احتلال العقل الأميركي

إن لم تتبع الخط المرسوم مسبقاً في الإعلام فيما يتعلق بالأخبار التي تخصّ إسرائيل، فسوف يتمّ طردك، ستخسر وظيفتك. ليس أمراً مدهشاً إذاً أنّ الجميع يخبر الكذبة نفسها، فالجميع مهتمون بمعاشاتهم ومعظم الناس يمكن شراؤهم بالمال، وهذا أمر حزين
2016-06-09

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك
نحن لا نريد أي سيطرة على أفكارنا

"ألم تسمع؟ إنها حرب الكلمات.." قال الرجل حامل البوستر..
"اسمع يا بني"، قال الرجل حامل المسدّس، "ما زال لك هنا مكان.."  
من أغنية "نحن وهم" لفريق بينك فلويد، كتابة روجر ووترز

"إن لم تتبع الخط المرسوم مسبقاً في الإعلام فيما يتعلق بالأخبار التي تخصّ إسرائيل، فسوف يتمّ طردك، ستخسر وظيفتك. ليس أمراً مدهشاً إذاً أنّ الجميع يخبر الكذبة نفسها، فالجميع مهتمون بمعاشاتهم ومعظم الناس يمكن شراؤهم بالمال، وهذا أمر حزين". يظهر روجر ووترز، أحد مؤسسي فرقة بينك فلويد الإنكليزية الشهيرة، واضعاً كوفية حول عنقه، متحدثاً بكثير من الحزم والقناعة وباستفاضة عن عمله في حملات مقاطعة إسرائيل من جهة وعن مشاركته كراوٍ في فيلم من إخراج سات جالي (مدير مؤسسة التثقيف الإعلامي) بعنوان "احتلال العقل الأميركي: حرب العلاقات العامة الإسرائيلية في الولايات المتحدة". بمقابلة مع روجرز وجالي على القناة المستقلة "ذا ريل نيوز"، يسرد الاثنان فكرة الفيلم وأهمية الإضاءة على مقاربة الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني في الإعلام الأميركي مع ملابساته وتعقيداته. 

"الناس متخوّفون من طرح أسئلة بسيطة وأساسية. عندما تحاول أنسنة الفلسطيني بأي طريقة، يتمّ قطع الطريق عليك فوراً"، يقول المخرج جالي، شارحاً كيف أن الصحافيين ذوي الرأي المغاير في الولايات المتحدة يتمّ إقصاؤهم من الندوات والاجتماعات والمحافل ونبذهم من المجتمع الإعلامي. يعطي جالي مثالاً على ذلك الصحافي الأميركي/ المصري أيمن محي الدين الذي أُجبِر على ترك وظيفته كمراسل لشبكة NBC في غزّة إبان العدوان الأخير، بعد أن كتب تغريدة يذكر فيها أنه كان يلعب كرة القدم مع أطفال بكر الأربعة قبل دقائق من استشهادهم بغارة إسرائيلية على شاطئ غزة. يستنتج جالي: "يبدو أنّ الإعلام الأمريكي قد هجر مهنة الصحافة، عندما يتعلق الأمر بفلسطين!"

 جالي- الذي يدرّس الإعلام في الجامعات الأميركية - أجرى اختباراً بسيطاً مع طلابه، فسأل "من هي الدولة التي أدينت عدة مرات في الأمم المتحدة لاحتلال أراضي غيرها؟" وأعطى احتمالات أربعة منها : إسرائيل، فلسطين، ودولتين أخريين من الواضح أنهما غير محتلتين. على مدى 3 سنوات، جمع جالي إجابات الطلاب وقرأ النتائج، ليتبين أن 58 إلى 63 بالمئة من الطلاب في كل سنة اعتقدوا أن فلسطين دولة محتلة لأراضي غيرها! هذا النوع من الإجابات دفع جالي لصناعة فيلمه. 

 في كلمة لنتنياهو، يخاطب الإدارة الأميركية بجملة بغاية التبسيط: "أعتقد أن الأميركيين يفهموننا.. إنهم يعرفون من هم الأخيار ومن هم الأشرار". وهكذا تُصور الصحافة الأميركية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومقاومة الفلسطينيين للاحتلال على أنه معركة بين good guys and bad guys، كما يريد له نتنياهو أن يكون تماماً!

أمّا ووترز فهو صاحب موقف متقدّم مقارنة بزملائه الموسيقيين الذين يشعرون برعب خالص من قول أي كلمة تُدين الممارسات الإسرائيلية المجرمة أثناء حرب غزة أو غيرها. لكنه رغم ذلك متفائل بزمن صار فيه الناس أكثر جرأة على انتقاد إسرائيل والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتسمية الأمور بمسمياتها: عدوان، فصل عنصري، ويكرّر "اسمه احتلال، احتلال، احتلال!". ووترز مثال عن الفنان الناصع الذي لا تبقى كلمات أغانيه الرافضة للحرب والعنصرية مجرّدة من ترجماتها على أرض الواقع، فتجد لها تفسيراً ملموساً، ويتحوّل إلى ناشط حقيقي، يرسل الرسائل مطالباً زملاءه الفنانين بإعطاء القليل من الوقت للاستماع لما تطرحه حركة BDS، والتفكير مرتين قبل الترويج لإسرائيل أو التساهل معها أو إقامة الحفلات فيها. يفسّر ووترز تفاؤله من تجربته الشخصية مع إعلاميين كانوا أنفسهم يسألون "لماذا أنت معادٍ للسامية؟" لإلصاق التهمة به كأنها مسألة محسومة أنه بالفعل كذلك، لكنه الآن يلمس تغيرات في صيغة طرح السؤال من الصحافي نفسه ليصير "بماذا تشعر حين يتهمك البعض بمعاداة السامية؟". تغيير صغير كهذا يعني تغيّراً في مقاربة جزء من الصحافيين للموضوع، وهو مهما كان بسيطاً، مدعاة للتفاؤل والحماس.  

 عن هذا التفاؤل الصغير يتكلم الفيلم، حيث دور وسائل التواصل الاجتماعي في فضح الممارسات الإسرائيلية اللا أخلاقية أكثر فعالية من دور وسائل الإعلام السائدة ("الماينستريم")، وحيث هناك أمل ما بأعمال صنّاع السينما الوثائقية الشبان (يعطي مثال فيلم "خمس كاميرات مكسورة")، تضاف إليها الجهود العظيمة التي تقوم بها حركة المقاطعة BDS حول العالم وفي الجامعات، وصولاً إلى تبنّي حركة Black Lives Matter لحق الشعب الفلسطيني بالحياة تحت عنوان "من فرغسون إلى فلسطين" وتشبيه الاعتداء الإسرائيلي بالعنصرية الممارًسة ضد الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية. كلها أمور ساهمت في تحويل نتائج الاستبيانات ليظهر في أحدثها أنّ الأميركيين من فئات عمرية شابة باتوا اليوم يميلون بمعظمهم للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. 
يصف روجرز هذا بأنه "فسحة من الضوء" باتجاه رفع الخداع عن الجمهور: "أتطلّع لهذا الزمن الذي أؤمن أنه آت قريباً".  

مقالات من الولايات المتحدة

"غريزة" ترامب الاصلية!

ترامب غيّر رأيه وقرّر تعزيز حضور أميركا العسكري في أفغانستان وجنوب آسيا.. لا يعرف كم وإلى متى، وسيترك "غريزته الأصلية" التي اعتمد عليها تاريخياً تقوده بعدما خانها هذه المرة.. الله...

العرب كأهل للبيت الأبيض!

طلال سلمان 2017-04-06

باتت واشنطن "عاصمة عربية"، أو هي بالتحديد، عاصمة القرار العربي بتوقيع دونالد ترامب، وما تداول به أهل القمة العربية في عمان لم يتحول إلى قرارات إلّا بعدما تبناها البيت الأبيض

للكاتب نفسه

أجمل من خيال

صباح جلّول 2023-07-06

إنها أجمل من الخيال والأفلام، هذه الحكاية، والناس في حكاياتنا أجمل من الأبطال الخارقين أيضاً وأكثر إبهاراً. ننظر إلى المشهد مرة أخرى، فنتفاجأ بشبان عاديين، عاديين تماماً، ولكن قادرين تماماً...

خضر عدنان شهيداً: قتلوا المناضل المثال!

صباح جلّول 2023-05-02

روح الشيخ خضر عدنان المقاتلة التي لا تلوِّثها اعتبارات السياسة والفصائل والانتماءات والمصالح هي بالذات ما أرّق الاحتلال. كان شيخاً تقياً منفتحاً وعاملاً خبّازاً يعمل في مخبزه في بلدته عرّابة،...