لعبة الصراحة

يسمونها "دربونة" (زقاق) محمود البطل، المحلّة كلها اسمها محمود البطل، بل المدينة كلها.
كنت أفترض أن محموداً يمارس رياضة بدنية، رفع الأثقال أو المصارعة فاستحقّ ذلك اللقب. حتى جاءت تلك الليلة وتعطلت سيارتي في محمود البطل، أقصد عند مدينة محمود البطل.
2016-07-14

مرتضى كزار

رسّام وسينمائي من العراق


شارك

يسمونها "دربونة" (زقاق) محمود البطل، المحلّة كلها اسمها محمود البطل، بل المدينة كلها.
كنت أفترض أن محموداً يمارس رياضة بدنية، رفع الأثقال أو المصارعة فاستحقّ ذلك اللقب. حتى جاءت تلك الليلة وتعطلت سيارتي في محمود البطل، أقصد عند مدينة محمود البطل.
يومها عرفت أن هذه المدينة بلا سكّان تقريباً. محمود، ولا شيء غير محمود يجوب شوارعها مع فانوسه الزيتي. ساعدني وجالسني وسحبني إلى حديث طويل عن مسافرين مثلي تتعطل سياراتهم هنا ويلتقيهم ويروي لهم حكايته، حكاية محمود البطل.
إنها قصة قصيرة جداً، أقصر من قصتي هذه. يقول محمود بأنه ليس بطلاً للعبة رياضية، اللعبة التي يتفوق فيها على الجميع ويبرع فيها حدّ اعتباره أسطورة لا يُشق له غبار، هي لعبة الصراحة.
لعبة الصراحة! نعم يا حسب.. يظهر أن محمود يسمي كلّ من يحدثه "يا حسب".
يتابع محمود: في هذه الدرابين الفارغة والسكك الضيقة، كان الناس يلعبون لعبة الصراحة، ينقسمون إلى فريقين، يسأل واحدٌ من الفريق الأول سؤالاً جريئاً لواحد من الفريق الثاني، الذي ينبغي أن يجيب بصراحة شديدة مهما كان السؤال محرجاً وحسّاساً.
تشتد مراحل اللعبة ويتساقط الناس، ينفعلون ويصرخون ويرقصون من ألم الصراحة المرّة. يجنّ بعضهم وينتحر بعضهم ويهرب بعضهم ويُصاب بعضهم بسكتة دماغية.
الصراحة يا حسب لعبة غير شعبية، لا يجب أن يمارسها الشعب مع نفسه. أعترفُ بذلك، وكما ترى بعينيك، لقد انمحى الفريقان تماماً، هذه بلوى يا حسب، المكاشفة التامّة مثل اللدغة السامّة.
ثم سألتُ محمود قبل أن أغادره: وكيف نلت البطولة في لعبة الصراحة يا عم؟
يجيبني: البطولة! قل بطولة البطولات، وفخر المباريات وآخر التصفيات، محمود الذي بجانبك الآن هو شيخ لعبة الصراحة وعميدها.
شوف حسب، كنت لاعباً مؤجراً في كل فريق، ألعب مرة هنا ومرة هناك، برسم الخدمة لمن يدفع أكثر.
أنا بطل الأبطال لأني الباقي بعد فناء الفريقين الصريحين جداً، اللذين استعملا التاريخ بكل فضائحه في اللعبة فأصابهما الجنون!
حسب يا حسب، لا تلعبوا لعبة الصراحة في مدينتكم، العبوا لعبة النسيان.


وسوم: العدد 199

للكاتب نفسه

فسحة العيش في كرتونة

مرتضى كزار 2016-12-07

.. أما الناس الذين لا يعرفون اسمه فيسمّونه "أبو كرتونة". يظهر وحده مرتدياً الكرتونة على ظهره مثلما قوقعة الحلزون. كنزة رمادية عليها رسمة رجل آلي بمجسّات طويلة. هذا ما يستره...

في كل يوم ومنذ 41 عاماً!

مرتضى كزار 2016-12-01

ينتصب في قلب العاصمة بغداد تمثال شهريار و "قصخونته" شهرزاد، نديمته وراوية حكاياته. إنه واحد من أجمل تماثيل النحّات الراحل محمد غني حكمت. في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة...

نزيف الكتب

مرتضى كزار 2016-11-16

صحيح أنّ الكتاب سلعة أيضاً، تباع وتشترى ويروج لها، تخزن وتقتنى وتعرض وتفسد وتتجدد، لكن الاتجار بالكتب لا يشبه الاتجار بأي شيء آخر. أسواق الكتب في المدن العراقية، كالمتنبي ببغداد...