دارفور تعود إلى صدارة المشهد السوداني

مرّ على ضم دارفور إلى السلطة المركزية في السودان قرن كامل من الزمان، ومرّ على انطلاق التمرد العسكري في دارفور 13 عاماً. وهو يبدو قد انحسر كثيرا بعد الضربات التي وجهتها القوات المسلحة مدعومة بالمليشيات المساندة، إلى كل من "حركة العدل والمساواة" العام الماضي
2016-04-21

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
عمر كمال الدين الطيب - السودان

مرّ على ضم دارفور إلى السلطة المركزية في السودان قرن كامل من الزمان، ومرّ على انطلاق التمرد العسكري في دارفور 13 عاماً. وهو يبدو قد انحسر كثيرا بعد الضربات التي وجهتها القوات المسلحة مدعومة بالمليشيات المساندة، إلى كل من "حركة العدل والمساواة" العام الماضي، وكذلك إلى "حركة تحرير السودان - فصيل عبد الواحد نور" هذا الشهر، وكان يتمركز في منطقة جبل مرة الإستراتيجية، وقبل ذلك إلى الفصيل الآخر، جناح منى مناوي. ومع أن هذه الضربات أضعفت إلى حد بعيد الثقل العسكري للتمرد، إلّا أنها لم تقضِ عليه نهائيا إذ لا يزال هناك شعور، صدقا أو توهما، أن أقليم دارفور يعاني من تهميش في ما يتعلق بقضايا السلطة والثروة، وأن الاتفاقيات التي تمت والإجراءات المتخذة لم تخاطب جذور القضية بالصورة الكافية، بما يضع نهاية للتمرد ويسمح بعودة الاستقرار إلى الإقليم الذي يعتبر حاليا أكبر أقاليم السودان سكانا.
الحكومة من جانبها استمرت في نهجها القائم على المشاركة في أي جهد عبر وساطة إقليمية أو دولية من دون أن يؤثر ذلك على الخطوات الانفرادية التي تقوم بها، وذلك من منطلق أنها لا يمكن أن تنتظر موافقة الحركات إلى ما لا نهاية، غامزة من قناتها بأن مصالح قيادات هذه الحركات لا تتطابق بالضرورة مع مصالح سكان دارفور، بدليل حالة الانشقاقات المتتالية في صفوفها، التي بدأت بحركتين ثم تتالت وتناسلت في حالة انشقاقات لدرجة يصعب معها حصر العدد النهائي، وهو ما يعكس رغبات وتطلعات ذاتية لبعض المنتسبين لهذه الحركات.

إقليم واحد أو ولايات

وبسبب هذه الموقف، اتجهت الحكومة إلى المضي قدما في إجراء الاستفتاء الإداري وسؤال سكان دارفور عمّا إذا كانوا يريدون إقليما واحدا أو ولايات متعددة. الحكومة تعتبر هذا الاستفتاء آخر استحقاق دستوري نصت عليه اتفاقية الدوحة، وبالإجابة عليه يكتمل تنفيذ الاتفاقية خاصة أنها محددة بسنوات خمس تنتهي هذا العام، مما يعني عمليا ـ من وجهة النظر الحكومية ـ نهاية قضية دارفور التي اكتسبت حضورا عالميا غير معهود في العقد الأوّل من هذا القرن وصل إلى إصدار قرارات عدة من مجلس الأمن الدولي، بعضها تحت الفصل السابع، بل وتضمنت إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية فأصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير الذي تحدى أوامر القبض عليه، بل سافر إلى دول موقعة على ميثاق روما الذي يلزم الدول الأعضاء بالتعاون مع المحكمة وتنفيذ قراراتها، ومن بينها إلقاء القبض على البشير وتسليمه لها ليحاكم في لاهاي.. ونجحت السلطات السودانية في حشد المساندة الإفريقية خلفها لدرجة أن الاتحاد الإفريقي أصدر قراراً أدان فيه توجهات المحكمة بالتركيز على القادة الأفارقة، وأنّه بالتالي يطلب من الدول الإفريقية عدم تنفيذ قرارات المحكمة الخاصة بمذكرات التوقيف. واستناداً إلى هذا رفضت حكومة جنوب إفريقيا اعتقال البشير العام الماضي عندما زار جوهانسبرغ، الأمر الذي أثار عاصفة سياسية وقضائية لحكومة الرئيس جاكوب زوما...
يقع إقليم دارفور في غرب السودان، ويمتد على مساحة تقارب نصف مليون كيلومتر مربع، ويجاور كلا من تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان. وبسبب ضعف البنى التحتية والتداخل السكاني مع دول الجوار، فإن ما يجري في دارفور يصبح بصورة ما جزء من النزاعات الإقليمية. على أنّ هذا الموقع الجغرافي المميز كانت له إيجابياته أيضا. فعلى امتداد أربعة قرون قامت في دارفور ممالك اتصلت بالممالك الإسلامية في المغرب العربي وتوطدت بانتشار الطريقة الصوفية التيجانية، كما ارتبطت بممالك وحضارات في وادي النيل وطريق الحج ودرب الأربعين إلى مصر، بل وعرف عن دارفور على عهد السلطان علي دينار في مطلع القرن العشرين أنه كان يرسل الكسوة إلى الكعبة الشريفة. وأدت العزلة النسبية التي عاشها الإقليم إلى حدوث تطور ذاتي في قضايا الحكم والإدارة، وتلبية الاحتياجات المختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولو أنها تأثرت بعلاقاتها تلك مع الجوار شرقا وغربا. على أنّ الهجمة الخارجية من النظام التركي في القرن الثامن عشر، وفيما بعد من الإنكليز الذين ضموا دارفور إلى السودان في العام 1916، خوفا من أن يتحالف السلطان علي دينار مع تركيا خاصة وأنّ الحرب العالمية الأولى كانت مستعرة، أدت إلى حدوث انقطاع في عملية النمو الذاتي للأنظمة والمؤسسات المحلية، وهو ما كان له تأثيره فيما بعد، خاصة مع التعدد الديموغرافي والتنوع الإثني الناجم عن وجود مجموعة يغلب عليها الدم الزنجي وتُمثلها قبائل الفور والمساليت والزغاوة والبرتي، وهي تنحو نحو الاستقرار والعمل في الزراعة، وأخرى عربية، وتركز على النشاط الرعوي، وتنقسم بين البقّارة (من البقر) والأبّالة (من الأبل)، وأبرز قبائلها الرزيقات والتعايشة والهبانية والمحاميد والماهرية. ولو ان الثقافة العربية الاسلامية تظل القاعدة المشتركة التي تجمع الاثنين. وأبان تصاعد الصراع في العقد الماضي، كان يتم تبسيط الوضع على أساس أنّه صراع بين "الزرقة" (حيث يغلب الدم الزنجي) والعرب، وأن الحكومة بسبب خلفيتها العربية تنحاز ضد الزرقة.
ومع أن الإقليم يتميز بتنوع بيئي من الصحراء إلى هضبة جبل مرّة إلى السهول الرملية والطينية، إلا انه تعرض إلى موجات متتالية من الجفاف والتصحر في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى حالة نزوح ضخمة، وتكدس للمجموعات البشرية في مساحات ضيقة جغرافيا، ومن ثم اشتعال التنافس القبلي على الموارد الطبيعية المحدودة، خاصة بين الرعاة والمزارعين. واتضح عجز الهياكل القائمة على استيعاب هذه التطورات، وهو الملمح الأساسي الذي ميّز العقود الثلاثة المنصرمة. وفاقم هذه الحالة تضعضع النسيج القبلي، وعملت الإدارة الأهلية المستندة إلى البعد العشائري على ضبط الوضع الأمني، وتنظيم حيازة وإدارة الأراضي، وتمثيل الدولة على المستوى القاعدي، لكن سلطتها ضعفت أثر قيام الرئيس الأسبق جعفر النميري بإلغاء الإدارة الأهلية وبدون توفير بديل إداري قادر على حفظ الأمن وجمع الضرائب، وهي الحالة التي تفاقمت بسبب عدم الاستقرار السياسي.

متغيرات

عملية الاستفتاء أجريت وستعلن نتائجها بعد أيام، وظهر أن مقاطعة الحركات والمعارضين عموما لها قد لا تؤثر كثيرا على الواقع الجديد. ومع أنّ الجدل حول هل تصبح دارفور إقليما واحدا أو ولايات متعددة، الذي أصبح مطروحا على طاولة التفاوض، يعود إلى انطلاق التمرد العسكري ومحاولة الاقتداء بجنوب السودان الذي كان يرى أنه من الأفضل له التعامل مع الشمال كإقليم مقابل إقليم، فقد أثبتت التطورات اللاحقة أن لخيار الولايات المتعددة مناصروه كذلك، إذ يتيح الفرصة لوجود خمسة ولاة للولايات الخمس وكذلك خمس حكومات وما يتبعها من معتمدين وغيرهم، مما يزيد من حجم "كعكة" السلطة القابلة للتقسيم، بمقابل إقليم واحد بوالٍ واحد وحكومة واحدة. ويضيف آخرون أنه إذا كانت دارفور تشتكي من هيمنة المركز في الخرطوم، فإن الإقليم الواحد يعني أنّ على مواطني دارفور بمختلف مناطقها التعامل مع مركز آخر يوجد في الفاشر، عاصمة الإقليم، وذلك بدلا عن تقصير الظل الإداري وتقريب مؤسسات السلطة من المواطنين في مختلف البقاع. هذا بالإضافة إلى تزايد الوجود الدارفوري في السلطة المركزية في الخرطوم، ويقدر البعض أنه بلغ الثلث.
ورغم مضي الحكومة قدماً في موضوع الاستفتاء وإعلانها أن اتفاقية الدوحة وصلت إلى خواتيمها، إلّا أنّ ملف دارفور لم يقفل بعد، بدليل أنّ خريطة الطريق التي أعدّها الاتحاد الإفريقي لحسم قضايا السودان العديدة ووضعه على طريق التعافي تتضمن تفاوضا مع حركات دارفور المتمردة الرئيسية الثلاث، وهي الخريطة التي وافقت عليها الحكومة، بينما لا تزال الحركات المتمردة تنتظر بعض التوضيحات والإضافات للتوقيع. وإذا حدث ذلك، فستبدأ جولة أخرى من المفاوضات، الأمر الذي سيعيد الجدل حول مختلف قضايا دارفور إلى المربع الأوّل. ويبقى أمام الحكومة كيفية ترجمة تقدمها العسكري الى مكاسب سياسية قادرة على تحقيق قدر من الاستقرار ظلت دارفور تفتقده لأكثر من ثلاثة عقود.

مقالات من السودان

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...