّت إعلامياً خلال السنوات الأخيرة، والتي أبانت بالملموس هول المخاطر التي تتعرض لها الفتيات القاصرات العاملات في البيوت.
 

21 في المئة من الأسر التي يفوق عدد أفرادها ستة أشخاص، لا يتعدى إنفاقها الأسبوعي 20 دولاراً، أي تقريباً ثلاثة دولارات للفرد الواحد أسبوعياً.

وفي سابقة، شدّدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) على الكفّ عن تشغيل الأطفال القاصرين، وطالبت بإلغاء المواد القانونية التي تسمح بتشغيلهم في العمل المنزلي في سن 16 سنة، ودعت إلى إلغاء المقتضيات المعاكِسة للمصلحة الفضلى لكلِّ طفل، نظراً لأن عمله، في أي سنٍّ كانت، يحرمه من حقوقه في التربية والتعليم والحماية والإشراك والتنمية والصحة، كما يعرّضه لمختلف أشكال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية ومختلف أشكال الاستغلال. كما اعتبرت المنظمة الأممية، أن معظم معايير أسوأ أشكال عمالة الأطفال تنطبق على حالة الأطفال المشتغلين في البيوت، مشيرة إلى أن هذا الأخير يعرّض الأطفال إلى تنفيذ "أشغال" من شأنها - اعتباراً لطبيعتها والظروف التي تزاوَل فيها - أن تضر بصحتهم وأمنهم وقيمهم الأخلاقية، أو تلك التي تتم في ظروف صعبة خاصة، خلال ساعات طويلة أو خلال الليل، أو حيث يتم الاحتفاظ بالطفل، بشكل غير مبرر، في مقار المشغِّل.
مقابل الرفض والاحتجاج اللذين عبّرت عنهما المنظمات العاملة في حقل الدفاع عن حقوق الطفل، دافعت حكومة بنكيران عن الترخيص والسماح بتشغيل الأطفال، ما بين 16 و18 سنة، مبررة ذلك بأنه جاء نتيجة إكراهات من قِبَل فقر بعض العائلات في القرى، التي لا تجد وسيلة لضمان قوتها غير إرسال أبنائها للعمل، ومؤكدة أن القانون سيضع شروطاً معينة لمعاقبة المشغل في حالة عدم التزامه بها، ومدافعة عن أن ضمان حماية الأطفال سيتم عبر اشتراط موافقة أولياء أمورهم. وهو الأمر الذي رفضته المنظمات الحقوقية على اعتبار صعوبة بل واستحالة تنفيذه إجرائياً وعملياً.

خلاصات

تشغيل الأطفال عموماً، والطفلات دون سن 18 سنة خصوصاً، ظاهرة مستفحِلة في المجتمع المغربي. لكن كان حرياً بالحكومة أن تتّخذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك القانوني منها، وأن تحترم التزاماتها الدولية في مجال حماية الطفولة، والتقدّم في القضاء على الظاهرة بدل شرعنتها.
غير أنه يبدو أن الأمر يتجاوز هذا النطاق، ويتعلق بالنظرة الشاملة لكل ما يهم المرأة ويخص المكانة التي تستحقّها وتليق بها. فقد سبق للحكومة أن بيّنت في أكثر من مناسبة تشبثها بالتقسيم التقليدي للأدوار، وبرغبتها في المحافظة على الأمر الواقع، على حساب الاعتراف للمرأة بحقوقها كاملة، وتمكينها من التخلص من ثقل التقاليد التي تكبلها. ومن بين الأمثلة:
- زواج القاصرات الذي عرف تزايداً مخيفاً، والتهديد بمراجعة قانون الأسرة لخفض السن إلى 16 سنة بدل تدقيق القانون بالشكل الذي يضيّق من مساحة التأويل التي يخضع لها.
- في مجال محاربة الفقر، اتخذت الحكومة قراراً بوضع صندوق لدعم النساء الأرامل في وضعية هشة، كالحاضنات لأطفالهن اليتامى، وإحلاله في مكانة البرامج المهيكلة في إطار سياسة عمومية شاملة تنعكس إيجابياً على مختلف الشرائح الاجتماعية التي يمسّها الفقر والهشاشة. إلا أن المقاربة الإحسانية هي التي تحكمت في معالجة إشكالية محاربة الفقر، بدل المقاربة الحقوقية التي تنطلق من ضرورة تمكين المواطنين وتأهيلهم للانخراط والمشاركة الفعالة في سيرورة التنمية والاستفادة من ثمارها.
- محدودية بل غياب التدخّل من أجل محاربة ترك المدارس المنتشر بحدة كبيرة في العالم القروي ووسط الفتيات خاصة. إذ على الرغم من المجهودات التي بذلت خلال العقود الأخيرة في مجال تعميم التعليم، لا زالت إشكالية التسرب المدرسي تلحق أضراراً كبيرة بالتنمية وتؤثر سلبا على مستقبل من تمسّهم الظاهرة، أي الفتيات القرويّات.
هكذا يتجلّى بيّناً أنّ أقصى ما ينتظر الفتيات القرويات هو الزواج في سن مبكر أو الارتماء في أحضان العمالة المنزلية في ظروف وشروط حاطّة بكرامتهن.. وهو ما تمّ تأكيده بسلطة القانون!

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه