هنا صور.. حاضرة جبل عامل

تختلط مصائر سكان المدينة بعضها ببعض، ولا فرق عملياً بين أبناء عائلاتها والوافدين إليها من القرى والفلسطينيين والسوريين، لأن الميسورين من تجار الأزمة وحديثي النعمة قلّة، أما معظم السكان فدون خط الفقر أو في جواره، يطلبون رزقهم كفاف يومهم، وكما يقول المثل السائر "كلّ يوم إلو ربّو".
2022-07-21

عماد الدين رائف

كاتب وصحافي من لبنان


شارك
مدينة صور، لبنان.

حكي ناس: "صور مدينة الحرف والنُور".. "تقع صور بين شارع حافظ الأسد وجادة نبيه بري ومركز باسل الأسد الثقافي".. "ينام في المدينة نحو تسعين ألف شخص لا أكثر".. "صور مدينة الإمام الصدر، فيها ساحة القسم".. "أحلى عالم أولاد صور، بس ما بيجيبوا منهم نواب ووزرا".. "صور انتفضت بتشرين ووصل صوت الانتفاضة ع آخر الدنيا".. "صور بايعت الثنائي بالانتخابات، والمعارضين أصلاً فراطة".. "المعارضين جابوا حوالي عشرة بالمية من الأصوات بأقلام مدينة صور"...

(1)

يصل الفان الذي يقلك من موقف السفارة الكويتية في بيروت إلى محطة البصّ ولا يدخل المدينة. هنا يختفي أي أثر للمواصلات العامة، ولن تجد نمرة حمراء على سيارات الأجرة المتهالكة إلا فيما ندر، ولم يبق من أصول هذه المهنة إلا عبارة "اطلب التعرفة من السائق". مدخل مزرٍ لمدينة قيل إنها كانت "حاضرة فينيقيا" يوماً. عن يسارك طرف مخيم البصّ للاجئين الفلسطينيين، اختفت أشجار التوت التي زرعها الأرمن منذ زمن طويل، ولا ترى سوى محالاً تجارية متفاوتة الأحجام تبيع كل شيء. سوق غريب الألوان يقصده الناس لأنه أرخص من أسعار المدينة. عن يمينك جدار المدرسة الرسمية الطويل ثم مسجد ضخم بلون الإسمنت، وتحتك اسفلت متآكل وحفر.

امش مئة متر أخرى. ما إن تلحظ المرساة الكبيرة بين طريقين، حتى تنفتح المدينة القديمة أمامك في الأفق. صخرة كبيرة تأكل حيزاً من الماء، ترى طرفها الشمالي بيوتاً حجرية ومآذن وكنائس. جميلة هي كلوحة مائية صرف عليها رسامها وقتاً وجهداً كبيرين، ثم لم يكملها لسبب ما. عن يمينك البحر بلونين أو ثلاثة بفعل مياه الصرف الصحي، كورنيشٌ يمتد بضع مئات من الأمتار تزينه نخلات ضئيلة الظل، رصيفٌ عريض يُفترض أنّه للمشاة لكنّ الدراجات النارية تجوبه ذهاباً وإياباً. إلى جانب الطريق يتوزع عشرات الشبان السمر يلوحون برزم الأوراق النقدية من فئة مئة ألف ليرة لبنانية، يشترون دولارات المهاجرين، وما أكثرهم.

بين مساري الطريق تزيّن أعمدة الكهرباء صورٌ حزبيةٌ تستقبل الوافدين إلى المدينة وتودع الخارجين منها، وتؤكد لمن الأمر ومن هم ولاة الأمر. تحتل الرصيف طاولات وكراسٍ قرب كل مجموعة منها على الطريق ميكروباص لا يتزحزح من مكانه فيه ماكينة قهوة "إكسبرس" ("فايما" وفق التعبير المحلي). وفي ظل بعض النخلات بضع فتيات سمراوات يبعن خدماتهنّ الجنسية لمن شاء إليهنّ سبيلاً. الرصيف العريض بلا درابزين، ربما كي لا يُسرق ويُباع حديداً.. بينك وبين البحر صخورٌ كبيرة مليئة بالنفايات تحتل مكان الرمال الذهبية التي كانت. وإن كنت ترغب برؤية الرمال فعليك الانتقال إلى الجهة الأخرى من المدينة.

امش مئة متر أخرى. ما إن تلحظ المرساة الكبيرة بين طريقين، حتى تنفتح المدينة القديمة أمامك في الأفق. صخرة كبيرة تأكل حيزاً من الماء، ترى طرفها الشمالي بيوتاً حجرية ومآذن وكنائس. جميلة هي كلوحة مائية صرَف عليها رسامها وقتاً وجهداً كبيرين، ثم لم يكملها لسبب ما.

مئة متر أخرى. ساحة العلَم. تنتصب سارية عملاقة بالفعل قبل الساحة، فوقها علم لبناني ضخم يرفرف حسب اتجاه الريح، أما الساحة التي حظيت بشعبية وببث تلفزيوني مباشر لشابات وشبان منتفضين بعد "تشرين الأول 2019"، فقد أزيلت آثارهم منها، وجُزّ عشبها وكأنّ شيئاً لم يكن. تخلصت صور من ساحتهم واستردت ساحتها. كانوا يعكّرون صفوها، استكانت، ارتخت عضلاتها المشدودة، استسلمت للأزمة المعيشية، والأزمات المتساقطة عليها من حجز الأموال، والبنزين والكهرباء ومياه الخدمة المنزلية والدواء...، والتي تكون عادة أشد وطأة مما هي عليه في مناطق أخرى من لبنان لأسباب لا يطول شرحها، لكن لم يسلم شارحوها يوماً.

بضع مئات أخرى من الأمتار ستوصلك إلى "البوابة" التي لم يبق منها إلا اسمها. هناك يبدأ السوق وتبدأ الحكاية. عليك أن تقرر.. إما أنّك تزور صور سائحاً أو أنك تريد أن تعيش المدينة كما يعيشها ناسها.

(2)

حكي ناس: "بدك الصخر بتروح ع الجمل (أحد شواطئ المدينة) وبدك الرمل بتروح ع الخيم (الخيم البحرية الموسمية جنوب المدينة، ضمن حدود محمية صور الطبيعية) بدّك شط بحص في عند صفا قصّاب (منطقة الخراب)".. "بصور فيك تشرب وما حدا بيمنعك".. "تحت (على الكورنيش) قهوة واحدة أسعارها طبيعية، والباقي بدّو مصاري الله".. "عَ الشط فيكي تلبسي يللي بدك ياه، مين إلو معك!".. "كرمال تروح لازم يكون معك مصاري"..

لأبناء المدينة أماكنهم، وللسائح خريطته وأماكنه كذلك، وهو ليس بالضرورة أجنبياً أو من مدن لبنانية أخرى، بل يكفي أن يكون من إحدى قرى القضاء ويرغب في "التمتع بجو الحريات" المتاح فيها. وقد تركّزت الكليشيهات المرتبطة بـ"الحريات" في تصرفات محددة، على رأسها أن المشروبات الكحولية متاحة ويمكن للنساء لبس البيكيني، وأن الأمن متوفر بحدود معقولة. هذه الكليشيهات جاذبة لأبناء المغتربين المتمازجين مع ثقافات أخرى، وللأثرياء الجدد الذين راكموا أموالهم من الأزمات الأخيرة المتتالية، ولمن "يقبضون بالدولار" بشكل عام. وهي جاذبة، في المقابل، لمن يمكنهم الاستثمار، خاصة أن المدينة محاطة بالبحر، وبإمكانية تقديم عدد كبير من الخدمات للمستجمين على الشاطئ. وليس غريباً أن تجد على الواجهة البحرية الجنوبية، التي يمتد شارعها على مسافة لا تتجاوز الخمسمئة متر، من مقام النبي إسماعيل حتى "الرست هاوس" (إستراحة صور التي أنشئت في الحقبة الشهابية)، فروعاً للمطاعم والمقاهي البيروتية والعالمية المعروفة. والمفارقة تكمن في أن قسماً لا بأس به من أولئك الذين "يقبضون بالدولار" هم ملتزمون دينياً، أي أنّ الكحوليات والبيكيني لا تعنيهم ولديهم كليشيهات أخرى وأماكن أخرى، وخريطة الاستجمام الخاصة بهم في المدينة.

تركّزت الكليشيهات المرتبطة بـ"الحريات" في تصرفات محددة، على رأسها أن المشروبات الكحولية متاحة ويمكن للنساء لبس البيكيني، وأن الأمن متوفر بحدود معقولة. هذه الكليشيهات جاذبة لأبناء المغتربين المتمازجين مع ثقافات أخرى، وللأثرياء الجدد الذين راكموا أموالهم من الأزمات الأخيرة المتتالية، ولمن "يقبضون بالدولار" بشكل عام.

عندما تنام أحياء المدينة تبقى الواجهة البحرية حيّة. قبل جائحة كورونا، اعتاد الشارع أن يتحول إلى شارع للمشاة صيفاً (كل سبت)، وكان يجذب الزوار من كل لبنان، فتتمدد المطاعم لتحتل طاولاتها مساحة من إسفلت الشارع، وتقام الحفلات ويسهر الساهرون. قبل الأزمة المالية ليلاً، كانت لرواد المطاعم الفاخرة هيئاتهم المستمدة من تقليد نموذج "أرستقراطي" لممثلين يظهرون في الدراما اللبنانية. تقليد مشوّه لدراما فاشلة إجمالاً، قائمة على السيارات الحديثة والثياب باهظة الثمن والمبالغة في مساحيق التجميل للسيدات. أما اليوم، ولأن حديثي النعمة وتجار الأزمات، ربما، لم يجدوا من يقلدونه سوى أولئك، فغدا مظهرهم مضحكاً (تقليد المقلد)، وكأن المال هبط عليهم ولا يعرفون ما يفعلون به. قسم ثان من رواد الواجهة هم أولئك الهابطون من قرى القضاء، الذين يجوبون الطريق بسياراتهم الحديثة ذهاباً وإياباً لساعات.. لأسابيع.. لشهور، لا يتأثرون بأزمة البنزين ويُحدثون زحمة سير، لعلهم يحققون ذواتهم بحركتهم الاستعراضية هذه. القسم الثالث هم أهل الرصيف الضيق، يجلسون على حافته وظهورهم إلى البحر، ينظرون إلى مستعرضي سياراتهم ورواد المطاعم، يشربون القهوة، يدخنون، يلاحقون النساء بنظراتهم "فنساء الأغنياء هنّ عند الفقراء دائماً أحلى النساء"، أو كما قال الشاعر. في ذلك الوقت من الليل، يغط سكان المدينة في سبات عميق لا يوقظهم منه إلا أذان الفجر أو جرس الكنيسة الصباحي.

(3)

حكي ناس: "صور مدينة العيش المشترك".. "طول الحرب الأهلية ما حدا تعرض لحدا على أساس طائفي".. "ما حدا هون إلا عندو حدا برّا عم يبعتلو مصاري".. "ناس بتعيش طول الشهر بأقل من مية دولار وناس عشاها باليوم بأكتر من مية دولار".. "في عائلات نصها فلسطيني ونصها لبناني".. "كان بعكا وقت الإحصاء (1932) فبقي فلسطيني، إخواتو أخدوا تذاكر"..

بين مساري الطريق تزيّن أعمدة الكهرباء صوَر حزبية تستقبل الوافدين إلى المدينة وتودع الخارجين منها، وتؤكد لمن الأمر ومن هم ولاة الأمر. تحتل الرصيف طاولات وكراسٍ قرب كل مجموعة منها على الطريق ميكروباص لا يتزحزح من مكانه فيه ماكينة قهوة "إكسبرس" ("فايما" وفق التعبير المحلي). وفي ظل بعض النخلات بضع فتيات سمراوات يبعن خدماتهنّ الجنسية لمن شاء إليهنّ سبيلاً.

عندما تنام أحياء المدينة تبقى الواجهة البحرية حيّة. قبل جائحة كورونا، اعتاد الشارع أن يتحول إلى شارع للمشاة صيفاً (كل سبت)، وكان يجذب الزوار من كل لبنان، فتتمدد المطاعم لتحتل طاولاتها مساحة من إسفلت الشارع، وتقام الحفلات ويسهر الساهرون. قبل الأزمة المالية ليلاً، كانت لرواد المطاعم الفاخرة هيئاتهم المستمدة من تقليد نموذج "أرستقراطي" لممثلين يظهرون في الدراما اللبنانية. تقليد مشوّه لدراما فاشلة إجمالاً.

ربما عرفت مدينة صور تقسيماً على طريقة "القانون الارثوذكسي" (مشروع قانون للانتخابات يصوّت فيه كل مقترع لطائفته، 2013) منذ إنشاء أحيائها. فأحياء المدينة القديمة (الكاثوليك، الموارنة، البروتستانت، الأرثوذكس، الجامع، الحسينية، المنارة، الجورة، المصاروي) متداخلة لا يمكن معرفة حدودها، وإن كان البعض يدّعي ذلك، إلا أنّ المسميات الطائفية منها موجودة فقط في القيود. ومع ذلك تتميز الحارة المسيحية في المدينة عن أختها المسلمة، والحارتان معاً، أي المدينة التاريخية الرابضة على شبه جزيرة صخرية، يُطلق عليهما مصطلح "الحارة". كانت صور هناك، ثم تمددت فنشأت أحياؤها الحديثة القائمة على لسان رملي طويل يحدّه البحر، فخرج من الحارة القديمة المتميزة بالفقر من استطاع أن يبني له منزلاً في حي الرمل أواسط القرن العشرين. وبات هذا الحي المضاف إلى القائمة أكبر أحياء المدينة، وهو عبارة عن خمسة شوارع شبه متوازية أهمها شارع قرطاج (أبو ديب) حيث المحال التجارية.

كثيرون من أبناء جبل عامل نزحوا إلى صور التي جذبهم سوقها التجاري، فكانوا تجاراً أو عمالاً في مرفئها، واستقروا فيها وأغنوها. كما تزنّر صور مخيمات وتجمعات فلسطينية (البص، الرشيدية، البرج الشمالي، جل البحر، المعشوق، والقاسمية). يعتبر الفلسطينيون صور مدينتهم، وتجمعهم وحدة حال مع أهلها، وعلاقات قرابة ومصاهرات، تعود إلى زمن سبق إنشاء الدولة اللبنانية، حين كانت فلسطين الامتداد الطبيعي لأهل جبل عامل، وكانت العلاقات التجارية قائمة بين صور وعكا، ولم تكن بيروت في البال. وقد انضم في العقد الأخير إلى موزاييك سكان المدينة اللاجئون السوريون، الذين توافدوا عائلات وحلوا في جوار المدينة (البص، حي الزراعة، المساكن، وصولاً إلى قرى القضاء) وباتوا جزءاً من مشهدها العام، يؤمّنون لها اليد العاملة الرخيصة.

تختلط مصائر سكان المدينة بعضها ببعض، ولا فرق عملياً بين أبناء عائلاتها والوافدين إليها من القرى والفلسطينيين والسوريين، لأن الميسورين من تجار الأزمة وحديثي النعمة قلّة، أما معظم السكان فدون خط الفقر أو في جواره، يطلبون رزقهم كفاف يومهم، وكما يقول المثل السائر "كلّ يوم إلو ربّو".

للمكان تأثير على ناس المدينة، فصور مدينة ظهرها للعمران (المتهالك بنسبة كبيرة منه) ووجهها للبحر، ما يمنح ساكنيها هدوءاً داخلياً ما، وسعة أفق نسبياً. فترى أن معظم سكانها راضين بقسمتهم وإن لم يكونوا سعداء بها، عفيفي النفس إلى حد بعيد على الرغم من الفقر. وإلى جانب المساعدات التي تصل إلى الحزبيين والمناصرين لقاء ولائهم، وهو أمر شائع في غير منطقة من لبنان، ارتفعت وتيرة موجات التضامن الاجتماعي بين المهَاجر والمدينة في السنتين الأخيرتين، عبر أناس مؤتمنين يوصلون المساعدة إلى مستحقيها سراً وبشكل فردي، تكفي كثيرين شر العوز.

(4)

حكي ناس: "خان الأشقر أقدم خانات صور، كان قصراً للمعنيين، بُني في القرن السادس عشر".. "بني خان ربو سنة 1810، لديه ثلاثة أبواب تقود إلى السوق والباب الرابع إلى المسجد".. "الشيخ عباس المحمد بنى السراي سنة 1750".. "السوق كان مقسم: سوق الغلال، سوق الصاغة، سوق الكندرجية، سوق الدباغة، سوق اللحامين...".

بدأت حكاية المدينة من الميناء والسوق. الحديث لا يدور عن مدينة عبد سكانها "ملقارت" العظيم، وأنجبت أوروبا وقدموس، ولا عن "المعشوق" أشمون الذي احتل مكان أدونيس فوق التلّ المُشرف على الحرير المصبوغ بالأرجوان... تلك حكاية أخرى علاقتها بعيدة بالمدينة الحالية.

تزنّر صور مخيمات وتجمعات فلسطينية (البص، الرشيدية، البرج الشمالي، جل البحر، المعشوق، والقاسمية). يعتبر الفلسطينيون صور مدينتهم، وتجمعهم وحدة حال مع أهلها، وعلاقات قرابة ومصاهرات تعود إلى زمن سبق إنشاء الدولة اللبنانية، حين كانت فلسطين الامتداد الطبيعي لأهل جبل عامل، وكانت العلاقات التجارية قائمة بين صور وعكا، ولم تكن بيروت في البال. 

يقال إنّ سكان أطلال المدينة التاريخية لم يزيدوا مطلع العقد السابع من القرن الثامن عشر عن عشرة أشخاص، إذ لم تقم للمدينة قائمة منذ دمرها المماليك سنة 1393 وشردوا أهلها جميعاً، كي لا تكون ثغراً للصليبيين من جديد. سنة 1750، كانت غلال جبل عامل من التبغ والحبوب والأخشاب من السلع المرغوبة لدى التاجر الطرابلسي جرجس مشاقة، وكانت تجارته مزدهرة جداً بين مخازنه في طرابلس والإسكندرية. وكانت على علاقة تجارية جيدة مع مشايخ بلاد بشارة الوائليين، ما خوله الحصول على الغلال بين مرجعيون وصور وعكا وصفد، وكذلك كانت علاقته مع والي صيدا، التي حل فيها شريكه الحاج موسى منسّى، فتزوج جرجس شقيقة شريكه. هجر الأرثوذكسية وانتقل إلى الكاثوليكية المستجدة لدى أسرة زوجته، وأغدق العطايا لدير المخلص شرق المدينة. تعزيزاً لتجارته ولحمايتها، شارك الشيخ عباس المحمد نصار الوائلي، ومن الطبيعي وفق التوليفة المشرقية أن يكون المدماكان الأولان في هذه الشراكة وضع حجري الأساس لكنيسة القديس توما للروم الملكيين الكاثوليك ومسجد صور للطائفة الجعفرية (انتقل إلى الطائفة السنية في وقت لاحق).

مقالات ذات صلة

يصعب تحديد المدة التي وسع فيها الشريكان مرفأ المدينة، وبنيا فيها المخازن، وحوانيت السوق المستقيم الطويل، ورمما ما يمكن ترميمه من البيوت الصغيرة المتلاصقة في الحارة بين الأزقة الضيقة. إذ من المرجح أن الأعمال استمرت لعقود طويلة، وكانت المدينة المنشأة حديثاً تستقطب العمال والتجار والحرفيين والحراس الأشداء التابعين للشيخ عباس، الذي كان يشرف عليها من قصر بناه فوق تلة (حيث بلدة العباسية اليوم، وقد سميّت نسبة إليه) حتى وفاته سنة 1767. ازدهرت التجارة بين صور وعكا والإسكندرية، ودبت الحياة في المدينة بعدما كانت ميتة، وباتت سوق القضاء وحاضرة جبل عامل. 

مقالات من لبنان

للكاتب نفسه