رمضان كريم

جالستُ ثلاثة أزواج شابة، نشرب القهوة بعد الإفطار. لاثنين منهما طفلان رضيعان، نشطا بامتصاص زجاجة حليب. كانت مصمصتهما للحليب الدافئ تأخذ حيزاً من جو السهرة، تحت شجرة ليمون لم تنضج حبّاتها بعد.
2016-06-21

امتياز دياب

كاتبة من فلسطين


شارك
من دفتر:
رمضان 2016
فائق حسن - العراق

جالستُ ثلاثة أزواج شابة، نشرب القهوة بعد الإفطار. لاثنين منهما طفلان رضيعان، نشطا بامتصاص زجاجة حليب. كانت مصمصتهما للحليب الدافئ تأخذ حيزاً من جو السهرة، تحت شجرة ليمون لم تنضج حبّاتها بعد.
جميعهم في منتهى الجمال، وفي بداية العشرينات من أعمارهم. للأزواج برزت كروش صغيرة تنذر بمستقبل عظيم. الشابات في بداية الامتلاء، وشى بهن ضيق سراويلهن، وأصابعهن اللاتي انزلقت خلسة لتفتح أزرارها العليا، لكي يأخذن قليلا من الأكسجين.
سألت الشاب صاحب الابتسامة الأكثر سحراً والأكثر صبيانية، إذا كان ما يزال يغازل زوجته الشابة، فتح عينين مدورتين بلون الكحل، وقرر بضحكة مذهولة "طبعا أغازلها". سألته ماذا تقول لها؟ تدخلت الزوجة الشابة وقالت نافية: "لا..والله لا، إلا لما بدو أكوي له قميصه"، ثم ضحكت بصدق.
الشاب الأكبر قليلا، وكان أبيض البشرة، حلق شعره نمرة صفر مثل أصدقائه الآخرين، وقال "كيف، ما بتقول لها حبيبتي يا روحي يا عمري"؟
"لا والله، أيام الخطبة.. هاي الأيام بيفوت، بيطل عالطناجر في المطبخ عشان يشوف شو في أكل، وبيروح يتحمم"، انتهت من وصفه وهي تنفخ خديها لكي تشبه وجه زوجها المدور، ضحكنا بصخب.
كان الشاب الثالث ينظر في تلفونه، يتابع شيئا ما على فيسبوك، فلم يرغب بمشاركة الآخرين، وانشغلت زوجته الشابة بإرسال رسائل هاتفية لصديقاتها ربما.
وفي لحظة انشغالي بمراقبتهما، انشغل الآخرون بهواتفهم، فانسحبتُ بهدوء ولم يلاحظ أحدٌ منهم تسللي نحو الدرب المعتمة المؤدّية للطريق، الذي تناهت إليه من نوافذ المنازل أصوات المسلسلات الرمضانية.
خلت الطرقات من السيّارات. كان بإمكاني متابعة المسلسل وأنا أمر بنوافذ البيوت.
 

***

أمس، تناولت الإفطار في مطعم. جلس بجانبي زوجان مع طفل في عامه الأوّل. قال الزوج الشابّ لزوجته الجميلة:" ما تبكي بقول لك، شووووو.. بدك تدمعي؟ بدنا نفطر، تسديش نفسي بقولك، إنت شايفة شكلك ملووق على ساعة هالمسا؟ إنتِ نكد، كلك نكد، هسّه بقوم بتركك لحالك تتقلعتي فطورك وبروح، ويلعن أبوي إذا برجعلك".
ابتلعت الشابة دموعها، وشهقت بطريقة غريبة، زرعت عينيها على أنف طفلها الذي سال مخاطه على لعابه ساحبا دموعه إلى ذقنه ورقبته، وهمست بصوت بالكاد سمعته: "قول بدك تروح عندها، أنا بعرف وين رايح، بدك تتركني معلقة ومش مطلقة".
اقترب الزوج الشاب جميل الوجه ومد جسده النحيل فوق مائدة الإفطار التي امتلأت بصحون صغيرة، من المتبل والحمص وسلطه حراقة وجرجير وزيتون وشوربة تصاعد بخارها نحو أنفه، ورأيت يده ترتفع لتنهال على الطاولة فارتفعت الصحون مرة واحده، ثم عادت إلى مكانها سليمة ما عدا كأس من شراب التمر، اندلق بوحشيه في حضن الزوجة التي لبست جلبابا أسود، ارتجفت شفتاها الجافتين، فتحتهما خائفة ونظرت بعينين تنضحان بالدّموع الثّقيلة، رمشت وتساقطت دموعها في صحن الحساء.
رمى الشاب بالمعلقة، وقام بجذعه عن مقعده وقال لها:"بديش أشوفك، بديش أعيش معك، بدفع لك مصروفك وأجار الدار، بتربي الولد، أما أشوفك.. لا! وآه بدي أروح عندها، عجبك أو ما عجبك، أنا حرّ، بس يكون في علمك إنتِ مش حرة، برجع لك وينتا بدي، إنتِ حلالي ومالي والشرع بيسمح لي".
لم أنتبه على الآذان إلا بعدما سمعت طقطقة الملاعق التي انغمستْ في الحساء وأصوات مصمصمة الشفاه والألسن التي ترطبت، وخلتُ أنّني سمعت هسيس امتصاصها للحساء. سمعت أحدهم يجلس مقابلي يهمس لزوجته:" في أيام الشهر الكريم وبيعمل هيك"!
شربت الشابة دموعها مع الحساء بصمت، وارتفع صوتٌ من الشاشة الكبيرة المعلّقة على الحائط، بإعلان دعائي لمسلسل رمضاني: "شيخ الحارة، مرة (امرأة)؟ باااااطِلْ!!!"

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

للكاتب نفسه

روح الأرض

"يسيل الماء إلى أعلى، بل يقفز من الوديان إلى رؤوس الجبال، ليحرم كلّ من سكن السهول من الماء.. يا رجل". هكذا تحدث الشيخ زوبعة لأحد خبراء الاقتصاد الذي رأى لأول...

عصير اللوز هو مَرامهم

جزء من تأريخ لمدينة القدس عبر قصص يتذكرها أهلها، تروي كل حجر وكل زقاق، وتروي أساليب السلب والاستيلاء الممارسة من قبل اسرائيل.

الأميرة الهاربة من الشرق وإليه

..تصف حياتها في الغرب، والعقلية الغربية والعادات. تتحدث عن صعوبة العيش مع الآخر الذي كوّن فكرة راسخة عن المجتمعات الشرقية، تعبر عن دهشتها لاستغلال عمال المناجم وفقرهم في اوروبا، وبالمقابل...