سيدات كلثوم آيت مولاي محند

سيدات كلثوم، شابة مغربية انخرطت في العمل السياسي وهي ما زالت في مقتبل العمر، فهي من مواليد 1984 بمدينة الدار البيضاء. كان ذلك سنة 2003. بعد حصولها على شهادة البكالوريا في العلوم. اختارت التسجيل في مركز تكوين المعلمين والمعلمات بمدينة طاطا الواقعة بالوسط الشرقي للمغرب، على الحدود مع الجزائر. اختيار هذه المدينة لم يكن اعتباطياً، بل هو رجوع إلى الجذور الجغرافية لوالدها الذي اضطر إلى الانتقال إلى
2016-03-10

لطيفة البوحسيني

أستاذة جامعية مختصة بقضايا النساء، من المغرب


شارك
تغريد البقشي - السعودية

سيدات كلثوم، شابة مغربية انخرطت في العمل السياسي وهي ما زالت في مقتبل العمر، فهي من مواليد 1984 بمدينة الدار البيضاء. كان ذلك سنة 2003. بعد حصولها على شهادة البكالوريا في العلوم. اختارت التسجيل في مركز تكوين المعلمين والمعلمات بمدينة طاطا الواقعة بالوسط الشرقي للمغرب، على الحدود مع الجزائر. اختيار هذه المدينة لم يكن اعتباطياً، بل هو رجوع إلى الجذور الجغرافية لوالدها الذي اضطر إلى الانتقال إلى الدار البيضاء بحثاً عن لقمة العيش وهرباً من القيظ وصعوبات الحياة في المناطق النائية التي عانت لسنوات طويلة تهميشاً وحصاراً.

بعد تخرّجها وحصولها على شهادة التأهيل كأستاذة للتعليم الابتدائي، تم تعيينها بإحدى الجمعيات القروية التابعة لإقليم طاطا والتي تحمل اسم أقا إيغان. الشابة اختارت أن تنخرط في العمل الميداني، الجمعوي منه والسياسي، للمساهمة في فك الحصار التنموي والمشاركة في تحسين شروط عيش السكان. عودتها إلى هناك هي بمثابة تلبية لنداء منطقة كانت ترجع لها وهي طفلة رفقة والديها خلال بعض العطل الصيفية، وتلاحظ معاناة الناس مع قلّة الماء وصعوبات التنقل وضعف البنى التحتية وشبه غياب المدارس. وحدها بعض الواحات بثمارها وطيبة الناس البسطاء والإحساس بالأمان وبالثقة على الرغم من كل الصعوبات، ما يمكن أن يشجع شابة على الإقامة بل ويمدّها بالقوة اللازمة للمغامرة بالدخول في معمعة العمل السياسي وتدبير الشأن المحلي.
التحقت في البداية بالجمعيات العاملة في حقل التنمية المحلية بِطاطا، والتي شكلت بالنسبة إليها مدرسة حقيقية للتكوين، خصوصاً في حضور الدعم التقني لعدد من المنظمات الدولية التي مكنتها من الاستفادة من بعض آليات وأدوات ومقاربات التدخل في الحقل التنموي. حينما وصلت إلى مسقط رأس والدها (أقا إيغان) كانت على استعداد لاستثمار ما تعلمته، خصوصاً وقد هالها "مدى افتقار المنطقة إلى أبسط التجهيزات وضعف اشتغال الجمعيات بالمنطقة". بدأ مشوارها الجمعوي في إطار جمعية كانت تنشط بالدوار الذي تم تعيينها فيه، فقامت بالتواصل مع النساء لتكتشف القوة الكامنة لديهن ورغبتهن الأكيدة في المساهمة في تنمية أنشطتهن ومداخيلهن. مكنها انخراطها في العمل عن قرب مع السكان من الوعي بأهمية الالتحاق بالإدارة المحلية، فأعلنت عزمها على خوض معركة الانتخابات المحلية لعام 2009، وهو الشيء الذي لم يحظَ برضى ممثلي السكان الذين تصدوا لها لتثبيط عزيمتها. فهم "لم يكونوا يرغبون في تجديد الدماء ولا في من سيسعى إلى تغيير الأوضاع". غير أن إصرار سيدات كلثوم ودعم النساء والشباب لها مدّاها بما كانت بحاجة إليه من صبر وقوة وإصرار لربح رهان الانتخابات. لقد كانت شديدة الوعي بأنه يجتمع لديها عنصران يشكلان في حد ذاتهما إعاقات حقيقية في البيئة التي تعيش فيها، فكونها امرأة بالإضافة إلى شبابها لم يكن ليسهّل أمر ترشحها. بيئة ما زالت تحافظ على تقاليد بل ولا تزال الانتماءات القبلية وحتى العرقية تعلو فوق الانتماء للمواطنة السياسية بمعناها الحديث، ولا يزال التمييز قائماً بين المنتمين سلالياً إلى الشرفاء وبين غيرهم. بيئة تقوم على التراتبية الاجتماعية التي تُقصي من دائرتها كل من لم يكن يقام لهم حساب في النظام القبلي التقليدي المخترق بنظام الهيمنة الذكورية، حيث لا مكان إلا لعليّة القوم المتحدرين تاريخياً من أغنياء القبيلة الذين هم بالضرورة رجال.

كان السياق الذي ترشحت فيه كلثوم يحمل عناصر تشجيع على المستوى الوطني، إذ تم في إطار إصلاح "الميثاق الجماعي" (القانون المنظم للجماعات)، وعلى إثر حملة واسعة لمكونات الحركة النسائية تبني كوتا بنسبة 12 في المئة مخصصة للنساء، الأمر الذي اضطر الأحزاب إلى الانفتاح على الناشطات من النساء ممن كن متواجدات في الفعل الجمعوي والتعاوني، بالإضافة طبعاً إلى من كن منخرطات في الشأن الحزبي. لم تترشح كلثوم ضمن اللائحة الإضافية المخصصة للنساء، وذلك إيماناً منها بأن ما استطاعت أن تتحصل عليها من ثقة الناس في الجماعة من خلال عملها الميداني كان كافياً ليجعلها تتبوأ مكانة متميزة في اللائحة المحلية من دون الحاجة إلى لجوئها إلى التمييز الإيجابي.. تقدمت كلثوم إلى المنافسة وفازت بمقعد في الجماعة التي عانقتها نساؤها كما شبابها وآمنوا بإمكانية التغيير.
فازت الشابة بثقة المواطنين والمواطنات ثم فيما بعد بثقة زملائها وزميلاتها في مجلس الجماعة حيث تم التصويت عليها لتحتل موقع نائب الرئيس. خمس سنوات مرت على انتخابها لتتجدد الثقة فيها للمرة الثانية بعد أن تقدمت مرة أخرى للانتخابات الجماعية في أيلول/سبتمبر 2015. تحمّلت كلثوم مسؤوليات متعددة وتواجدت في مواقع مختلفة استغلتها كلها من أجل الدفاع عن قضايا جماعتها وجلب التمويلات اللازمة لتحسين أحوالهم وتحصيل الاستثمار الضروري لإخراجهم من حالة الضيق والعزلة التي ضربت عليهم لسنوات.
من حسن حظ كلثوم أنها انتُخبت في مرحلة كان المغرب قد قام بإصلاح الميثاق الجماعي الذي نص ضمن بنوده على وضع لجنة للمناصفة وتكافؤ الفرص، كما أطلق برنامجاً تنموياً كبيراً تحت اسم "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، حدد ضمن أهدافه القضاء على الفقر والتهميش في المناطق الأكثر عرضة لذلك. اعتمد البرنامج في تسييره وتدبيره على إشراك الفاعلين المحليين، الأمر الذي سمح للمستشارة الجماعية بأن تكون عضواً في لجنة المناصفة كما منحها إمكانية الوجود باللجنة المحلية لإقليمها، بالإضافة إلى تحمل مسؤولية رئاسة لجنة إعداد المخطط التنموي المحلي كما هو ملزم قانونياً للجماعات. إنها مواقع أعطتها إمكانية الاستفادة من التجربة والاطلاع على ما يجري بداخل تلك الأطر، كما سمحت لها بالانفتاح على مختلف الإمكانيات المتاحة على المستوى الخارجي.
لم يكن غريباً على كلثوم أن تختار الاشتغال أساساً على تقوية قدرات النساء والسعي لإدماجهن كفاعلات أساسيات في الحياة العامة بالمنطقة وتوفير التمويلات الضرورية لتشجيع الأنشطة المدِرّة للدخل لهن.. كالسعي إلى تسويق منتوجاتهن وتشجيعهن على الانفتاح على منافذ خارجية تمكنهن من ربح قوت عيشهن. تؤمن كلثوم بما تختزنه النساء من ذاكرة ثقافية وتعرف بحكم احتكاكها بهن أنهن قادرات على المحافظة على التراث الثقافي المحلي الذي يعرفن أسراره وخباياه، وأنهن متمكنات من المهارات اللازمة لاستمراره وبقائه كعنوان للخصوصية الثقافية التي تميز منطقتهن واللائي يُعتبرن خزانه النابض.
منذ إعادة انتخابها للمرة الثانية خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، وبالنظر للتجربة التي راكمتها، تتطلع كلثوم إلى المساهمة بمعية الفريق الجماعي المحلي إلى خلق مشاريع سياحية بالمنطقة، خصوصاً أن هذه الأخيرة تتوفر فيها إمكانيات مهمة ومنها المناخ، إضافة إلى العمل على إنعاش الواحة وتجديدها وتوسيع الأنشطة الفِلاحية فيها. ولا تخفي الشابة حلمها باستثمار مشروع الطاقة الشمسية الضخم الذي سيقام فوق تراب الجماعة وجعله في خدمة السكان.

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه