في ليبيا، حنينٌ للعودة إلى الملكية؟!

تقدّم 32 نائباً بطلب عقد جلسة لمناقشة العودة إلى دستور 1951 بصيغته غير المعدلة، وهي صيغة تنص على اعتماد النظام الاتحادي. مبررهم هو ضرورة إنهاء المركزية التي تهيمن على المشهد العام في ليبيا، والتي أوجدت تفاوتاً ملحوظاً بين الغرب - وخاصة العاصمة طرابلس حيث المؤسسات السيادية - وبقية المناطق.
2022-11-01

صغيّر الحيدري

صحافي من تونس


شارك
الملك ادريس السنوسي

احتدمت النقاشات في ليبيا مؤخراً حول مقترح العودة إلى "دستور الاستقلال"، وهو دستور 1951، كمخرج من الأزمة التي طال أمدها منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في العام 2011 إثر انتفاضة شعبية وتدخل واسع من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

جاءت النقاشات بعد تقدم 32 نائباً بطلب من أجل عقد جلسة لمناقشة العودة إلى دستور 1951 بصيغته غير المعدلة، وهي صيغة تنص على اعتماد نظام اتحادي تُقسم من خلاله البلاد إلى ثلاثة أقاليم وهي برقة (الشرق)، فزان (الجنوب)، طرابلس الكبرى (العاصمة طرابلس والغرب) وتكون فيها عاصمتين (طرابلس وبنغازي).

ومبرر هؤلاء المطالبين بالعودة إلى دستور 1951، هو ضرورة إنهاء المركزية التي تهيمن على المشهد العام في ليبيا والتي أوجدت تفاوتاً ملحوظاً بين الغرب - وخاصة العاصمة طرابلس حيث المؤسسات السيادية - وبقية المناطق. فهل تعود عقارب الساعة إلى الوراء في ليبيا؟

التاريخ الدستوري في ليبيا

لفهم أهمية المسار الدستوري في ليبيا، لابد من الإشارة إلى أن البلاد عاشت عطالة دستورية منذ وصول القذافي إلى الحكم في إطار انقلاب نفذه بمعية عدد من "الضباط الوحدويين" في الفاتح من أيلول/سبتمبر 1969.

كانت أول خطوة قام بها القذافي وقتذاك هي إلغاء العمل بدستور 1951 وإرساء نظام جمهوري، لكنه لم يضع دستوراً يتم الاستناد إليه، بل كان "الكتاب الأخضر" هو المرجعية في الحكم وفي رسم السياسات العامة للبلاد.

جاءت انتفاضة السابع عشر من شباط/ فبراير 2011 لتضع حداً لحكم القذافي الذي استمر لأربعة عقود، مما أحيا فكرة صياغة دستور جديد للبلاد. حدث ذلك بعد ثلاث سنوات من خطوة ملموسة قام بها ابن العقيد الليبي، سيف الإسلام القذافي الذي أعلن في 2008 عن إنشاء لجنة حكومية بهدف صياغة دستور جديد. ولكن لم يكتب لهذا الإعلان النجاح.

وفي الثالث من آب/ أغسطس 2011 أصدر المجلس الانتقالي الحاكم آنذاك إعلاناً دستورياً من أجل انتخاب أجسام جديدة تقود المرحلة الانتقالية وهي أجسام صلاحياتها محددة وفقاً لهذا الإعلان الدستوري.

في 20 تموز/يوليو 2014 تبلورت المطالبات بدستور جديد على أرض الواقع في انتخاب "الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور''، وهي هيئة مؤلفة من 60 عضواً بدأت عملها بحياد قبل أن تدخل في مناكفات وسجالات قوية مع البرلمان والمجلس الأعلى للدولة اللذين حاولا تولي مهمة إدارة المسار الدستوري.

وبعد انقسامات حادة طغت على عملها، صادقت الهيئة في نيسان/ أبريل 2017 على مسودة الدستور ليُحال على الاستفتاء على الرغم من الانتقادات التي واجهتها والتي أشارت إلى تقييد الحريات، وغيرها من الملاحظات. لكن المسودة لم تُعرض بعد على الاستفتاء حيث ترفضها عدة أطراف. في تلك الأثناء، بدأت الأمم المتحدة بقيادة مسار سياسي ودستوري آخر على أمل التوصل إلى إجراء الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني ثم النظر في المسألة الدستورية، لكن مساعيها لم تُفلح بعد في تحقيق أي اختراق يُذكر.

الحنين إلى الملكية

جاءت إذاً مبادرة الـ 32 نائباً المطالبين بالعودة إلى الملكية في وقت يستمر فيه عجز الأمم المتحدة والقوى المهيمنة على الأرض في ليبيا على دفع العملية السياسية قدماً، خاصة وأن الهوة سحيقة بين الطرفين المنوط بعهدتيهما قيادة المسار الدستوري وهما: البرلمان برئاسة عقيلة صالح (انتخب في 2014) والمجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري (أُنشئ في 2016 بموجب اتفاق "الصخيرات" الموقع في 2015 بين الفرقاء الليبيين).

في 20 تموز/يوليو 2014 تبلورت المطالبات بدستور جديد على أرض الواقع بانتخاب "الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور''، وهي هيئة مؤلفة من 60 عضواً بدأت عملها بحياد قبل أن تدخل في مناكفات وسجالات قوية مع البرلمان والمجلس الأعلى للدولة اللذين حاولا تولي مهمة إدارة المسار الدستوري.

وُلدت هذه المبادرة من رحم فشل المجلسين وبقية أطراف الصراع الليبي في إيجاد الوصفة اللازمة للتعجيل بالانتخابات التي ينتظرها الليبيون من أجل إنهاء حالة الاستعصاء السياسي والانقسام التي تشهدها بلادهم منذ أكثر من عقد.

ويتحدث النواب الذين تقدموا بهذه المبادرة بتفاؤل كبير بشأن إمكانية نجاحها سيما أنهم أجروا مشاورات وتنسيق مع أعضاء في مجلس الدولة عن إقليمي برقة وفزان، لكن ذلك لا يمنع وجود عقبات كبيرة من أجل تحقيق هدفهم في العودة إلى دستور 1951.

فعلى الرغم من أن هذا المقترح يلقى تأييداً شعبياً خاصة في الشرق والجنوب الليبيين لاعتبارات عدة أهمها تهميش هاتين المنطقتين منذ الإطاحة بالقذافي، بالإضافة إلى الفشل في إقرار قاعدة دستورية تُجرى على أساسها الانتخابات، إلا أن العودة إلى دستور 1951 تقتضي توافقاً تاماً بين مجلسي النواب والدولة.

ومن المستبعد أن يُضحي رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري بالامتيازات التي يحظيان بها بقبولهما مقترحاً كهذا وتمريره للاستفتاء الشعبي. فالرجلان استنزفا سنواتٍ من التفاوض العقيم حول القاعدة الدستورية دون الوصول إلى توافق حولها.

مقالات ذات صلة

وعلى افتراض موافقة المجلسين على دستور 1951، يُستبعد أن توافق بقية الأطراف عليه، خاصةً تلك المسيطرة على الأرض، فقائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر كان من أبرز الضباط الذين شاركوا مع القذافي في الإطاحة بالملكية في 1969. كما أن موافقة حفتر على العودة إلى هذا النظام ستبدد حتماً طموحاته في الوصول إلى دفة الحكم في البلاد، شأنه شأن منافسه عبد الحميد الدبيبة الذي يسيطر على العاصمة طرابلس التي تضم المنشآت الحيوية كالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.

على الرغم من أن مقترح العودة الى دستور 1951 يلقى تأييداً شعبياً خاصة في الشرق والجنوب الليبيين لاعتبارات عدة أهمها تهميش هاتين المنطقتين منذ الإطاحة بالقذافي، بالإضافة إلى الفشل في إقرار قاعدة دستورية تُجرى على أساسها الانتخابات، إلا أن العودة إلى دستور 1951 يقتضي توافقاً تاماً بين مجلسي النواب والدولة.

يضاف إلى ما سبق غياب ولي العهد محمد رضا السنوسي عن البلاد، الأمر الذي أفقد عائلته السنوسية النفوذ الشعبي والرمزي الذي كانت تحظى به وقلص من حظوظه في التربع على عرش البلاد.

لم يمنع الغيابُ السنوسيَ من التعليق على ما يجري في ليبيا، حيث نشر في حزيران/ يونيو الماضي مقالاً في جريدة "وول ستريت جورنال" حمّل فيه السياسيّين الليبيّين مسؤولية الأزمة الراهنة قائلاً بوضوح إن "ليبيا مثل أي دولة أخرى، تحتاج إلى صلات بالماضي. ولديها هذه الصلات (..) فالليبيون لا يبنون بلداً من الصفر، لكنهم يكملون من حيث توقفوا منذ أكثر من 50 عاماً" في إشارة إلى تأسيس الدولة الليبية خلال ستينيات القرن الماضي. يعطي هذا التصريح انطباعاً بأن الأمير السنوسي لديه الرغبة في العودة لقيادة ليبيا، لكنها رغبة تصطدم بعقبات خارجية حيث لم تعلن أي دولة أو قوة إقليمية عن دعمها له على الرغم من استقباله الرسمي في البرلمان الأوروبي غداة الإطاحة بالقذافي.

صحيح أن هذه مؤشرات سلبية للمراهنين على إعادة إحياء دستور 1951 في ليبيا، لكن الحراك بهذا الشأن الذي تشهده البلاد مهم وسيشكل ضغطاً إضافياً على الأطراف التي لا تزال تناور على أكثر من صعيد لإطالة عمر المراحل الانتقالية.

فعلى الرغم من أنّ هذه الدعوات قد بدأت بشكل خجول في عام 2016، حين شكل عدد من الشخصيات السياسية ووجهاء القبائل الليبية ما أسموه بـ "حراك العودة إلى الشرعية الدستورية"، إلا أنها مع مرور الوقت بدأت تكتسب بعض الزخم. وقد تحوّل الحراك المذكور إلى مؤتمر انعقد في أكثر من مدينة في مختلف أنحاء البلاد حيث تمت مناقشة ما يطرحه دستور 1951، علاوة على بعض الاحتجاجات التي بدأت تخرج في بنغازي وغيرها من المدن للمطالبة بعودة الملكية الدستورية.   

مقالات من ليبيا

القاتل في ليبيا

2023-09-13

الليبيون يعرفون أن المشكلة تكمن في مكان آخر: تنبأ بها عام 2022 تقريرٌ كتبته إدارة ليبيّة شبحيّة: "يجب علينا بشكل عاجل صيانة وتقوية سدَّي درنة، وهناك حاجة إلى سدّ ثالث،...

للكاتب نفسه