المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ من يدفع الحساب؟

النقاش في أوساط المعارضة حول "مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري" الذي أنهى أعماله الأحد الماضي في 15 آذار /مارس، في شرم الشيخ، لا ينم إلا عن جدل بين "الحقد" و "الشماتة" من ناحية، وإبداء "التسامح" و "تغليب المصلحة العامة" من ناحية أخرى، كما لو أن عقد المؤتمر أو اجتذاب الاستثمار الأجنبي هما في حد ذاتهما محل الجدل. فبسبب من تركيز السلطة على أهميته،
2015-03-19

بيسان كساب

كاتبة صحافية من مصر، متخصصة بالاقتصاد


شارك
| en
محمود شبر-العراق

النقاش في أوساط المعارضة حول "مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري" الذي أنهى أعماله الأحد الماضي في 15 آذار /مارس، في شرم الشيخ، لا ينم إلا عن جدل بين "الحقد" و "الشماتة" من ناحية، وإبداء "التسامح" و "تغليب المصلحة العامة" من ناحية أخرى، كما لو أن عقد المؤتمر أو اجتذاب الاستثمار الأجنبي هما في حد ذاتهما محل الجدل. فبسبب من تركيز السلطة على أهميته، وإعطائها له طابعا تأسيسيا للفترة المقبلة، تمنت بعض المعارضة للمؤتمر الفشل، خشية أن يعني نجاحه تعزيز الاستبداد، بينما يستند رأي آخر إلى دعاوى أخلاقية تعلي من شأن عبارات من قبيل "إن الاستثمارات التي قد تنتج من هذا المؤتمر لن يقطف ثمارها سوى أجيال قادمة خلال عقدين من الزمن، ربما نكون ساعتها نحن المعارضين، وكذلك النظام الحاكم في القبور، فلماذا نصادر مستقبل أجيال لا ذنب لها".
ينتمي معظم الفريق الاول للإسلاميين من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. لكن واقع الأمر ان مؤيدي مرسي لا يستندون إلى أي منطق اجتماعي أو اقتصادي في رأيهم هذا، لسبب بسيط يعود الى مفارقة مدهشة مفادها ان الغريمين – السيسي ومرسي – يتفقان الى حد التطابق في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية كحل للأزمة الاقتصادية. فالسيسي الذي قال في خطابه الاحد في ختام المؤتمر ان مصر تحتاج الى 200 أو 300 مليار دولار ليجني التصفيق الحاد في القاعة الفاخرة، كان ببساطة يردد ما وعد به مرسي، ضمن ما أسمته جماعة الإخوان المسلمين التي ينحدر منها بـ "مشروع النهضة". ففي برنامجه الانتخابي وعد باجتذاب 200 مليار دولار كاستثمارات أجنبية بناءً على اتفاقات مبدئية قال ان حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية للجماعة - توصل اليها مع 15 شركة عالمية لم يسمها. وفي المقابل، ينتمي الرأي الثاني، من أصحاب مقولة تمني نجاح المؤتمر، إلى فريق من المعارضة الإصلاحية التي يقتصر انتقادها للرئيس السيسي على انتهاكاته للحريات العامة ولحقوق الإنسان، دون أي رؤية اقتصادية واجتماعية مستقلة. غياب أي قوى يسارية عن مشهد الدعاية السياسية المؤثرة أخفى الجدل حول الكلفة الاجتماعية للحصول على رضا المستثمرين، محليين أو أجانب.

مزايدة على صندوق النقد!

هذه الكلفة الاجتماعية، في بلد يعاني 26 في المئة من سكانه من الفقر تبعا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لن تتضح عبر تصفح أخبار المؤتمر، بل باستعادة أخبار الاقتصاد في الأيام القليلة التي سبقت المؤتمر نفسه. إذ عمدت السلطة إلى إنفاذ عدد من الاجراءات التي وصفتها بالإصلاحية في سياق "تهيئة مناخ الاستثمار"، يأتي على رأسها تمرير "قانون الاستثمار الموحد" وتعديل قانون الضرائب. تضمن قانون الاستثمار الموحد نصوصا تقول بإعفاء الشركات في مناطق الاستثمار العامة من بعض أحكام قانون العمل، ومنها تلك التي تتضمن بعض الإجراءات التي ينبغي اتخاذها قبل فصل العامل، بما يعني تخفيفا من القيود على الفصل بطبيعة الحال. وهو توجه يتسق مع سعي الحكومة الآن لصياغة تعديلات على قانون العمل نفسه تتيح التخفف من بعض شروط الفصل. كما ينص قانون الاستثمار الموحد من ناحية أخرى على إعفاء الشركات المساهمة العاملة في بعض القطاعات من أحكام قانونية تنص على حق العمال في نصيب من الأرباح لا يقل عن 10 في المئة من الارباح الموزعة ولا يزيد عن مجموع الراتب السنوي.
فيما تنص تعديلات قانون الضرائب على الدخل على تخفيض وتوحيد الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25 في المئة الى 22.5 في المئة، بما يسري على الشركات والأفراد على السواء. وهذه التعديلات تعد أول خفض للضرائب منذ عشر سنوات، منذ أقدم وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي على تخفيض الحد الأقصى للضريبة الى 20 في المئة بدلا من 40 في المئة، في قانون 91 لسنة 2005 الذي أثار وقتها جدلا واسعا. تحول الى موجة عامة من الاعتراض بعد ثورة يناير، حول الضرائب ومدى عدالتها ورفع مطالب زيادتها على الأغنياء لتمويل تحسين الخدمات العامة ورفع الحد الادنى للأجور. وانتهى الامر برفع الحد الاقصى للضريبة بواقع خمسة في المئة وصولا الى 25 في المئة، بينما تركزت المطالب على رفعها الى ما يتراوح بين 30 الى 35 في المئة.
وتنص التعديلات الأخيرة على قانون الضرائب أيضا على إلغاء الضريبة الاستثنائية التي عُرفت باسم ضريبة الأغنياء، والتي فُرضت في بداية العام المالي بواقع 5 في المئة على الدخل الذي يزيد عن مليون جنيه سنويا على ان تمتد لثلاث سنوات فقط. والمفارقة، أن كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي نفسها، كانت قد أشادت قبل أيام بالضريبة الملغاة، واعتبرتها خطوة على طريق تحقيق مصر للعدالة الضريبية، على نحو بدت معه الحكومة المصرية ملَكية أكثر من الملكة – لاغارد - التي تقود إحدى أبرز مؤسسات الليبرالية الجديدة الاقتصادية في العالم.

اتّجاه أصيل

لكن هذه المساعي الحثيثة لتكييف التشريعات لمصلحة الاستثمار الخاص وحده، ليست وليدة هذه الأيام الأخيرة قبل المؤتمر، بل كأنما كلل المؤتمر مسار النظام الاجتماعي الحالي الذي يمتد إلى بداية الفترة الانتقالية الثانية، منذ إطاحة محمد مرسي الذي شهد صدور أحد أكثر القوانين الاقتصادية إثارة للجدل، وهو قانون تحصين العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمر عبر قصر الحق في الطعن عليها على طرفي التعاقد فقط، وهو القانون الذي أنهى فعليا عدة سنوات من نضال عمال القطاع العام في ساحات القضاء لاستعادة وظائفهم التي فقدوها عبر عقود الخصخصة الفاسدة في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وتمتد الكلفة الاجتماعية لاستقدام رأس المال الأجنبي لتشمل "المشروعات المتعلقة بالصناعات البترولية وتوليد الكهرباء بالفحم، التي تحتل مكانة متقدمة في مشروعات الطاقة المعلن عنها بمناسبة المؤتمر"، حسبما يقول بيان للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية قبل أيام. "ونخشى أن تكون الرؤية التي تتبناها الدولة هي السعي السريع إلى الحصول على طاقة بأرخص الأسعار، مهملةً المحاور الأكثر تأثيراً على المدى الطويل في قضية الطاقة، مثل: ضمان السيادة الوطنية على مصادر الطاقة والاستدامة البيئية والاجتماعية. يأتي هذا التخوف في ضوء حقيقة أن الموقع الرسمي للمؤتمر قد أعلن عن النية في توليد 6 جيغاوات من الطاقة التي تعمل بالفحم، فضلًا على أن شركات الأسمنت تعمل في الوقت الحالي على التحول إلى تشغيل مصانعها بالفحم"، تبعا للبيان.
ولربما كانت هذه الكلفة ستبدو أقل وطأة لو كان أصحاب المصلحة الأصلاء من جموع الشعب المصري قد اتخذوا قراراً حراً بتحملها. إلا أن سلسلة التشريعات الاقتصادية تلك صدرت في غيبة برلمان منتخب، وفي غيبة حوار تفتحه الحكومة حولها إلا مع منظمات رجال الاعمال دونا عن أي طرف اجتماعي مناظر. وهو أمر يمتد ليشمل قرار كل القروض التي أعلن عنها في المؤتمر، في غيبة تصديق من ممثلي الشعب على شروطها، والتي وصل إجماليها الى 18.6 مليار دولار اتفاقيات لمشروعات ممولة، تبعا لإبراهيم محلب رئيس الوزراء، بـ "الإضافة إلى 5.2 مليارات دولار من صناديق ومؤسسات دولية كقروض مع وزارة التعاون الدولي" على حد قوله... وصولا الى "تأسيس عاصمة جديدة" أعلن عنها رسميا في المؤتمر، وجرى إسناد العمل في إنشائها بالامر المباشر لشركة إماراتية، بتكلفة تصل الى 45 مليار دولار!

 

للكاتب نفسه

تراجع الجنيه المصري

بيسان كساب 2015-11-26

"التسييس" هي التهمة التي تلاحق كل من يبدي قلقاً حيال تراجع سعر العملة الوطنية. يرى المدافِعون عن تراجع الجنيه أن خصومهم "شعبويون"، يسعون للمتاجرة بمصالح قطاعات واسعة من الأقل دخلاً...

قانون الخدمة المدنية في مصر

بيسان كساب 2015-10-01

"إحنا بتوع (ننتمي الى) 30 يونيو يا باشا"، قالها موظف خمسيني نصف ريفي موجهاً حديثه لـ "الباشا" - وهو اللقب الشعبي لضباط الشرطة - الذي وقف مع زملائه في حر...

مشروع قناة السويس الجديد

بيسان كساب 2015-08-13

 "هدية أم الدنيا للعالم" هو الشعار الذي يذيل اللافتات الدعائية للمشروع، من ضمن حملة واسعة النطاق عنوانها "مصر بتفرح"، وصولاً إلى سيل من الأغاني "الوطنية" اجتهد أصحابها في شحن الشعور...