حوار رمضاني "شهي" مع صديقتي السورية

الكثير من الأشياء يفتقدها المغترب عن بلده، ويزداد الشعور بالافتقاد خلال المناسبات الاجتماعية والدينية كشهر رمضان، حيث يكون من المعتاد تجمّع الأهل والأصدقاء معاً، ويكون لكلّ بلد بل ربما لكل مدينة عادات وطقوس خاصة. ويزداد الأمر سوءا عندما يكون الوطن منكوباً، والأهل والأحبة في خطر دائم.
2016-06-22

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
من دفتر:
رمضان 2016
حلويات شامية / دمشق (عن Pintrest)

الكثير من الأشياء يفتقدها المغترب عن بلده، ويزداد الشعور بالافتقاد خلال المناسبات الاجتماعية والدينية كشهر رمضان، حيث يكون من المعتاد تجمّع الأهل والأصدقاء معاً، ويكون لكلّ بلد بل ربما لكل مدينة عادات وطقوس خاصة. ويزداد الأمر سوءا عندما يكون الوطن منكوباً، والأهل والأحبة في خطر دائم. ينطبق هذا على أكثر من شعب عربي، من بينها الشعب السوري الذي يعيش أوضاعاً موجعة ومفزعة دفعت الملايين من أبنائه إلى ترك بلدهم إلى بلدان أخرى، منها مصر.

 "ما تقلّبي عليّ المواجع"، كان هذا رد صديقتي السورية كوثر عندما سألتها عن أكثر شيء تفتقده من رمضان في سوريا. تبدو الأسئلة في كثير من الأحيان مزعجة وثقيلة الظل. "بالتأكيد لمّة الأهل والعزومات، هنا رغم كل شيء أشعر بالوحدة". لم تأتِ كوثر من حلب إلى الإسكندرية بمفردها، بل مع أسرتها الصغيرة: زوجها وأبناء ثلاثة في أعمار مختلفة، ولكنها تفتقد عائلتها الكبيرة: أباها وأمها وإخوتها - ومنهم مغتربون أيضا ولكن في بلدان أخرى- "كنت متعلقة بأهلي".

 تستكمل كوثر في مصر دراستها العليا في الأدب العربي، جاءت في 2012 والتحقت بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية حيث حصلت على الماجستير، وهي حاليّا تعدّ للدكتوراه. "لم يكن بإمكاني استكمال دراستي العليا في سوريا، الخطر هناك أقوى من أي طموح. إلى جانب المخاطر الأمنية، مستوى الدراسات العليا بالجامعة تدنى، حتى الطلبة ما صار عندهم طموح يكملوا، أساتذة كثيرون غادروا البلد، طالب الدراسات العليا لدينا كان في السابق قمة، الآن صار فيه تساهل".

 كان أمام كوثر خيارات للذهاب إلى أكثر من بلد، لكنها فضّلت مصر "ارتحت هنا وشعرت أن عادات وتقاليد الشعبين متقاربة جدا، ووجدت من المصريين الطيبة والمشاركة الوجدانية، يكفي الكلمة الحلوة التي نسمعها من الناس".

 أكثر ما يلفت نظر "كوثر" في رمضان في مصر مظاهر الاحتفال المتمثلة بتعليق الزينات والفوانيس في الشوارع والبنايات، "هذه الطقوس لا توجد عندنا في سوريا، يقتصر الأمر عند ثبوت رؤية الهلال على إطلاق الألعاب النارية ثم يذهب الناس لصلاة العشاء والتراويح بالمساجد".

 وتقول أن أبرز العادات السورية الرمضانية العزومات العائلية التي تستمر على مدار الشهر. أول أيام رمضان لا بد أن يجتمع الأبناء في بيت العائلة، بيت أهل الزوج حيث يجتمع الأبناء مع زوجاتهم وأبنائهم. العزومات تقتصر على الأقارب، أما الجيران فيتم تبادل الأطباق مع المقربين منهم. هذه العزومات تكون متعبة جدا، خاصة أن أهل حلب يفضلون الأكل البيتي، بعكس الشام (دمشق) حيث يأخذون ضيوفهم إلى المطاعم. عادة المطاعم هذه بدأت تتسرب قليلاً إلى حلب. وعلى الرغم من الحرب، فالعزومات العائلية مستمرة، يحاول السوريون التحايل على الأوضاع الصعبة وممارسة عاداتهم وطقوسهم المعتادة قدر الإمكان".

 وعن المطبخ السوري في رمضان؟ "أكثر ما يميّز السفرة السورية عموماً وفي رمضان على وجه الخصوص، "المقبلات"، ومنها الكبة النيّة، والفتّوش، والتبّولة، والفتّة وهي مختلفة عن الفتة المصرية التي تأكلونها في عيد الأضحى حيث تتكون من حمص وطحينة وزبادي، إلى جانب الشوربات بأنواعها. هذه شيء أساسي قبل تناول الوجبة الرئيسية عندنا، أما المصريون فيتناولون الوجبة مباشرة. المشروبات متشابهة إلى حد بعيد، هناك قمر الدين والعرقسوس، وهناك اللبن "الرايب" الذي نفطر عليه أحيانا".

 من طقوس رمضان أيضا "المسحراتي"، والذي لا يقتصر وجوده على المناطق الشعبية. ولا يعتمد الناس بالطبع على المسحراتي في الاستيقاظ للسحور، ولكنه وسيلة لكسب المال للقائمين له، بالإضافة طبعا لكونه شيئا تراثيا.
ظروف الحرب أثّرت كثيراً على العادات الرمضانية بسوريا، فالأوضاع المعيشية صارت صعبة جدا، الماء والكهرباء في انقطاع دائم، غلاء الأسعار مع ركود سوق العمل أثّر على مكونات السفرة السورية في رمضان، يعني مثلا البطيخ كان من الأمور الأساسية، يفطر عليه السوريون في الأيام الحارة، الآن صار ثمنه مرتفعا جدا ويصعب شراؤه، صار السوريون يقتصرون على أكلات شعبية مثل المِجَدَّرة، العدس بحامض، المعكرونة، الأرز، البطاطس. وطبعاً مع القصف والمخاطر الأمنية التي قد يتعرض لها من يخرج من بيته، فإن التواصل العائلي والاجتماعي قل جدا. نحن في حلب كنا نحب السهر معا، وكان هناك زيارات عائلية بعد الإفطار، وإذا زرتِ أحدا بعد الإفطار وجب عليكِ تناول السحور معه. في الحرب صار ذلك صعبا.

 تعلمت كوثر من جارتها المصرية وصفات كثيرة من المطبخ المصري، "تعلمت الكشري وهو لذيذ، تعلمت أطبخ القلقاس وأحببته أيضا، وهو غير موجود أصلا عندنا في سوريا، ما رأيته إلا هنا. الملوخية على الطريقة المصرية مختلفة تماما عن الملوخية السورية التي تعد من الأطباق الرئيسية في رمضان. عندكم الملوخية مثل الشوربة أما الملوخية عندنا فهي أكلة دسمة جدا.. جربت الملوخية المصرية لكني بصراحة لم أحبها. المحشي السوري كذلك مختلف، نحن نقوم بحشوه بالأرز والكثير من اللحم، أما المحشي المصري فهو أخف لأنه يُحشى بالأرز والطماطم والخضرة فقط. محشي الباذنجان لدينا اسمه شيخ المحشي إذ له السيادة على بقية المحاشي، نقوم بحشوه باللحم فقط مع البقدونس والمكسرات. ولا تنسي أن حلب يقال عنها "أم المحاشي والكبب" فهي مشهورة جدا بهذه الأكلات. والكبة - كوجبة رئيسية - عندنا بحلب أنواع: مشوية، مقلية،  بصينية، مبرومة، سوار الست، قلوب الطير، كبة بسمّاقية، كبة بلبنية..".

 تتحدث كوثر عن الحلويات السورية بحماس. "بصراحة الحلويات هنا ولا شي بالنسبة لسوريا". لا يقومون بإعدادها في المنزل بل يشترونها جاهزة، "محال الحلويات لدينا منتشرة في الأحياء الشعبية والراقية على حد سواء، فالسوريون يقومون بشرائها بغض النظر عن امكاناتهم المادية. "ومن الحلويات السورية في رمضان الكنافة أم النارين" وهي محشوة بالقشدة والقطايف وبلح الشام ولقمة القاضي والبقلاوة والمشبّك.

كان الحوار مع كوثر "لذيذا" فعلاً، خاصة أنه جرى أثناء الصيام. يبدو المطبخ السوري شهيا جداً، رغم انتشار المطاعم السورية، لكني ــ مثل أهل حلب ــ أفضّل الأكل البيتي.. بانتظار حلول موعد العزومة في بيتها.

 

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...