الكفاح من أجل العدالة المناخية في المنطقة العربية

يعتمد بقاء الجنس البشري على ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض، وعلى التكيف مع المناخ المتغيّر، مع الانتقال إلى طاقات متجددة ومعدلات مستدامة من استخدام الطاقة وتحولات اجتماعية أخرى. لكن القوى نفسها وبُنى السلطة الشرهة التي أسهمت في حدوث تغيّر المناخ تصيغ حالياً الردَّ عليه والتعامل معه! وهدفها الأساسي هو حماية المصالح الخاصة وجني أرباح أكبر.
2022-12-20

حمزة حموشان

باحث ومناضل جزائري مقيم في لندن، وهو منسق برنامج شمال أفريقيا في "المعهد العابر للقوميات" "TNI "


شارك
| en
غسان غائب - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

باتتْ آثار تغير المناخ واقعاً في بلادنا، وهي تُقوِّض الأسس الاقتصادية-الاجتماعية والايكولوجية للحياة في المنطقة التي تعاني من موجات حر متكررة وحادة، وفترات جفاف مطولة، وهي ظواهر لها آثار كارثية على الزراعة وخصوصاً على صغار المزارعين غير القادرين على مجابهة أعبائها. وفي السنوات المقبلة، تُقدّر هيئة المناخ (IPCC) أن منطقة حوض المتوسط ستتعرض لاشتداد في الأحداث المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والفيضانات، مع زيادة في معدلات القُحولة والجفاف (1).

تقع آثار هذه التغيرات بقدر غير متناسب على المهمشين في المجتمع، ولا سيما صغار المزارعين والمشتغلين بالرعي والعمال الزراعيين والصيادين. بدأ الناس بالفعل يشعرون بالاضطرار إلى ترك أراضيهم بسبب موجات الجفاف والعواصف الشتوية الأقوى والأكثر تواتراً، وتوغّل الأراضي الصحراوية وارتفاع مستوى سطح البحر (2). تعاني المحاصيل من الفشل في مواسم الحصاد، وتقلّ مصادر المياه تدريجياً، فيشتدّ تأثيرها على الإنتاج الغذائي في منطقة صارت تعتمد بشكل مزمن على الواردات الغذائية (3). سوف تطرأ ضغوط هائلة على إمدادات المياه القليلة بالفعل بسبب التغيرات في أنساق تساقط الأمطار وتوغل مياه البحر في خزانات المياه الجوفية، فضلاً عن الإفراط القائم في استخدام تلك المياه. وسيعرّض هذا أغلب الدول العربية لمستوى فقر مائي مُطلق، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً بحلول عام 2050 (4).

يتنبأ العلماء بأن المناخ في قطاعات واسعة من المنطقة قد يتغير بشكل يهدّد قدرة بقاء السكان على قيد الحياة نفسها (5). في شمال أفريقيا على سبيل المثال، ستشمل الفئات التي ستتغير حياتها بأكبر قدر صغار المزارعين في دلتا النيل والمناطق الريفية في كل من المغرب وتونس، والصيادين في جربة وقرقنة (تونس) وسكان عين صالح في الجزائر واللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف (الجزائر) والملايين ممن يعيشون في عشوائيات القاهرة والخرطوم وتونس العاصمة والدار البيضاء.

ما يحرك عنف التغيّر المناخي هو قرار الاستمرار في حرق الوقود الأحفوري، وهو اختيار اتخذته الشركات والحكومات الغربية، بالتعاون مع الحكام أنفسهم في مختلف دول منطقتنا. إضافة إلى ذلك، تعتبر إزالة الغابات والزراعة غير المستدامة، بتشجيع من قطاع الزراعة التجارية والصناعية (Agribusiness)، وتربية الحيوانات المكثّفة، من القطاعات الأخرى المتسببة في انبعاثات كبيرة تساهم في تغيّر المناخ.

تضع الأنظمة السلطوية في المنطقة العربية خطط الطاقة والمناخ بمساعدة داعميها في الرياض وبروكسل وواشنطن. وتتعاون النُخب المحلية الثرية مع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وعلى الرغم من وعودها، فإن تصرفات هذه المؤسسات تُظهر أنها عدوّةٌ للعدالة المناخية ولا تكترث لبقاء الجنس البشري.

القمم!

في كل عام، يجتمع قادة العالم السياسيين والمستشارين والإعلام ولوبيات الشركات في مؤتمرات الأطراف في "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (COP – كوب). لكن على الرغم من التهديد الذي يواجه الكوكب، تستمر الحكومات في السماح بتصاعد الانبعاثات الكربونية وبتفاقم الأزمة. بعد ثلاثة عقود مما وصفته الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ بـالثرثرة ("bla, bla, bla")، أصبح من الواضح أن المحادثات المناخية مفلسة وفاشلة. اختطفتها الشركات والمصالح الخاصة التي تروج لحلول كاذبة هدفها جني الأرباح، مثل أفكار تجارة الكربون وما يُسمى بـ "الصفر الصافي" و"الحلول المستندة إلى الطبيعة"، بدلاً من إجبار الأمم الصناعية والشركات متعددة الجنسيات على تقليل الانبعاثات الكربونية وترك الوقود الأحفوري حيث ينتمي، في باطن الأرض (6).

يجب أن يغيِّر التّحوّل/الانتقال الأخضر والعادل نظامنا الاقتصادي العالمي الذي لا يصلح على المستوى الاجتماعي والبيئي، وحتى البيولوجي (مثلما كشفته جائحة كوفيد-19)، وأن يُنهي العلاقات الاستعمارية التي ما زالت تستعبِد الشّعوب. يُفترض أن نتسآءل دائماً: من يمتلك ماذا؟ من يفعل ماذا؟ من يحصل على ماذا؟ من يفوز ومن يخسر؟ ومصالح من تأتي في المرتبة الأولى؟ 

جذب مؤتمر "كوب 26" الذي انعقد في "غلاسكو" (اسكتولندا) في عام 2021 اهتماماً إعلامياً هائلاً لكنّه لم يحقق أيّ عوائد كبرى. ويُمكن إصدار الحكم نفسه على محادثات 2022 التي انعقدت في شرم الشيخ بمصر، وعلى تلك التي ستنعقد في الإمارات ("كوب 28" في العام 2023)، لا سيما على ضوء اشتداد التنافس الجيو-سياسي العالمي على خلفية الحرب في أوكرانيا، وهو سياق لا يسمح بالتعاون بين القوى الكبرى، ويمثل ذريعة إضافية لاستمرار الإدمان العالمي على الوقود الأحفوري. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش محادثات التغير المناخي.

لمصلحة من، ومن يدفع الثمن؟

يعتمد بقاء الجنس البشري على ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض، وعلى التكيف مع المناخ المتغيّر، مع الانتقال إلى طاقات متجددة ومعدلات مستدامة من استخدام الطاقة وتحولات اجتماعية أخرى. سوف تُنفَق المليارات على محاولة التكيّف، من البحث عن مصادر مائية جديدة وإعادة هيكلة الزراعة وتغيير المحاصيل وبناء حواجز بحرية (مصدّات أمواج) لإبقاء الماء المالح بعيداً عن اليابسة، وتغيير شكل وطبيعة المدن، ومحاولة الانتقال إلى مصادر خضراء للطاقة من خلال انشاء البنية التحتية المنشودة والاستثمار في الوظائف والتكنولوجيا الخضراء. لكن مصالح مَن ستخدم هذه التحولات والانتقال الطاقي؟ ومن هم المتوقع أن يدفعوا أغلى أثمان الأزمة المناخية والتعاملات معها؟

تصيغ حالياً القوى نفسها وبُنى السلطة الشرهة التي أسهمت في حدوث تغيّر المناخ الردَّ عليه والتعامل معه. هدفها الأساسي هو حماية المصالح الخاصة وجني أرباح أكبر. في حين أن المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعكف على وضع تصورات عن الحاجة إلى الانتقال المناخي، فإن تصوراتها هي تصورات بانتقال رأسمالي بقيادة الشركات في أغلب الأحيان، وليست تصورات بخطط تقودها المجتمعات المحليّة وفي خدمة مصالحها. لا تجد أصوات منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية عادةً آذاناً صاغية عندما يتعلق الأمر بعواقب هذا الانتقال والحاجة إلى بدائل عادلة وديمقراطية. على النقيض من ذلك فإن المؤسسات المالية العالمية ومعها "وكالة التنمية الألمانية" ومختلف هيئات "الاتحاد الأوروبي" تتحدث بوضوح وبصوت مسموع، وتنظم الفعاليات وتنشر التقارير في دول المنطقة العربية. إنها تسلط الضوء على مخاطر العالم الذي يزداد حرارةً وتدعو إلى تحركات عاجلة، بما يشمل استخدام طاقة متجددة أكثر وخطط للتكيف. وفي ظل غياب خطاب بديل من حكوماتنا، تبدو مقترحات هذه المؤسسات جذريةً. لكن تحليلاتها للتغيّر المناخي والانتقال المنشود ضيّقة ومحدودة وهي في واقع الأمر خطرة، إذ تهدد بإعادة إنتاج أنماط الاستلاب نفسها ونهب الموارد التي وسمت حقبة الوقود الأحفوري الحالية.

على العموم، تهيمن المؤسسات النيوليبرالية الدولية على أغلب الكتابات عن التغيّر المناخي والأزمة الإيكولوجية والانتقال الطاقي في شمال أفريقيا والمنطقة العربية. تحليلاتها متحيزة ولا تتعاطى مع أسئلة الطبقة والعرق والجندر والعدل والسلطة أو التاريخ الكولونيالي. حلولها المقترحة ووصفاتها للمشاكل تستند إلى السوق، وتأتي من أعلى لأسفل، ولا تتصدى للأسباب الجذرية لأزمات المناخ والبيئة والغذاء والطاقة. تؤدي المعرفة التي تنتجها هذه المؤسسات وبشكل عميق إلى عدم التمكين، وتتجاهل أسئلة القمع والمقاومة، وتركز بقوة على نصائح "الخبراء"، مع إقصاء الأصوات "القادمة من أسفل".

رؤيةَ المستقبل التي تدفعها أطرافٌ مثل البنك الدولي ووكالة التنمية الألمانية والهيئة الأمريكية للتنمية الدولية ووكالة التنمية الفرنسية والكثير من هيئات الاتحاد الأوروبي، يكون الاقتصاد فيها خاضعاً لمنطق الربح الخاص، بما يشمل الدفع بالمزيد من الخصخصة للمياه والأرض والموارد والطاقة، بل وحتى الغلاف الجوي. تشمل المرحلة الأخيرة في هذا التّوجه الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي يتم تنفيذها في كل قطاع في المنطقة، وتشمل كذلك قطاع الطاقات المتجددة. الدفع نحو خصخصة الطاقة وهيمنة الشركات في مجال الانتقال الطاقي ظاهرة عالمية لا تقتصر على منطقتنا، لكن آليات هذه العملية هنا متقدمة أكثر، ولم تصادف إلى الآن مقاومة كبيرة.

 المغرب الأقصى ماضٍ بقوة في هذا المسار. وهناك دفع قوي الى الخصخصة وتوسيعها في قطاع الطاقة المتجددة في تونس، مع تقديم محفِّزات هائلة للمستثمرين الأجانب لإنتاج الطاقة الخضراء في البلاد، بما يشمل إنتاجها لأغراض التصدير. وتسمح القوانين التونسية باستخدام الأراضي الزراعية في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة في بلد يعاني بالفعل من تبعية غذائية حادة (7)  (كما تبين أثناء انتشار جائحة كوفيد ثم مع اجتياح الحرب لأوكرانيا).

تشدّد حتماً تطورات كهذه في المنطقة على أهمية طرح سؤال: "الطاقة من أجل ماذا ومن أجل من؟ من الذين سيخدمهم الانتقال الطاقي؟". تستعرض المؤسسات المالية الدولية والشركات والحكومات "الاقتصاد الأخضر" أو ما تسمّيها ب"التنمية المستدامة" بصفتها منظوراً جديداً. لكنها في واقع الأمر امتداد لمنطق التراكم الرأسمالي نفسه، والتسليع والتعامل المالي البحت، بما يشمل تطبيق كل هذا على الطبيعة ذاتها.

على العموم، تهيمن المؤسسات النيوليبرالية الدولية على أغلب الكتابات عن التغيّر المناخي والأزمة الإيكولوجية والانتقال الطاقي في شمال أفريقيا والمنطقة العربية. تحليلاتها متحيزة ولا تتعاطى مع أسئلة الطبقة والعرق والجندر والعدل والسلطة أو التاريخ الكولونيالي. حلولها المقترحة ووصفاتها للمشاكل تستند إلى السوق، وتأتي من أعلى لأسفل، ولا تتصدى للأسباب الجذرية لأزمات المناخ والبيئة والغذاء والطاقة.

رؤيةَ المستقبل التي تحملها وتدفع اليها أطرافٌ مثل البنك الدولي ووكالة التنمية الألمانية والهيئة الأمريكية للتنمية الدولية ووكالة التنمية الفرنسية والكثير من هيئات الاتحاد الأوروبي، يكون الاقتصاد فيها خاضعاً لمنطق الربح الخاص، بما يشمل الدفع الى المزيد من الخصخصة للمياه والأرض والموارد والطاقة، بل وحتى الغلاف الجوي. 

إن الواقع التاريخي والسياسي والجيوفيزيائي للمنطقة العربية يعني أن كلًّا من الآثار والحلول الخاصة بالأزمة المناخية ستكون مختلفة في المنطقة عن وضعها في أية سياقات أخرى. إنخرطت المنطقة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع تابِعٍ: أثّرت القوى الاستعمارية على تلك الدول أو أجبرتها على القبول ببناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج وتصدير الموارد – عادةً ما تُقدم رخيصة في صورة خام – اقتراناً باستيراد السلع الصناعية عالية القيمة. النتيجة هي نقل واسع النطاق للثروة إلى المراكز الإمبريالية على حساب التنمية المحلية (8). يؤكد استمرار هذه العلاقات غير المتكافئة أو غير المتعادلة حتى اليوم على دور دول المنطقة بصفتها جهات مُصدِّرة للموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز والسلع الأساسية المعتمدة بشكل مكثف على المياه والأرض، مثل المحاصيل الزراعية النقدية. يفاقم هذا التجذّر للنمط الاقتصادي الاستخراجي التصديري من التبعية الغذائية والأزمة الإيكولوجية مع تكريس علاقات هيمنة امبريالية وتراتبيّات استعمارية جديدة (9).

ومن ثَمَّ، فهناك أسئلة مهمة يجب طرحُها عند الحديث عن التصدي لتغيّر المناخ والتحول نحو الطاقات المتجددة في المنطقة: كيف سيكون التعامل العادل مع التغير المناخي هنا؟ هل يعني حرية الانتقال إلى أوروبا وفتح الحدود معها؟ هل يعني تسديد الدين المناخي والإنصاف والتعويض من قبل الحكومات الغربية والشركات متعددة الجنسيات والنخب المحلية الثرية؟ ما الذي يجب أن يحدث لموارد الوقود الأحفوري في المنطقة؟ أيجدر بنا إذاً تغيير النمط الزراعي الاستخراجي والاستنزافي الموجّه نحو التصدير الذي يطغى على اقتصاديات المنطقة؟ من الذي يجب أن يتحكم في الطاقة المتجددة لدينا؟ ما معنى التكيّف مع المناخ المتغيّر ومن سيشكل هذه الآليات ومن سيستفيد منها؟ ومن هي الأطراف التي ستكافح من أجل تغيير حقيقي وتحوّلات جذريّة؟

بينما بدأت بعض الحكومات عبر العالم في التعامل مع تغير المناخ بجدية، فهي كثيراً ما تفعل هذا انطلاقاً من منظور "الأمن المناخي" (10)، من تدعيم للدفاعات ضد ارتفاع مستوى سطح البحر إلى مواجهة الحوادث المناخية المتطرفة... ولكنها كثيراً ما تُفعِّل إجراءاتها أيضاً ضد "تهديد" اللاجئين المناخيين وضد إعادة التفاوض على توزيع السلطة عالمياً. علينا أن نبدأ بالبحث في قضايا التغيّر المناخي من خلال منظور العدالة، لا منظور الأمن. مستقبلٌ يَتم تشكيله حول منظور "الأمن" سيُخضع نضالاتنا لأطر مفاهيمية وتخيّلية تعيد في نهاية المطاف تمكين قوى الدولة القمعية، مع فرض المنطق الأمني والعسكري على الاستجابة لتغيّر المناخ. المزيد من الدبابات والبنادق، وجدران أعلى، وحدود أكثر "عسكرة"، هي إجراءات لن تحل الأزمة المناخية. في أفضل الأحوال، سوف تسمح للأغنياء بالبقاء في أوضاع مريحة مع دفع باقي العالم ثمن الجمود في التعامل مع التغيّر المناخي. علينا أن نُقْدِم على قطيعة نهائية مع نظام الاستغلال الرأسمالي للناس والكوكب الذي أدى إلى الأزمة المناخية، لا أن نُمكّن هذا النظام بتسليحه وتعميق وجوده.

يجب أن يغيِّر التّحوّل/الانتقال الأخضر والعادل بشكل أساسي نظامنا الاقتصادي العالمي الذي لا يصلح على المستوى الاجتماعي والبيئي، وحتى البيولوجي (مثلما كشفته جائحة كوفيد-19)، وأن ينهيَ العلاقات الاستعمارية التي ما زالت تستعبِد الشّعوب. يجب أن نتسآءل دائماً: من يمتلك ماذا؟ من يفعل ماذا؟ من يحصل على ماذا؟ من يفوز ومن يخسر؟ ومصالح من تأتي في المرتبة الأولى؟ نحن بحاجة إلى الابتعاد عن المنطق الإمبريالي والعرقي، وكذلك الجندري، لتحميل العبء للآخرين، الذي إذا تُرك دون تحدّي، فإنه لن يؤدي إلّا إلى استعمار أخضر ومزيد من السعي للاستخراج والاستغلال من أجل أجندة خضراء مزعومة.

يؤشر استمرار العلاقات غير المتكافئة الى دور دول المنطقة كجهات مُصدِّرة للموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز والسلع الأساسية المعتمِدة بكثافة على المياه والأرض. يفاقم هذا التجذّر للنمط الاقتصادي الاستخراجي التصديري من التبعية الغذائية والأزمة الإيكولوجية، مع تكريس علاقات هيمنة امبريالية وتراتبيّات استعمارية جديدة، تتضمن تمكين قوى الدولة القمعية بمزيد من الدبابات، وحدود أكثر "عسكرة". وهي إجراءات لن تحل الأزمة المناخية.

 يستلزم الكفاح من أجل العدالة المناخية والانتقال العادل أخذ المسؤوليات ونقاط الضعف المتفاوتة بين الشمال والجنوب في عين الاعتبار. لذلك يجب سداد الديون البيئية والمناخية إلى بلدان الجنوب العالمي التي باتت أكثر تضرراً من تغيرات المناخ والتي حبَستها الرأسمالية العالمية في نمط استخراجي نهّاب ومدمّر. في سياق عالمي من اللّبرلة القسرية والدفع باتجاه صفقات تجارية غير عادلة، بالإضافة إلى التدافع على النفوذ وموارد الطاقة، يجب ألا يصبح أيّ انتقال أخضر وأيّ حديث عن الاستدامة واجهة لامعة لمخططات الاستعمار الجديد للنهب والسيطرة.

إن الأزمة البيئية والانتقال الضروري يتيحان لنا، من أوجه عدة، فرصةً لإعادة تكييف السياسة. لذا يجب أن يكون النضال من أجل انتقال عادل وعدالة مناخية ديمقراطيّاً للغاية عبر انخراط مجموعات السكان الأكثر تضرراً والاستجابة لحاجات الجميع. المقصود بناء مستقبلٍ يتيح للجميع كفايتَه من الطاقة وبيئةً نظيفةً وآمنةً، ومستقبل منسجم مع المطالب الثورية للانتفاضات، مطالبِ السيادة الشعبية والحرية والعدالة الاجتماعية.   

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

• دُعي الى كتابة هذه المقدمة – كضيفٍ على "السفير العربي" – الباحث والمناضل حمزة حموشان، وهو أيضاً منسّق برنامج شمال أفريقيا في "المعهد العابر للقوميات" "TNI "

______________________

نصوص دفتر "هل مخططات مواجهة التغيّر المناخي صحيحة، وهل هي كافية؟":

-مصر تخفي ثغرات السياسة المناخية أسفل سجادة الدعاية
-لبنان: كيف تدير دولة فاشلة معركة تغيّر المناخ؟ 
-واقع التعامل مع التغيرات المناخية في الجزائر  
-السودان المثقل بضعف التنمية... كيف يواجه أزمة المناخ؟    
-سوريا والتغير المناخي: التطنيش سيّد اﻷحكام!   
-المناخ في اليمن من "عيد الشجرة" إلى سباق السلحفاة والأرنب    
-العدالة المناخية تتعدى "صندوق الخسائر والأضرار"

______________________

1- هيئة المناخ. 2021. «تقرير التقييم السادس»: IPCC (2021) Sixth Assessment Report – Working group 1: The physical science basis. https://www.ipcc.ch/report/ar6/wg1/ [بالإنكليزية].
2- انظر-ـي: حمزة حموشان وميكا مينيو-بالويللو. 2015. «الثورة القادمة في شمال إفريقيا: الكفاح من أجل العدالة المناخية». https://bit.ly/3jivXFZ
3- انظر-ـي: Amouzai, A. and Kay, S. 2021. ‘Towards a just recovery from the Covid-19 crisis: the urgent struggle for food sovereignty in North Africa’. Transnational Institute and North African Food Sovereignty Network. https://bit.ly/3jhV4Ji
4- انظر-ـي: El-Zein, A. et al. 2014. ‘Health and ecological sustainability in the Arab world: a matter of survival’, The Lancet 383(9915): 458–476.
5- انظر-ي: Lelieveld, J. et al. (2016) ‘Strongly increasing heat extremes in the Middle East and North Africa (MENA) in the 21st century’, Climatic Change 23.    
6- انظر-ي: Friends of the Earth International (2021) ‘Chasing carbon unicorns: the deception of carbon markets and “net zero”. Available at: https://www.foei.org/publication/chasing-unicorns-carbon-markets-net-zero/; Corporate Accountability (2020) ‘Not zero: how “net zero” targets disguise climate inaction’. Available at: https://www.corporateaccountability.org/resources/explainer-not-zero/  
7- انظر-ـي: شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية – تونس. 2019. "فلاحتنا، غذاؤنا، سيادتنا: تحليل للسياسات الفلاحية التونسية على ضوء مفهوم السيادة الغذائية". https://bit.ly/3CfnHMg.   
8- انظر-ـي: Amin, S. 1990. Delinking: Towards a polycentric world. Zed Books; Amin, S. 2013. The Implosion of Capitalism. Pluto Press; Rodney, W. 2012. How Europe Underdeveloped Africa. London: Pambazuka Press; and Galeano, E. (1973) Open Veins of Latin America. New York: Monthly Review Press.
9- حمزة حموشان (2019) "النمط الاستخراجي ومقاومته في شمال أفريقيا"، ترانس-ناشونال: https://bit.ly/3CaAJwb وانظر-ي: ليلى رياحي وحمزة حموشان (2020) "التبعية الشاملة والمعمقة في شمال أفريقيا"، ترانس-ناشونال. https://bit.ly/3hBY2aS
10- انظر-ـي: Buxton, N. 2021. ‘A primer on climate security: the dangers of militarising the climate crisis’. Transnational Institute. https://www.tni.org/en/publication/primer-on-climate-security 


وسوم: العدد 530

للكاتب نفسه

مشكلات الانتقال إلى الطاقات المتجددة في منطقتنا ليست تقنية!

تستمر العلاقات الاستعمارية القائمة على النهب ونزع الملكية (وكذا تجريد الآخر من إنسانيته) ونقل الكُلفة الاجتماعية البيئية الى البلدان الطرَفية. لكن ذلك يجري هذه المرة باسم الانتقال نحو الطاقات المتجددة....