السودان: مشروعات نسوية تحاصر الخنوع والاستسلام

النص الاول من "دفتر" مخصص لمبادرات النساء الذاتية وقدرتهن على تدبر الضرورات في ظروف بالغة السوء: خيال وابداع وإصرار وتحمّل. فتحيَّة لهن، أينما كنّ، سواء نجحن أو تعثرت خطاهنَّ! سينهضنَّ من جديد!!
هنا من السودان:
يدرن جماعياً تعاونية زراعية في أقاصي السودان، انتجت بعد سنوات فائضاً فاشترين أراضٍ وضممن مزارِعات جدد. يجلبن الكهرباء الى قراهن في أقاصي أخرى من البلاد، فيخرِّب نزاع مسلح المنجز، ولكنه لا يهدم نيتهن باستعادته وتوسيعه. ينتظمن في جمعية لبائعات الشاي تضم الآلاف، ويناضلن لتطويرها... ثم جامعيات في العاصمة ينشئن نادياً للتدريب على الدفاع عن النفس ضد التحرش. وهذا غيض من فيض!
2022-03-17

شمائل النور

كاتبة صحافية من السودان


شارك
| en
فرات الشهال - لبنان. من رسوم دفتر "تأنيث العمل الهش"

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

تتفاوت مبادرات النساء وأنشطتهنَّ في السودان بحسب تفاوت احتياجات واقعهنَّ وأولوياته التي تنطلق عادةً من المستويات الاجتماعية، السياسية والتعليمية، وربما الطبقية. وهي مبادرات قديمة جداً ومتجددة ولا حصر لها. تنشط في السودان مجموعةٌ من منظمات المجتمع المدني التي أغلبها - أو فلنقل أن صاحبات الصوت العالي منها - مهتمةٌ بقضايا الوعي وحقوق المرأة. ومعارك الإصلاح القانوني لوضعية النساء تأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام، لكن الحقوق الاقتصادية غائبةٌ على الدوام عن مسرح صراع التغيير المستمر، وكثيراً ما تُلام المنظمات النسوية على اختلال أولوياتها في قضايا النساء. لكن المرأة في الأرياف السودانية البعيدة، خاصةً تلك التي أهلكتها الحروب مثل جنوب كردفان ودارفور، قاومت واقعها بما جعلها تتجاوز حدود طاقتها. وقد عكست تلك المبادرات حجم المسؤولية التي تتصدى لها النساء، وهي وضعية مغايرة لما هو قائم في أذهان المجتمع. اختلفت المبادرات نسبةً لاختلاف الأولويات، لكن جميعها نبت من حاجة واقعية للفتيات أو النساء. حاولنا هنا استعراض قدر بسيط من المبادرات مع مراعاة التفاوت بين الأولويات بحسب أوضاع هؤلاء النساء.

تدبر الكهرباء عبر الطاقة الشمسية - جنوب كردفان

في جنوب كردفان وهي منطقة حروب مستمرة، طفرت النساء إلى أبعد مما يُتَصوَّر، حيث استطاعت مجموعة محدودة التعليم أن توفر خدمات كهرباء لعدد من القرى. لم تتوقع "منى مرسال" أن يأتي عليها يومٌ وتصبح ماهرةً في توصيلات الكهرباء وصيانة معداتها الأولية، وهي التي توقف تعليمها عند الابتدائي الذي بالكاد منحها معرفةً أولية بالقراءة والكتابة. لكن يبدو أن المشروعات الصغيرة قد تصبح مشروعات كبيرة بكثير من العزيمة والإرادة وقليل من الدعم، متجاوزةً المستوى التعليمي.

منى التي تقطن بمنطقة "ميري" بجنوب كردفان، والتي تبعد عن عاصمة الولاية، "كادوقلي" نحو 7 كيلومترات، بدأت مع أخريات مشروع جمعية محدودة داخل القرية. والفكرة ببساطة أن يتم تجميع بعض السلع الاستهلاكية اليومية مثل الشاي، القهوة، السكر، والصابون، مع مبلغ مالي محدود يُمنح كل مرة لواحدة من ربات البيوت المشاركات في الجمعية، أو ما يعرف عند السودانيين بـ "الصندوق"، وهنَّ 30 امرأةً تتراوح أعمارهنَّ بين الـ25 والـ60عاماً، جميعهنَّ ربات بيوت ويعملن في الزراعة، حيث إن الزراعة هي النشاط الرئيسي لسكان المنطقة، وجميعهنَّ إما تلقين تعليماً ابتدائياً أو هنَّ أميّات.

فكرة الصندوق الدوري التي بدأتها منى مع جاراتها، على بساطتها، ساهمت بشكل فعال في توفير الاحتياجات اليومية للأسر، ولفترة زمنية معقولة. ووفقاً لمنى التي تحدثت إلينا عبر الهاتف من قريتها، كان نشاط المجموعة في أوجه بين عامي 2004 و2005. وحلول عام 2008، بدأت نافذة الأمل تتسع أمام منى مرسال ورفيقاتها، حيث "وقع عليهنَّ الاختيار" ليتم تدريبهن في مجال الطاقة الشمسية! وكم كانت تحتاج تلك القرى لمثل هذه المشروعات، بحكم الصراعات المستمرة هناك، والتي عرقلت عمليات التنمية حتى في أدنى مستوياتها الأساسية. إذاً ما قصة التدريب التي أصبحت نقطة تحوّل بالنسبة لمنى ورفيقاتها، بل وبالنسبة لمواطني تلك القرى البعيدة؟

تقول منى إن رجلاً هندياً وصل إلى مناطقهنَّ، وكان يبحث عن مجموعة نشطة تستفيد من الفرصة ومن ثم تنقل تجربتها لمنطقتها. وكان هذا من أبرز الشروط: أن تنتقل الفائدة لسكان المنطقة، علاوةً على شروط الحاجة للطاقة باعتبار الموقع الجغرافي، أي أن تكون القرى المستهدفة بعيدةً جغرافياً عن أي منطقة قد تمكّنها من وصول الكهرباء إليها في مدًى قريب. فمن هو الرجل الهندي؟ "بنكر روي"، مؤسس "جامعة الحفاة" (Barefoot)، المهتمة بتوفير فرص مهنية وتدريبية للنساء في المجتمعات المهمشة في جميع أنحاء العالم. وقد أكملت الأكاديمية 50 عاماً منذ تأسيسها، واستطاعت عبر شراكة مع واحدة من المنظمات المحلية في منطقة كردفان من الوصول إلى هناك، ودراسة الحالة التي انتهت بمشروع طاقة شمسية.

تقول المهندسة "غادة كدودة" المهتمة بقضايا العدالة الاجتماعية، إنها ومن خلال نشاطها، قابلت بنكر في أحد المؤتمرات ودعته بشكل شخصي لزيارة السودان وتقديم خدمات كليته لنسائها. وافق بنكر على الفور، وبحسب غادة التي تحدثت "للسفير العربي"، وقع الاختيار على مناطق جنوب كردفان، بعد اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005. وتشرح غادة أن اختيار المنطقة جاء باعتبار أن اتفاقية السلام وفرت مناخاً آمناً للعمل، لأن الحرب كانت قد انفجرت في ذلك الوقت في دارفور، وبلغت ذروتها في عامي 2004 و2005. وكانت "غادة كدودة" هي حلقة الوصل بين بنكر ونساء جنوب كردفان، وأصبحت ممثلةً للأكاديمية في هذا المشروع بشكل فردي وتطوعي.

تشدد غادة على مسألة الجهد الشعبي في هذا المشروع، وكيف أن العمليات التطوعية فيه استمرت حتى خرج إلى النور، مثل تحمل نفقات المسح والتصوير، ونفقات احتياجات النساء للسفر. وتعتقد غادة أنه لولا هذا الجهد الشعبي ما كان للمشروع أن يكون.

تقول منى مرسال إن الاختيار وقع على 18 سيدةً، أعمارهنَّ تتراوح بين الـ35 و40 عاماً، وأن ذلك نال موافقة أهالي المنطقة، فعملية الاختيار كانت ديمقراطيةً، ثم وصلت التصفيات النهائية إلى 4 سيدات بعد معاينات عديدة أجرتها الأكاديمية في عاصمة الولاية، كادوقلي. تواصل منى حديثها: وقع علينا الاختيار لنسافر للهند لتلقي الدورة التدريبية التي استمرت 6 أشهر هناك على نفقة الكلية. بعدها عادت منى ورفيقاتها إلى السودان حيث قُراهنَّ التي تنتظر المشروع - الأمل.

كانت منى ورفيقاتها محمّلات بخبرة تدريبية كافية وبدعم من الأكاديمية، واستطعن إنارة ثلاث قرىً، هي "ميري"، "فقوسة"، و"الحميض". وبسبب تردي خدمات الاتصال، لم تتمكن "السفير العربي" من التواصل مع نساء القريتين الأخيرتين.

أحدث مشروع الكهرباء بالطاقة الشمسية، تغييراً اجتماعياً كبيراً في القرى الثلاث. فالإنارة كما تقول منى، جعلت حياة النساء آمنة في الأعمال المنزلية الليلية، حيث يقضين نهارهنَّ في الزراعة، ويعدن إلى منازلهنَّ مع مغيب الشمس ليباشرن الأعمال المنزلية التي كانت قبل وصول الكهرباء محفوفةً بالصعاب، حيث تنشط في الليل الحشرات والثعابين التي تمثل مخاطرَ لهنَّ ولصغارهنّ. فضلاً عن هذا، استطاع الناس هناك مشاهدة التلفاز ومتابعة الأخبار والمباريات. وهي تحولات كبيرة، تلك التي حدثت في القرى الثلاث على المستويين الاجتماعي والثقافي.

تقول غادة كدودة إن أبناء هؤلاء النسوة كانوا يسخرون حينما يباشرن أعمالهنَّ الهندسية بمهارة عالية في التوصيل والصيانة، فكان الواحد فيهم يقول "أمي لا تعرف تقرأ فكيف تصبح مهندسة"؟

استمر المشروع المحاط بالآمال الكبيرة لمدة ستة أشهر، تغيرت فيها حياة الناس تغيراً محسوساً. وتقدر كدودة عدد المنازل التي استفادت من المشروع في القرى الثلاث نحو 300 منزلٍ أو ما يقارب 1500 فردٍ بحساب متوسط الأسرة في تلك المناطق (نحو 5 أفراد).

ثم توسع المشروع ليشمل قرى جديدة. لكن الحرب التي انفجرت مجدداً عام 2011 بين الحكومة و"الحركة الشعبية" مع انفصال جنوب السودان قطعت الطريق عليه. تعطل العمل تماماً، ونزح الأهالي من القرى ونُهبت المعدات جميعها. تقول منى بحسرة "بدلاً من أن نواصل إضاءة بقية القرى، أظلمت القرى المضيئة".

لكن غادة كدودة التي بدت مبهورةً جداً بهذه التجربة، تسعى حثيثاً لجذب تمويل جديد لمواصلته، مع استهداف 24 قريةً جديدة على مدى 4 سنوات.

مزرعة نسائية - شمال دارفور

تروي حليمة محمد التي تدير مزرعة بمنطقة شقرا بشمال دارفور (تبعد نحو 3 كلم من عاصمة الولاية، الفاشر) كيف أنها، ومع أخريات، قررن في مطلع التسعينيات الفائتة الانتفاض ضد ظلم التجار، حينما كانت حليمة ورفيقاتها المنضويات تحت لافتة "التجمع الزراعي النسوي" يعملن في زراعة التبغ الذي تشتهر به مناطق دارفور، والذي تشكل زراعته مصدراً رئيسياً للدخل للكثير من السكان هناك.

حليمة هي الوحيدة التي حصلت على تعليم جامعي من بين 500 سيدةٍ يتراوح مستواهنَّ التعليمي ما بين أمّي وابتدائي، يتشاركن جميعهنَّ في مشروع المزرعة. لم تكن حليمة واللائي معها إلا مجرد مزارعات في حقول التبغ، يبعن جهدهنَّ وعرقهنَّ في نهاية الموسم للتجار الذين لا يمنحوهن قيمة مبيعاتهنَّ دفعةً واحدة بحسب حليمة، إذ كان التجار يعتمدون صيغة الدفع المتقطع.

في مطلع التسعينيات إذاً، اجتمع عدد من المزارعات لبحث علاقتهنَّ بالتجار والظلم الكبير الواقع عليهنَّ، واستغلالهنّ. كان الهدف الرئيسي هو التحرر الكامل من هذا الظلم. تقرر في الاجتماع التمرد على الوضع بشكل كلي، وكان من ضمن الخيارات تخزينُ التبغ والإمساك عن بيعه، مما يمثل ضغطاً على التجار لإجبارهم على الرضوخ لشروط المزارعات.

لكن البحث في التحرر من الظلم قادهن إلى خيارات أكثر إيجابية. وبحكم عملهنَّ في الزراعة كانت حليمة ورفيقاتها على علم بمزرعة حكومية تحولت إلى أرضٍ بور بسبب مشاكل الري التي لحقت بها لسنين طويلة. في عام 1990 ذهبت حليمة ونساء التجمع الزراعي لمقابلة وزير الزراعة آنذاك، وبحسب ما قالت - وقد تحدثنا إليها وهي داخل المزرعة - تجاوب الوزير مع طلبهنَّ بمنحهن جزءاً من المزرعة الحكومية. وبالفعل مُنحنَّ 20 فداناً. الوزير أخبرهنَّ أنه بالإمكان مصادرة المزرعة إذا انتقل من موقعه وخلفه وزير جديد. تقول حليمة "الوزير أظهر حماساً عالياً واجتهد معنا كثيراً، واتخذ عدداً من الإجراءات كي لا تحدث أي مصادرة".

أسست حليمة مع 500 مزارعةٍ أخرى من 13 قريةً في منطقة شقرا، مزرعةً خاصة بهنَّ في مساحة 20 فداناً ضمن أراضي المزرعة الحكومية الممنوحة لهنّ. بدأ العمل بنفير ضخم جداً لتحقيق نظافة المزرعة البور، ولا تزال حليمة تذكر المشاركة الشعبية الواسعة في ذلك النفير الشعبي، حيث توافد الناس لدفع مبالغَ رمزية للمساهمة معهنَّ في عملية النظافة وإعداد الأرض للزراعة.

استطاعت المزارعات إدخال البقوليات لأول مرة لأغراض التجارة، وكانت قبل ذلك تُزرع لغرض الاستهلاك الذاتي. وأدخلن زراعة الفواكه والخضروات أيضاً لأغراض التجارة. والمزرعة تغذي حالياً سوقين محليين بالخضروات والفاكهة ،وتساهم أحياناً في تغذية سوق مدينة الفاشر، عاصمة الإقليم، وواحدة من أكبر مدن دارفور.

تقول حليمة إنه، ولأول مرة في المنطقة، نُدخِل زراعة "البامبي" (البطاطا الحلوة)، وأنجزت المزرعة موسمين ناجحين منهما، وموسمين من زراعة "الفول المصري".

لم يكن هذا المشروع الناجح بمنأًى عن صراع ملكية الأرض الشائع في إقليم دارفور والمتعارف عليه باسم "الحواكير"، حيث تغوّلت مجموعة قبلية على المزرعة في عام 2010، باعتبارها تقع ضمن أراضي القبيلة التي تنتمي لها رئيسة المزرعة نفسها، حليمة. فضلّت السيدة مواجهة قبيلتها بالوقوف مع المزارعات - وهي منهنَّ – وتروي كيف اشتبكنَّ مع الأهالي مما أدى لتعرض بعضهنَّ لأذًى جسيم جراء الضرب المبرح. لكن بفضل وقفتهنَّ ووحدتهنَّ حصدن نتائجَ مبهرة، حيث اضطرت الإدارات الأهلية هناك للاعتذار لهنَّ وواصلن العمل بحماس أكبر.

لاحقاً، حصلت المزرعة على دعم من جامعة الدول العربية والمعونة الأمريكية حيث قدمت لهنَّ معدات زراعية وتقاوي، كما حصلت نحو 400 مزارعةٍ على تدريب متقدم في أعمال البستنة وطرق الري. وتعتبر مشكلة الري من أبرز التحديات التي تواجه المزرعة.

بعد سقوط نظام البشير في نيسان/ أبريل 2019، حاول رجال الإدارة الأهلية نزع المزرعة بواسطة "لجنة إزالة تمكين نظام البشير" بحجة أنها منحت لهنَّ من حكومة البشير، وأن اللجنة عبر قانونها يُمكن أن تنزع المزرعة. لكن هذه المساعي لم تنجح ولم تصلهم اللجنة ولا مندوبيها، كما تقول حليمة.

ولأن المزرعة تعمل بنظام الري الفيضي، وهو نوع تقليدي من الري يعتمد على مياه الفيضانات والسيول عبر إنشاء حواجزَ ترابية لتغيير المجرى، أو بناء سدود صغيرة لحجز المياه، لذا فهي تعاني من مشكلة بسبب انعدام أنظمة التخزين وانعدام الكهرباء. ومن ضمن الدعم الذي قُدم للمزرعة حفر بئر للمياه، مما يساعد في عملية الري. لكن حليمة ترى أنه من الضروري توفير أنظمة تخزين أو توفير كهرباء لضمان استمرار الري بشكل مستقر والاستفادة من مياه الآبار. فبسبب هذه المشاكل ومحدودية المياه، فإن المزرعة تعمل بأقل من طاقتها، وكان يُمكنها التوسع في زراعة محاصيل أخرى إن تجاوزت مشكلة الري.

ومع نجاح المزرعة اتجهت حليمة وبقية المزارعات لإنشاء غابة، حيث أنجزن 6 غابات تمت زراعتها بأشجار الهشاب المنتجة للصمغ العربي، وأشجار الجاتروفا (وهي نوع من الأشجار شبه الصحراوية التي تنتج الوقود الحيوي). لكن هذه المساحات لم تكن منحةً من الحكومة كما هو الحال في المزرعة، بل أمكن من أرباح المزرعة شراء عدد من الأفدنة لإنشاء حزام غابي. وتروي حليمة معاناتهنَّ لري الغابة حيث حملن المياه على رؤوسهنَّ لمسافة كيلومتر مشياً على الأقدام لمدة عامين حتى نبتت الغابة.

وبسبب ضعف الثقافة الزراعية لديهنّ، فشل مشروع غابة أخرى لزراعة أشجار "المهوقني"، وهو نوع من الأشجار المنتجة لأجود أنواع الأخشاب في السودان، والمستخدم في تصنيع الأثاث، لأن هذا النوع من الأشجار يحتاج لمناخ استوائي، ولم تكن المزارعات على دراية بهذا الأمر ففشل المشروع بسبب قلة المياه.

نادٍ نسائي لاكتساب مهارات الدفاع عن النفس – الخرطوم

في آذار/ مارس 2021 بدأت الأفكار تدب في ذهن "وعد"، الطالبة بجامعة الخرطوم، والتي تجاوزت للتو العشرين عاماً. دافعُ الفكرة هو محاولة الحد من التحرش أو لنقل مواجهتها بالدفاع عن النفس، أي أن تتولى الفتاة مسألة الدفاع عن نفسها وقتياً، وخاصةً بما يتعلق بظاهرة التحرش في المواصلات العامة.

وجدت الفكرة قبولاً لدى الدائرة الضيقة لوعد، وسرعان ما شرعت هي وصديقتها "رغد" في تصميم استبيان بين طالبات جامعة الخرطوم لاختبار مقبولية الفكرة، وإمكانية تطبيقها في مجتمع لا يعرف مثل هذه التجارب التي إن وُجدت فهي محصورةٌ في العنصر الرجالي.

جاءت نتيجة الاستبيان لتقول إن 90 في المئة من المستطلَعات كانت إجابتهنَّ حول أكبر التحديات اليومية التي تواجههن هي التحرش بكافة أنواعه، مع الإشارة الخاصة لتحرش المواصلات العامة والذي تشكو منه الكثير من السودانيات. وأشارت نتائج الاستبيان التي اطلعت عليها "السفير العربي" إلى أن 26 من المستطلعات يلجأن – في حالة التحرش - إلى الدفاع اللفظي بالصراخ أو غيره، بينما 18 منهنَّ فقط يلجأن للدفاع الجسدي باستخدام آلة حادة أو بخاخات الفلفل. وحول الرغبة في اكتساب مهارات رياضية للدفاع عن النفس كانت إجابتهنَّ بالإجماع "نعم".

كانت نتائج الاستبيان حافزاً للشروع مباشرة في تنفيذ الفكرة. خاطبت وعد ورغد إدارة جامعة الخرطوم، فهو أمر ضروري طالما أن المستهدف بالفكرة هنَّ طالبات الجامعة، وأن المشروع يُخطط لتأسيسه داخل الجامعة. لم تمانع الإدارة على الرغم من حداثة وغرابة الفكرة، لكنها اشترطت أن يكون المدرِّبون من الاتحادات الرسمية المسجلة لدى الدولة، وأنه ليس مسموحاً لإدارة النادي التعاقد مع مدربات أو مدربين من خارج هذه الاتحادات. وحول هذه المسألة دار جدل طويل بين الطرفين، لكن في نهاية الأمر كانت الغلبة لخيار الجامعة، لجهة أنها سوف توفر المقر.

تقول وعد ورغد اللتان التقتهما "السفير العربي" في الخرطوم، إن اختيار الجامعة مكان للنادي يجد قبولاً واسعاً لدى كل الفتيات الراغبات في الانضمام، خاصةً اللائي ينتمين إلى أسر قد لا تقبل فكرة اكتساب المهارات القتالية، وأنه تحت لافتة الجامعة يُمكن لهنَّ تلقي التدريب بشكل آمن ومقبول. هذا من جانب، أما من الجانب الآخر وبالنظر للإمكانيات المحدودة أو انعدامها، فإن توفير المقر بواسطة الجامعة أمرٌ مهم ومفيد وفي مصلحة الفكرة الجديدة كلياً.

وتنظر وعد إلى النادي كحركة اجتماعية يُمكن أن تساعد الفتيات والنساء في تصعيد مشاكلهنَّ وقضاياهنَّ من داخل المؤسسات التي ينتمين إليها، أي أن تتبنى المؤسسات قضايا منتسبيها بشكل يسهم فعلياً في إحداث تغيير اجتماعي بشكل خاص في قضايا المرأة وحقوقها، وتشير وعد إلى أن هذا يُمكن أن يتم عبر الخدمات القانونية التي سوف يقدمها النادي، إذ لن يقتصر نشاطه على اكتساب مهارات دفاعية، بل تشمل التوعية وتوفير الدعم القانوني والنفسي للضحايا.

وحول العدد المتوقع كدفعة أولى للعضوية في النادي، تقول وعد إن عمليات التسجيل بدأت مباشرة وسجلت نحو 250 عضوةً، لكن بسبب الأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد، علاوةً على الأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا التي أربكت وضع الجامعات بين الإغلاق ومزاولة الدراسة، فإن المشروع لا يزال معلقاً. وقالت وعد "حاولنا عدة مرات بدء نشاطنا بمدربات من خارج الاتحادات الرسمية، والتي تم تجميد نشاط بعضها منذ سقوط حكومة البشير، لكن إدارة الجامعة أبلغتهن أنها لن تلتزم بدفع أي رواتب لمدربات من خارج الاتحادات الرسمية.

جمعية بائعات الأطعمة والمشروبات – الخرطوم

أجبرت موجات الجفاف والصراعات المتقطعة في بعض أقاليم السودان في الثمانينيات الفائتة السكان على النزوح والهجرة الداخلية، وكانت العاصمة الخرطوم وجهةً لأفواج من الفارين من الجفاف والتصحر أو من الصراعات. وتشير بعض الدراسات إلى أن الفترة بين عامي 1983 و2000 شهدت زيادةً كبيرة في موجات النزوح.

ومن بين المهن التي جذبت هذه الفئة، كانت مهنة بيع الأطعمة والمشروبات. والأوسع انتشاراً على الإطلاق هو بيع الشاي والقهوة في الأسواق وعلى الطرقات العامة، والتي توسعت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة. واقتصرت المهنة على النساء مع الوضع في الاعتبار وجود العنصر الرجالي فيها لكن بنسبة ضئيلة جداً تكاد لا تُذكر.

ولما كانت هذه المهنة ملاذاً للنساء، خاصة اللاتي لم يحظين بقدر من التعليم، توسعت رويداً رويداً لتصبح حلاً لغالبية النساء الفقيرات من كل مناطق السودان، إذ لم تعد تقتصر على الفارات من مناطق الصراعات، وخاصةً مع تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الفقر في السودان والذي قُدر بنسبة 65 في المئة وفقاً لتصريح لرئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك في أيلول/ سبتمبر 2020.

ولأن لكل مهنة همومها وتحدياتها، فكر عدد من بائعات الشاي في تكوين جمعية توفر الرعاية للعاملات فيها، فأسست نحو 75 سيدةً "جمعية بائعات الأطعمة والمشروبات" في العام 1990، وتمّ تسجيلها رسمياً في العام 1993 ورأستها آنذاك عوضية كوكو، التي تحولت إلى رمز للكفاح النسوي بسبب عملها المتصل. وفي العام 2016 نالت عوضية جائزة "المرأة الشجاعة" من وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن.

وتقول عوضية عباس التي ترأس الجمعية في الوقت الحالي، وهي إحدى المؤسسات بجانب عوضية كوكو وأخريات، إن الفكرة جاءت أولاً بغرض تأسيس مقر، ثم توفير الحماية من السلطات التي تواجه بائعات الأطعمة والمشروبات بقانوني "الأراضي" و"النظام العام"، فتتعرض البائعات لحملات مباغتة من السلطات عُرفت بـ "الكشات" والتي انتهت تماماً بسقوط حكومة عمر البشير.

وبحسب عوضية التي تحدثت "للسفير العربي" في مقر الجمعية بالسوق الشعبي - الخرطوم، فقد وفرت الجمعية منذ تأسيسها التثقيف والتوعية بشأن قانون التعاونيات، والتدريب على الحسابات البسيطة والتعامل مع الزبائن.

بجانب ذلك توفر الجمعية خدمة تسهيل الحصول على السلع الاستهلاكية التي تحتاجها البائعات يومياً عن طريق الاستدانة أو السداد في اليوم نفسه بعد البيع. لكن عوضية أشارت إلى إعسار في السداد خلال الفترة الأخيرة بسبب الوضع الاقتصادي العام. وتخصص الجمعية مبلغاً محدوداً لكل عضوة في حالات الوفاة بشرط أن تكون صلة القرابة من الدرجة الأولى، وتقدم دعماً أيضاً في حالات الولادة أو المرض الشديد.

سعت الجمعية إبّان رئاسة عوضية كوكو في السنوات الماضية لتوفير خدمة التأمين الصحي للبائعات لتمليكهنَّ بطاقات علاجية تمكنهن من تلقى العلاج مجاناً أو بسعر رمزي، واستهدفت في وقت مضى نحو 10 آلاف بائعة مع أسرهنّ. لكن هذا الملف تعثر كثيراً ثم توقف تماماً ولم يرَ النور.

وتقدر السلطات المحلية في الخرطوم عدد بائعات الشاي في الولاية بـ 23 ألف بائعة ثابتة بحسب دراسة أعدتها وزارة الرعاية الاجتماعية عام 2013.

وتقول الأمينة العامة للجمعية، بسمات آدم، إن هناك حاجةً لاكتساب مهارات جديدة، لأن مهنة بيع الشاي لم تعد مجدية كما كانت في السابق. وبالنسبة لها فإن عمل المخبوزات والمعجنات يُمكن أن يشكل دخلاً إضافياً لهنَّ، وهي تنظر إليه كمشروع مستقبلي، خاصةً وأن الجمعية تخطط لإنشاء مخبز.

وحالياً ليس للجمعية موارد كبيرة باستثناء متجرين بالإضافة إلى دورات مياه عامة في السوق تستفيد من عائد إيجارهم. 

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من السودان

للكاتب نفسه