التغير المناخي: ما الذي سيحدث في السودان؟

بلدان القارة الأفريقية هي الأكثر تضرراً بسبب تدني قدرتها على التكيّف، وسيكون الأمن الغذائي هو الهم الشاغل خلال السنوات القادمة. وقد حذّر تقرير من قمة غلاسكو للمناخ (2021) من أن الدول الـ 65 الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم، وعلى رأسها السودان، ستشهد انخفاضاً في إجمالي ناتجها المحلي بمعدل 20 في المئة بحلول العام 2050 و64 في المئة بحلول العام 2100.
2022-10-20

شمائل النور

كاتبة صحافية من السودان


شارك
| en
غسان غائب - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

ببطءٍ لا يتناسب مع الوقائع المتسارعة عالمياً، بدأت أوساطٌ علمية وأكاديمية سودانية تلفت الانتباه لقضايا التغير المناخي. وعلى الرغم من وجود عدد مقدّر من الدراسات والتقارير والمسوحات التي غطت جميع أنحاء السودان وأعطت مؤشرات واضحة للتأثيرات الناتجة عن التغير المناخي لكل منطقة - وهي تأثيرات شديدة - إلا أن السلطات لا تبدو مهتمة بالمسألة المناخية، أو وفي أفضل الحالات، تتعامل معها على أنها بعيدة الحدوث، كما أنه لم يُرصد لأي من الفاعلين السياسيين رؤية أو حتى اهتمام بهذه المسألة.

ولأن السودان بلدٌ غارقٌ في الصراع السياسي والتردي الاقتصادي، فإن قضية مثل التغير المناخي يُنظر إليها كواحدة من مواضيع الترف السياسي والاقتصادي. يعزز ذلك الفهم السائد عموماً - وليس في السودان فحسب – مِن أن التغير المناخي يعني فقط ارتفاع درجات الحرارة وتدني معدلات الأمطار وذوبان الجليد، بينما تأثير ذلك يمتد مباشرة إلى حياة البشر حيث الجفاف وقلة الغذاء وما يترتب على ذلك...

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن الكرة الأرضية أصبحت الآن أكثر دفئاً بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت السنوات (2011 - 2020) هي الأكثر دفئاً على الإطلاق.

يرجع ذلك أساساً إلى حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) الذي يُنتج انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ (ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان) كما ينتج عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني أو حتى للاستخدامات الأخرى في بعض البلدان. كما أنه من الممكن أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. ووفقاً للمنظمة الأممية، فإن مدافن القمامة تعتبر مصدراً رئيسياً لانبعاثات غاز الميثان. كما يُعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.

الأقل نمواً... الأكثر تضرراً

السودان يُصنّف - بحسب الأمم المتحدة - من بين البلدان الأقل نمواً وبالتالي فهو متأثر بالتغير المناخي لا مؤثِّر فيه، فالسودان ليس بلداً صناعياً وهو ما يعني أن حجم الانبعاثات ضئيل، لكنه أحد أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي. وتشير الدراسات إلى أن بلدان القارة الأفريقية هي الأكثر تضرراً بسبب تدني قدرتها على التكيّف.

حذّر تقرير صادر عن محادثات "كوب26" المرتبطة بالمناخ في غلاسكو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 من أن الدول الـ 65 الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم، وعلى رأسها السودان، ستشهد انخفاضاً في إجمالي ناتجها المحلي بمعدل 20 في المئة بحلول العام 2050 و64 في المئة بحلول العام 2100، إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بنسبة 2.9 درجة مئوية. وأشارت الدراسة التي أعدّتها منظمة "كرستيان أيد" أنه حتى وإن تمّ الحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم لتبقى عند 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحاً ضمن "اتفاقية باريس للمناخ" (2015)، فإن إجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول سيتراجع بنسبة 13 في المئة بحلول 2050 و33 في المئة بحلول نهاية القرن الحالي.

منذ سنوات، بدا المناخ في السودان مختلفاً عما كان عليه خلال السنوات البعيدة الماضية، ويرتكز خبراء المناخ على ثلاثة محاور رئيسية لقياس التغير المناخي في منطقة ما: معدلات الأمطار، درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر. يقول مستشار الطاقة والبيئة والتغيرات المناخية د. إسماعيل الجزولي إن الدراسات والبحوث خلال العشر سنوات الأخيرة رصدت تذبذباً شديداً في كميات الأمطار، وأشار إلى أن فصول الخريف نفسها اختلطت وتداخلت، مما أربك عملية الزراعة التي ظلت على مدى نحو قرن مستقرة اعتماداً على توزيع ثابت لكميات الأمطار طيلة فصل الخريف. لكن الآن، وفقاً للجزولي، أصبح المناخ أكثر تطرفاً وهو ما يؤثر مباشرة في الزراعة لأن توزيع الأمطار على طول فصل الخريف هو ما يبني عليه المزارع خطته.

في شمال السودان مثلاً، يقول الجزولي إن دراسة أجريت على محصول القمح لعشر سنوات سابقة وجدت أن هناك فارق 10 أيام في ميقات الحصاد، مشيراً إلى أنّ هذا الفارق أثّر بشكل فاعل على الجودة وكمية الإنتاج حيث شهدتا تراجعاً ملحوظاً. 

يُنْتِج حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ، كما استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني. ومن الممكن أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وتعتبر مدافن القمامة مصدراً رئيسياً لانبعاثات غاز الميثان.

الكثير من المختصين يرجحون أن تكون هذه التغيرات التي طرأت على شمال السودان وقعت بسبب سد مروي الذي تم إنشاؤه عام 2009. ويشكو أيضاً منتجو التمر هناك من تراجع جودته بسبب ارتفاع معدلات الرطوبة. لكن من المهم الإشارة إلى أنه لا توجد أي دراسات علمية عن آثار السدود في السودان.

ويشير الجزولي في ورقة علمية قدمها في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 إلى أن متوسط درجة الحرارة في السودان في ارتفاع بشكل ملحوظ، وإذا لم يتعامل العالم بجدية مع قضية تغير المناخ والعمل الجاد للحد من آثاره، فمن المتوقع أن تبدأ درجات الحرارة في الزيادة بشكل ملحوظ من 1.5 لتصل الى إلى 3.1 درجة مئوية في شهر آب/ أغسطس من عام 2060.

بشكل عام، يعتبر مناخ السودان حار في معظم أوقات العام، مع هطول الأمطار الموسمية التي تتناقص كلما اتجهنا شمالاً. تهطل الأمطار بكميات أكبر في جنوب البلاد وتصل معدلاتها إلى 692 ملم سنوياً في منطقة "الدمازين" المتاخمة للحدود مع إثيوبيا، حيث يستمر هطول الأمطار في هذه المناطق لثمانية أشهر خلال العام. ووفقاً للتقرير الرسمي "حالة البيئة في السودان والتوقعات المستقبلية" (1) الذي تم إعداده العام 2020، تشير بيانات هيئة الأرصاد الجوية السودانية إلى تأخر في بداية هطول الأمطار في الفترة (1981-2016)، وتقول البيانات ذاتها إن ظروف الجفاف أصبحت أكثر تواتراً، ومتوسط درجات الحرارة بشكل عام مرتفع للغاية، مما يجعل البلاد جافة وقاحلة إلى جانب انخفاض هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة ذروتها في شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو حيث يبلغ متوسط درجات الحرارة 41 درجة مئوية. لكن البيانات أشارت إلى أنه من المحتمل أن تصل إلى 47 درجة مئوية.

شهد شمال دارفور أكثر الأعوام جفافاً منذ عام 1972 وهو ما أسفر عن تهديد واضح للإنتاج الزراعي والحيواني، ولحق الفشل بحوالي 40 في المئة من حصاد المحاصيل في المتوسط. ومن المتوقع فشل 70 في المئة من الحصاد بحلول عام 2050 في المتوسط، بحسب "الخطة الوطنية للتكيف". 

ولاية البحر الأحمر الساحلية معرّضة لارتفاع مستوى سطح البحر والتداعيات السلبية لتغير درجات حرارة سطح البحر والتنوع البيولوجي البحري. أما في ولاية "القضارف"، فقد أثّر تناقص مستويات هطول الأمطار في قطاع الاقتصاد الزراعي بالولاية، فتدنى إنتاج الذرة (محصول رئيسي) بين 1981-2008 بمعدل 25 في المئة. وعلى المستوى الصحي، فإن شرق البلاد مهدد بانتشار أكثر لحمى الضنك والملاريا.

وعلى الرغم من أن السودان بلد صحراوي وشبه صحراوي إلى حد كبير، إلا أن الموارد الطبيعية تمثل العمود الفقري للاقتصاد السوداني. ويساهم القطاع الزراعي بحوالي 30-35 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتشكل الزراعة مصدر دخل لحوالي 65 في المئة من السكان وفقاً لبيانات البنك الدولي ووزارة الزراعة (2016) وتوفّر الزراعة وظائف لحوالي 50 في المئة من القوى العاملة بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة 2018.

ويقول تقرير "حالة البيئة في السودان" المذكور آنفاً إن أكبر تأثير لتغير المناخ في السودان يتبدى في تدني إنتاج الغذاء. لذلك فإن جهود التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي في البلاد تدعم التحول إلى أصناف محاصيل وسلالات حيوانية محسّنة مقاوِمة للجفاف، وإقامة أحزمة خضراء من الصمغ العربي، والتحول إلى أشكال الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من أن أشعة الشمس في هذه البلاد تستمر لساعات طويلة بما يمكن استغلالها للحصول على الطاقة الشمسية، إلا أن السودان يعتمد إلى حد كبير على الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة، مما يعرّض الناس لأشكال مختلفة من التلوث. وتشير البيانات الرسمية إلى أن 56 في المئة من إمدادات الطاقة في السودان تأتي من الكتلة الحيوية (الخشب، الفحم، المخلفات الزراعية والنفايات الحيوانية)، و39 في المئة من البترول (البنزين، الديزل والزيوت الثقيلة) و5 في المئة من الطاقة الكهرومائية.

أبرز التغيرات على مناطق البلاد

طالما أن تدني إنتاج الغذاء من أبرز مخاطر التغير المناخي في السودان، فإن المياه، والمراعي والزراعة ستعكس حجم هذا التغير بشكل أكثر وضوحاً، حيث يمتهن غالبية السكان الزراعة والرعي.

تبلغ مساحة السودان 1.88 مليون كلم مربع وتشكّل الأراضي الصالحة للزراعة حوالي ثلث المساحة الكلية للبلاد، لكن حوالي 21 في المئة فقط هي جملة المساحة المزروعة، وما يزيد على 35 في المئة من مساحة السودان عبارة عن مراعي. واعتادت المجتمعات الزراعية والرعوية في الكثير من المناطق على التعايش بشكل سلمي، لكن تغيّر المناخ يشكل مهدداً رئيسياً، إذ من المتوقع حدوث تغييرات اجتماعية سالبة نتيجة التشارك في موارد محدودة.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن غالبية النزاعات المسلحة في السودان نشأت بالأساس لأسباب صراع على الموارد الطبيعية. ففي دارفور مثلاً ظلت العلاقة بين المجتمعات الزراعية والرعوية عرضة للتصادم باستمرار، لذلك ينظر الخبراء إلى مناطق النزاعات بعين الحذر الشديد إذ يتضاعف تأثرها بالتغيرات المناخية أكثر من المناطق الأخرى.

إقليم دارفور يتكون من 5 ولايات رئيسية: شمال دارفور الذي يتميز بمناخ شبه صحراوي، غرب ووسط دارفور – وهي منطقة سافنا منخفضة الأمطار، وجنوب وشرق دارفور وهي مناطق سافنا كثيرة الأمطار. ويتباين هطول الأمطار في دارفور. وبحسب تقرير "الخطة الوطنية للتكيف"، فإن السنوات الأخيرة شهدت كثافة في هذا النمط، حيث شهد شمال دارفور أكثر الأعوام جفافاً منذ عام 1972 وهو ما أسفر عن تهديد واضح للإنتاج الزراعي والحيواني، ولحق الفشل بحوالي 40 في المئة من حصاد المحاصيل في المتوسط. ومن المتوقع فشل 70 في المئة من الحصاد بحلول عام 2050 في المتوسط، بحسب الخطة الوطنية للتكيف.

أما شرق البلاد الذي ينقسم مناخه بين صحراوي وشبه صحراوي وسافنا منخفضة الأمطار، ويتميّز اقتصاده بخليط من الزراعة التقليدية والزراعة الآلية المطرية والقروية، إلى جانب تربية الحيوان والنشاط التجاري في المنطقة الساحلية التي تضم عدداً من الموانئ، فهو يشهد تبايناً متزايداً وتناقصاً في هطول الأمطار، وارتفاعاً في درجات الحرارة. وبحسب التقارير الرسمية التي استندت عليها "الخطة الوطنية للتكيف"، فإن هذه التغيرات توزعت بصورة غير منتظمة عبر الولايات الثلاث. وتعتبر ولاية "كسلا" أكثر الولايات تعرضاً للتباين الكبير في هطول الأمطار، والارتفاع المتزايد في درجات الحرارة. أما ولاية البحر الأحمر (ولاية ساحلية) فهي معرّضة لارتفاع مستوى سطح البحر والتداعيات السلبية لتغير درجات حرارة سطح البحر والتنوع البيولوجي البحري.

في ولاية نهر النيل يشكل ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والجفاف مهدِّداً دائماً للصحة حيث تشكل الأمراض المحمولة بالمياه 80 في المئة من الأمراض المرصودة، مثل الملاريا، الجيارديا، الكوليرا، الديزنتاريا، والبلهارسيا.

في ولاية النيل الأبيض حوالي 8 مليون رأس من الضأن والماعز والأبقار، ويصنف تقرير "الخطة الوطنية للتكيف" ولاية النيل الأبيض كأكثر ولايات السودان ضعفاً، فقد تأثرت كثيراً بتغير المناخ الناجم عن الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، وتناقص الأمطار السنوية، فضلاً عن ازدياد التباين. 

وفي ولاية "القضارف"، فقد أثّر تناقص مستويات هطول الأمطار بالفعل في قطاع الاقتصاد الزراعي بالولاية، وتشكل الزراعة الآلية المطرية في القضارف 90 في المئة من النشاط الزراعي، ورصدت التقارير تدنياً متزايداً في إنتاج المحاصيل حيث تناقص إنتاج الذرة (محصول رئيسي) بين 1981-2008 بمعدل 25 في المئة. وعلى المستوى الصحي، فإن شرق البلاد مهدد - نتيجة ارتفاع درجات الحرارة - بانتشار أكثر لحمى الضنك والملاريا، وهي من الأمراض الموجودة أصلا في "كسلا".

في وسط وشمال البلاد ذات المناخ الصحراوي، تم خلال الفترة 1994-2005 تسجيل ارتفاعات كبيرة في درجات الحرارة في الشتاء، وهو الأمر الذي يقلل طول فترة الزراعة الشتوية، وبالتالي يقلل من إنتاجية المحاصيل. وفي الوقت نفسه فان السرعات الزائدة للرياح، وتنقّل كثبان الرمال تؤثر على الأراضي المزروعة - على محدوديتها - بإغلاق قنوات الري.

في ولاية نهر النيل يشكل ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والجفاف مهدِّداً دائماً للصحة حيث تشكل الأمراض المحمولة بالمياه 80 في المئة من الأمراض المرصودة، مثل الملاريا، القارديا، الكوليرا، الديزنتاريا، والبلهارسيا.

وقد ظهرت متغيرات بيئية جديدة في بعض مناطق السودان ومن بينها ولاية نهر النيل، حيث ينتشر التعدين التقليدي عن الذهب. ومع غياب الاشتراطات البيئية وغياب الرقابة على الأنشطة التقليدية، فإن احتمال تلوث مياه السيول بالزئبق (السيانيد) يشكل مهدِّداً جديداً كما حدث خلال شهر آب/ اغسطس 2022 حيث اختلطت هذه المواد بمياه السيول خلال موسم الأمطار المنصرم.

وتمثل تربية الحيوان في هذه المناطق مصدر الدخل الثاني الرئيسي، لكن إنتاجية المراعي تتدهور بسرعة بسبب زيادة ارتفاع درجات الحرارة، وتكرار دورات الجفاف، وازدياد سرعة الرياح، والرعي الجائر.

في الولاية الشمالية المتاخمة لمصر، يشير تقرير "الخطة الوطنية للتكيف" (2) إلى ظهور أمراض نباتية جديدة بسبب تغير المناخ، مثل أمراض أشجار النخيل في "منطقة الغابة". كما أشار التقرير إلى ظهور أمراض جلدية جديدة مثل الجرب، وهي أمراض لم تكن موجودة من قبل في الولاية.

أما في ولاية الجزيرة التي تضم أكبر المشاريع الزراعية في السودان، وأحد أكبر المشاريع المروية في العالم "مشروع الجزيرة"، البالغة مساحته 2 مليون فدان، فإنه من المتوقع أن يسبب تباين المناخ خطراً حقيقياً، بتهديده لقطاع المياه، والزراعة المروية والمطرية، والغابات والمراعي. ويعتبر هطول الأمطار ونهر النيل والمياه الجوفية هي المصادر الرئيسية للمياه بولاية الجزيرة. ونسبة للتباين الكبير في المناخ، فإن هذه المصادر معرضة للضعف، وتوفر الأمطار والمياه الجوفية 80 في المئة من الإمدادات المحلية للمياه.

ولاية النيل الأزرق الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد، هي من مناطق السافنا غزيرة الأمطار، شهدت تناقصاً في هطول الأمطار (450 - 500 ملم) على مر العقد الأخير (2011-2021). وفي الفترة نفسها شهدت الولاية دورات من الفيضانات والجفاف، فضلاً عن ارتفاع في درجات الحرارة وسرعة الرياح. وأظهر تقييم الهشاشة لتغير المناخ أن أكثر المدن تأثراً هى "الدمازين"، "الروصيروص" و"التضامن"، وهي أكبر مدن النيل الأزرق وقد تأثرت بالفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة ودورات الجفاف. ويهدد تغير المناخ اقتصاد الولاية القائم على الزراعة مما ينذر بخطر على الأمن الغذائي.

السودان بلد صحراوي وشبه صحراوي إلى حد كبير، إلا أن الموارد الطبيعية تمثل العمود الفقري لاقتصاده. ويساهم القطاع الزراعي بحوالي 30-35 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والزراعة مصدر دخل لحوالي 65 في المئة من السكان وفقاً لبيانات البنك الدولي ووزارة الزراعة (2016)، وتوفّر وظائف لحوالي 50 في المئة من القوى العاملة بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة 2018.

اعتادت المجتمعات الزراعية والرعوية في الكثير من المناطق على التعايش بشكل سلمي، لكن تغيّر المناخ يشكل مهدداً رئيسياً، إذ من المتوقع حدوث تغييرات اجتماعية سالبة نتيجة التشارك في موارد محدودة. ومن الأهمية الإشارة إلى أن غالبية النزاعات المسلحة في السودان نشأت بالأساس لأسباب تتعلق بالصراع على الموارد الطبيعية. 

أما ولاية النيل الأبيض المتاخمة لدولة جنوب السودان فتبلغ فيها جملة مساحة الأراضي حوالي 40 ألف كلم مربع، ويكسب 70 في المئة من السكان عيشهم من الزراعة المطرية التقليدية والماشية. وبالولاية حوالي 8 مليون رأس من الضأن والماعز والأبقار، ويصنف تقرير الخطة الوطنية للتكيف ولاية النيل الأبيض كأكثر ولايات السودان ضعفاً، فقد تأثرت كثيراً بتغير المناخ الناجم عن الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، وتناقص الأمطار السنوية، فضلاً عن ازدياد التباين. كل ذلك أدى إلى آثار سالبة على توافر المياه والإمكانيات الزراعية من خلال تزايد وتيرة الجفاف، والعواصف الترابية، وهنالك أيضاً تزايدٌ مستمرٌ لوتيرة الفيضانات. ويشير التقرير إلى مؤثرات غير مناخية قادت إلى تفاقم هذه الاتجاهات المناخية، مثل تناقص الغطاء النباتي الناجم عن الرعي الجائر، وسوء إدارة الموارد المائية

التحدي قائم

وعلى عكس الفهم السائد، فإن التغير المناخي في السودان لن يستثني منطقة بما في ذلك المناطق التي تتمتع بمناخ سافنا غنية. ويبقى الأمن الغذائي هو الهم الشاغل خلال السنوات القادمة. وقد وضعت الدراسات والخطط الخاصة بالتكيف وصفات وقائية شديدة الوضوح فيما يخص كل الموارد الطبيعية المهددة بالتغير المناخي، وعلى رأسها المياه، حيث يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه في السودان حوالي 700 متر مكعب وهو أقل بكثير من "هامش ندرة المياه" البالغ 1000متر مكعب للفرد. وفي السودان يعتبر الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي متدن بشكل عام، إذ يحصل 70 في المئة من سكان المناطق الحضرية و63.5 في المئة في المناطق الريفية على مياه الشرب المأمونة، بينما يبلغ متوسط الوصول إلى خدمات الصرف الصحي 39.5 في المئة (57 في المئة في المناطق الحضرية و22 في المئة في المناطق الريفية). ومورد الغابات هو الآخر معرض للتهديد حيث تشير بيانات الأمم المتحدة في الجرد العالمي لموارد الغابات (1990-2015) إلى أن الغطاء الغابي في السودان انخفض من 40 في المئة من مساحة أراضي البلاد في الخمسينيات إلى 27 في المئة في بداية الألفية. أما قضايا الصحة العامة فتبدو قليلة الحظ في الدراسات العديدة التي أجريت حول قضية التغير المناخي. والتهديد الأكبر ربما يتشكل من النمو السكاني المتزايد في البلاد، ويبلغ تعداد السودان 44.4 مليون نسمة وفقاً لإسقاطات تعداد 2008، ومن المتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 57.3 مليون بحلول عام 2030.  

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1-  "حالة البيئة في السودان والتوقعات المستقبلية https://bit.ly/3MPubH9   
2- الخطة الوطنية للتكيف- https://bit.ly/3EUBzz4

مقالات من السودان

للكاتب نفسه