نظام انتخابي "جديد" في الأردن؟

بماذا يفكر الأردني عندما يضع ورقته الانتخابية في صندوق الاقتراع؟ في الواقع، أول ما يفكر به هو الخدمات التي تُقدَّم له، من توظيف أو تأمين خدمات صغيرة، سيقوم بها النائب الذي اختار اسمه دوناً عن كل المرشحين، متجاهلاً أنه إنما يفترض به أنه ينتخب مجلساً تشريعياً تترتب عليه مهمة مراقبة السياسات وصياغة التشريعات بما "يحقق المصلحة العامة"، وأنه بمجرد اختياره للبرلمان، إنما يوكل مشرعين
2015-05-07

رانية الجعبري

قاصة وصحافية من الاردن


شارك
(من الانترنت)

بماذا يفكر الأردني عندما يضع ورقته الانتخابية في صندوق الاقتراع؟ في الواقع، أول ما يفكر به هو الخدمات التي تُقدَّم له، من توظيف أو تأمين خدمات صغيرة، سيقوم بها النائب الذي اختار اسمه دوناً عن كل المرشحين، متجاهلاً أنه إنما يفترض به أنه ينتخب مجلساً تشريعياً تترتب عليه مهمة مراقبة السياسات وصياغة التشريعات بما "يحقق المصلحة العامة"، وأنه بمجرد اختياره للبرلمان، إنما يوكل مشرعين ومراقبين للسياسات العليا. أحد أهم الأسباب في اتجاهات تفكير المواطن الأردني، الذي حوّل "نائب الوطن" إلى "نائب خدمات"، سنجد أن قانون الانتخاب منذ العام 1993 ولغاية اليوم ركز على الزاوية الخدماتية الضيقة وجعل المنتخِب أسيراً لمرشح العشيرة.
واليوم، تمسك حكومة عبد الله النسور بين يديها مشروع قانون انتخاب جديد، ليكون القانون الثالث خلال خمس سنوات. فهل سيعيد القانون الجديد اهتمام الأردنيين بالقضايا الوطنية بعيدا عن الخدمية، وسيعيد لمجلس النواب اعتباره، من "مجلس خدمات" إلى "مجلس شعب" بحق؟
 

النيات هي الأساس

ليس من حاجة إلى تسريبات حول شكل قانون الانتخاب القادم، يكفي البحث في نيات الأردن الرسمي حيال المعارضة الأردنية، والتي تتم ترجمتها إلى قوانين تحاصر المعارضة، ومتابعة أثر هذه القوانين على فئات الشعب والمجتمع، لإيجاد أبرز ملامح قانون الانتخاب القادم. لم يعرف المجتمع الأردني انقساما بين العائلات والعشائر بسبب قانون الانتخاب قبل قانون الصوت الواحد غير المتحول. فقبل 1993 كان بإمكان الأردني أن يختار ممثل عشيرته إلى جانب أي مرشح يقتنع في فكره، فثمة عدد أصوات متاحة له بقدر يساوي عدد المقاعد المخصصة لدائرته الانتخابية. وفي انتخابات العام 1989 (بعد عودة الحياة السياسية للأردن إثر فترة أحكام عرفية تزيد على الثلاثين عاماً)، تمكنت أحزاب المعارضة والإخوان من حصد 36 مقعداً في مجلس النواب، النصيب الأكبر منها كان للإخوان إذ حصدوا 24 مقعداً. وعدد المقاعد البرلمانية حينها كان 80 مقعداً، ما عنى أن الإخوان المسلمين بدأوا يشكلون قوة. وقد تمكنوا من استثمار حصار الحركات اليسارية والقومية في البلد فترة الأحكام العرفية، والسماح لهم بالعمل بحرية بصورة جيدة، فكان لهم حضور مهم وواسع في الشارع الأردني في ظل تنامي الفكر الديني منذ السبعينيات.
لكن هذا الحضور الإخواني لم يرق كثيراً على ما يبدو للنظام الأردني، على الرغم من التحالف الذي جمع الطرفين، فجاء قانون الصوت الواحد في عام 1993، والذي بموجبه لا يستطيع الأردني اختيار سوى مرشح واحد، ما أعاد العقلية القبلية للظهور بصورة أشد من السابق، فإذا تم تخيير الأردني بين المرشح الحزبي وابن عشيرته فسيختار الثاني حتماً.
وإن اعتبر محللون أن القانون من شأنه إضعاف حضور الحركة الإسلامية حتى لا تكون منافساً قوياً للسلطة السياسية. إلا أن الواقع يشير إلى أن عودة الحياة السياسية إلى البلاد منذ العام 1989، بما تتضمنه من انفتاح ديموقراطي كان يمكنها أن تتيح لأحزاب معارِضة أخرى العودة إلى التواصل مع الناس في ظل العمل العلني. فكان القانون وسيلة لحصار أحزاب المعارضة على اختلافها وإحياء النزعات العشائرية والفئوية والإقليمية على حساب النزعة الوطنية التي كان من الممكن ان تنمو في ظل قانون انتخاب يعتمد نظام القوائم النسبية، وهو طموح أحزاب المعارضة في البلد الذي لم يتحقق بعد. وعندما أصدرت حكومة سمير الرفاعي في العام 2010 قانون انتخاب جديدا، وجد الأردنيون أنفسهم أمام الإبقاء على قانون الصوت الواحد، إضافة إلى تفتيت جديد للدوائر الانتخابية، فكان ما يسمى بـ "الدوائر الوهمية" (الفكرة هي تقسيم الدائرة الى عدة دوائر صغيرة يفوز بكل منها شخص واحد، ما يتيح للسلطة التحكم بنتائج التصويت)، وكانت إحدى أبرز سلبيات نظام الدوائر الوهمية هدر أصوات الناخبين، ما يساهم في إيصال مرشحين لا يمثلون الشعب بصورة عادلة إلى البرلمان.

الربيع العربي..

في ظل موجة "الربيع العربي" مطلع العام 2011، خرج الأردنيون كسائر الشعوب العربية إلى الشارع، وكان أول ما تنبهوا إليه هو أنهم "مصدر السلطات"، وتنبه الفرد الأردني الى أنه جزء من الشعب، الذي يُعتبر وفقاً للنظام السياسي الأردني المكتوب "مصدر السلطات"، إذ يُقر الدستور الأردني أن نظام الحكم في البلاد هو "نيابي ملكي"، فالنيابي سابق للملكي. فطالب الشباب والمعارضة بكل المطالبات التي من شأنها أن تعيد للشعب سلطاته، وعلى رأسها كان "قانون الانتخاب"، و"قَبْر" الصوت الواحد لتنمية الحياة الحزبية والسياسية في البلد، والاستعاضة عنه بنظام القوائم النسبية. وعلى إيقاع ارتفاع وهبوط وتيرة هذا الحراك في البلاد والمنطقة، كان يرتفع التجاوب الرسمي مع المطالب أو ينخفض، من دون أن يغفل الأردن الرسمي مستجدات معركته مع الإخوان المسلمين التي بلغت أشدها يوم وصول الإخواني "مرسي" إلى سدّة الحكم في مصر.
وهكذا بدأ الحديث عن قانون انتخاب في العام 2012، وواجه رئيس الوزراء حينها، فايز الطراونة، آمال الأردنيين المتطلعة لنظام انتخاب ديموقراطي وعادل بأن نظام الصوت الواحد لم يُدفن. كان ذلك بالتزامن مع تراجع الإخوان في مصر. وفي ظل هذه المتغيرات، كان من الصعب على النظام الأردني أن يسمح للإخوان بالوصول إلى البرلمان، وخرج قانون العام 2012 لا يختلف كثيرا عن سابقيه، فما زال الصوت الواحد موجوداً، إضافة إلى استحداث "القائمة المغلقة" التي لم تحقق على أرض الواقع نتائج مرجوة كما تطمح أحزاب المعارضة، وكما يمكن لنظام القائمة النسبية تحقيقه.
 

القائمة النسبية

يعتقد مسؤولون أردنيون أن "القبضة الأمنية" هي الوسيلة الوحيدة لمجابهة الفكر المتطرف، لكن النظام الأردني يعلم جيداً ان مجريات العملية السياسية في البلد لها دور كبير في خطاب الفئات المجتمعية على اختلافها، وفي توجيهها نحو الفكر المعتدل. ولا يمكن عزل الشعب الأردني عن حالة التطرف الفكري الذي يعصف في الإقليم، فالمجتمع الأردني يميل بغالبيته للتدين وأحيانا بتطرف، وثمة أطياف متضامنة مع تنظيم الدولة الاسلامية ("داعش")، كما ظهر عند خروج أردنيين من مساجد في الزرقاء ومعان تأييداً له، بالإضافة الى ما تكشفه حوارات شائعة تعتقد أن مشاهد فيديو القتل التي يقترفها تنظيم داعش إنما هي افتراء عليه.
هذه العقلية تشكلت جراء خيبات سياسية أوصلت إلى نتيجة أن التقدم لا يمكن تحقيقه إلا بإنشاء الخلافة الإسلامية. ومن المستحيل مواجهة هذا الفكر إلا من خلال عملية سياسية تعيد الحياة للأحزاب الوطنية المعارضة، وتشعر المواطن أن له رأيا وقدرة على إحداث التقدم في بلده بدون اللجوء إلى العنف. وعلى رأس ذلك قانون انتخاب يفسح المجال للأحزاب الأردنية بتشكيل قوائم انتخابية، بناء على برامج حزبية، تتيح للأردني سماع دعاية انتخابية تقوم على فكر سياسي وتشريعي ورقابي، وليس بناء على الاستثمار في الفكر الديني أو بناء على المفهوم الخدماتي الضيق، لتصبح الأحزاب هي الملجأ للمواطن الأردني بدلا من التنظيمات الإرهابية. وتشير دراسة لمركز "هوية" الى أن 64 في المئة من الأردنيين لا يؤيدون حزباً سياسياً معينا، و83 في المئة منهم لا يشعرون ان لديهم معلومات كافية عن برامج الأحزاب لاتخاذ قرارات انتخابية مدروسة.
يدور في الأروقة السياسية ان القانون الجديد قد يريح الأردنيين من ثقل "نظام الصوت الواحد". لكن العبرة ليست في شطب الصوت الواحد، بل في نيات الأردن الرسمي. فهل هنالك نيات حقيقية بإحياء الحياة الحزبية؟ ما يجري على أرض الواقع يشير الى أن هذه النية لم تكتمل بعد او لم تصْف بعد – إن جاز التعبير – ومن يدري؟ فقد ننتهي من الصوت الواحد ونصطدم باختراع أردني جديد يحاصر الأحزاب المعارِضة في الأردن.

 

للكاتب نفسه